الطفلة التي تُخفي قوتها تبحث عن والدها - 08
“ابنتي، هل تذكرين عندما قلتُ لك إن والدك كان فارسًا عظيمًا؟”
“نعم!”
“في الحقيقة، كان لديّ عشرون تابعًا!”
“فقط؟ هذا ليس كثيرًا.”
“بل هو كثير جدًا! عشرون تابعًا أقوياء أفضل بكثير من مئة تابع ضعيف، أليس كذلك؟”
“إذاً، هل كان جميع تابعيك أسطوريين مثل فارس الأساطير تانيبانغ؟”
في تلك اللحظة، توقف الأب عن الحديث لينظر إلى طفلته الصغيرة نظرة مليئة بالحنان والابتسامة تعلو وجهه.
“بالطبع، كانوا جميعهم أقوياء للغاية. لكن الأقرب إليّ كان شخصًا يُدعى العم مطرقة.”
العم مطرقة.
ذاك الرجل الذي فقد عائلته في حادث مروع في قريته الأصلية، قرية بانانا، ثم أصبح تابعًا للأب بعد أن عاش حياة تائهة.
لم تستطع آستي تصديق ذلك، ونظرت إلى باستو باندهاش.
“أكان العم باستو هو نفسه العم مطرقة؟”
كل شيء كان يشير إلى ذلك: قدومه من قرية بانانا، حمله لمطرقة ضخمة، قوته الهائلة، لحيته الكثيفة، وحتى فقدانه لعائلته.
حين تذكرت آستي كلمات والدها السابقة، أسرعت إلى مكانها وكأن شيئًا لم يحدث، وأخذت ترتشف مشروب الشوكولاتة بهدوء.
لاحظ باستو والجد تصرفها الغريب، لكنهما سرعان ما عادا إلى حديثهما.
فكرت آستي في نفسها
“لقد التقيت بالعم باستو قبل أبي.”
أخذت تحدق إليهما من خلف كوبها، وهي تتساءل إن كان هذا ما يعنيه العودة إلى الماضي. كيف لها أن تلتقي بواحد من تابعي والدها قبل أن يصبح تابعه؟
في الوقت ذاته، شعرت بالأسف لأنها أساءت الظن بالعم باستو.
“كان العم باستو طيبًا منذ البداية…”
تذكرت بوضوح ما قاله والدها عن العم مطرقة.
رغم أنها عبرت إلى هذا العالم، إلا أن ذكرياتها عن الماضي بدت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.
قال والدها ذات مرة
“العم مطرقة لم يكن دائمًا تابعي. كان في الأصل قائد وحدة في فرقة مرتزقة تُدعى ‘ذئاب الموت’.”
“ذئاب الموت؟”
“نعم، تعني ‘كلاب الموت’.”
شهقت آستي بدهشة: “كلاب الموت!”
كانت فرقة “ذئاب الموت” مرتكزة في قرية بانانا. كان قائدها يُدعى كال، ونائبه العم مطرقة.
تذكرت آستي كيف كانت تضحك مع والدها حين قالا إن أسماءهما تشبه الأدوات: مطرقة وسكين.
“لكن، يا ابنتي، العم مطرقة كان رجلاً طيبًا، على عكس كال. كان كال هو السبب في موت عائلة العم مطرقة.”
“حقًا؟ لماذا؟”
“كان كال يستغل العم مطرقة كثيرًا. بينما كان يستمتع بالراحة في قرية بانانا، كان يُرسل العم مطرقة في مهمات خطيرة كل يوم.”
كان العم مطرقة وكال صديقين مقربين قبل أن يكونا قائدًا ونائبًا. ولهذا السبب لم يكن العم مطرقة يرفض طلبات كال، لكنه كان يطلب شيئًا واحدًا فقط.
“طلب من كال أن يعتني بزوجته وابنته في القرية أثناء غيابه.”
“وهل وافق كال؟”
“بالطبع، وعده ألا يقلق بشأن عائلته.”
لكن في أحد الأيام، عندما عاد العم مطرقة من مهمة، وجد القرية مدمرة. كان منزله رمادًا، ووجد زوجته وابنته ميتتين، متعانقتين.
“تذكري، يا آستي، عندما نعود إلى بيتنا، يجب أن تحرصي دائمًا على الحذر. هناك أيام يهاجم فيها الوحوش حتى في وضح النهار.”
“نعم، أخبرتني بذلك من قبل.”
“في أحد تلك الأيام، عندما كان العم مطرقة خارج القرية، حدثت الكارثة.”
تحولت قرية بانانا الهادئة إلى فوضى عارمة في لحظة. وبعدما نجى القليل من السكان، توجهوا إلى كال للبحث عن أجوبة.
كان كال، بحكم كونه قائد فرقة المرتزقة التي تحمي القرية، ملاذًا طبيعيًا لأهلها في أوقات الخطر. لكن حين لجأوا إليه طلبًا للمساعدة، وجدوه مخمورًا حتى الثمالة، غير قادر على التفكير بوضوح.
قال لهم بصوت متلعثم
“عودوا إلى منازلكم وانتظروا هناك بهدوء. سأرى الوضع وأساعدكم على الإخلاء.”
وثق أهل القرية بكلامه وعادوا إلى منازلهم، على أمل أن يعود كال لإنقاذهم في الوقت المناسب. ومن بين هؤلاء كانت زوجة العم مطرقة وابنته الصغيرة.
“ولكن… ماذا حدث بعد ذلك؟” سألت آستي بصوت متحشرج.
“كال لم يعد أبدًا. بل استغل الفوضى، وسرق بضعة خيول وهرب مع رجاله، تاركًا أهل القرية لمصيرهم.”
مع مرور الوقت، بدأت الوحوش تقتحم المنازل، تلتقط البشر المختبئين واحدًا تلو الآخر. الجميع قُتلوا بوحشية لا توصف.
العم مطرقة، بعد عودته إلى القرية المدمرة، دفن زوجته وابنته بنفسه. بنى لهما قبرًا صغيرًا عند أطراف القرية المهجورة، ثم اختفى في الغابة. ومنذ ذلك الحين، أخذ على عاتقه مهاجمة الأحجار السحرية وحده، محاولًا تحقيق العدالة بطريقته.
كل مرة ينجو فيها من الموت، لم يشعر بالفرح، بل بالندم العميق. كان يقول لنفسه
“كان يجب أن أكون معهم. كان يجب أن أرحل معهم إلى العالم الآخر.”
لكن، حتى أثناء عزلته، لم يتركه كال وشأنه. استمر بملاحقته، يطالبه بالعودة إلى فرقة “ذئاب الموت”. وعندما رفض العم مطرقة مرارًا، لجأ كال إلى أساليب خسيسة. دفع المال لبعض الفرسان الفاسدين ليتلاعبوا بهويته الرسمية، فتم إلغاء رقم تعريفه كمرتزق، مما حرمه من الدخول إلى المدن الكبرى ومن حقوقه كمرتزق معترف به.
تذكرت آستي تلك القصة، وهمست لنفسها
“هذا ما حدث مع رقم تعريف العم باستو!”
بدأت تسترجع ذكرياتها: الكلمات التي قالها فارس البوابة، الحديث عن “ذئاب الموت” وكال ووربن، وكل شيء بدأ يتضح.
سألت والدها يومًا
“وماذا فعل العم مطرقة بعد ذلك؟ هل استعاد هويته؟”
رد والدها بابتسامة مليئة بالفخر
“لا، لم يستطع. كان كال ذكيًا وشريرًا بما يكفي لجعل استعادتها مستحيلة. لكن بعد معاناة طويلة، حدث شيء غيّر كل شيء.”
“ما هو؟”
“قابلني.”
اتسعت عينا آستي بدهشة
“أبي؟”
أومأ والدها بفخر
“في ذلك الوقت، كنت في أوج شهرتي كفارس عظيم. استطعت بسهولة ترتيب هوية جديدة للعم مطرقة، وضميته إلى فرقتي كواحد من أفضل رجالي.”
“حقًا؟ وهل كنتَ رقم 1؟”
ضحك وقال
“بالطبع، كنت الأول على مستوى القارة!”
“حتى الفرسان كانوا لديهم تصنيفات؟”
تلعثم والدها قليلًا قبل أن يجيب
“أوه، نعم… بالطبع كان لدينا!”
هنا أدركت آستي شيئًا مهمًا: إذا عثرت على والدها، فسيتمكن من مساعدة العم باستو واستعادة رقمه التعريفي. لكنه كان داخل العاصمة، وهي وعم باستو خارجها.
كانت هذه معضلة حقيقية.
* * *
في اليوم التالي، ذهبت آستي مع صاحبة النزل العجوز إلى سوق اللاجئين.
رغم أنه كان مكتظًا بالناس، إلا أن السوق بدا كئيبًا. كانت البضائع على الطاولات مغطاة بالذباب، والمارة نحفاء ومجهدين، وجو عام من البؤس يخيم على المكان.
بينما كانت تسير بجانب العجوز، أمسكها بائع فجأة من معصمها، وقال مبتسمًا بخبث
“ألا تريدين حلوى؟ واحدة فقط بـ20 آيرون. هيا!”
كانت عيناه مثبتتين على حقيبتها الوردية.
صرخت العجوز
“دع يدها حالاً، أيها الوغد!”
أفلتت يد البائع بصعوبة، وبختها العجوز قائلة
“يا صغيرتي، لا تبتعدي عني أبدًا! هذا المكان خطير جدًا، حتى للحظة غفلة.”
هزت آستي رأسها بخوف، ونظرت حولها لترى وجوهًا متعبة وأجسادًا هزيلة تسير بين أكوام القمامة.
قالت العجوز وهي تشاهد المشهد الحزين
“المشكلة أن كل الأحجار السحرية الجديدة أصبحت كبيرة الحجم. لا يوجد عدد كافٍ من المرتزقة لمهاجمتها.”
فهمت آستي أن الأحجار الكبيرة تفرز وحوشًا أقوى، مما يزيد من عدد اللاجئين.
وفي تلك اللحظة، جذبها صوت غاضب
“يا لكِ من فتاة وقحة!”
نظرت لتجد رجلًا سمينًا وصبية نحيلة يقفان في منتصف السوق.
قال الرجل بغضب
“كيف تجرؤين على سرقة محفظتي؟”
ردت الصبية بصوت مبحوح
“لقد إصطدمت بِك عن طريق الخطأ!! لما قد أسرقك؟؟”
فجأة، ارتفع صوت صفعة قاسية، جعل رأس الفتاة يدور بعنف.