تطهير التاج - 1
ارتفعت أشعة الشمس البرتقالية كالتاج فوق القبة الضخمة للكاتدرائية الكبرى، معلنةً صباحًا جديدًا في دولة المدينة بيلتزا.
كان الهواء في الفجر باردًا ورطبًا بسبب الأمطار التي هطلت في الليلة الماضية. أسرع الموثّقون، الذين يحملون بين أذرعهم رزمًا من الورق والرقوق، والفنانون، الذين بدؤوا أعمالهم الجديدة، للبحث عن أماكنهم المعتادة.
امتزجت خطوات موظفي القصر الذين يرتدون أثوابًا حمراء أثناء ذهابهم إلى العمل مع الأطباء المتجهين إلى المستشفى، بينما بدا الحراس الذين أنهوا نوبة حراستهم الليلية متعبين وهم يتفرقون في الاتجاهات المختلفة.
أما السوق، فقد كان في ذروة نشاطه. صاح أحد الدعاة أمام الحمامات: “ماء ساخن! نظيف ودافئ منذ الفجر!”، بينما كانت امرأة تحمل سلة خضروات فوق رأسها تسرع بخطواتها.
في أحد أركان السوق، كانت ألسنة اللهب تتطاير من أفران الحدادين بصوتٍ صاخب، حيث يعمل الرجال العراة الصدور على تشكيل الحديد الساخن بقوة. كما كان بائعو الخبز والجبن ينادون لجذب الزبائن، بينما امتلأت إحدى زوايا السوق بالمارة، فقد اندلعت مشادة كلامية بين اثنين من الباعة وجذبت حشدًا كبيرًا من المتفرجين، مما تسبب في ازدحام خانق.
في خضم هذا الصخب، كان لورينتسيو، صانع الأحذية، وماريا، بائعة الكتب، يتشاجران على قطعة جلد ثمينة.
قالت ماريا بصوتٍ غاضب:
> “لورينتسيو، يمكنك استخدام جلدٍ آخر لصنع النعال! هذا الجلد ضروري للكتاب الذي طلبه زبوني!”
فأجاب لورينتسيو بسخرية:
> “وهل النعال يمكن أن تُصنع من أي جلد؟ وما أهمية جلد ثمين لكتابٍ لن يُقرأ أبدًا؟!”
تصاعدت حدّة النقاش بينهما، بينما وقف مساعد دباغة الجلود قرب عربة محملة بالجلود، وهو ينتظر بصبر أن تنتهي هذه المشاجرة المملة.
لكن لورينتسيو تجاوز الحدود عندما أهان كتب ماريا، واصفًا إياها بأنها “مجموعة من الروايات الساذجة عن الحب التي تُضلل الناس.” أثارت هذه الكلمات غضب النساء في السوق، وبدأن بالتهامس حول مدى غروره.
ردت ماريا بابتسامةٍ ثابتة، وقالت:
> “يا لورينتسيو، لو قرأت يومًا إحدى هذه القصص التي تسخر منها، وحاولت أن تتعلّم منها، لكنت رجلًا أفضل مما أنت عليه الآن.”
لم يستطع لورينتسيو كبح غضبه وصاح:
> “هل تعرفين لمن أصنع هذه النعال؟ إنها طلبية من السيدة أَدريانا، من عائلة دل برينتا النبيلة!”
ساد الصمت فجأة بين الحشود، ثم بدأت الهمسات تنتشر:
> “لورينتسيو يعمل على طلبية لعائلة دل برينتا؟!”
شعر لورينتسيو بالانتصار، فرفع رأسه بفخر، وقال بصوت عالٍ:
> “هذا أنا، لورينتسيو، الذي اختاروني لصنع هذه النعال!”
لكن ماريا لم تتراجع، بل أعلنت هي الأخرى بفخر:
> “وأنا أيضًا لدي طلبية خاصة من عائلة سوبوريني، العائلة التي اشتهر أحد أبنائها كقائد مرتزقة عظيم، وابنه الآن أصبح كاردينالًا.”
أثار ذلك حماسة الجماهير، مما جعل الجدال أشبه بعرض مسرحي ممتع.
أخيرًا، قررت ماريا إنهاء الخلاف بطريقة ذكية. قالت بابتسامة:
> “لورينتسيو، بما أنك أهدرت وقتي وأهانت كتبي، فلا بد أن أدفع مبلغًا إضافيًا للحصول على هذا الجلد.”
بعد أن دفعت ثمن الجلد، خرجت ماريا من السوق مرفوعة الرأس، بينما وقف لورينتسيو مذهولًا يبحث عن جلد أرخص لعربة النعال الخاصة به.
عاد السوق تدريجيًا إلى هدوئه بعد هذه المشاجرة المثيرة، وسط حشد من الأشخاص الذين بدأوا في التفرق.
ومن بين الحشود، كانت فتاة ترتدي رداءً بنيًا فضفاضًا تخفي به وجهها. نظراتها الحادة، ذات اللون الأزرق العميق كحجر اللازورد، كانت مليئة باليقظة والحذر.
مشت بخفة وأناقة، متجاهلة كل من حاول التحدث إليها، قبل أن تختفي عن الأنظار بصمت غامض.