القاتل يستهدف السيدة ذات الشعر البني || The Murderer Targets the Brunette Lady - 1
“يجب على الطفل الصالح أن يعود إلى المنزل بحلول الساعة الخامسة”
ظلّت الأغنية المخيفة تتردد في الأرجاء.
لا، لم تكن أغنيةً بالمعنى الحرفي.
صوت المرأة، الخالي من أي تغيّر في النبرة، كان يكرر الكلمات نفسها مرارًا وتكرارًا دون انقطاع.
“يجب على الطفل المطيع أن يعود إلى المنزل بحلول الساعة الخامسة…”
“…بحلول الساعة الخامسة، عد إلى المنزل…”
ارتفع صدا الصوت في جنبات البرج، وكأنه يبحث بلهفة عن مكاني.
لم أكن أعرف إن كان الصوت يتجاوب مع النَفَس أو ينساق وراء الضوء.
لذلك، كان عليّ أن أبذل قصارى جهدي لأخفي وجودي.
كل ما كنت أملكه كان شمعة صغيرة
احملها بيدي.
ضوءٌ خافت بالكاد كان يضيء خطوةً واحدة إلى الأمام.
مستندًا إليه، بدأت في النزول على الدرج، وأضغط بيدٍ على الحائط.
“إنه بارد”
كان الجدار تحت أصابعي كالثلج.
“لكن، إنه شيءٌ أستند إليه”
نظرتُ نحو الجهة المقابلة حيث لم يكن هناك درابزين.
الظلام، الواسع والمستحوذ، امتدّ بشكل طبيعي، كما لو كان ينتظر أن يبتلع كل شيء.
خطأٌ واحدٌ في الخطوة يعني السقوط في الهاوية.
كنت أمشي بحذر، وأضغط بشدة على الدرجات خشية أن أنزلق.
ثم حدث ذلك.
“هاه؟”
شيءٌ ما تَعلّق بين أصابعي.
إحساس ناعم تسلل إلى يدي.
رغم أن ذلك خفف من برودة يدي، إلا أن التغيير المفاجئ أبدلها بالخوف.
خاصةً الآن، وأنا أهرب من برج قاتل.
“عليّ أن أمضي قُدُمًا”
من الأفضل ألا أتحقق من اي شيء بالجوار.
نعم، يجب أن أمضي وكأنني لم ألامس شيئًا.
لكن حتى ذلك لم يكن ممكنًا.
كأنها جذور كائن حي تتغلغل بين أصابعي، تقيد حركتي بشدة.
لم أستطع التحرك إلا إذا تحررت منها، ولتحقيق ذلك، كان عليّ أن أكشف ماهيتها.
بتردد، حركت يدي التي تحمل الشمعة.
ببطء، ببطء شديد.
مثل الهلال الذي يزداد نورًا يومًا بعد يوم، بدأت الشعلة الصغيرة تبدد الظلام شيئًا فشيئًا.
ورغم أن هذا لن يجعل الكيان المجهول يختفي، إلا أنني كنت بحاجة إلى الاستعداد النفسي.
انكشفت الإصبع الثانية، ثم الثالثة.
وما كان ملتفًا حول أصابعي هو…
“شعر!”
شعر بني.
كافٍ ليكون ملكًا لعشرات الأشخاص، متسلقًا الجدار مثل نبات اللبلاب وملتفًا حول يدي.
“لا تصدرِ صوتًا!”
حتى في تلك اللحظة، كانت بقايا من العقلانية تُلجم فمي.
كتمت صرختي، وأشعلت الشعر الذي يمسك بي بشكل غريزي.
“ههششششش”
اشتعل الشعر الذي كان يربطني واحترق بسرعة.
“آآآآآه!”
في نفس الوقت، تردد صدى صرخة.
صوتٌ عالٍ جعل كل جهودي تذهب سدى.
“إنه حار!الشعر يحترق!”
لم أستطع معرفة مصدر الصوت أو من كان يصرخ.
ولم أكن أريد أن أعرف.
انطلقت في الركض بأقصى سرعة.
لم أرغب في معرفة ما قد تكشفه لي نهاية تلك الشعلة.
لم أرد مواجهة ما ستكشفه النار حينما تشتعل بخصلات الشعر كوقود.
“الطفل الصالح لا يتحدث عن أولئك الذين اختفوا”
“…الطفل الصالح لا يتحدث عن الذين…”
“…اختفوا”
الأغنية، الآن بكلمات معدلة، كانت تطاردني من الخلف.
واصلت الهبوط على الدرج.
كانت ملابسي مشبعة بالعرق.
لم تكن ساقاي المنهكتان تواكبان عقلي المضطرب.
شعرت وكأنهما تبطئان، وكأنهما على وشك الوصول إلى حدودهما.
“إلى أي مدى تمتد هذه الدرجات؟”
مهما ركضت، لم يكن هناك نهاية في الأفق.
كان الأمر مرهقًا.
اجتاحني الخوف، معتقدًا أنني قد أموت هكذا.
فجأة، رأيت يدًا صغيرة تشبه الورقة أمامي.
كانت تفتح وتغلق، تلوح لي.
“من هنا! من هنا!”
كان هذا هو المخرج من الدرجات التي لا تنتهي.
قبل أن يتمكن عقلي من استيعاب الأمر، اندفعت جسديًا نحو تلك اليد الصغيرة.
لا، حاولت الإمساك بها.
“لا تدخلِ الغرفة المحرمة!”
الأغنية، الآن بنبرة حادة، دفعتني من الخلف.
“لا تدخلِ!”
“ِلا تدخل!”
لوّحت بذراعي، لكن لم يكن هناك شيء في متناول يدي.
بمجرد أن فقدت توازني، لم تستطع ساقاي المنهكتان دعم جسدي بعد الآن.
وطأت قدمي على فراغ.
انقبض قلبي.
في النهاية، سقطت في الهاوية.
“إذا سقطت من هنا، جسدي سيتحطم إلى أشلاء، أليس كذلك؟”
“هل سيكون مؤلمًا؟ يجب أن تكون الضربة عنيفة، أليس كذلك؟”
تدافعت الأفكار في ذهني.
“إذاً لماذا جئت إلى هنا في المقام الأول؟ إلى برج القاتل هذا…”
كان البرج مرتفعًا جدًا لدرجة أنني كان لدي الكثير من الوقت لأندم على قراري.
سقوط.
أخيرًا، ارتطم جسدي بالأرض، ولكن على عكس المتوقع، لم أشعر بالألم أو العذاب الذي يتبع السقوط.
بفضل شيء طري تحت جسدي، تمكنت من الهبوط بسلاسة عوضًا عن الاصطدام العنيف.
رغم ذلك، لم أستطع الشعور بالراحة لنجاتي.
الرائحة الخانقة للاحتراق التي غمرت البرج ما زالت عالقة في أنفي.
مهما ابتعدت، يظل هذا المكان عرينه.
أخذت أستطلع محيطي، لكن الظلام كان يغمرني من كل جهة.
على الرغم من رغبتي في النهوض، لم أتمكن من الحركة.
حاولت تحريك ذراعي وساقي، لكن دون جدوى، وكأنني حشرة وقعت في شباك عنكبوت.
طقطقة
طقطقة
بلغت أذني صوت خطوات متزنة.
كان الصوت مألوفًا بشكل مرعب، مما جعل شعري يقف.
طقطقة
طقطقة
ارتفع الصوت أكثر وبدا بالاقتراب مني.
مهما حاولت أن أتحرك، لم يجدِ ذلك نفعًا .
الخطوات تقترب مني، وأنا عاجزة تمامًا عن التحرك.
أصبح تنفسي مضطربًا.
عندما اختفى الصوت فجأة، برز أمامي زوج من العيون البنفسجية المتقدة.
تجمد قلبي للحظة.
لقد عثر الموت علي.
“هل ظننتِ حقًا أنك تستطيعين الفرار مني؟”
تسللت همسة باردة كنسيم الشتاء عبر وجنتي.
“لقد حذرتكِ سابقًا”
تركيز عينيه المفترستين، كوحش يحدق في فريسته، ثبت علي.
“يجب أن تظلِ معي إلى الأبد”
امتدت يده نحو عنقي.
***
“آه!”
استيقظت باندفاع.
“حلم… كان مجرد حلم، أليس كذلك؟”
بعدما تأكدت من قدرتي على تحريك ذراعي وساقي، لمست عنقي.
الشعور البارد من لمسته لا يزال محفورًا في ذاكرتي.
لقد مضى شهر كامل منذ بداية هذه الأحلام.
نصحني الطبيب بكلمات جوفاء وأعطاني دواء بلا فائدة، مدعيًا أن الأمر لا يتعدى كونه حلمًا ولا يستحق القلق.
“يا له من هراء”
هذه الكلمات تأتي فقط ممن يجهل أن الحلم قد يتحول بسهولة إلى واقع.
“ما الذي يعرفه طبيب بلا شعر بني أو عيون خضراء؟”
أجبرت نفسي على الجلوس، وهززت رأسي بقوة.
كان ذلك لتبديد الصدى الباقي من اللحن الذي لا يزال يرن في أذني.
ثم، كما لو أنني أردت التخلص من رائحة الخشب المحترق التي بدت وكأنها تلتصق بملابسي النوم، خلعتها.
شربت الماء الذي تركته تحت السرير.
السائل البارد دار في فمي قبل أن ينزل إلى حلقي.
شعرت به وهو ينزلق عبر المريء ليصل إلى معدتي الفارغة.
الآن فقط، شعرت حقًا أنني استيقظت.
“الرابعة والنصف”
سيبزغ الفجر قريبًا.
اليوم في بينان يبدأ مع أول خيوط الشمس، سواء في قصر نبيل أو في بيت شخص عادي.
بمعنى آخر، فات الوقت للعودة إلى النوم.
“علاوة على ذلك، إن أغلقت عيني، قد يعود ذلك القاتل مرة أخرى”
ارتديت سترة فوق ملابس النوم.
كانت بسيطة، لكنها كافية لتدفئتي.
ولن ألتقي بالكونت اليوم على أي حال.
“سيوبخني الكونت إن رآني بهذا الشكل”
غادرت غرفتي وأنا أرتدي حذائي المنزلي.
وجهتي كانت الورشة التي حُولت من مخزن قديم.
“آه! أخفتيني.
ظننتُ أنكِ شبح”
سمعت صوتًا أجشًا من مكان قريب.
كان البستاني العجوز، يحمل مجرفة بين يديه.
ركلت قطعة من التربة المجمدة بنصف قدمي.
حتى في الشتاء، حين تدخل النباتات في سبات، كان للبستاني الكثير من العمل.
“دؤوب كعادته.
أو ربما أصبح طاعنًا في السن لدرجة أنه لا يستطيع النوم”
ألقيت نظرة سريعة على البستاني قبل أن أتوجه نحو غرفة التخزين.
كان باب الورشة ثقيلًا، يشبه بوابة حديدية في قلعة ملكية.
وزنه أعطاني شعورًا غريبًا بالراحة.
دفعت نفسي عبر الفتحة الضيقة التي تمكنت من فتحها.
طقطقة
ما إن أغلقت الباب، حتى اختفى صوت الرياح والطيور.
واختفت رائحة العشب الرطب وأشعة الشمس الصباحية.
بدلًا من ذلك، استقبلتني رائحة مرة للجرعة التي أعددتها أمس والدخان المتبقي.
هذا هو ملجأي الخاص، المنفصل تمامًا عن صخب العالم الخارجي.
في هذا المكان، مختبئةً هكذا، لن يستطيع ذلك القاتل العثور عليّ.
شعرت أخيرًا ببعض السلام الداخلي.
“آنستي، أحضرت لكِ الإفطار”
طرق الباب صوت ماري.
“الإفطار!”
فتحت الباب بسرعة.
“هل نمتِ جيدًا؟ إفطاركِ هو
حساء البطاطس الساخن و…”
دون أن ألتفت إلى ماري، تفحصت ما كانت تحمله.
بالطبع، لم يكن ذلك بسبب اهتمامي بمحتويات الإفطار.
“الجريدة؟”
كما لو كانت تتوقع ذلك، سحبت ماري الجريدة من تحت الصينية.
“لم يقرأها الكونت بعد، لذا علي إعادتها”
أومأت برأسي وبدأت بتصفح الجريدة بسرعة.
كنت أبحث دائمًا عن مقال واحد فقط.
امرأة بشعر بني وعينين خضراوين، أو ربما أخبار عن اختفاءات غامضة أو قاتل.
[الكاتب الشهير بارديين يصدر عملًا جديدًا…]
[توقعات تساقط الثلوج هذا الشتاء…]
قمت بطي الجريدة بعناية وسلمتها مرة أخرى لماري.
“وماذا عن الشائعات؟”
الشائعات تنتشر أسرع من قلم الصحفي.
بالنسبة لشخص مثلي، لا يستطيع الخروج، كانت الشائعات التي تجلبها ماري هي مصدر معلوماتي الأساسي.
“آنستي…”
حثثت ماري على الكلام.
“هيا، أخبريني.
ألا توجد شائعة عن امرأة بشعر بني وعينين خضراوين ماتت؟”