تحملتُ عواقب أفعال والدتي المُتجسدة - 12
حدّق سيدريك بعينيه الضيقتين مستغربًا وهو ينظر إلى عينيها المرتبكتين اللتين كانتا تدوران في دوامة من الحيرة، وسأل
“ما الأمر؟ ألم تكوني هادئة طوال الوقت؟”
“لا… فجأة خطر ببالي أننا قد نلتقي مجددًا… بطريقة ما؟”
“……”
“أوه، لماذا أقول هذا؟! ما الذي يحدث لي؟! آآه!”
بينما كانت تتحدث بشكل عشوائي وترتجف بخوف، لم يقم سيدريك بإبعادها، بل أشار للحارس المحرج بأن يدخل إلى المعبد أولاً.
تردد للحظة. لم يكن سيدريك شخصًا يُعرف بالاهتمام بالآخرين، ولم يكن يتحدث إلا عندما يكون متأكدًا. لكنه، ولسبب ما، بقي ينظر إلى هذه المرأة التي اقتحمت حياته فجأة.
ما الذي يمكن أن يكون قد أخاف هذه المرأة المبتهجة دائمًا لدرجة أنها تبدو كالمجنونة الآن؟
بتعبير غير راضٍ على وجهه، تكلّم سيدريك بنبرة أشبه بالإحسان، قائلاً شيئًا لم يكن ليقوله عادة
“أظن أنه لن يحدث شيء مهم. لذلك، لن يكون هناك أي سبب يجعلنا نلتقي مجددًا.”
ومع ذلك، استمرت إستيل بالتحديق إليه بعينيها الواسعتين، ثم بدأت تهز رأسها وترتجف من جديد.
هل كان هذا الجواب خاطئًا؟
بينما كان ينظر إلى كم قميصه الذي أصبح مجعدًا بسبب قبضتها المشدودة، حاول تهدئتها.
“سيكون كل شيء بخير. لذا، هل يمكنك ترك يدي الآن والدخول؟”
لكن عندما حاول أن يبعدها، تمسكت به بإصرار أكبر، مما جعله ينفجر غاضبًا
“ما مشكلتك؟ لماذا تفعلين هذا؟”
“لا! ليس كذلك! أنا متأكدة أننا سنلتقي مجددًا! كيف سيحدث هذا؟ ولماذا؟ آآآه!”
“هل أنتِ بخير؟”
قاطعه الحارس قائلاً “قائد الفرسان، لم يعد بإمكاننا الانتظار أكثر.”
وبدون تردد، أمسك الحارس بإستيل وسحبها إلى داخل المعبد.
“آآآه!” صرخت إستيل بينما كانت تُجر إلى الداخل.
مع صوت باب القاعة الجانبية التي تؤدي إلى الكاهن المسؤول عن كشف الحقيقة يُغلق خلفها، نظر سيدريك إلى كمه المجعد بتعبير فارغ.
كان لديه شعور غريب، وكأنه قد فقد شيئًا مهمًا.
“لا… فجأة خطر ببالي أننا قد نلتقي مجددًا… بطريقة ما؟”
سيدريك استعاد ذكرى استيل وهي تتردد بشكل ملحوظ وكأنها تريد أن تقول شيئًا مهمًا له.
ما الذي كانت ترغب في قوله؟
هل كان ذلك اعترافًا بأنها على اتصال بجماعة الذين يعبدون الشياطين؟ لا، لم يكن من نوع تلك الكلمات…
إذن، ما الذي فاتني؟
بشعور من عدم الارتياح، توجّه إلى المبنى الرئيسي حيث يقيم البابا.
كان البابا شيخًا تجاوز السبعين من عمره. وجهه، الذي عادة ما يعكس الطيبة، كان مغطى بالسواد بسبب القلق. ركع سيدريك أمامه وانحنى برأسه.
“أحيي قداستك.”
“سيد إرنست، لقد بذلت جهدًا كبيرًا.”
“لا عذر لي.”
رفع البابا يده ليردعه عن المزيد من الاعتذار، وتحدث بصوت منخفض مليء بالقلق
“ابدأ بالتقرير. ما الذي حدث؟ لا أعتقد أن هذا بسبب خطأ منك…”
على عكس والده، الذي كان مرنًا إلى حد ما، كان سيدريك صارمًا للغاية ومنظمًا. لو كان الأمر نتيجة إهماله، لكان قد كتب رسالة مطولة بنفسه يطلب فيها العقاب.
لكن بدلًا من ذلك، اكتفى بإرسال رسالة قصيرة مع أحدهم
“تم كسر دائرة السحر الكبرى.الأسباب غير واضحة، وسأعود مع الشخص المرافق.
يرجى استدعاء كاهن كشف الحقيقة.”
من الطبيعي أن يُحدث هذا الخبر ضجة كبيرة في المعبد.
على الرغم من أن السحر كان ضمن نطاق مسؤوليات العرش الملكي، إلا أن الدائرة السحرية كانت تحتوي على كائن مرتبط بعقد شيطاني. وبالتالي، كان تدخل المعبد أمرًا لا مفر منه.
عندما طلب البابا تفسيرًا، تردد سيدريك قليلاً قبل أن يبدأ بالحديث
“بكل صدق يا صاحب القداسة، أنا نفسي أجد صعوبة في تحديد العلاقة السببية بدقة. لكن هناك أمرًا مؤكدًا، وهو أن سبب كسر الدائرة السحرية ليس نتيجة الكريستالة السحرية التي أحضرتها.”
“هل أنت واثق؟”
“الدائرة كانت تمتص الطاقة بشكل طبيعي من الكريستالة. على الأقل…”
توقف سيدريك فجأة عن الحديث وكأن الذكرى تعود إليه. كانت الدائرة السحرية تعمل بشكل طبيعي…
على الأقل حتى لحظة دخول استيل إلى الساحة أثناء مطاردة عبدة الشياطين لها وتجاوزها السور…
“على الأقل؟”
قاطعه البابا بنبرة حازمة، مما جعله يُدرك أنه شارد تمامًا.
لا يمكن أن تكون تلك المرأة هي المحفز، أليس كذلك؟
وبينما كان يتردد، فتح سيدريك فمه ليُكمل حديثه.
“لم تكن هناك أي أحداث غريبة على وجه الخصوص بالقرب من دائرة السحر. كان هناك هجوم من قبل عابدي الشياطين، لكنه لم يكن طقوس خاصه، بل مجرد حالة من المطاردة. أما المتغير الوحيد فهو…”
ابتلع سيدريك ريقه وأكمل حديثه
“كان هناك شخص يرافقني حينها.”
تجمد تعبير البابا على وجهه بشكل بارد.
“هل هي تلك المرأة التي جلبتها إلى المعبد اليوم؟”
“نعم، الكاهن المسؤول عن كشف الحقيقة يحقق معها حاليًا. لا يبدو أنها مدركة لما يحدث، لكنها تُظهر طقوسًا سحرية متقدمة عندما تكون مهددة بالموت، لذا أحضرتها للتأكد. ومع ذلك، لا يبدو أنها مرتبطة بعابدي الشياطين…”
“الأمر الأهم ليس هذا يا سيدريك.”
قاطعه البابا، وهو يفرك جبينه بتعب، متحدثًا بنبرة صارمة لرجل عجوز لم يعد لديه الجرأة على المغامرة
“على أي حال، المتغير الوحيد هنا هو تلك المرأة، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح، لكن…”
“إذاً، ينبغي القضاء عليها.”
تحولت عيون البابا نحو السيف المقدس المتدلي من خصر سيدريك. تجمد الأخير عند فهمه المقصود من كلمة “القضاء”. شعر وكأن صخرة ثقيلة سقطت على صدره.
كاد تعبيره المرتبك يظهر على وجهه، لكنه تمكن من الرد بوجه رسمي
“علينا انتظار تقرير الكاهن المسؤول أولاً…”
“لا يهمني إن كانت مرتبطة بعابدي الشياطين أم لا. المتغيرات يجب التخلص منها.”
“يا صاحب القداسة!”
كان البابا متسرعًا للغاية. فتح سيدريك فمه ليعترض، لكنه تجمد عندما رأى تعبير البابا المشوه كأنه غير قادر على تحمل تخيل الأمر.
“حتى لو قلت إنني قاسٍ أو دنيء، فلن أتراجع. هل تجهل الأمر يا سيدريك؟ تراستان بلانشيه، بعد عقده مع الشيطان، قتل جميع سكان إقطاعيته. قُتل ألفاً شخص في يوم واحد!”
ارتجف البابا مستذكرًا ملامح المتعاقد مع الشيطان، الذي كان يبتسم بعينين متوهجتين حمراوين بشكل مرعب.
“هذه هي قوة الشيطان… إنها كارثة. لقد جاع الشيطان لعشر سنوات دون أن يرتكب أي قتل. غضبه لا بد وأنه بلغ ذروته. إذا تم فك الختم…”
“يا صاحب القداسة، أرجوك هدئ من روعك. لم يتضح شيء بعد.”
هز البابا رأسه بإصرار بينما أغلق عينيه بإحكام. على الرغم من صرامته، بدا سيدريك يحاول الحفاظ على برود أعصابه وهو ينظر إلى البابا. نهض الأخير وكأنه اتخذ قراره، ثم استدار قائلاً
“قد يموت جميع سكان الإمبراطورية. آمر بتنفيذ الإعدام سرًا على الفور.”
“انتظر، يا صاحب…”
خرج البابا من قاعة الاستقبال بسرعة، كما لو أنه توقع اعتراض سيدريك مسبقًا. شعر سيدريك بصداع حاد.
ندم على ما قاله. لم يكن حذرًا بما فيه الكفاية. كان البابا، بخلافه الذي كان صغيرًا جدًا ليشهد الحرب آنذاك، شاهدًا مباشرًا على يقظة عابدي الشياطين وختمهم.
الآن، بعد وفاة الساحرة العظيمه، التي كانت الخصم الوحيد المتكافئ مع الشيطان، لم يكن البابا مستعدًا لترك أي تهديد محتمل دون التعامل معه.
أخذ سيدريك يتأمل ظهر البابا وهو يغادر، محاولًا ترتيب أفكاره.
دائرة السحر التي كانت تعمل بشكل طبيعي، هجوم عابدي الشياطين، خطوات إستيل، وتدمير دائرة السحر.
حتى عندما استعاد كل شيء في ذاكرته، كان واضحًا أن الخلل في الدائرة بدأ بمجرد أن وطأت إستيل الأرض داخل السياج.
أخيرًا، اعترف سيدريك.
على الرغم من أنها لم تكن مدركة أو تقصد ذلك، إلا أن تلك المرأة كانت بالفعل تهديدًا خطيرًا لمواطني الإمبراطورية ومتغيرًا محتملاً.
لكن… أليس من المبكر اتخاذ قرار نهائي بشأن نوع هذا المتغير؟
إذا لم يتم قتل إستيل، فقد تُدمر بقية دوائر السحر، ويُضحى بجميع سكان الإمبراطورية إذا استيقظ الشيطان.
لكنها بريئة بحد ذاتها. يمكن أن يُقنع نفسه أنها ليست طاهرة تمامًا للتخفيف من شعور الذنب، لكنها لم ترتكب سوى جرائم بسيطة مثل النشل.
تجعدت ملامحه بحدة. “إذن، هل عليّ حقًا التضحية بشخص بريء من أجل مصلحة الأغلبية؟”
“انتظر…”
في تلك اللحظة، تذكر شيئًا وكأنه ضُرب بصاعقة.
قبل عشر سنوات، كانت إيلين، الساحرة العظيمة، تجلس في مكتبة عائلة إرنست.
“ماذا ستفعل إذا كان عدم القضاء على مجرم صغير قد يؤدي إلى موت جميع سكان الإمبراطورية بنسبة 100%؟”
“القضاء؟”
“بالطبع، القتل.”
بتعبير غامض، كانت تبتسم بينما تنتظر إجابته. كان سيدريك شابًا وقتها، فأجاب بثقة
“العالم الذي يعتمد على القتل للبقاء ليس عالمًا سليمًا.”
حينها، أجابته الساحرة
“مقبول.”
سار سيدريك في القاعة متذكرًا كلماتها، شعر بقشعريره تجتاح جسده، فقد كانت الاسئلة التي طرحت في الماضي الان مشابهة تماماً للوضع الحالي.
هل تعني أن إلين كانت قد توقعت هذه اللحظة؟
وجاء السؤال الطبيعي الذي يؤدي الى الشك.
إذاً، من هي إستيل لتكون جزءاً من رؤيتك المُستقبلية؟
~ ترجمه سول .
~ واتباد punnychanehe@