تحملتُ عواقب أفعال والدتي المُتجسدة - 17
لفَّ سيدريك ذراعيه حول خصر إستيل ليساعدها على النزول من على الحصان، ثم أشار بيده نحو أسفل الجبل.
“لقد وصلنا.”
“واو!”
ما رأته أمامها كان قلعة رائعة بدرجة أذهلتها لدرجة أن أي أفكار مزعجة كانت لديها تبددت تمامًا. سقف القلعة المكسو باللون الأخضر المزرق كان يلمع تحت أشعة الشمس.
بينما كانت إستيل تتأمل القلعة بذهول، عادت إلى رشدها ومالت برأسها مستفسرة وهي تستدير للخلف.
“ولكن، لماذا نزلنا هنا؟”
“لأنكِ، ببساطة، لا تعرفين شيئًا عن آداب السلوك، أليس كذلك؟”
“وما هي آداب السلوك؟”
تنهد سيدريك وكأن الطريق أمامه طويل جدًا، ثم أومأ برأسه.
“…حسنًا. جوابك يثبت كل شيء. لنبدأ بتعليمك أساسيات التحية بشكل بسيط.”
“همم، تبدو دقيقًا للغاية. لا بأس، موافقة.”
فكرت إستيل أنه لا خيار أمامها سوى التعلم إذا كان الأمر ضروريًا. وبينما كانت تسير باتجاه سيدريك، لاحظت تعبير القلق العابر على وجهه، مما جعلها تشعر بالارتباك. وبعد تفكير، تحدث سيدريك.
“والداي، رغم أنهما والداي، هما أيضًا أصدقاء لوالدتك.”
فجأة تذكرت إستيل حقيقة كانت قد نسيتها. فقد كانت إيلين قد أجرت الترتيبات اللازمة لختم زوجها في منزل دوق إرنيست، مما يعني أنه كان هناك مستوى من الثقة بين دوق ودوقة إرنيست ووالدتها.
كان سيدريك ينظر إليها بعينيه الزرقاوين بارتباك، مما أثار دهشتها.
“لذلك، أود أن تترك انطباعًا أوليًا جيدًا عند والدي. ولهذا السبب أعلمك الأساسيات قبل أن نقابلهم. إن عرف والداي أن ابنة صديقتهما قد نشأت وهي تواجه المشقة… فسيكون الأمر مؤلمًا بالنسبة لهما.”
هب نسيم قوي على قمة الجبل، فحرك الأعشاب الجافة. انتظرت إستيل حتى يهدأ النسيم قبل أن تقول
“هل تقلق لأنني قد أبدو مثيرة للشفقة؟”
لم يجب الرجل، ولكن نظراته كانت تقول كل شيء. ابتسمت إستيل بخفة وقالت
“لا أستطيع الادعاء أنني عشت حياة مليئة بالرفاهية والسعادة، لكنني شعرت بسعادتي الخاصة بطريقتي. لذا، إذا رأوني مثيرة للشفقة، وإذا تألموا من أجلي، فسأشرح لهم. سأقول لهم إن حياتي لم تكن بائسة تمامًا، بل عشتها وأنا أشعر بسعادتي بطريقتي الخاصة.”
ظهرت نظرة مندهشة أو ربما مدهوشة في عيني سيدريك، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، لكنها لم تدم طويلًا. عاد سريعًا إلى طبيعته الهادئة ونادى اسمها
“إستيل.”
كانت هذه هي المرة الأولى التي يناديها بها. كادت ترتجف من صوته الرجولي المنخفض الذي استقر في أذنيها، ولكن صوتًا صارمًا قاطع أفكارها ووبخها.
“الثقة بالنفس جيدة، ولكن عليك أن تشعري ببعض الخجل لأنكِ كنتِ تعيشين على سرقة الآخرين.”
“…حسنًا.”
رغم أن الأمر كان مجرد تعلم بعض أساسيات التحية والنصائح البسيطة، استغرق الأمر أكثر من ساعة.
لم يكن السبب صعوبة الآداب، ولا لأن إستيل كانت بطيئة الفهم، بل بسبب دقة الشخص الذي كان يعلمها.
“زاوية ذراعك ليست صحيحة.”
“يمكنني فقط التظاهر وكفى. لماذا كل هذا الجهد؟”
“كلمة تظاهر ليست في قاموسي.”
صرَّت إستيل على أسنانها بغضب. لماذا كل هذه الصرامة؟ كأننا على وشك حضور حفل في القصر الملكي!
تمتمت بشفتيها الغاضبتين قائلة
“لمَ لا تحذف التظاهر من قاموسك فقط، بدلًا من محاولة حذفها من قاموسي أيضًا؟…”
“أنا أسمع كل شيء.”
بصوت يحمل نبرة تحذير، تحدث سيدريك، لكن بدلاً من أن تخجل إستيل، ابتسمت بثقة وأجابت
“قلتُ ذلك عمداً لكي تسمع، أليس كذلك؟”
“… لنمضِ الآن.”
“أرأيت؟ حتى أنت تدرك أن ما تفعله صارم للغاية. فكر في الأمر، إذا كنت شديد الرسمية، قد يشعرون بالبرود تجاهك. لابد من وجود بعض الثغرات لتبدو أكثر ودية.”
بسبب فارق الطول، كان عليها بذل جهد إضافي للحاق به بينما يتقدم بخطوات واسعة. وبينما كانت تتبعه عن كثب، توقف فجأة عندما استدار لينظر إليها. أحرجها توقفه المفاجئ وارتبكت ملامح وجهها.
حدق فيها للحظة وكأنه يفكر، ثم تحدث فجأة
“سيدريك.”
“نعم؟”
ماذا يقصد؟ تساءلت بصمت، وكأنه قرأ أفكارها، فشرح وهو يعقد حاجبيه
“كفى من قولك أنت أو ذلك الشخص. ناديني باسمي. سنرى بعضنا كثيراً على ما يبدو.”
“كثيراً…؟”
“نعم، كثيراً.”
“لماذا…؟”
خفق قلبها فجأة بقوة. ما الذي يقصده برؤيتي كثيراً؟ أليس هذا هو الشخص الذي كان يحاول بكل وسعه أن يبتعد عني؟
بدأت تتذكر كلمات والدتها التي سمعتها في حلمها، والتي تحدثت فيها عن “زوجها المستقبلي”، أي زوج إستيل. ارتجفت وأحست بالعرق البارد يسيل على ظهرها. هل اكتشف شيئاً في هذه الفترة؟
دون أن يلاحظ توترها، أجاب سيدريك ببرود
“إذا كنتِ لا تريدين أن تُعدمي، فستبقين هنا.”
“… ماذا؟”
“إذا فقدتِ حماية عائلة دوق إرنيست، فستصبحين مجرد… إبنة مجرمه.”
كان صوته البارد كافياً لإيقاظها من شرودها. صحيح، هذه ليست المشكلة الآن. ليس الحديث عن الزواج، بل النجاة هي ما يجب أن أقلق بشأنه.
تنهدت بعمق. أتباع الشر يريدون تعذيبي، المعبد يريد قتلي، والدتي غائبة عن تقديم أي مساعدة، ووالدي يُعتبر أحد أعظم المجرمين…
هل هناك أي شيء يسير على ما يرام؟ بملامح حزينة، سألت
“ألا يمكن أن حقيقة أنني ابنة ساحره عظيمه تعوض عن ذلك؟”
“لا. الناس يركزون دائماً على الجوانب السلبية.”
كانت إجابته الحاسمة تزيد من كآبتها. وبينما كانوا يصلون إلى بوابة القصر، ألقى سيدريك تحية مختصرة لحارس البوابة، ثم أمره بنبرة هادئة
“أخبر مدبرة الخدم أن تجهز غرفة للشخص الذي سيقيم هنا لفترة. وأيضاً، تأكد من الحفاظ على سرية الأمر.”
حاول الحارس توجيه نظرات فضولية نحو إستيل، لكن سيدريك أوقفه بإشارة واحدة من يده. فهم الحارس الرسالة وأومأ برأسه.
بعد فتح البوابة، تقدم خادم آخر لاستلام الحصان، وعندما جاء دوره، حمل سيدريك إستيل من على ظهر الحصان وأعادها إلى الأرض بسهولة. لم تبدُ إستيل مرتبكة، بل أمسكته من كتفه بشكل طبيعي وهي تنزل.
في تلك اللحظة، كان موظفو القصر الذين تجمعوا لاستقبال سيدريك يحاولون جاهدين كبح ابتساماتهم.
بالنسبة لسيدريك وإستيل، كانت هذه عادة نشأت من الرحلة الطويلة التي قضياها معاً. لكن الخدم كانوا يفكرون
“ما الأمر؟ لماذا هما قريبان هكذا؟”
“هل يبدو أن هناك شيئاً بينهما؟”
“رائع. هل يمكن أن يكون سيدريك بدأ يواعد أخيراً؟”
تبادل الخدم نظرات تحمل العديد من المعاني، لكن حكمتهم منعتهم من الإفصاح عن تلك الظنون.
وهكذا، لم يتمكن سيدريك من تصحيح سوء الفهم هذا.
***
بينما كانت إستيل مشغولة باستكشاف قصر جميل ومزين بترف وإعجابها بكل تفاصيله، كان سيدريك يسير بلا مبالاة، متجاوزًا كل شيء دون اهتمام.
نظرًا للاختلاف الكبير في سرعتهما، اضطر سيدريك في النهاية إلى سحبها لتسريع خطواتها بينما كانت تتوقف لمشاهدة ما يثير دهشتها.
“آه، حقًا! هل هناك من يلاحقنا؟ يبدو أنك في عجلة شديدة…”
“حسنًا، ربما المعبد يلاحقنا بالفعل.”
“… إذا قلت ذلك، فلا أملك أي حجة للرد…”
حقًا، إنها تستسلم للأمر الواقع بسرعة غريبة. ابتسم سيدريك بسخرية قبل أن يفتح باب غرفة الجلوس.
عندما دخلت إستيل الغرفة، التي كانت الأكثر فخامة من بين ما رأته في القصر حتى الآن، أطلقت تعبيرات الإعجاب وركضت بسرعة نحو الداخل.
وقف سيدريك يراقبها بصمت وهي تحدق في الثريا المزخرفة المعلقة في السقف، كما لو أنها قد تهتز من شدة حماسها. لو كان لديها ذيل، لكان يهتز الآن بلا توقف…
أدرك فجأة أن شفتيه كانتا مرفوعتين بابتسامة خفيفة، فسارع لإخفائها واستعاد مظهره الهادئ المعتاد. بدا له أن تصرفاتها الظريفة تجعله يبتسم دون قصد، وهو أمر أزعجه.
بينما كان يصلح شعره المشعث بأصابعه بعد الرحلة الطويلة، قال
“أبلغت والديَّ، سيأتيان قريبًا.”
“واو، المكان جميل جدًا.”
“هل تسمعين ما أقول؟”
“يا لك من مزعج. سمعتك، حسنًا؟”
ردت إستيل وهي تومئ برأسها بلا مبالاة، ثم أشارت بحماس إلى الثريا. كان لديها سؤال ترغب في طرحه منذ أن رأتها.
“بالمناسبة، لو سرقنا هذه وبعناها، كم تساوي…؟”
“تتجرئين على قول هذا أمام صاحب المنزل؟”
“كنت أتساءل فقط، بدافع الفضول.”
نظر سيدريك بلا تعبير إلى الثريا، وأصدر صوتًا خافتًا وكأنه يفكر في الإجابة. حقًا، كم يمكن أن تكون قيمتها؟
كان على وشك التفكير بجدية في السؤال عندما عبس فجأة. ما هذا؟ هل انتقلت سخافتها إليّ؟ لماذا أفكر في شيء سخيف كهذا؟
فتح سيدريك فمه ليقول شيئًا، لكن فجأة انفتح الباب بصوت مكتوم.
“ألستَ من المفترض أن تعود بعد مقابلة الإمبراطور؟”
دخلت امرأة تحمل نفس العيون الزرقاء البديعة التي يملكها سيدريك. كانت والدته، إيزابيلا، تسير بخطى هادئة إلى داخل الغرفة. بابتسامة رقيقة، رفعت رأسها وسألت
“لماذا عدت مبكرًا…؟”
لكن نظرتها سرعان ما تحولت إلى إستيل التي كانت تقف خلف سيدريك. في تلك اللحظة، تحول تعبيرها المبتسم إلى تعبير مشدوه.
أدرك سيدريك أنه ربما لم يكن بحاجة إلى تعليم إستيل طرق التحية الرسمية. لأنه لم تكن هناك حاجة لها على الإطلاق.
“… إلين؟”
لم تسنح لإستيل الفرصة لاستعراض ما تعلمته. فجأة، وجدت نفسها تُسحب إلى أحضان إيزابيلا.
كانت إستيل تحدق بذهول، وعيناها ترفرفان في صدمة.
ضحكت إيزابيلا بفرح قبل أن تغرورق عيناها بالدموع.
“آه، آسفة… لا أصدق هذا. كيف… كيف؟”
نظرت إلى وجه إستيل مرة أخرى وابتسمت وهي تبكي، متأثرة بشكل واضح.
بينما كانت تحاول تهدئة أنفاسها المرتعشة، سألت بصوت مفعم بالمشاعر
“أنتِ… إستيل، أليس كذلك؟”
لم تكن إستيل تعرف كيف تتعامل مع الموقف المفاجئ. التقطت أنفاسها بصعوبة قبل أن تتحدث
“… كيف تعرفين اسمي؟”
“كيف لا أعرفه؟ يا إلهي، هذا غير معقول. كيف تبدين مشابهة تمامًا لإلين؟”
كانت الدموع تتدفق على وجنتي إيزابيلا الورديتين، فسارعت لمسحها بظهر يدها، متراجعة خطوة للخلف لتعتذر مرارًا وتكرارًا.
“آسفة… آسفة جدًا. لا بد أنك شعرتِ بالارتباك. لطالما أردت لقاءك يومًا ما… لم أكن أعرف إن كنتِ حية أم ميتة، لكنني كنت أتمنى أن ألتقيكِ لو كنتِ على قيد الحياة. لكنني لم أتخيل أبدًا أن هذا اليوم سيأتي، وبالتأكيد ليس بهذه السرعة… لم أكن أتوقع هذا، حتى في أحلامي…”
| ترجمة سول💛.