تجاوزت الحدود دون أن أدرك أنه البطل الرئيسي - 4
بما أن مظهري الصحي قد تم الكشف عنه، فقد أصبح القرار الآن بين يدي.
ولهذا، كانت عينا أمي تلمعان بحماس.
لكن أن يُطلب مني الاختيار بين أشخاص لم أرَ وجوههم حتى بشكل صحيح؟ أي منطق هذا؟
في البداية، بدا أن بعضهم قد أُجبر على الحضور من قبل والديهم، لكنهم كانوا يختفون بطريقة مذهلة كلما تحركتُ نحوهم.
‘مجموعة من الجبناء، تافهين.’
بالطبع، لو كان هناك شخص يطابق الحد الأدنى من معاييري، ربما كنت سأبادر بالاقتراب منه…
لكنني بالكاد أتذكر وجوه أيٍّ منهم الآن.
لحظة رؤيتي لجيّف، طارت كل تلك الأفكار من رأسي.
“لم يكن هناك أي شخص نال إعجابي.”
أجبتُ بحزم، فخف لون وجه أمي، بينما استرخى أبي، وارتسمت على شفتيه ابتسامة قاتلة.
“هذا هو المتوقع من ابنتي، يجب أن يكون لديها ذوق راقٍ.”
أمي وبخته قائلة إنه ليس الوقت المناسب لقول أشياء كهذه، ثم دخل والداي في اجتماع طارئ.
“سمعتُ أن هناك حفلة ملكية قريبًا، ماذا لو حضرناها؟”
“ومن سيكون هناك؟”
كنت أتناول شريحة لحم إمبراطورية فاخرة بينما أشاهد شجارهما العبثي.
أبي، الذي بدا عازمًا على إحضار أفضل العرسان أمامي، رد بجديّة
“الكثير من نبلاء العاصمة، وأمراء العائلة المالكة… آه، بالمناسبة، سمعت أن الأمير الخامس قد وُلد مؤخرًا، ويقال إنه وسيم للغاية.”
جميع الأطفال حديثي الولادة يُقال عنهم إنهم وسيمون وجميلون!
حتى أمي قطّبت حاجبيها وهي تقطع شريحتها.
“هل تعتقد حقًا أن فارق العشر سنوات منطقي؟”
“إذًا، ماذا عن الأمير الثاني أو الثالث؟ سيكونان بعمر مناسب لبرِيل.”
ثم أضافت أمي، التي بدت وكأنها تأخذ هذه الفوضى بجدية، قائلة
“بما أنهم أبناء الإمبراطورة، فلن يكونوا متورطين في صراعات السلطة، لذا يمكننا التفكير في الأمر.”
لكن لماذا نتحمس لأمر لا يفكر الطرف الآخر فيه حتى؟
بالطبع، من المحتمل أن يقعون في حبي من النظرة الأولى، لكن…
“على أي حال، رأي برِيل هو الأهم. ما نوع الشخص الذي يعجبكِ؟”
توجهت إليهما أنظارهما في آنٍ واحد.
بصراحة، يعجبني الرجل المهذب، الرومانسي المخلص، الذي يكون لعوبًا قليلًا، لكنه يفسح لي المجال نهارًا ويتحكم في الأمور ليلًا…
ومؤخرًا، أضفتُ معيارًا جديدًا: رجل جميل!
لكنني ابتلعت كلماتي قبل أن تخرج، خوفًا من أن يذهب والدي المسكين للبحث عن شخص بهذه المواصفات في أرجاء الإمبراطورية ليلاً ونهارًا.
ومن ثم، تبدأ أمي بالبكاء تأثرًا…
أبي، الذي قد لا يكون قادرًا على إحضار النجوم لي، لكنه قد يذبح تنينًا من أجلي، نظر إليّ مبتسمًا، فقلت له بلطف
“شخص مثل أبي!”
وكما توقعت، لم يكن هناك أي فرصة أن ينجو الأب المغرم بابنته من هذه الإجابة.
سرعان ما ارتخت ملامحه، ثم ضمني بين ذراعيه وهو يبتسم ابتسامة ذائبة.
بينما نظرت إلينا أمي بقلق بالغ.
* * *
في الفترة الأخيرة، أصبح والداي مشغولين للغاية، بالكاد يحصلان على وقت للراحة.
وحين عثرتُ على تصريح سفر عبر القارة في غرفتهما، كدت أفقد وعيي من الصدمة.
‘هل قررا فعلًا البحث عن شريك زواجي في إمبراطورية أخرى؟’
لحسن الحظ، لم يكونا متهورين إلى هذا الحد، بل كان الأمر متعلقًا بأعمال التجارة.
فقد تبيّن أن الأقمشة التي اخترتها من بين مجموعة عرضتها أمي قبل فترة حققت نجاحًا كبيرًا.
نتيجةً لمعرفتي من حياتي السابقة، بالإضافة إلى تأثير الانتقال إلى هذا الجسد، تمكنتُ من تحقيق هذه النجاحات. لكن أمي، التي لم تكن تعلم بذلك، لم تتوقف عن الإشادة بي، قائلة إن لديّ “حسًّا رائعًا”.
لم يكن ذلك كأمٍّ فقط، بل حتى كرئيسة لمجموعة يوسْتيس التجارية، بدأت تعتمد على حدس فتاة في العاشرة من عمرها.
يمكنني معرفة ذلك من الطريقة التي كانت تستشيرني بها في كل مرة تصل فيها بضائع جديدة.
وكالعادة، كان والداي مترددين في مغادرتي وحدي، لكن في الحقيقة، كان هذا أمرًا يستحق التهنئة.
فهذا يعني أن أعمال مجموعة يوسْتيس التجارية تزدهر أكثر فأكثر.
بالطبع، لو كان بإمكاني مرافقتهم، لكنتُ مساعدة كبيرة لهم.
لكن والديّ أصرا على أن الجدول الزمني سيكون مرهقًا لطفلة صغيرة، لذا لم يكن أمامي خيار سوى الامتثال لقرارهما.
بعد وداع والديّ، اللذين تركا قبلة دافئة على وجنتي، وأثناء مشاهدتي لقافلة مجموعة يوسْتيس وهي تغادر، توجهتُ إلى مخبئي السري.
وكما هو الحال دائمًا، كان “المشروع السري” يجري على قدم وساق.
امتلأ دفتر الرسم برسومات متعددة لجيّف في بدلات أنيقة وبوضعيات مختلفة.
بينما كنتُ أحدّق فيها بصمت، خطر لي سؤال مفاجئ.
— أين هو مُلهِمي الآن؟
كلما كان والداي يغيبان، كنتُ أتسكع بالقرب من عنوان جيّف على أمل رؤيته صدفةً.
لم يكن ذلك صعبًا، فموقع منزله كان قريبًا من مشغلي.
إقليم يوسْتيس الجنوبي لم يكن صغيرًا جدًا، لكنه لم يكن شاسعًا أيضًا، مما يعني أن هناك فرصة جيدة للقاء غير متوقع.
لكن مثل هذه الصدف لا تحدث إلا في الأفلام والمسلسلات، وليس في حياتي.
لذا، قبل فترة، قررتُ اقتحام منزله بنفسي.
أعلم أن ذلك كان تصرفًا متسرعًا، لكنني لم أمانع.
في النهاية، هناك الكثير لأكسبه عندما أتخلى عن كبريائي.
لكن…
ما إن دخلتُ عبر الباب المفتوح، حتى استقبلني هواء بارد كالجليد.
بدت الغرفة وكأنها مسرح تصوير لفيلم رعب، مظلمة وموحشة.
لم يكن هناك أثر لجيّف، ولا حتى لأي علامة تدل على وجود حياة بشرية. كان المنزل مجرد أنقاض مهجورة.
يبدو أن العنوان المسجَّل في وثائق التوظيف كان خاطئًا.
حتى إنني كنتُ أحمل معي العملة التي أعطاني إياها جيّف كل يوم، على أمل رؤيته مجددًا…
لكن مجرد التفكير في أنني قد لا ألتقيه مرة أخرى جعلني أشعر بالاكتئاب، فأغلقت دفتر الرسم.
لماذا يبدو صوت الأمواج اليوم حزينًا إلى هذا الحد؟
خرجتُ إلى الخارج، فرأيت كايمون يحدّق بي بنظرة قلقة.
منذ أن زرت منزل جيّف، بدأ كايمون يظهر أمامي كثيرًا.
وكأنه نسي أساسيات الحراسة الشخصية.
فالقواعد تقتضي ألّا يظهر الحارس إلا إذا تعرضت حياتي للخطر أو استدعيته شخصيًا.
لكن على الرغم من ذلك، كان هذا الرجل العظيم هنا اليوم، يهدر موهبته في مهمة بلا فائدة.
ومع ذلك، بدا مرتاحًا، وهذا كان مطمئنًا على الأقل…
عندما صعدتُ إلى العربة، بدأ صوت حوافر الخيول الرتيب يرافقني في طريق العودة إلى المنزل، تمامًا كما اعتدت.
من خلال النافذة، لاحظتُ تحركات عدة ظلال. يبدو أن والديّ قررا زيادة عدد الحراس أثناء غيابهما.
فقط شهر واحد بعيدًا، ومع ذلك أرسلوا المزيد من الحماية.
لم أستطع منع نفسي من الشعور بالسعادة.
بل في الواقع، شعرتُ بالدفء.
لشخص لم يعرف أبدًا مفهوم العائلة الحقيقية، كان هذا هو الحلم بعينه.
في حياتي السابقة، كنتُ أعيش فقط من أجل المستقبل.
حاولتُ الهروب من ظل والديّ، اللذين لم يورثاني سوى العنف الأسري والفقر.
كنتُ أرى الحب ترفًا، ولم أحاول حتى تكوين صداقات.
حياتي، التي كانت تقتصر على العمل بجنون، لم تترك لي مجالًا للشعور بالوحدة.
تصميم الأزياء كان المتنفس الوحيد لي.
لكن الآن، بدأتُ أدرك…
كم كنتُ وحيدة في ذلك الوقت.
بينما كنتُ أحدّق في المنظر المتحرك عبر نافذة العربة، بدت حركة الناس في الشوارع أشبه بموكبٍ من النمل.
وعندما انعطفت العربة إلى أحد الأزقة، سمعتُ فجأة صوتًا مألوفًا يصرخ
“اتركني!”
لحظة… لا يمكن أن يكون…؟!
“أوقفوا العربة.”
ما إن توقفت العربة حتى قفزتُ منها بسرعة.
تحركتُ باتجاه مصدر الصوت الذي سمعته قبل لحظات، حتى وصلتُ إلى زاوية مظلمة وعميقة.
لكنني لم أشعر بالخوف.
ففي النهاية، كايمون كان بلا شك يتبعني عن كثب.
عند منعطف الزقاق، وجدتُ نفسي أمام مصدر الصوت مباشرة.
* * *
خلف الوجوه المتزينة بالابتسامات الزائفة في الحفلات، كان هناك وجه آخر أكثر قبحًا لأولئك النبلاء الشباب.
هكذا تبدأ لعبة البقاء للأقوى بين الأطفال.
من يقع في أعينهم يصبح فريسة سهلة، ومصير تلك الفريسة ليس أكثر من مجرد لعبة يتسلون بها.
رغم أنني لم أخُض الحياة الاجتماعية بشكل مباشر، إلا أنني كنتُ على دراية بهذه الأمور جيدًا.
فمثل هذه الأشياء لا تحتاج إلى تجربة شخصية حتى يفهمها المرء.
‘لا بد أن هناك ضحية أخرى اليوم.’
وكانت تلك الضحية، على الأرجح…
“جيّف…!”
ما إن رأيته حتى اجتاحتني مشاعر متضاربة.
لماذا يجب أن تكون أنت هنا بالذات؟!
لكن، في الوقت نفسه، شعرتُ بالارتياح لأنني وجدته أخيرًا.
ماذا كان سيحدث لو لم أعثر عليه؟
لكن بغض النظر عن كل شيء، كيف يتجرؤون؟! مجموعة بأكملها تهاجم فتى واحدًا؟!
حين التفوا نحوي، تعرفتُ على وجوههم على الفور.
كان بينهم حتى أبناء العائلات التي أحضرت والدتي لوحاتهم الشخصية وهي تتحدث عن خطبة محتملة لي.
لم يكن ممكنًا ألا أعرفهم.
وكذلك، لم يكن ممكنًا ألا يعرفوني.
لم يظهروا حتى في الحفل، ومع ذلك التقيتُ بهم هنا؟
كنتُ محظوظة لأنني وُلدت لوالدين صالحين، لكن معظم النبلاء تربّوا على فكرة أنهم فوق القانون.
تم تلقينهم بأن عليهم البقاء في القمة بأي وسيلة، بغض النظر عن الوسيلة نفسها.
والتعليم الخاطئ لا يخلق إلا وحوشًا.
أما هؤلاء الأولاد الذين أمامي، فلم يصبحوا وحوشًا بعد… لكنهم كانوا في طريقهم ليصبحوا كذلك.
ليس كل النبلاء متشابهين، حتى داخل الطبقة نفسها.
وحين أدركوا أنني هنا، ارتبكت المجموعة على الفور، وتراجعوا قليلاً.
أما أولئك الذين كانوا يطأطئون رؤوسهم قبل لحظات، فقد بدأوا يرمقونني بنظرات مترددة.
ثم سُمعت همسات خافتة.
“آنسة… برينتيو؟!”
~ ترجمة : سول.
~ انستا : soulyinl
~ واتباد : punnychanehe