الوقوع في حب الأميرة المزيفة - 5
بديلة
وقع تلك الكلمة البسيطة كانت صاعقة لمسامع ثيودور ، ترددت صدى كلمة اخي في عقله وطنت حتى أثارت أعصابه ، “اخي!” ، شد قبضته في غضب بينما لم يتنسى لاوفيليا تصحيح وقفتها بعد ، ( يالكِ من شيء وقح! كيف تجرؤين! ) اندفع ثيودور الغاضب ناحية اوفيليا التي وقفت اخيراً بثبات واضعتاً كفوفها فوق بعضها، منعت ذراع الامبراطور تقدم ثيودور الذي بات يحارب للتخلص من قيوده بعصبية وهو لا يزال يبصق غضبه على اوفيليا ، ( قوليها مرة أخرى! اتحداكِ!، ان اردتِ إراحة كتفك من ثقل رأسكِ الاحمق الفارغ فقوليها مرة أخرى!) ، ارتسمت على محيا اوفيليا صدمة ممزوجة بالتوتر ، رؤية الأمير في حالة فوضوية من الغضب اثارة صدمة الجميع ، ، سيسيليا ، الإمبراطور وحتى الخدم الذين وقفوا يتفرجون من بعيد قد ساورهم القلق ، هذا سيء ، سيء للغاية ! ، (ثيو، هذا يكفي ) حاول روبرت الحفاظ على ثباته وعطفه على ابنه المنفعل ، أراد ان يكون اللقاء جيداً ، لكن يبدوا بان اللقاء اليوم انتهى قبل ان يبدأ ، اشتعلت أعين ثيودور وباتت كالذهب المنصهر ، هذه الطفلة ، تقف بثبات بينما يحرج هو نفسه ، هذا يثير غضبه اكثر ، ( أنا اسفة سمو الأمير ، اخطأت ابنتي المتحمسة اختيار الكلمات ، انها غلطتي لتقصيري بتعليمها ،، اوفيليا ، اعتذري لسموه عن هذه الوقاحة فالحال !) سيسيليا التي أوضحت موقفها الحازم جراء فعل ابنتها كانت قد وجّهت عينيها الصارمة تجاه اوفيليا في انتظار اعتذار منها للفعل الذي رآه الأمير وقحاً ، لكن الأمر لم يجري كما ارادته ، قبل حتى ان تستطيع اوفيليا تقديم اعتذارها كان ثيودور قد غير خصمه ليصبح الان سيسيليا ، كم بدأ صوتها مزعجاً له ، ربما لم يملك مشكلة حقيقية مع اوفيليا ، لكنه الان قرر إطلاق العنان للعداوة التي خبأها لسيسيليا ، أطلق ضحكة ساخرة لفتت انتباه الجميع ، كان لا يزال مفصولاً عن السيدتان ومقيد بذراع الإمبراطور حيث أدار رأسه ناحية سيسيليا وملامحه الغاضبة امتزجت بالسخرية ، ( مالذي تفعلينه الان ؟) ، سيسيليا التي لم تتغير تعابيرها نظرت باعين الأمير بثقة ، عيونه المشتعلة بدت وكأنه على وشك إحراقها ، ( ثيو أخبرتك ان تتوقف !) بحزم اكبر وقوة ردع اقوى تصرف الامبراطور ، لم يرد ان يكون قاسياً على ابنه ، خصوصاً أمام الناس ، لا يريد ان يلطخ كرامة الامير او ان يختار احداً عليه ، سيحاول ردعه بالأوامر ، لكن لثيودور رأي اخرى ، كان ناراً مشتعلة مستعدة لتحرق كل ما أمامها الان دون الاكتراث لكونه يحترق بالمثل ، عقله الثائر الان لا يستطيع الاهتمام بأمر الامبراطور ، ( من اعطاكِ الحق لتتدخلي في شؤوني ! ، من تظنين نفسكِ! مالذي تنتظرينه!! ، يالكِ من امرأة طماعة لرغبتكِ بكل ماهو ليس لكِ! ، أتريدين ان تصبحي إمبراطورة باستماتة؟ هل تعجبكِ السلطة والمكانة لهذه الدرجة؟ لدرجة ان تطمعي بما ليس لكِ؟! ، اعلمي جيداً انكِ لن تصبحي مثلها ابداً ، لن تصبحي حتى بديلتها ، لذا لا تحاولي حتى ، لستِ بمكانتها ولن تصبحي ، لستِ إمبراطورة ،لستِ والدتي!) ( ثيودور دي المير !) وسط انفعال ثيودور واشتعاله قاطعه روبرت بصرخة مخيفة أسكتته على الفور ، كان سماع شهيق بعض الخادمات واضحاً وسط هذه الأجواء المتوترة ، الأمبراطور الذي حاول منع ابنه مع الحفاظ على كرامته استسلم بعدما شهد وقاحته اللا متناهية ، لا يهم كونه اميراً ، لا تهم كرامته ، ثيودور تجاوز كل الحدود ! ، ( اي كلمة خاطئة اخرى تنطق بها الان سأجعلك تندم عليها بشدة ) ملامح روبرت الغاضبة كانت شيئاً نادراً للغاية بالنسبة لثيودور ، شعر وكأن دلواً بارداً من الماء قد سكب على رأسه ، تبدد الغضب وخارت قوة الامير في المقاومة ، لأول مرة يوجّه الإمبراطور هذه اللهجة العنيفة والتهديد الحانق إلى الأمير المتمرد ، ملامح ثيودور التي تحولت من الغضب للحزن والتشتت كانت تعكس جوهر أفكاره الان ” لقد فشلت ، اختفت سعادة والدي ” مرت الافكار سريعاً في ذهن ثيودور بمختلف المشاعر ، ” لقد اخطأت ، أنا افسد حياته فحسب ، لا ، هو لم يفهمني ، لقد حاولت ، لقد اهانني ، اختار صفها بدلاً عني ” بعد لحظة صمت تبعها هدوء وسط نظرات الإمبراطور الحازمة ، حرر ثيو بخفة ذراعه من بين قبضة الإمبراطور وهو يشعر بشيء قد كسر في صدره ، تبع ذلك ابتسامة ساخرة واعين تلمع بالدموع على محياه ، ( نعم ، ربما الأمر كذلك ) رد على خاطرة جابت عقله بينما رفع نظره لوجه والده مع سقوط قطرة من الدموع على خده ( شخص مخزي مثلي يجب ان يُستبدل كذلك ، تهانينا جلالتك على عائلتك الجديدة ، لا تقلق ، لن اسبب لك الاحراج بعد الان ، اتمنى ان ينسى جلالتك فعلي المخزي ، فأنت تجيد النسيان ) صر الإمبراطور على إنسانه بغيض ، هذا الفتى يدفع اليوم للجنون ، لم يتخيل قط ان يصل لهذا المرحلة من الغضب تجاه ابنه الوحيد العزيز ، شد على قبضته بينما فقد السيطرة على صوته ( دوروثيا!!) ، ارتجفت الخادمات ومن بينهن دوروثيا جراء صراخ الإمبراطور قبل تندفع بسرعة ناحيتهم ، لم تستطع إلقاء تحيه بالشكل الصحيح حتى ، سرح الإمبراطور شعره بعنف للوراء بينما يحاول كبح جماح غضبه ، ( خذيه إلى غرفته ، فوراً ، على هذا الوقح تعلم بعض آداب السلوك !) أجابت دوروثيا المتوترة وهي تطأطئ راسها ( ن…نعم جلالتك ) ، (سمو الأمير ،لنذهب ) دوروثيا التي حاولت بلطف اخراج الأمير من الموقف جازت بالرفض ، ( أستطيع الذهاب لوحدي ) ابعد يدها بعنف بينما حدق للمرة الأخيرة بمشهد هاؤلاء الثلاثة ، هذه العائلة الزائفة ، قبل ان يستقيم بمشيته دون إلقاء نظرة اخرى للوراء .
تنهد الامبراطور وزفر زفرة طويلة بينما يبتعد ظل ثيودور اكثر فأكثر ، وضع يده على عينيه وهو يعصر جبهته بقوة لعل صداعه يقل قليلاً ، ( اسفة جلالتك ، اخطأت ابنتي المتحمسة بسبب تقصيري في تعليمها ) ، نطقت سيسيليا بعد لحظة صمت بينما تنحني وتطأطئ راسها تعبيراً عن اسفها لما حدث ، اوفيليا ، التي لم تتوقع ان تكون الأمور بهذا السوء انحت بصدق وهي تردد اعتذار والدتها ، حسناً ليس رد فعل لم تتوقعه ، لكن فالواقع ردة فعل الإمبراطور البطيئة هي التي إثارة حيرتها ، لقد صب الأمير الكثير من الكلمات قبل ان يوقفه الامبراطور ، الإمبراطور الحازم بدا متردداً تجاه ابنه، هل يعتز به لهذه الدرجة ؟ ، والاهم من ذلك ، لا يزال ثيودور لم يكشف كل اوراقه، توقعته ان يباشر فوراً بالإفصاح، لربما ، إذا لم يوقفه الإمبراطور ولم تعلوا وجهه تلك النظرات المكسورة لاستمر ثيودور بالإفصاح عما يخبئه اكثر ، كان من الصعب فهم ما يدور في خواطر الأمير المعقدة ، ولابد ان الذي حصل للتو كان كثيراً ، ولكن ، ما حدث بالتأكيد خطوة للأمام كما ترى اوفيليا ، ولم يرى احداً آخر .
..
( يؤسفني ما حدث ، لكن يبدو ان استمرار وقت الشاي هذا يعد شيئاً مستحيلاً وسط هذه الأجواء المضطربة ) ، الإمبراطور الذي حاول الحفاظ على ما تبقى من هدوئه حاول إنهاء الأمر سريعاً ، فكم سيكون غريباً إكمالهم لاحتساء الشاي وتجاهل العار الذي رسم المشهد ، ( سيكون من الجيد ان ان نعود قبل حلول الظلام ، اسمح لنا جلالتك ) سيسيليا التي طلبت الانصراف بأدب كانت لا تزال تحافظ على ذات الملامح منذ وصولها ، يبدوا انها لم تتأثر بما حدث وقيل تواً ، لكن روبرت لاحظ ذلك ، عينها مضطربة ، ( اقدم خالص اعتذاري لجلالتك ولسمو الامير عن الخطأ الذي ارتكبته ، اعذر تواضع معرفتي جلالتك ) اوفيليا التي انحنت بأسف وباعتذارها الصادق استطاعت تقليل غضب الامبراطور بنسبة طفيفة ، ” ربما تسرعت قليلاً ، لكنها لم تُجرم ، طفلة ذكية ولطيفة مثلها لا يمكن ان تقصد اي سوء ” ، حاول الامبراطور رسم ملامح الطف على وجهه المشدود فهو لا يرغب بمعاملة الطفلة بقسوة ، لم يرد معاملة طفله بقسوة كذلك ، بداء بعض اللوم الذاتي ينهش عقله ، ربت على شعرها الأشقر واستخدم لهجة اقل حدية، ( لا تقلقي أيتها الانسة الشابة ، سأحرص على تصحيح سوء الفهم مع الأمير ) ، ابتسمت اوفيليا برضا ، ممتنعة على لطف الإمبراطور ، ” لا تقلق حيال ذلك ” فكرت اوفيليا بنفسها وقد بدأت خطوتها التالية تتشكل في عقلها بالفعل ، ( شكراً جلالتك ، اذاً اسمحا لي اولاً) ودعتهم اوفيليا وسلكت طريق الخروج تاركتاً اياهم لبضع لحظات منفردة ، ضربها هواء الخريف البارد بينما بدأت أشعة الشمس تقلل من سطوعها .
( جلالتك ، تحدث معه بهدوء ، لا يبدو الأمير في حالة جيدة ). سيسيليا التي تمسكت بذراع الإمبراطور اخرجت كلماتها برجاء نقي ، ليست غلطة هذا الطفل ان الحياة يجب ان تستمر ، شعرت بالشفقة تجاهه ، بينما تمر الفصول وتنقضي الأعوام ، هذا الطفل لا يزال عالقاً في الماضي ، ( شكراً لصبركِ ، سيسيليا ) رد الأمبراطور بتنهد بينما يربت على كفّها بامتنان .