تزوجت الرجل الذي قتل أخي - 1
“كُل هَذا مِن أجل إنقاذ أخي الصغير.”
أخذتُ نفسًا عميقًا بينما كنتُ أضغط على ذراعي المُرتَجفة بيدي الأخرى. رُغم أنْ النوافذ كانت مفتوحةً على مصراعيها، إلا أنْ القاعة كانت مغمورةً بحرارة أواخر الصيف.
الثُريا المُتألقة على السقف، والنُبلاء الذين يرتدون ملابسَ زاهيةٍ كأغلفة الحلوى تحت أضوائها.
بين صوت الآلات الموسيقية وضحكات الحضور، سُمع صوتٌ يناديني فجأة.
“روزالين.”
صوتٌ مألوفٌ اعتدتُ سماعه لفترةٍ طويلة.
اختفت الضحكات والهمهمات في لحظة، واتجهت أنظارُ الجميع نحو مصدر الصوت.
هُناك، وقف رجلٌ بجمالٍ شيطاني يحملُ اسمًا يُثيرُ الرُعب.
ولي العهد، داميان فرير لايراس.
شعرهُ الأسود الداكن، كأنهُ جناح غراب، مُسرحٌ بشكلٍ خفيفٍ إلى الخلف، وعيناهُ البنفسجيتان الواضحتان تحتَ أهدابهِ الكثيفة كانت تُركزان عليّ مُباشرةً.
رفعَ زاوية شفتيهِ الحمراء الجذابة بابتسامةٍ خفيفة، ومدَّ يدهُ نحوي.
عندما وضعتُ يدي فوق يدهِ، تداخلت أصابعُنا برفقٍ، وكأنها تنتمي لبعضها.
للوهلة الأولى، قد يبدو هَذا مشهدًا جميلاً لزوجين مُنسجمين، لكن…
“أوه…”
حاولتُ تحمل الألم الذي انتشرَ بهدوءٍ عبر أصابعي، ورفعتُ رأسي لأراهُ يبتسم لي ببهجةٍ.
بينما تحركت يدهُ لتلتف حول خصري، بدأت فرقة الأوركسترا تعزفُ ألحانها.
وسط الضجيج الذي عاد للقاعة وكأنْ الساعة التي توقفت قد بدأت تَدُق مِن جديد، قلتُ لنفسي:
“هَذا الرجل سيقتلُ أخي في المُستقبل.”
واليوم، قد تزوجتُه لمنعهِ مِن ذَلك.
***
هل يُمكن أنْ أقول إنني قد عُدت إلى الحياة؟
بينما كنتُ أسقطُ مِن السلالم، أدركتُ فجأةً أنني داخل رواية.
عندما أتجهت عيناي التي كانت موجهةً نحو أسفل السُلم إلى السقف فجأةً، مرت ذكرياتُ حياتي أمام عينيّ كما يصفونها عادةً.
سمعتُ صوتَ جسدي وهو يصطدمُ بالأرض، لكن الصدمةُ النفسية كانت أقوى بكثيرٍ لدرجة أنني لَمْ أشعر بالألم.
وكأنْ روحي قد انفصلت عن جسدي وذهبتُ إلى مكانٍ آخر، إذ إنْ المشهد أمامي لَمْ يكُن منزلنا.
مبنى زُجاجيٌ شاهق يظهرُ فيهِ انعكاس امرأةٍ ذاتُ شعرٍ أسود…
أصوات الصراخ التي بدت بعيدةً، وأحاسيسٌ غريبة ليست جزءًا مِن ذكرياتي.
جهازٌ صغير مُستطيل، ما يُسمى بالهاتف المحمول، يُظهر ضوءًا ساطعًا ونصًا أسود اللون.
_لقد أصبحتُ القديسةً في عالمٍ مًدمر_
في ذَلك العالم، كنتُ مهووسةً برواية.
روايةٌ تنتهي بنهايةٍ مأساوية، حيثُ تفوز البطلة اليتيمة التي اصبحت قديسةً بمعركةٍ ضد الوحوش، لكنها تُطعنُ في الظهر في اللحظة الأخيرة على يد الأمير ولي العهد الذي لفّق تهمة خيانة وقتلها.
رُغم النهاية المأساوية، إلا أنْ المشهد الذي كانت تُمسك فيه البطلة والبطل بأيدي بعضِهما أثناء إنقاذ العالم كان مؤثرًا لدرجة أنني ظللتُ أقرأها حتى تورمت عيناي مِن البُكاء.
لكن المُشكلة…
أنا الآن الأخت الكبرى للبطل.
وقد تزوجتُ بالفعل مِن الأمير ولي العهد القاتل.
وفي منتصف الرواية، ينتهي بي المطاف إلى مصيرٍ مجهولٍ بعد سقوط أسرتنا بسبب موت ثيو.
“هل هَذا معقول…؟”
حتى الآن، كنتُ أعيشُ حياةً مُترفة.
بصفتي الابنة الوحيدة لعائلة دوقيةٍ عظيمة، كنتُ أحصل على كُل ما أريده.
كانت علاقتي مع أخي جيدة، وكنتُ على علاقةٍ طيبةٍ بالبطلة الأصلية للرواية، إستل.
عائلتُنا كانت الداعمة الأساسية للميتم الذي كانت تعيشُ فيه.
بشعرها الفضي المُلفت للنظر وعينيها الذهبية التي تلمعُ بلطف، كانت إستل تمنحُ طعامها لإخوتها الأصغر منها رُغم جوعها، وتستمعُ باهتمامٍ لكل مَن يُحدثها، حتى الأطفال الذين كانوا يتشاجرون أمامها كانوا يهدؤون في حضورها.
بفضل ذَلك، تلقيت الكثير مِن المُساعدة عندما ذهبت للتطوع في الميتم، وأصبحنا قريبين بشكلٍ طبيعي. إستل لَمْ تشعر بأي عقدة نقص، ولَمْ تكُن مُتذللة.
كانت تلكَ الفتاة، التي كانت تقفُ مُنتصبةً وتبتسم، تبدو وكأنْها زهرةُ زنابقٍ في الحقل.
“هي مُميزة.”
حتى والدي لَمْ يرغب في أنْ يتم تبنى إستل كابنةٍ لعمنا. في البداية، كان عمُنا يشعرُ بعدم الارتياح، ولكن عندما رآها شخصيًا، أومأ برأسهِ موافقًا.
“الآن فهمتُ لماذا. لأنها كانت البطلة.”
مع هَذهِ الفكرة، فقدتُ الوعيّ فجأةً تحت صدمة كبيرة.
***
عندما استعدتُ وعيي، رأيتُ سقفًا مألوفًا.
كنتُ في غرفتي، على سريري. كان جسدي لا يزالً يؤلمني.
“لحُسن الحظ، بفضل السجادة، لَمْ يكُن هُناك ضررٌ كبيرٌ.”
عندما التفتُ نحو الصوت، التقت عيناي بعيني الطبيب. وضع الطبيبُ نظارته أحادية العدسة في جيب سترتهِ.
“ولكن، لا يزالُ مِن الأفضل أنْ تظل مُستلقيةً اليوم.”
بينما كان الطبيب المُعالج يُذكرني بتعليماتهِ، سمعتُ صوتًا آخر داخل الغرفة.
“لحُسن الحظ! هل رأيتِ كيف تدحرجتِ وسقطتِ؟ كنتُ متفاجئًا حقًا!”
كان ثيو، بطل الرواية، يبتسمُ وهو يركضُ نحوي. لَمْ أكُن أعرف إذا كان سعيدًا لأنني لَمْ أصب بأذى، أم أنهُ كان يمزح.
“اهممم.”
تنحنح الطبيب. لكن ثيو لَمْ يهتم وواصل حديثهُ.
“كيف يُمكنكِ السقوط بِهَذهِ الطريقة؟ كانت السجادة تتحركُ كما لو كانت أفعى! حتى فرقة السيرك لا يُمكنها إعادة تمثيل ذَلك!”
رغم أنني كنتُ أبدو بخير، هل كان مِن المُناسب قول ذَلك لشخصٍ قد سقط للتو مِن السلالم؟ في الظروف العادية، كنتُ لأرد عليهِ بحدةٍ، ولكنني لَمْ أكُن أملك الطاقة لذَلك.
على ما يبدو، كان يشعرُ هو أيضًا بالدهشة وكان يُحاول تخفيف الموقف. لذا، بدلاً مِن الرد عليه، سألتُ عن مكان إستل.
“…إستل، أين هي؟”
“في غرفة الاستقبال.”
“لماذا؟”
“لقد كانت مُتفاجئةً أيضًا. لكنها أصرت على البقاء بجانبكِ، ولكن أعتقدُ أنه مِن الأفضل تهدئتُها أولًا.”
شعرتُ بمزيجٍ مِن الأسف والارتياح في نفس الوقت.
إذا كنتُ قد رأيت إستل في حالتي هَذهِ، لما كنتُ قادرةً على الترحيب بها كما يجب.
لذا، تجنبتُ النظر إلى ثيو وأشرتُ بيدي فقط.
“حسنًا. الآن، رأسي يؤلمني، لذا اخرج. فقط اطلب مِن الخادمة أنْ تأتي.”
“ماذا؟ هل أصبتِ في رأسكِ؟”
قد يبدو صوتهُ كأنهُ يتساءل بسخريةٍ، لكن كان هُناك قدرٌ مِن القلق يلوح في صوتهِ.
هززتُ رأسي ودخلتُ تحتَ الأغطية.
وكانت رائحةُ الغبار تزدادُ كثافةً.
مضى ثيو وهو يتذمرُ قليلاً، ثم خرج مِن الغرفة.
بعد أنْ أغلق الباب، أخذتُ نفسًا عميقًا.
“هاه…”
هل يُمكنني أنْ أعتبر هَذا مُجرد حُلمٍ غريب؟ كانت تلكَ الذكريات دقيقةً للغاية.
إستل هي القديسة؟
“في الرواية الأصلية، تتمثل صفات القديسة في الشفاء، تطهيّر الأراضي المُلوثة، وطردُ الوحوش. ولكن لَمْ أسمع أبدًا عن إستل وهي تَشفي أحدًا.”
جلستُ بهدوءٍ لأعيد ترتيب أفكاري، لكن بِما أنني استعدتُ وعيي للتو بعد الإغماء، كان مِن الصعب عليَّ تنظيمُ أفكاري.
“أنا أيضًا لَمْ أصبح بعد زوجة ولي العهد، بل خطيبتَهُ… إذًا، متى سـ تُصبح إستل قديسة؟”
بينما كنتُ مستلقيةً على السرير الناعم، بدأت الآلام تخفُ تدريجيًا. وأعدتُ التفكير في أحداث القصة.
حاليًا، كان القارة تتوزع فيها الإمبراطوريات الأربعة في الاتجاهات الأربع: الشمال، الجنوب، الشرق، والغرب. وفي المركز، كان هُناك “أرض الموت”.
كانت عاصمة إمبراطورية السحر العظيمة في الماضي، ولا يزال هُناك الكثير مٍن الكنوز والآثار التي لَمْ تُكتشف بعد.
كانت بحق أرضًا ذهبية، مُحاطةً بسلاسل جبال ضخمةٍ وحادة، مِما جعلها حصنًا طبيعيًا.
وكانت هَذهِ الأرض قد تسببت في تقليل التبادُل بين إمبراطوريات الشرق والغرب، والشمال والجنوب، حيثُ كانت جميع الإمبراطوريات الأربع تضيع مواردها في محاربة الوحوش.
وكان القضاء على الوحوش مُستحيلًا. على الرغم مِن أنْ الإمبراطوريات الأربع شكّلت تحالفاتٍ لعدة مرات لمُهاجمة الوحوش، إلا أنْ أحدًا لَمْ يرجع أبدًا.
وكان عددُ الوحوش التي تُهاجم مثل أسراب النمل، بلا نهاية.
وفي مثل هَذهِ الظروف، إذا تم تطهيرُ أرض الموت…
مَن ذا الذي لا يطمعُ فيها؟
“لهَذا السبب، كان وجود إستل محط طمعٍ لجميع الإمبراطوريات.”
السبب وراء قتل ثيو وإستل في الرواية الأصلية كان واحدًا: الخيانة.
رغم أنهُ لَمْ يكُن لديهما أيُ نيةٍ للخيانة، إلا أنْ ظهور دوقٍ وقديسةٍ كان يُشكل تهديدًا كبيرًا للإمبراطورية الحالية.
وفي الواقع، بعد انتهاء جميع الحروب، عندما ذهب داميـان، ولي العهد، إلى أرض الموت، قال لثيو وإستل اللذين كانا يحتضران:
<سأقول للعالم إنكُما قد مُتّما بشرفٍ في أرض الموت.>
عند التفكير في ذَلك، مِن المُحتمل أنْ داميـان كان هو مَن قام بتطهير أرض الموت في القصة الأصلية.
لكن هل كان مِن الضروري قتلُهما؟
لَمْ يكُن مِن الأفضل استغلال علاقتكَ مع عائلتهما، ودمج سمعة عائلتهم مع سمعة العائلة الإمبراطورية؟
“داميـان.”
داميـان فرير لايراس. المعروف بولي العهد.
خطيبي.
شعرهُ الأسود الداكن كريش الغراب، وعيناه البنفسجيتان اللتان لا تكشفان عن أي نية حقيقية.
شخصيًا أو سياسيًا، لَمْ يكُن لديّ سببٌ لأن أصبح زوجة ولي العهد.
لَمْ تكُن هُناك أيُّ روابط بيني وبين داميـان، وكان الزاوج بين عائلتن وعائلة الدوق فقط يهدُف إلى تعزيز العلاقات، بما أنْ عائلة الدوق كانت بالفعل جزءًا مِن مؤيدي الإمبراطور.
ومع ذَلك، أرسل لي داميـان طلب الزواج.
هو ليس شخصًا لا يعرفُ أنْ تركيز السلطة في مكانٍ واحد يُمكن أنْ يكون خطيرًا.
“بصراحة، لا أعتقدُ بأنه يهتمُ بي على الإطلاق.”
كلما التقيتُه، كان يبتسم فقط دوّن طرح أيِّ أسئلة أو حديث، مِما جعلني أشعرُ بالتوتر. لَمْ أفهم أبدًا ما الذي كان يُفكر فيه، وكلما التقينا كان التوتر يتراكم.
كان أفراد القصر الإمبراطوري دائمًا يراقبوننا، لذا لَمْ يكُن بإمكاني السكوت أو إخفاء أيِّ شيء.
في كل مرةٍ كنتُ ألتقيه بها، كان هُناك دائمًا شخصان أو أكثر معه.
وفي تلكَ الأجواء المليئة بالضغط، كنتُ أمسك بكوب الشاي وأبدأ في الحديث عن المواضيع التي قد تُفرحه.
لكن لَمْ أستطع التحدُث عن ثيو أو إستل.
في كل مرة، كان يُعبر عن استياءه بشكلٍ غيرِ مُباشر.
وعندما كنتُ أعود إلى المنزل، لا أتذكر أيَّ شيءٍ عن ذَلك الحديث، وكان شكلُ الكوب يبقى مطبوعًا على كفي.
“إذا كان الأمر هَكذا، كنتُ دائمًا أتساءل لماذا اختارني.”
لكن الآن، بعدما قتل داميـان ثيو وإستل، لماذا فعل ذَلك؟
هل كان يهدُف إلى مراقبة عائلتنا؟
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》