الوقوع في حب الأميرة المزيفة - 6
مع ليالي الخريف الباردة ، تأججت نيران المدافئ في القصر ليعم بعض الدفء ، رغم تمتع العاصمة بمناخ جيد ولطيف وإمكانية الإحساس بمختلف فصول السنة، إلا ان حقيقة وقوع الإمبراطورية في القارة الشمالية جعل خريفها بارداً وشتائها قاسياً ، مع كون الربيع منعشاً بورود متفتحة وصيف بحرارة محتملة ، انتشرت رائحة خشب البلوط المحترق في جميع ارجاء القصر الهادئ ، تاخر الوقت بعض الشيء وقد خيم الظلام ، يبدو ان الضوضاء قد خفت بسبب انتهاء الخادمات من عملهن ورجوعهم إلى المسكن ، تراقصت اضواء الشموع على بعض المستندات التي نظر لها الإمبراطور بحرص شديد دون ان يفهم كلمة من ما كُتب ، استسلم اخيراً لحقيقة انه فقط يقوم بإضاعة الوقت ليضع المستندات جانباً وهو يعصر جبهته ليتخلص من بعض الصداع النابض ، يبدو ان ثيودور مستاء للغاية ليرفض وجبة العشاء ، ثيودور المعاقب قام بطرد جميع الخدم واعاد وجبة العشاء دون ان يلمسها ، تنهد روبرت بحسرة ، ان الندم ينهش داخله منذ وقت الشاي في الدفيئة ، او ربما قبل ذلك ، لو انه أولى هذا الطفل المزيد من الاهتام لربما لم يكن ليصبح ما اصبح عليه اليوم من غضب واستياء ، لطالما كان ثيودور طفلاً طيباً ، طفلاً مضحكاً ببعض التهور ، لطالما كان كثير الابتسام واتسم بالطيبة ، أخفى حساسيته بعناد ، لكنه الان يخفي الماً لا يقوى قلبه الصغير على مواجهته ، ثيودور الذي انتهت طفولته اسرع من اللازم ، كان قد تغير لدرجة محزنة ، يعرف روبرت جيداً ان اليانا سوف تقتله فوراً ان قابلته في الجانب الآخر لما فعله لابنها ، اليانا التي رحلت دون وداع أخذت معاها كل السعادة في حياة هذين ، وتركت جراحاً وندماً فحسب .
كان لابد من صرامة روبرت تجاه افعال ابنه الوقحة رغم علمه بان افعاله لا تعكس إلا خبيئة آلمه ، لربما هذا عذر يستطيع ثيودور الاتكاء عليه للتملص من عواقب عصبيته وافعاله لكنه ليس مبرراً للتحدث مع الضيوف بهذه الطريقة ، خصوصاً من سيصبحون قريباً عائلته ، احترام الامبراطورة المستقبلية والأميرة المقبلة شيء لابد منه ، شيء لابد له من الدفاع والحفاظ عليه ، سيسيليا ليست بشخص قد يتخلى عنه بسهولة ، عليه ضمان بقاءها بجانبه مهما حدث ، أهي انانية منه؟ ، لربما غلطته تكمن في انه لم يقم بإيضاح هذا الأمر لثيودور وقد سبب سوء الفهم ذاك ” بديلة!” فكر بالكلمة بسخرية ، ابحق ضن ثيو ان سيسيليا بديلة لوالدته؟ اهو اب قاسي لدرجة ان يفرض كون امرأة اخرى ان تكون والدة ابنه ؟ وهل ضن بأن امرأة كسيسيليا سوف تقبل برحابة صدر ان تكون بديلة؟! ، ” لابد انه اهان كبرياءها بشدة ، رغم عدم المبالاة التي أبدتها ” ضحك بخفة على تلك الفكرة ، سيكون من الممتع رؤية سيسيليا غاضبة لمرة بدلاً من مظهرها الواثق وكبريائها العالي.
استقام من كرسيه وقد عزم على إيضاح المسائل لثيودور ، الان وقد هداء غضب الاثنان قليلاً لابد لهما من إيضاح بعض النقاط والتحدث واخيراً انهاء سوء الفهم الواقع ، وعد روبرت نفسه ، بأنه سيستمع لثيودور جيداً هذه المرة ، ” انها فضيلة ان يعرف المرء ان الإنصات اهم من التحدث غالباً ” تذكرت حديث تلك الطفلة الشقراء الباسمة، ” ونترهام ليسوا بالأشخاص الذي يملكون حكمة الاستماع ، وهذه نقطة ضعفهم ، علينا فقط جعلهم يتحدثون، اكثر من اللازم ” كانت هذه اقاويل سيسيليا التي عبرت بثقة عن رأيها المعقد ، يستطيع بسهولة مطابقة الابنة بالأم من نواحي عدة .
في اروقة القصر الفارغة عبر روبرت ، بقميص الأبيض البسيط وبنطاله الداكن بدا اكثر بساطة من كلمة إمبراطور ، اشتعلت نيران الشموع والقت بضوءها الخافت على مختلف الأشياء ، شعر روبرت الأبيض الذي بدا يميل للاصفرار بفعل الإضاءة كان قد غسل بشكل جيد وقد فاحت منه رائحة بعض الأعشاب العطرية الفاخرة ، خف صداعه بذلك ، بدا متواضعاً جداً بهذه الهيئة ، فهو الان في هذه اللحظة يعتزم ان يكون بمظهر الاب اللطيف على ان يبدو بمظهر الأمبراطور المهيب ، آخر ما يريده الان هو محادثة زائفة باحترام مجبر عليه مع ابنه ، لربما يتحدث ثيودور بأريحية اكبر حين يقف أمامه روبرت بمظهر الاب لا الإمبراطور ، ، بهدوء شديد قام بطرق باب غرفته ، ( ثيودور ، انه والدك ) ، استمر الصمت يحيط في الأرجاء دون رد من داخل الغرفة ، لابد انه غاضب لدرجة ان يتجاهل نداء والده ، قام بوضع يده على المقبض وفتح الباب دون انتظاره رده اكثر ، الغرفة المعتمة التي اُنيرت فقط ببقايا نيران المدفئة كانت هادئة ، على السرير البعيد في أقصى الغرفة الفسيحة ارتسم جسد الطفل تحت الأغطية ، ” نائم” فكر بها بعبوس ، حتى انه تخطى وجبة العشاء ، كان يأمل ان يصحح الأوضاع من ابنه في أقصى سرعة ممكنة ، لكن ايحتاج ثيو المزيد من الوقت ليهدأ ؟ ، خطى بخفة ناحية السرير الساكن ، لم يتحرك ثيو حتى بعدما جلس روبرت بجانبه ، غطت الملائة جسده بالكامل عدى راسه وخصلاته البيضاء ، رغم تشابههما الشديد إلا ان ثيودور كان يميل بالتأكيد إلى الاتصاف بحيوية اليانا اكثر ، لربما الان اصبح يشببه اكثر من ما مضى ، (لم يمضي اكثر من شهرين على يوم مولدك )، همس روبرت وهو يحاول التربيت بخفة على رأس ثيودور النائم ، ( لقد أصبحت شاباً كما ارى ، كنت مخطئاً ، انه بالفعل الوقت المناسب لتعلم ومعرفة الأمور ) رغم تمسيداته الخرقاء إلا ان نبرته كانت صادقة بالفعل ، شعر بالخطأ الذي ارتكبه ، ثيودور لم يعد طفلاً ، سيكون من الجيد معاملته على هذا النحو واشماله بالأوضاع المختلفة ، رغم كون روبرت قد بدأ بالانخراط في السياسة وأخذ دروس الخلافة منذ عمر الخامسة ،إلا انه لم يتوقع ان خلافة العرش في عمر العشرين سيكون صعباً للغاية ، فكيف يستطيع ان يثقل كاهل ابنه وان يجعله يتجرع من ذات الكأس ، لربما لفترة اطول قليلاً أراد رؤيته مرتاحاً ، واجباته كخليفة ، تلك المسؤوليات المرهقة قد تنتظر اليس كذلك؟ ، لربما اخطئ في ذلك ايضاً ، هذا الاب كثير الاخطاء ، أطلق تنهيدة حزينة قبل ان يهمس لابنه مرة اخرى ( اسف ، ثيودور ، كل ما حدث كان بسببي أنا ) مع تمسيدة اخيرة رفع روبرت ثقله باقل حركة ممكنة حتى لا يزعج نوم ابنه العزيز ، بخطوات اثقل من المعتاد غادر الغرفة ليعم الصمت ارجاء القصر من جديد .
……….
( مالذي يفعله؟!) بلهجة شديدة سأل الإمبراطور خادمة الأمير دوروثيا التي احنت رأسها خائفة من النظر حتى إلى وجه الامبراطور بينما ارتجفت اطرافها قليلاً ، ( انه … ساحة التدريب … يتدرب … ) تلعثمت دوروثيا وهربت منها الكلمات بسبب موقف الامبراطور ، رغم محاولته المثابرة في اي يكون اكثر ودية مع ابنه إلا انه كان شخصاً حازماً للغاية ، كان صارماً ومخيفاً ، ببنيته العضلية التي اكتسبها من خلال التدريب الشاق والمعارك الطاحنة وبطوله الي يلقي بظلاله على جسد دوروثيا المنكمش بدا مخيفاً للغاية ، ( يتخطى الوجبات ويهلك ذاته في التدريب ، ياله من تمرد ، اهذا ما ائتمنتك عليه سيدة دوروثيا؟ ) مع اعلى قدر ممكن من الهدوء الحالي ، ومع لهجة باردة لم يستطع التحكم بها ، نهض الامبراطور وهو يواجه المربية الشابة التي بدا يقطر منها العرق البارد ، ( جلالتك ، ان الامير ، في عمر حساس لذا …) ( لذا سمحتي له بتجوع نفسه وايذاء جسده ) أطبقت دوروثيا فمها بعدما قاطعها الامبراطور، هو محق ، إهمال الأمير لنفسه بهذه الطريقة هو شيء غير مقبول ، رغم محاولة دوروثيا لاقناع الأمير إلا انه اعند من والده حتى ، تبريراتها ماكانت تزيد الأمر إلا سوءاً ، ( اسفة سموك ، سأبذل جهداً اكبر ) انحت وهي تنطق بكلمات الاعتذار بينما يغطي العرق البارد جبهتها ، لم يقصد ان يخيف الخادمة ، لانفعالته مؤخراً اسباب عدة وامتزاج مشاكل لا حصر له ، تنهد وهو يحاول ان يكون اقل انفعالاً على الشابة المرتجفة أمامه ( اعدي وجبة للأمير ) خطى بخطوات سريعة مغادراً غرفة الطعام دون ان يتناول إفطاره حتى تاركاً دوروثيا تتمتم كلمة امرك .
شاركوني رأيكم وتعليقاتكم على الإنستقرام : @yumir_a27 ❤️