تحملتُ عواقب أفعال والدتي المُتجسدة - 18
“أمي…”
تفاجأ سيدريك بدموع والدته، فتجمد مكانه دون أن يتمكن من فعل أي شيء. كان يتوقع أن تصدمها رؤية إستيل وأن تكون سعيدة، لكن لم يكن يتوقع أن تكون ردة فعلها بهذه الحدة.
“ما العمل الآن؟ كيف أتصرف؟”
في تلك اللحظة، اقتربت إستيل خطوة نحو إيزابيلا، التي كانت تعض شفتيها بقوة في محاولة لكبح دموعها.
قالت إستيل بابتسامة مشرقة
“لا بأس إن أردتِ عناقي أكثر!”
“ماذا؟”
“أو، هل أعانقك أنا؟”
ثم اقتربت بسرعة واحتضنت إيزابيلا بإحكام. لم تستطع إيزابيلا كبح دموعها أكثر، فبدأت تبكي بحرقة بينما دفنت وجهها في كتف إستيل.
كانت دموعها مزيجًا من الحنين العميق لصديقتها الراحلة والفرحة العارمة بلقاء شخص يشبهها إلى حد كبير، إلى جانب مشاعر أخرى معقدة.
وفي تلك اللحظة، دخل الدوق إرنيست متسائلًا بدهشة
“ما الذي يحدث هنا؟”
سيدريك، الذي كان يراقب المشهد مذهولًا، انتفض عند سماع صوت والده.
كان من الصعب عليه أن يبعد عينيه عن إستيل وهي تمسح دموع إيزابيلا بلطف وتبتسم لها، لكنه أجبر نفسه على الالتفات إلى والده.
أجاب سيدريك بهدوء، محاولًا إخفاء ارتباكه
“لقد وجدنا ابنة الساحرة العظيمة، ويبدو أن والدتي تأثرت كثيرًا بالأمر.”
قال ميخائيل بدهشة
“ماذا؟ ابنة من؟”
كانت عيناه، التي عادة ما تعكس برودًا صارمًا، قد احمرتا فجأة.
“ابنة إلين؟”
دون أن يعير أي اهتمام لابنه، اقترب ميخائيل على عجل من إستيل وإيزابيلا.
عندما رأى وجه إستيل تحت شعرها الفضي اللامع، امتلأت عيناه بدفء غير مألوف.
تفاجأ سيدريك بشدة من ردة فعل والده، وكاد أن يصاب بالفواق. “والدي؟ ليس هذا من طبيعته أبدًا!”
قال ميخائيل بصوت عميق بينما ينظر إلى إستيل
“هل أنتِ إستيل؟”
رغم الموقف المفاجئ والمليء بالمشاعر، ردت إستيل بابتسامة واسعة وبتلقائية
“أجل، أنا هي إستيل!”
ضحك ميخائيل بخفة وقال
“لم أتوقع أن أرى هذا اليوم.”
قالت إيزابيلا بصوت مفعم بالعاطفة
“ميخائيل، انظر إليها! إنها نسخة طبق الأصل من إلين أيام دراستنا في الأكاديمية!”
وفي حين كانت إيزابيلا تبكي من جديد، وميخائيل ينظر إلى إستيل بفرح واضح، تساءل سيدريك في داخله
“من هو الابن الحقيقي هنا؟ هل تملك هذه الفتاة قدرة سحرية على جعل كل من تلتقيه يبكي؟”
استغرق الأمر وقتًا طويلًا لتهدئة المشهد. وبعد أن بكت إيزابيلا حتى انتفخت وجنتاها، قامت لتغسل وجهها، ورافقها ميخائيل ليساعدها.
قالت وهي تمسح دموعها
“سأعود سريعًا. سنتحدث على مائدة الطعام؛ لدي الكثير من الأسئلة.”
ردت إستيل بابتسامة مشرقة
“حسنًا، سأنتظركم.”
بينما غادرت، سأل ميخائيل إستيل بلطف
“هل هناك طعام معين تفضلينه؟ سأطلب من الطاهي تحضيره.”
ردت إستيل بحماس
“آه، إن كان ممكنًا، أود تناول طبق سمك، من فضلك!”
“أرى أنك تعرفين تمامًا ما تفضلين في الطعام، وهذا أمر رائع!”
ضحكت إستيل قائلة
“هاهاها، شكرًا جزيلاً!”
تجمد سيدريك في مكانه وفتح فمه بدهشة. أليس من الطبيعي أن تقول في مثل هذه المواقف “أي شيء سيكون جيدًا”؟
بالإضافة إلى التصرف الغريب لوالديه، الذين بدوا وكأنهم يعاملون إستيل وكأنها كنز لا يُقدّر بثمن، كان أكثر ما يثير دهشته هو إستيل نفسها. كيف لشخص عاش كإنسانة عادية أن يتعامل مع دوق وزوجته بهذه الثقة؟ ألا تشعر بأي ضغط؟
لكنه سرعان ما حصل على إجابة لتساؤلاته عندما أغلق باب غرفة الاستقبال خلف والديه. بمجرد مغادرتهما، انهارت إستيل على الأرض وهي تصرخ بوجه شاحب
“لماذا يحبونني بهذا الشكل؟!”
رد سيدريك بهدوء
“أنا أيضًا أتساءل عن نفس الشيء.”
شعر سيدريك بالارتياح قليلًا لرؤية ارتباكها، وكأن ذلك أكد له أنه ليس الوحيد الذي يجد الموقف غريبًا.
قالت إستيل وهي تحاول فهم ما يحدث
“ما القصة؟ هل كانوا مقربين جدًا من والدتي؟”
أجاب سيدريك
“لقد عرفوها منذ وقت طويل. كانوا أصدقاء منذ أيام الأكاديمية. إذا كانت الساحرة العظيمة لا تزال على قيد الحياة، لكانت صداقتهم تجاوزت 30 عامًا.”
تنهدت إستيل بتعب وقالت
“30 عامًا من الصداقة؟ يبدو أن شخصياتهم كانت رائعة ليتمكنوا من تحملها كل هذه المدة…”
سألها سيدريك
“ما الذي تعنينه؟”
أدركت إستيل أنها على وشك قول شيء قد يُعتبر مهينًا لوالدتها الراحلة، فابتلعت كلماتها وأجابت
“لا شيء… مجرد تفكير.”
نهضت إستيل من الأرض وهي تسند نفسها على الطاولة، ثم نظرت إلى سيدريك مباشرة وقالت
“إذن، ما خطتك الآن؟”
رفع حاجبه وكأنه لم يفهم سؤالها. جلست إستيل على طرف الطاولة وقالت
“أليس من المفترض أنني مطاردة من قِبل المعبد؟”
أجابها سيدريك بهدوء
“هذا صحيح.”
كانت إستيل مرتبكة من ردة فعله الهادئة، فقالت
“إذًا… هل سنتوقف عن الهرب ونعيش هنا؟”
“لماذا نهرب؟ لم نرتكب أي خطأ.”
شعرت إستيل بالضيق وقالت له بانزعاج
“أيمكنك أن تشرح لي الوضع بشكل أوضح؟”
أجابها سيدريك بإيجاز
“سنقابل الإمبراطور.”
نظرت إليه بصدمة وقالت
“ماذا؟! هل يمكنك أن تشرح لي التفاصيل الآن؟”
تابعت إستيل بنبرة استغراب
“المعبد يريد قتلي بسبب ما فعلته من تحطيم الدوائر السحرية. لماذا قد يساعدني الإمبراطور؟”
ابتسم سيدريك بخفة وقال
“يبدو أنك بدأتِ تفهمين الأمور بشكل أفضل.”
ردت إستيل بانزعاج
“أنا دائمًا ذكية، شكرًا لك.”
تجاهلها سيدريك وقال ببرود
“حسنًا، نحن هنا في هذا القصر لنجد سببًا يقنع العائلة الإمبراطورية بمساعدتك.”
جلست إستيل على الكرسي الذي أشار إليه، ثم سألته
“وما هو هذا السبب؟”
“لا نعرف بعد. علينا البحث عنه.”
“أنت جاد؟ سنبحث عن شيء قد لا يكون موجودًا؟”
“أنا واثق أنه هنا. الأمر يتعلق بآخر ما فعلته والدتك، الساحرة العظيمة، قبل وفاتها.”
تذكرت إستيل حديثه السابق عن آخر خطوات والدتها، وقالت
“قبل 10 سنوات، لجأت والدتي إلى هذا القصر بينما كانت تستعد لختم تريستان بلانشيه.”
أومأ سيدريك برأسه وأضاف
“بالضبط، هذا القصر كان آخر مكان أقامت فيه قبل أن تخرج إلى المعركة التي قضت فيها.”
“آه…”
قال سيدريك وهو يومئ برأسه بعدما بدت عليه ملامح الفهم وقد اتسعت عيناه الزرقاوتان.
“هناك شيء أعطتني إياه الساحرة في ذلك الوقت.”
بدأ يستحضر ذكرى قديمة باهتة تكاد تُنسى. في ذلك الحين، قدمت له الساحرة العظيمة صندوقًا كبيرًا، وهي تبتسم ابتسامة غامضة لا يمكن فهم معناها. لكنها أرفقت الصندوق بتحذير واضح
“لا تفتحه قبل أن يحين الوقت.”
“ولا تخبر أحدًا أنك تملكه، تحت أي ظرف.”
“حتى إيزابيلا وميكائيل. هذا سرٌّ بينك وبين نفسك فقط.”
بسبب عدم معرفته بمتى قد يحين “ذلك الوقت”، قام سيدريك بإخفاء الصندوق في مكان عميق داخل غرفته، حتى كاد أن ينساه.
لكنه الآن، بعد أن تورط في هذه الأحداث الغريبة مع إستيل، بدأت تلك الذكرى تعود إلى ذهنه شيئًا فشيئًا. بدا واثقًا أن الوقت المقصود قد حان الآن.
رفعت إستيل رأسها، وكانت تقبض يديها بإحكام.
“حسنًا، إذن لنذهب ونحضر هذا الشيء على الفور ــ”
قوووررررررر!
انطلقت فجأةً أصوات قرقرة معدتها، مما جعل سيدريك يحدق إليها بنظرة جامدة دون أن يغير تعابير وجهه. كان المصدر بالطبع معدة إستيل، التي بدأت تتظاهر وكأن شيئًا لم يحدث.
حاول سيدريك كتم ضحكته، ثم قال بنبرة هادئة
“…… فلنبدأ بتناول الطعام أولاً.”
***
في القصر الإمبراطوري
كانت الأجواء داخل القصر مشحونة بالتوتر منذ فترة.
كان كبير السحرة في مختبر الأبحاث السحرية التابع للقصر يتم استدعاؤه يوميًا تقريبًا من قبل الإمبراطور، ليخرج بعد ذلك محطَّمًا تمامًا بعد توبيخه بشدة.
وكان الخدم يشيحون بأنظارهم بعيدًا كلما رأوه يهرع خارج مكتبة الإمبراطور، مفضلين عدم التورط.
قلة قليلة فقط من الأشخاص كانوا يعلمون ما الذي جعل الإمبراطور في حالة اضطراب شديد كهذه. ومن بين هؤلاء القلة، كان السكرتير إيدلين الذي تنهد وقال بصوت منخفض
“جلالتك، من فضلكم تناولوا طعامكم.”
لم يرد الإمبراطور، مما دفع السكرتير إلى محاولة إقناعه مجددًا
“صحتكم في خطر إن استمررتم بهذا الشكل.”
رد الإمبراطور بصوت غاضب
“هل تعتقد أنني أستطيع أن أبتلع الطعام في هذه الظروف؟!”
كان الخدم يترددون ما إذا كانوا سيبقون أم ينسحبون بهدوء. حاول أحدهم الانسحاب عندما لوح السكرتير له بيده بإصرار، وكأنه يقول ابقَ مكانك.
ثم أضاف السكرتير بحزم
“لكي تتمكنوا من حل الأمور، يجب أن تكون صحتكم في أفضل حال.”
بدأ الخدم بالتقدم بخجل، لكن الإمبراطور قال بنبرة غاضبة
“هل تريدونني أن أعيش في رفاهية في مثل هذا الوقت؟ هل تحاولون جعلي طاغية؟!”
(بالله عليكم اكثر امبراطور يستحي حرفياً اكثر من بعض الرؤساء اوبس بالغلط)
مرة أخرى، تراجع الخدم بخطوات مترددة، بينما أرسل السكرتير إليهم نظرة صارمة وكأنه يقول أين تظنون أنكم ذاهبون؟
لم يكن أمام الخدم سوى الدوران بأعينهم، يتساءلون بصمت وماذا نفعل الآن؟!
ترجمة سول💛.