القديسة؟ لا، أنا مجرد طاهية متواضعة في مطعم بسيط - 002
نسيم عليل يداعب وجنتيّ.
فتحتُ عينيّ، فإذا بسماواتٍ زرقاء شاسعة تخترق ناظريّ، تمتد بلا حدود، صافية تمامًا من أي غيمة. كان يوما مشمسًا بامتياز، حيث تحلق بعيدًا في الأفق طيورٌ مزدوجة، يبدو عليها الانسجام في رقصة سماوية. للحظة خاطفة، شدني جمال هذا المشهد وسحره، إلا أن السعادة لم تدم طويلًا؛ إذ شعرت فجأة بأن السماء نفسها تبتعد عني.
مهلًا، ماذا يعني أن السماء تبتعد؟
صرختُ دون إرادة:
“آآآآه، ماذا يحدث؟!”
أدركتُ أنني أسقط، وبسرعة، حتى أن الوقت لم يسعفني لأفهم، سوى أن أغمض عينيّ وأستعد للارتطام.
—
“مرحبًا أيها الفتاة، عذرًا، لكن هل يمكنك النهوض من فوقي؟”
“هـ..هـا؟!”
كان هناك تأثير قوي، إلا أنه كان ألين بكثير مما كنت أتوقعه. وبينما كنت أحاول استيعاب ما حدث، سمعت صوتًا أسفل مني. ألقيت نظرة فزعة إلى مصدر الصوت.
رأيت شابًا ذا شعر أحمر متقد كاللهب، وعينين داكنتين بلون العقيق، تحدقان بي بمزيج من الدعابة واللامبالاة.
كان وجهه وسيمًا لدرجة تشعر أنها من نسج الخيال، بشرة ناصعة البياض، وجسد يبدو قويًا ومتناسقًا. والأسوأ من ذلك، أدركت أنني كنت جالسة عليه!
“أوه! أعتذر! لم أكن أقصد ذلك! سأبتعد فورًا!”
ابتسم بابتسامة واسعة ولم يظهر أي علامة للغضب، وقال بلهجة هادئة:
“لا عليكِ، لم يكن من المفترض أن تسقطي من السماء على أي حال. هذه أول مرة أواجه مثل هذا الموقف!”
بينما كنت أرتبك محاوِلة النهوض، مد يده لي بابتسامة ساحرة وكأن الأمر لم يكن يستحق الاهتمام. كان يرتدي معطفًا طويلاً يضفي عليه مظهر فارس من العصور الوسطى، ومعلقًا على خصره سيفًا ذو زخارف بديعة.
“هل أنتِ بخير؟”
“نعم، شكرًا… ولكن، أين أنا؟ ولماذا…”
قاطعني بضحكة خفيفة وهو يقول:
“أوه، لقد سقطتِ في مكان خاطئ تمامًا. نحن الآن في القصر الملكي. ولحسن حظكِ، أنا من وجدكِ. لو كان أي شخص آخر، لكنتِ الآن بين يدي الحراس.”
—
بينما كنت أستمع إلى كلماته، بدأت أنظر حولي. الطبيعة هنا خضراء بشكل ساحر، الهواء نقي والسماء صافية. إلا أن هذا المكان لم يكن مألوفًا لي أبدًا. الأفق مزين بأبراج قلعة ضخمة تلمع تحت أشعة الشمس، منظر مستحيل أن يكون في اليابان.
تذكرت حينها تلك اللحظة المربكة التي سبقت سقوط الضوء من تحت قدمي، تلك الحادثة غير الطبيعية التي قلبت عالمي رأسًا على عقب. لكن الشاب أمامي لم يترك لي وقتًا للتفكير، فقد قال وهو يمسك بمرفقي بحذر:
“يبدو أنكِ بحاجة للراحة. سأرافقكِ إلى خارج القصر. المكان هنا ليس آمنًا. حاليًا، القصر في حالة تأهب بسبب مراسم استدعاء القديسة.”
“ماذا؟ استدعاء القديسة؟!”
—
بالرغم من جهلي التام بما يحدث، كان هناك أمر واحد مؤكد: لم أعد في عالمي، ولا في واقعي الذي أعرفه. الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا بكثير مما توقعت، ولم يكن لديّ خيار سوى الاعتماد على هذا الشاب الوسيم الذي يُدعى “زيجفريد” والذي قدم نفسه بلقب قائد الفرسان.
“حسنًا يا آنسة ‘رين’، علينا الآن مغادرة هذا المكان قبل أن تتفاقم الأمور.”
كان كل شيء يبدو وكأنه حلم مستحيل، لكنه حلم يحمل واقعية مخيفة.