القديسة؟ لا، أنا مجرد طاهية متواضعة في مطعم بسيط - 004
«أنتِ؟! احتمال أن تكوني القديسة؟!»
ساد الصمت القاتل في أرجاء القاعة، وتردد في أجوائها صوت ضحكة جافة. كان الأمير هو من ضحك.
قال الأمير مستهزئًا: «هاه! يا للسخافة. القديسة التي يتم استدعاؤها من خلال الطقوس تختلف عن تلك التي تظهر تلقائيًا في الطبيعة. القديسة المستدعاة تحمل صفات خاصة: شعر بلون العسل الذهبي ينساب برقة، عيون تفيض بالرحمة، صوت خافت أشبه برنين الأجراس الضعيفة لكنه يعكس قوة إرادة صارمة. هذا ما ورد في الأساطير».
ثم أشار الأمير إلى فتاة ذات شعر بني فاتح بتألق مسرحي وهو يقول: «مثلها تمامًا»، متراجعًا بخطوة للخلف قبل أن يمد يده نحو الفتاة بجواره بحركة مسرحية أثارت الضيق في نفسي أكثر مما أضافت جمالًا إلى المشهد.
رائع حقًا! لكنه مجرد تصنع فارغ. لو كان الأمر يتعلق بالمظهر، لكان زيجفريد أكثر أناقة وتألقًا من هذا الأمير المدّعي!
أما المرأة ذات الشعر الأسود، فقد كانت تنظر إلى الأمير بنظرة باردة تخلو من أي انفعال، أو ربما كانت نظرة تحدٍّ؟ ما قاله الأمير كان صريحًا في التحيّز، ومن الطبيعي أن يثير استياءها.
قال الأمير بحدة: «إذن، أين التشابه بينك وبين القديسة التي تحدثت عنها؟»
أجبته ببرود: «هل عندما تستدعون القديسة يظهر دومًا أشخاص متشابهون؟ أم أن القديسة تُختار بناءً على الجمال وليس القدرات؟»
ارتبك الأمير وصرخ بنبرة متوترة: «مستحيل! ليس الأمر كذلك… أنا فقط…!» ثم أدار عينيه بعيدًا، وكأن الفكرة لم تخطر بباله أصلًا.
مثير للسخرية.
واضح أن هذا الأمير لديه صورة مثالية عن القديسة المستدعاة، وقد اختار أن تكون تلك الصورة مجسدة في الفتاة ذات الشعر البني الفاتح. يا ترى، أهذا هو حال هذا البلد؟
قال فجأة: «حسنًا، سنتحقق الآن من الحقيقة. أحضروا الأداة!»
اقترب أحد الحراس، حاملًا وسادة صغيرة وضعت عليها كرة كريستالية شفافة.
ما هذا؟ أداة للتحقق؟ هل سيقررون هنا إن كنت قديسة أم لا؟
قال زيجفريد باعتراض: «مولاي، هذه الكرة قد تحطمت من قبل…»
رد الأمير بابتسامة واثقة: «أجل، لكنها صُنِّعت من جديد. لقد أصلحها المسؤول عن تحطيمها، وهو ساحر بارع. حان وقت استخدامها الآن».
اقترب مني أحد الحراس ووضع الكرة في يدي دون أن يترك لي فرصة للرفض.
قال الأمير بصرامة: «والآن، ركزي طاقتك عليها».
تساءلت بحيرة: «كيف أركز طاقتي؟»
صرخ الأمير بنفاد صبر: «يا لكِ من بطيئة الفهم! ركزي وكأنك تصبين طاقتك فيها!»
يا للشرح العبقري! كتمت غيظي وركزت كما أمرني. قيل لي إن القديسة عندما تركز طاقتها، تشتعل الكرة بضوء أبيض ساطع يغمرها بالكامل. بالطبع، وأنا لست قديسة، لم أكن أتوقع أن يحدث شيء. لكنني لم أشأ أن أثير الشكوك، فاتبعت التعليمات على مضض.
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان.
لمع الضوء فجأة من أعماق الكرة، طاعنًا عيني بوهجه، ثم دوت قعقة حادة وهي تتحطم إلى شظايا تتناثر في أنحاء الغرفة كحبات البلور.
صاح الأمير بغضب: «ما الذي فعلتهِ؟! هل تعمدتِ كسرها لتخفي كذبك؟! حتى لو كنتِ حقًا زائرة من عالم آخر، لا أصدق أنكِ غبية لهذه الدرجة! ولكن لن تفلتي من العقاب على هذا!»
صرخت محتجة: «لم أفعل شيئًا! كل ما فعلته هو ما طلبته مني! إذا كنت تريد أن تلقي اللوم على أحد، فلن أتحمل المسؤولية وحدي! أنا… أعتذر عن كسرها، لكن…»
«كفى!» قاطعني الأمير وهو يزداد غضبًا: «لا تحاولي تبرير ما لا يُبرر! كذبك لن يُغتفر!»
بينما كان الجو متوترًا، تقدمت المرأة ذات الشعر الأسود بهدوء، ثم رفعت يدها بخفة قائلة: «عذرًا، أليس من الأفضل أن تكفوا عن التحدث وكأنني غير موجودة؟ أنا أيضًا معنية بالأمر».
بهذه الكلمات الحازمة، فرضت المرأة هدوءًا غريبًا على المكان، مما أتاح لي التراجع بخطوة للوراء.
في النهاية، استطاعت المرأة ذات الشعر الأسود أن توقف الأمير، بل وتجبره على قبول وجودي كزائرة من عالم آخر دون أي اتهامات إضافية.
وعندما انتهى كل شيء، قال زيجفريد بابتسامة: «لن يضيركِ هذا، وسأضمن ألا تواجهي أي مشكلات أخرى. دعينا الآن ننطلق إلى المدينة».
رافقني عبر ممرات القصر الملكي الفاخرة، حيث كانت أشجار الكروم والزهور تحيط بالطريق المؤدي إلى البوابات. ومع ذلك، لم أكن أفكر في جمال المكان بقدر ما كنت أفكر في نظراته، تلك النظرات التي أسرتني بطريقة لم أستطع فهمها.
قال بابتسامة عابثة: «حقًا، لم أضحك هكذا منذ فترة طويلة. شكري لكِ على ذلك».
في تلك اللحظة، لم أستطع سوى التفكير… أنه حتمًا، ليس مجرد فارس عادي.
***
بعيدًا قليلًا عن صخب المدينة، في زقاق هادئ، كانت تقع تلك الحانة. بناء خشبي جديد يضفي عليها مظهرًا أنيقًا، أقرب إلى مطعم صغير منه إلى مجرد حانة متواضعة.
كان اسمها “ريستورانتي هارولد”، محاطة بأشجار وفّرت ظلالًا واحة تحيط بالمكان، مما أضفى عليه سحرًا طبيعيًا.
عندما فتحت الباب، رنّ صوت خفيف منعش كما لو أنه يرحب بالزوار.
“أوه، جاك! لم أرك منذ فترة. هل جئت لتتذوق طعامي؟ أنت دائمًا مرحب بك هنا!”
في عمق الحانة، وقف رجل يتحدث بنبرة مفعمة بالود. بدا أنه صاحب المكان. شعره بلون الأخضر الربيعي يتدفق بسلاسة، وعيناه الذهبيتان اللامعتان عكستا دفئًا لا يتوقعه المرء من صاحب حانة. بدا أصغر وألطف بكثير من الصورة النمطية التي ترسمها المخيلة.
كان من الواضح أنه يعرف “جاك” جيدًا، إذ دعاه باسمه المختصر.
قال جاك بثقة:
“لا، لم أأتِ لتناول الطعام هذه المرة، بل للتفاوض معك. أريد منك أن تسمح لهذه الشابة بالعمل هنا. لقد وجدت نفسها متورطة في استدعاء القديسة، ولا أظنك سترفض.”
صاحبه، الذي بدا عليه الفضول، رفع حاجبه قليلًا:
“متورطة في استدعاء القديسة؟ حسنًا، لم أكن أعلم أن هذا ممكن، لكن… يبدو أن آثار السحر لا تزال واضحة عليها. نعم، لا يمكنني رفض طلب كهذا.”
بعد لحظة من التفكير، التفت صاحب المكان نحوي بابتسامة مشرقة:
“تشرفت بمعرفتك. أنا هارولد هيويت، مجرد رجل بسيط يدير هذه الحانة بمفرده. المكان هنا هادئ ولا يجذب الكثير من الناس، لذا أعتقد أنك ستجدينه مريحًا. سررت بانضمامك.”
أجبت بخجل:
“أنا كابراغي رين. سررت بالتعرف إليك، وأتطلع إلى العمل معك.”
“رين؟ سأحفظ اسمك بالتأكيد. على أي حال، دعينا نبدأ بالأمر الأهم. تفضلي بتذوق إحدى أطباقي. لطالما كانت المشكلة في ثبات زبائني، رغم أنني واثق من جودة طعامي. أريد رأيًا صريحًا منك. وأنت أيضًا يا جاك، اجلس وتذوق.”
رددت بارتباك:
“آه… حسنًا.”
كانت كلماته مليئة بالتفاؤل، لكن حديثه عن “ثبات الزبائن” بدا مقلقًا. لم أجد فرصة للسؤال، إذ سرعان ما سحب جاك كرسيين لنا بلباقة أثارت إعجابي. جلست وأنا أتمتم بكلمات شكر، ثم جلس هو أيضًا بعدما تأكد من راحتي.
يا له من رجل نبيل! قائد الفرسان بكل ما تعنيه الكلمة.
قال هارولد بحماس:
“لحسن الحظ، كنت في خضم تجربة جديدة، وقد انتهيت منها للتو. يا لها من صدفة رائعة! تفضلا، جرباها.”
شكرته بينما وضعت الطبق أمامي. بدا الطبق مألوفًا: هامبرغر بسيط خالٍ من أي صلصة أو زينة. شعرت ببعض الارتياح لأنني لن أضطر إلى تناول طبق غريب مثل “شواء الوحوش” أو ما شابه. قطعت قطعة صغيرة ووضعتها في فمي.
لكن ما حدث بعدها كان أشبه بصاعقة!
كان الطعم أقرب إلى لحم مطحون معصور حتى أقصى حد. لا، هذا ليس هامبرغر. إنه لحم مشوي بالكاد يمسك نفسه بفعل الحرارة.
أما النكهة… كانت كارثية. مذاق عشبي مرّ يطغى على كل شيء. كان كأنني أتناول أعشابًا حرفيًا!
بكل ما أملك من إرادة، ابتلعت اللقمة بصعوبة، فيما بدأت دموعي تتجمع. نظرت بجانبي، لأجد جاك يأكل بصمت دون أن يظهر عليه أي انزعاج. شعرت بصدمة. هل يمكن أن تكون أطباق هذا العالم بهذا السوء؟!
قال لي بنبرة جدية:
“رين، أعلم أنك لم تتناولي أي شيء منذ وصولك إلى هنا. حتى لو لم تشعري بالجوع، عليك أن تأكلي.”
تنهدت وقلت:
“أفهم ذلك، لكن… جاك، ما الهدف من الطعام برأيك؟”
أجاب دون تردد:
“البــــقاء على قيد الحياة.”
كانت إجابته مباشرة إلى حد مؤلم! لا لذة، لا متعة، فقط وسيلة للاستمرار.
نظرت إلى الطبق أمامي بحزن. أدركت حينها أن الطعم الرديء أصبح شيئًا لا مفر منه. لكنني في تلك اللحظة اتخذت قرارًا.
إذا أردت يومًا أن أتناول طعامًا لذيذًا، فسأتعلم الطبخ بنفسي.