الوقوع في حب الأميرة المزيفة - 2
في الوقت المناسب
رغم اهتزاز العربة المستمر ثبتت الآنستان بأناقة في مقاعدهن ، بيد تغطيها أقمشة الدانتيل متقنة الصنع ازالة المرأة ستار النافذة استعداداً لاستقبال احد أجمل بقاع الإمبراطورية ، القصر الإمبراطوري يبدو وبأنه رغم رؤيته لمرات عديدة الآن إلا أنه يبقى شيئاً مبهراً ، قصر ضخم بأعمدة رخامية كبيرة ، نوافذ كريستالية على طول الجدران وتلك الحدائق الواسعة على مد النظر ، رغم منظر البذخ الواضح إلا ان الاعتراض على وجود هذه التحفة المعمارية هي الجريمة الحقيقية ، قوة وهيبة العائلة الإمبراطورية تتجسد في ذلك البناء من ما يجعله مرآة للنبالة وقوة العائلة الحاكمة ، العائلة التي ستحظى بفردين إضافيين قريباً ، لوت ابتسامة طفيفة على شفتيها وهي تحدق بأعين زرقاء مرتاحة ، ( ليا ) نادت المرأة الطفلة الهادئة القابعة أمامها بمحبة ، ( لقد وصلنا ) ، تبدد تركيز أوفيليا الذي انصب على قطعة القماش أمامها ، جانباً اصبح مكانه بدلاً من بين أناملها ، بابتسامتها المشرقة أجابت والدتها ( نعم ، من اللطيف العودة مجدداً) نطقتها بقدر معقول من السعادة وهي تنقل عينيها للمنظر الخارجي مع اقتراب العربة من بوابة القصر اكثر وأكثر .
( سمو الأمير!) حياه ليونارد مع رؤيته لإقباله من بين الأشجار برفقة دوق دونافان الشاب ، تجاهله ثيودور وهي يمشي بخطى سريعة الحديقة الخلفية ، تبعه كاسيس بلا مبالاة وهو يضع يديه في جيبه ، لم يدر اي حديث بين الاثنين بعدما حدث في الغابة ، لم يشعر اي منهما بضرورة قول المزيد ، كانت تلك علاقة مثالية ، ( الانسة دوروثيا تبحث عن سموك ) تحدث ليونارد بلهجة هادئة وهو يتبع سيده الغاضب سريع المشي ، صمت ثيودور لحظات قبل ان يسأل بلامبالاة مزيفة وهو يستمر بخطاه ( ماذا عن سموه ) كان ثيودور مستعداً لردة فعل والده ، رغم كونه طفلاً متمرداً إلا ان جلالته كان متساهلاً مع ابنه الوحيد للغاية ، لكن إلى متى سيستمر بعصيان أوامر والده ؟ الإمبراطور الحازم الذي لم يقدم اي استثناءات سوى للأمير ، لاي مدى سيستمر بدعم تمرد هذا الطفل ؟ ربما كان هذا المدى كافياً ، حسناً هو مستعد للعقاب هذه المرة ، بقناعة تامة بان الأمر يستحق هذا العناء واية عقوبة ، على الاقل لقد حافظ على ذكرى والدته ولم يطمسها ، لا يمانع العقاب على على ذلك،(حرصت الانسة على عدم تسرب الفعل إلى مسامع الامبراطور ، لا يزالا في الانتظار ) ، توقفت خطوات ثيودور وسط دهشة منه وكاسيس ، شد على قبضته بشدة وهو يلتفت ناحية فارسه فارع الطول اسمر البشرة ، كان يعلم جيداً معنى ما قاله ، ( أحسنتم خداعي !) كان يبدون وكأن ثيودور يكبح غضبه بصعوبة ، تعرض للخداع ، ظن ان الزيارة ستجري كما العادة في فترةالصباح ، لقد تم خداعه باعطائه معلومات مغلوطة ، جُرحت كرامة الامير ، أحنى ليونارد رأسه وهو يجيب بنبرة اسفة ( ليس الأمر كما يظن سموك ، جلالته مشغول ببعض المستندات لذلك تم تأجيل موعد الزيارة هذا الصبح لفترة بعد الظهر ) ، التوت شفتيه كاشفة عن اسنانه المرتجفة ، لربما لو كان شخصاً غير ليونارد لكان قد صب عليه غضبه منذ مدة ، لكنه اضطرّ إلى ابتلاعه فحسب ، ( حمقى!) تمتم بين اسنانه وهو يعاود الاندفاع ناحية القصر ، ( لا مفر اذاً ) همس كاسيس بعدما جارت قدماه وقع اقدام ثيودور الغاضب ، ( انتهت الأعذار ، عليك مقابلتها ) هدوء كاسيس أثناء تمتمته بهذه الكلمات أثار اعصاب ثيودور اكثر ، نعم انه ليس ليونارد ، يستطيع افراغ حمم افكاره على شخصاً ما ، ( اصمت! وكأنني لا ادرك الأمر! انت مزعج للغاية حتى بعدما أخبرتك بجوهر الأمر تستمر بإثارة أعصابي ببرودك السخيف وكلماتك الاسخف ، يالك من صديق !) نظر ثيودور إلى كاسيس باعين ذهبية مشتعلة وهو يسرع اكثر في خطاه ، ان لم يفهم صديقه موقفه فما فائدته الآن؟ ، مدركاً لافكار صاحبه ولغصبه ، وضع كاسيس يده كل كتف ثيودور وهو يمنعه من اكمل المشي ،( ثيو ) قالها بتنهيدة ، ( ان لم تواجه جلالته بما في خاطرك اليوم فستخسر عائلتك باكملها ، وقد تخسر ذاتك ايضاً ، اخبره بما تظنه ، قابل الامبراطورة المستقبلية وتوصل لحل ، صمتك لم يحمل إلا ألماً طوال خمسة أعوام ، هل تظن سيجلب لك سلاماً الان؟) بكلمات مختارة بعناية نطق كاسيس بنبرة هادئة لكن مهتمة هذه المرة ، بالطبع يهتم لصديقه ولن يقبل ان يراه يسعى في ما تبقى من حياته في الهرب من مواجهة والده وذاته ، هذا شيء على ثيودور ان يفعله بنفسه ، اهتزت عيناه الذهبيتان ، داعب نسيم الخريف شعره الأبيض بينما حل الصمت لثواني معدودة ، يدرك تماماً صحة ما يقوله كاسيس ، لكن ، هل يستطيع الحديث عن جروح الماضي ،ع والده الان وهو يعلم بان جرح والده لا زال ينزف ، لم يكن ثيودور أنانياً ، كان يعلم بان الأمر صعب على والده اكثر منه حتى ، هل هو مستعد لرؤية والده بتلك الحالة مرة أخرى؟ هل يستمر بالغضب والتذمر رؤية الحياة تستمر بينما هو عالق في عمر الثامنة ام ينطق اخيراً بما في جوفه ويرى تلك النظرات على محياه مرة أخرى ، ( سمو الأمير!) قاطع صراخ دوروثيا القلق لحظة الصمت ، أزال كاسيس يده من على كتف ثيودور المتسمر مكانه واعاد يديه إلى جيوبه ، ( الأمر متروك لك ، ثيو ، اتمنى حقاً ان تحسن الاختيار ) كانت هذه كلمات كاسيس الأخيرة قبل ان يمشي تاركاً وراءه ثيودور في نفس المكان بينما اندفعت له دوروثيا وهي تركع بركبتيها على الارض تتفحص صحة ثيودور ونظافة ثيابه ، ( الحمد لله وجدتك في الموقت المناسب ، اوشكت العربة على الوصول لنستعد بسرعة سموك) بشكل غريب انقاد ثيودور بواسطة دوروثيا المتوترة لإكمال الاستعدادات رغم كون عينيه لا تزالان فارغتان ، اكمل كاسيس سيره للبوابة الرئيسية ( لنعد بسرعة ) قالها للخادم قبل ان يغلق باب العربة المتجهة نحو قصر دونافان ، وقبل ان يرى اخيراً تلك المرأة الشقراء المزعومة وهي تنزل من عربتها الفاخرة، بفستانها الأزرق الفاتح وقبعتها الدائرية الكبيرة وسط تحية أفراد وموظفين القصر ، استقبال يليق بإمبراطورة واعدة ، وأميرة صغيرة تبدوا مثلها تماماً.