تحملتُ عواقب أفعال والدتي المُتجسدة - 11
استيقظت إستيل بعينين متثاقلتين. المشاهد التي مرت أمام ناظريها كانت تتبدل بسرعة، ولكن كان هناك شيء غريب، شيء يبدو مختلفًا بطريقة ما…
-“مرحبًا؟”
صوت امرأة قادم من خلفها جعلها تنتفض من المفاجأة وتلتفت للخلف. كانت لا تزال على ظهر الحصان، لكن الشخص الذي كان يمسك باللجام لم يكن سيدريك، بل شخص آخر.
كانت المرأة ذات الشعر الأحمر التي رأتها في حلمها السابق، تبتسم بمكر وهي تلوح بيدها برفق.
عندها فقط أدركت إستيل أن ما تعيشه الآن ليس واقعًا. حلم؟ لا، تلك المرأة قالت إنه ليس حلمًا بل ذكرى.
بعد أن هدأت أنفاسها ببطء، قررت إستيل أن تبدأ بما يثير فضولها أولًا.
“أنتِ… هل يمكن أن تكوني إلين إيفرجرين؟ الساحرة العظيمة؟”
-“صحيح.”
“إذن، لماذا تستمرين في الظهور في أحلامي؟ ذكرى؟ يا للسخرية، ليس لدي أي ذكرى كهذه.”
تنهدت المرأة، إلين، بخفة بينما ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها. شعرت إستيل بالارتباك عندما أدركت أن تلك الابتسامة نابعة من شعور بالبهجة.
كانت قد سمعت أن الساحرة العظيمة ليست إنسانة عادية، لكن مواجهتها وجهًا لوجه جعلها تدرك ذلك حقًا…
-“أظنكِ فكرتِ أنني امرأة مجنونة، أليس كذلك؟”
“لقد كُشفت الحقيقة”. تمتمت إلين وهي تقرص وجنة إستيل التي كانت تهز رأسها بخفة.
-“يبدو أنكِ لم تستوعبي الأمر بعد، لكن التفكير بهذه الطريقة يُعتبر عقوقًا. هل تفهمين؟ على الإنسان أن يعيش وهو يدرك القيم الإنسانية.”
“سألتكِ ماذا تعنين بالذكرى.”
بدلًا من أن تتراجع، ردت إستيل بإصرار، مما جعل إلين تضحك بخفة. ثم همست بصوت هادئ ومسترخٍ
-“أنا أخبرك أنني والدتكِ، وكل ما يهمكِ هو هذا الحلم؟”
لم يكن الأمر وكأنها تسأل من فضول، بل بدا وكأنها تعرف الإجابة مسبقًا لكنها تريد تأكيدها. عضّت إستيل على أسنانها، ولم تستطع منع نفسها من التذمر.
“كيف تكونين أمي؟”
رفعت إلين حاجبًا كما لو كانت تحثها على مواصلة الحديث.
“لقد تخليتِ عني، أليس كذلك؟”
-“أوه، لكن تلك الذكرى لم تعد إليك بعد، صحيح؟ هل استنتجتِ ذلك بنفسك؟ ذكية فعلًا.”
ظهرت على وجه إلين، التي بدت وكأنها تفاجأت، تعبيرات غير متوقعة، مما جعل إستيل تضحك بسخرية. لكنها سرعان ما استسلمت لغضبها وصرخت، وهي تشد قبضتيها بقوة.
“أنجبتِني وتركتِني بلا أي مسؤولية! لو كنتِ ستموتين، كان عليكِ على الأقل أن تتركيّني في عهدة أحدهم. لكنكِ ألقيتِ بي في أي مكان، والآن ماذا؟ لو لم يهتم بي سكان الأزقة الخلفية، كنت سأموت جوعًا. هل تعلمين ذلك؟”
لم يصدر أي رد من إلين.
لم تكن إستيل مهتمة بما قد تقوله أو بما تعنيه تعابير وجهها الصامتة. شعرت بألم في راحة يدها حيث غرزت أظافرها في جلدها المشدود بفعل قبضتها.
لطالما تساءلت إستيل عن والديها. عندما كانت ترى السيدة التي تهرع مذعورة نحو طفلها الجريح، أو عندما كانت ترى الأطفال يمسكون بأيدي آبائهم أثناء زيارتهم مدينة غلاسيوم، كانت ترسم في مخيلتها صورة لوالديها الذين لم تعرفهما.
في وقت ما، ربما كانت تتمنى أن يبحثا عنها. ولكن بعد مرور عشر سنوات، أصبحت إستيل متبلدة المشاعر تجاه هذا الأمر.
ثم، عندما تبلدت مشاعرها تمامًا، جاءت ذكرى والدتها فجأة.
الساحرة العظيمة التي كانت تُشاد بها في جميع أنحاء القارة كانت والدتها. ومع ذلك، لم تشعر بالفخر، بل لم تشعر حتى بالسعادة لرؤيتها.
فكرة أن شخصًا يمتلك هذه القوة الهائلة قد تخلى عنها جعلتها تشعر بمزيد من البؤس. لو كانت قد تخلت عنها بسبب الفقر، لكانت شعرت بخيانة أقل.
“لماذا ظهرتِ الآن؟ لقد تخلّيتِ عني، ولم تتركي لي أي شيء…”
التفت ذراع والدتها حول كتفيها، بينما كانت إستيل لا تزال تنظر بعيدًا. صوت هادئ ولكنه حاد اخترق الصمت.
-“مذهل.”
“ما هو المذهل؟”
-“التوقع الذي وضعته قبل 10 سنوات يتطابق تمامًا مع إجابتك الآن. ألم أقل إنني عبقرية؟”
كان حديثها أشبه بذكر حقيقة موضوعية بدلاً من كونه غرورًا. إستيل كانت مذهولة للغاية.
قبل يومين فقط، لم تكن تعرف شيئًا عن أمها، والآن تبدو وكأنها مجنونة بالكامل. كانت الصدمة تتعلق بشخصيتها أكثر من أي شيء آخر.
بصراحة، كانت تتوقع بعض الشعور بالندم منها، ولكن بدلاً من ذلك تساءلت ما هذا النوع من البشر الذي أنجبني؟
بينما كانت إستيل تحدق بشرود، شعرت بوالدتها، إلين، تنقر على وجنتها برفق قبل أن تهمس
-“إستيل بلانشيت، أنا لست شبحًا ولا شيئًا من هذا القبيل. ما تتحدثين معه الآن هو جزء من وعي إلين إيفرجرين الذي زرعته في عقلك قبل أن نفترق.”
“إذا لم تكوني روحًا، فما هذا إذن…؟”
-“الأمر مختلف. أنا مجرد ذكريات تركتها إلين إيفرجرين الحقيقية في ذهنك قبل 10 سنوات، أنا لست هي فعليًا. لذا، إذا أردتِ الشكوى، فقد أخطأتِ العنوان.”
كادت إستيل أن تنسى أن هذا الشخص هو والدتها البيولوجية ورفعت قبضتها لتضربها، لكنها توقفت عندما ضحكت إلين بهدوء وتحدثت بنبرة أكثر لطفًا
-“كان لدي واجب لم أتمكن من إنجازه قبل أن أرحل.”
“واجب؟”
-“نعم.”
وضعت إلين رأسها على كتف إستيل ونظرت إليها بابتسامة.
-“لقد متُّ وأنا أتمنى أن تكبري بعد 10 سنوات لتواصلي إكماله.”
“……؟”
-“لقد التقيتِ به، أليس كذلك؟”
“به”؟ لم يكن هناك سوى شخص واحد قابلته إستيل مؤخرًا سيدريك إرنست، الرجل الذي أخذها إلى المعبد بعدما أمسكت بسرقتها لشيء لم يكن ملكها.
لكنها لم تفهم ما علاقة هذا الرجل بها.
بينما كانت إستيل تحدق بوجه مليء بعلامات الاستفهام، هزّت إلين رأسها وهمست
-“لقاؤكِ به هو البداية.”
فتحت إستيل فمها لتسأل عن معنى هذا الكلام، ولكن قبل أن تتمكن من ذلك، صدمتها جملة غريبة
-“من الآن فصاعدًا، ستنقذين العالم.”
ضحكت إستيل بسخرية، وهي تنظر إلى والدتها المبتسمة وكأنها مجنونة. ما هذا؟ هل جنّت أمي تمامًا؟
مع هذه الأفكار، استيقظت من الحلم.
كان سيدريك ينظر بذهول إلى أستيل التي التصقت به وهي تغط في نوم عميق.
رغم أنه كان رجلًا معتادًا على رفض عروض الزواج، إلا أنه لم يكن معتادًا على أي اتصال جسدي مع النساء.
بالطبع، في البداية، أصيب بالذعر وحاول إبعادها عنه. لكنها، وكأنها كانت علقة في حياة سابقة، أظهرت عنادًا لا يُصدق.
حاول بحذر إزاحتها أولًا، ثم لجأ إلى هزها بقوة، لكن بدلاً من أن تستيقظ، بدأت في الشخير وكأنها في نوم عميق.
كيف يمكن أن تكون بهذه السكينة؟
إستيل لم تكن تشبه أي شخص قابله من قبل. بسبب ذلك، كان غالبًا ما يجد نفسه مرتبكًا وغير قادر على التعامل معها، لينتهي الأمر بفقدانه زمام الأمور لصالحها.
“أمم…”
وهي مستلقية عليه في نومها، قامت إستيل بفرك رأسها في صدره بغير وعي. بدت وكأنها مرتاحة جدًا، حتى أنها تنهدت برضا. هذا المشهد جعل سيدريك يرتجف رعبًا.
بفزع، دفعها بعيدًا بقوة.
“آه!”
كادت إستيل أن تسقط من على الحصان، لكنها استعادت توازنها بصعوبة. وهي تفرك عينيها بنعاس، ألقت نظرة سريعة حولها.
تحت السماء الصافية وأشعة الشمس المشرقة، تجمدت إستيل وهي تحدق في بناء ضخم أمامها.
كان المبنى أبيض بالكامل، وكأنه منحوت من الثلج، ومرتفعًا بشكل يصعب رؤية نهايته.
بينما كانت تحدق في المعبد الشاهق بذهول، أنزلها سيدريك عن الحصان وسألها بنبرة منزعجة
“هل أنتِ متلبسة بروح شخص مات لأنه لم يُحتضن كفاية؟ لماذا كنتِ تفركين رأسكِ وأنتِ نائمة؟”
“آه، لأنه كان مريحًا…”
همست إستيل بصدق وهي نصف نائمة، لكنها توقفت فجأة عندما أدركت ما الذي وصفته بالمريح. أغلقت فمها على الفور، لكن الوقت كان قد فات.
بما أن طول سيدريك يفوقها، عرفت أنها كانت تفرك رأسها عند مستوى محدد من جسده. وبناءً على احتكاكها به في الليلة السابقة، كان من المستحيل أن تكون بطنه…
إذاً الإجابة واضحة. أغلقت إستيل عينيها بقوة. لقد انتهيت. هذا الرجل المتزم سيجنّ الآن…
بالفعل، كان وجه سيدريك محمرًا بالكامل وهو ينزل عن الحصان بخطوات حادة باتجاهها.
“ماذا؟”
“لا، لا، ليس كذلك.”
بينما كانت تتراجع ببطء، قبض عليها سيدريك بسرعة، وعيونه تحدق بها ببرود.
“أصبحتِ تسخرين مني الآن؟”
“ليس الأمر كذلك…”
“لماذا كنتِ تستندين عليّ؟ ولماذا تقتربين مني هكذا؟”
“لكن، أليس طبيعيًا بين رفاق السفر؟”
نظرت إليه بوجه مليء بالبراءة، مما جعله يدير وجهه بعيدًا، ورد بجفاف
“لا، ليس طبيعيًا.”
“واو، حقًا؟ أنا كنت سأدعك تستند عليّ لو كنت متعبًا!”
“وأنا أرفض. عليكِ أن تتوقفي عن حب الاحتضان.”
بينما كانا يتجادلان، تسلق الاثنان درجات المعبد. راحت إستيل تنفض الغبار عن فستانها المجعد، متذمرة
“ألم نكن قد أصبحنا أصدقاء الآن؟”
“لا داعي للأصدقاء. بمجرد أن أوصلك إلى هنا، لن يكون بيننا أي علاقة.”
كانت نبرة سيدريك باردة كعادته، لكنه لاحظ لاحقًا أن حاجبي إستيل قد انخفضا قليلاً، وكأنها تشعر بخيبة أمل.
تجاهل تعابيرها الحزينة وسلّمها إلى أحد الحراس عند مدخل المعبد.
“هذه هي الفتاة المذكورة في الرسالة. خذوها إلى الكاهن المسؤول عن كشف الحقيقة، وأنا سأذهب للقاء قداسة الأسقف.”
“انتظر! لحظة!”
أمسكت إستيل بيده فجأة، مما جعله ينظر إليها. تحت ضوء الشمس، بدت عيناها الذهبية وكأنهما تتوهجان. للحظة، توقف سيدريك عن التفكير.
ما الذي يحدث لي؟
حاول سحب يده، لكنها همست بصوت يكاد يكون مسموعًا
“ربما… سنلتقي مجددًا، أليس كذلك؟”
نظرت إليه بعينيها الواسعتين، بينما تذكرت كلمتها الأخيرة في الحلم.
“لقاؤكِ به هو البداية.”
إذا كان حلمها صحيحًا، فلا يمكن أن تنتهي علاقتها بسيدريك هنا.
~ ترجمه سول.
~ واتباد punnychanehe@