تحملتُ عواقب أفعال والدتي المُتجسدة - 23
كان سيدريك يراقب إستيل، التي كانت تحاول بشتى الطرق التهرب من الواقع الذي تواجهه، بصمت. بالنسبة لسيدريك، الذي كان قائد فرسان الهيكل في المعبد حتى وقت قريب، كانت الأوامر التي تلقاها غير معقولة. لم تكن امرأة عادية عاشت حياة بسيطة لتتقبل هذا النوع من الوصايا بهدوء. عبس قليلًا وهو يفكر
لماذا أصدروا مثل هذا الأمر في المقام الأول؟
رغم تدمير دائرة سحرية واحدة، لا تزال الدوائر الأربع الأخرى سليمة. وكما قالت إستيل، إذا لم تمس الدوائر المتبقية، فسيستمر السلام القائم. فلماذا يثيرون المشاكل بلا سبب؟
خفض سيدريك نظره نحو الرسالة التي يحملها، وتجمد تعبير وجهه. بينما كان يمسح ذقنه بتوتر، همس
“تابعي القراءة.”
ما الذي يمكن أن يكون مكتوبًا الآن؟
خفضت نظرها إلى الرسالة، وتصلبت.
ملحوظة: هل تشتكين الآن وتسألين لماذا يجب عليك فعل ذلك؟
الأمر بسيط. إن لم تقومي بهذه المهمة، سيفنى العالم خلال خمسة أشهر.
وفي عالم ينهار، لن تنجحي في النجاة وحدك.
لذا، إذا كنتِ تريدين الحفاظ على حياتك، عليكِ المحاولة.
اقتلي الشيطان.
لأنكِ الوحيدة القادرة على ذلك.”
انتهت الرسالة أخيرًا. كانت عينا إستيل الذهبية تدوران بارتباك. لماذا تتحول كل مشكلة فجأة إلى مسؤوليتها؟
سألت وهي في حالة صدمة
“لقد كنت يتيمة طوال حياتي، لذا لا أعرف… لكن، هل الآباء دائمًا هكذا… عديمو الفائدة؟”
رد سيدريك محاولًا التوضيح
“لكن الساحرة الكبرى قدمت المساعدة للكثيرين على مر السنين…”
قاطعت حديثه بغضب
“إذن لماذا تعامل ابنتها بهذه الطريقة؟!”
وقف الاثنان في حيرة، ينظران إلى الفراغ. كانت سلسلة الأحداث غريبة بالفعل، والآن يعرفان أن العالم سينهار خلال خمسة أشهر؟
تلعثمت إستيل، وقد شحب وجهها
“لا أستطيع فعل ذلك.”
“اهدئي أولًا.”
“كيف يمكنني أن أهدأ؟ كيف؟!”
وفجأة، أمسكت بقوة بقميص سيدريك، وبدأت تهزه بشدة. لكنه كان قويًا جدًا بحيث لم يتحرك حتى. أمسك بكتفيها بحزم لإيقافها وقال بثبات
“اهدئي.”
في تلك اللحظة، تدفقت دمعة على خدها الأبيض. تجمد سيدريك في مكانه. لماذا تبكي؟ هل أمسكت بها بقوة؟
أبعد يديه عنها بسرعة، محاولًا أن يبدو طبيعيًا، لكنه شعر بأن قلبه يغرق وكأن أحدًا ألقى به من منحدر.
رغم إدراكه أنه تصرف غير لائق، لم يستطع سوى التحديق في وجهها الباكي بذهول. هل فقدت صوابي؟ لماذا أشعر هكذا؟
أما إستيل، التي كانت غارقة في الغضب، فلم تلاحظ تغير تعابير وجهه.
“اهدئي؟ عن أي تهدئة يتحدث؟ هذا أشبه بأن يطلب مني الموت عبثًا، ثم يطلب مني أن أهدأ.”
قضمت شفتيها بإحكام بينما بدأت دموعها تسيل. لكن سيدريك وقف هناك متجمدًا، غير قادر على مسح دموعها أو مواساتها. وفي النهاية، مسحت دموعها بعنف باستخدام كمها، وجلست على الأرض منهارة.
“أن أضحي بنفسي لإنقاذ العالم؟ أي نوع من الإكراه هذا؟ بعد أن محوا ذكريات طفولتي، يطلبون مني فجأة هزيمة شيطان؟ كيف يختلف هذا عن حكم إعدام كانوا ينوون تنفيذه في المعبد؟”
هزت رأسها بإصرار، وشفتاها مشدودتان بعناد.
“لن أفعلها! أفضل أن أبقى دون فعل أي شيء حتى نموت جميعًا معًا في نفس الوقت! آه، لماذا دائمًا أكون وحدي في اللحظات الحاسمة؟ إنه حقًا ظلم! عندما أحتاج إلى المساعدة أكثر من أي وقت، لا يكون هناك أحد بجانبي. وحتى النهاية، ربما سأظل وحدي―”
“أنتِ لستِ وحدكِ.”
رفعت إستيل رأسها ببطء، وعيناها الحمراء من البكاء متسعتان من الصدمة، وهي تحدق فيه. لم تتوقع أن ترى سيدريك، راكعًا على إحدى ركبتيه، حتى يتمكن من النظر في عينيها مباشرة. تجمدت مكانها من الدهشة.
“ماذا… ماذا قلت؟”
ما الذي يقوله هذا الرجل الآن؟
على الجانب الآخر، كان سيدريك نفسه مذهولًا. للمرة الأولى، لم تخرج كلماته من تفكير عقلي بل من إحساس قلبه. حاول جاهداً إخفاء ارتباكه واستعادة رباطة جأشه بينما يبرر سبب اندفاعه.
“أنا من أحضرتكِ إلى المعبد، ومن ساعدكِ على الهروب، ومن جلبكِ إلى منزلي. هذا يعني أنكِ تحت مسؤوليتي.”
“ماذا؟”
“لذلك…”
“لا تبكي.”
لكن تلك الكلمات بدت غريبة وغير ملائمة، فقام سيدريك بكبحها قبل أن تخرج. وبينما كان ينظر إلى خديها المغطى بالدموع، مد يده بعفوية ومسح تلك الدموع بطرف أصابعه، قائلاً
“لذلك سأساعدكِ.”
“ماذا…”
“لأن هذا هو واجبي.”
كان دفء دموعها على أصابعه يشتعل كالنار، وقلبه بدأ ينبض بعنف غير مفهوم. أدرك فجأة أنه كان متوترًا، بل خائفًا من احتمال رفضها لمساعدته. لكن لماذا؟
“هل أنت جاد؟ حتى في موقف كهذا؟”
“نعم.”
ظلت إستيل تحدق فيه بصمت لبعض الوقت، وعيناها الذهبية تلمعان بمشاعر مختلطة. كانت تبدو مذهولة، كأنها لم تتوقع كلماته على الإطلاق.
في تلك اللحظة، تذكر سيدريك تعبيرها عندما تم الترحيب بها كابنة الساحرة العظيمه من قبل والديه. وبينما حاولت التصرف بخفة وإظهار الحنان، كان هناك شعور بالوحدة يظهر على وجهها. ما الذي تخفيه؟ وما الذي يعنيه هذا التعبير الذي تظهره الآن؟
“رغم أن الوقت ليس وفيرًا، إلا أننا نملك متسعًا للتفكير. الساحرة العظيمه لم تكن لتترككِ وحدكِ دون تجهيز أي شيء. دعينا نبحث معًا عن الحل.”
عندما لفظ كلمة “معًا”، شعر بالتوتر مجددًا، وتساءل إذا كان يجب عليه التراجع الآن إذا أزعجها. ماذا يمكنني أن أقول بعد ذلك؟
لكن إستيل ابتسمت فجأة. كانت ابتسامة خفيفة، لكنها جعلت سيدريك يشعر بارتباك غريب. لماذا تجعلني هذه الابتسامة أشعر بهذه الطريقة؟ ولماذا أشعر بالحرارة في وجنتي؟
لم تكن تعلم ما يدور في داخله، اقتربت منه فجأة وعانقته بحماس.
“آه، أشعر براحة كبيرة الآن!”
احتاج سيدريك لحظة لإدراك أنها عانقته. جسمها الناعم والرقيق لامس قميصه، مما جعله يشعر بارتباك غريب.
“لماذا… لماذا تفعلين هذا؟”
تساءل كيف يمكنه دفعها بعيدًا دون إيذائها، لكنه تجمد تمامًا. قبل أن تزعجه كثيرًا، انسحبت إستيل بسرعة، مبتسمة بسعادة.
“حقًا؟ أنت تَعِد بأن تكون بجانبي، أليس كذلك؟”
هذا غريب… غريب للغاية. بدا كأن هناك هالة من الضوء حولها، مما جعله يشعر أنها مختلفة تمامًا. هل هذا سحر؟
بعد لحظة من التردد، أومأ برأسه ببطء.
“نعم، لأن هذا واجبي.”
“حسنًا إذن…”
“سأساعدكِ في التفكير في الخطوة التالية.”
حاول سيدريك إقناع نفسه بأن الأمر مجرد مسؤولية عادية. كيف يمكنني تركها تواجه العالم وحدها؟ لقد أحضرتها هنا، لذا من واجبي أن أساعدها.
أما إستيل، فكانت تفكر بكلماته، بينما بدأت تعود إلى طبيعتها النشيطة. مسؤولية؟ إذن هو قرر أن يكون نوعًا من حامي لي؟
ضحكت بخفة وقالت
“مسؤولية، مسؤولية… يا له من كلام رسمي!”
“هل تريدين ان اتراجع؟”
“كلا، لا تحاول تغيير كلامك.”
تحدث سيدريك بنبرة بدت محرجة، فيما نظرت إليه إستيل بجدية ثابتة، وعيناها مثبتتان عليه. شعرت كأن العقدة التي كانت تشد شعرها قد انفكت، مما أرخى الجسد الذي تجمد من الخوف.
في اللحظة التي تحدث فيها سيدريك عن المسؤولية، تحولت الثقة الهشة التي كانت تتأرجح في قلبها تمامًا لصالحه. نظرت إلى سيدريك بتمعن، متفحصةً عينيه، وأنفه البارز، وخديه، وذقنه، ثم عضت شفتيها بحزم.
“لنثق به.”
تذكرت كلماته فور أن أنقذها من المعبد
“حتى في ذلك الوقت، لم أعتقد أن التضحية بالقلة من أجل مصلحة الكثرة أمر صائب.”
سيدريك إيرنست رجل يتخذ قراراته وفقًا لمبادئه. لقد أنقذها لأنه لا يؤمن بصحة التضحية بالقلة من أجل الكثرة. والآن، يصر على مشاركتها العبء لأنه يرى أن تحمل المسؤولية وحدها أمر غير عادل. على الرغم من أن النبوءة مزعجة قليلًا…
‘الزواج الآن؟ هل هذا الأمر مهم أصلًا؟’
الثقة في من مد لها يده، كان هذا الأمر هو الأهم بالنسبة لإستيل في تلك اللحظة.
لكن في خضم كل هذا، فكرت: إذًا، ماذا سيكون هذا الرجل بالنسبة لي الآن؟ أول كلمة خطرت ببالها كانت…
‘لماذا تسألين؟ أليس من الطبيعي أن أهتم به، وهو صهري المستقبلي؟’
‘لا! هذا ليس صحيحًا!’
وبينما بدأت كلمة “زوج” تتشكل كسحابة في ذهنها، أزاحتها إستيل بسرعة من مخيلتها. تغيرت تعابير وجهها إلى تعبير أكثر إشراقًا بعد أن وجدت وصفًا آخر مناسبًا.
“إذًا، نحن في نفس الفريق!”
“ماذا؟”
تفاجأ سيدريك الذي بدا مرتبكًا، وقد قطب جبينه قليلاً. لم تفهم إستيل انزعاجه، فابتسمت بخفة ورسمت حدودًا واضحة وهي تراقب تعابيره.
“لا، المسؤولية المبالغ فيها ليست منطقية. هذا شيء يُقال عادةً في حفلات الزفاف…”
“هل جننتِ؟”
تحدث سيدريك، غير مدرك لنبرته الغاضبة، بينما أسدل عينيه بهدوء. ‘اللعنة، لماذا يتحول الجو دائمًا إلى هذا الشكل؟’
كان سيدريك يحاول ترتيب أفكاره عندما لفت شيءٌ ما انتباهه خارج النافذة.
“ما هذا؟”
“ما الأمر؟ ماذا هناك؟”
تسمرت عيناه الزرقاوان باتساعهما كما لو كان لا يصدق ما يراه. اقتربت إستيل بحذر نحو النافذة لتكتشف السبب.
في البداية، لم تتمكن من رؤية شيء، واضطرت للانتظار حتى تتكيف عيناها مع الظلام. “ما الذي يجري؟ ما الذي يراه؟” تساءلت في نفسها بصوت منخفض. لكنها فجأة اتسعت عيناها.
في المسافة البعيدة، كان هناك فارس يحمل راية أرجوانية مطرزة بأسد ذهبي، وهو يركض بجنون على ظهر حصانه.
تمتم سيدريك بصوت منخفض وبنبرة قلقة “يبدو أن القصر الإمبراطوري قد أرسل أحدًا.”
“ماذا؟!”
~ ترجمة سول✨💞.