الطفلة التي تُخفي قوتها تبحث عن والدها - 04
بعد أن قطعت تيي مسافة إضافية بلغت خمسة عشر دقيقة، توقفت وسط الأشجار الشامخة، وهي تفكر بقلق
“لقد وقعــــت في مأزق كبير!”
كانت قد بدأت رحلتها نحو العاصـــمة معتقدة أنها قريبة، لكنها، مهما مشَت، لم تستطع رؤية أي أثر لها.
“آه، في منطقتي، كان يكفي أن أمشـــــي قليلاً لأصل إلى مدينة ضخمة!”
لكن يبدو أن العاصمة في هذا العالم أبعد مما توقعت.
“ما الذي سأفعله الآن…؟”
فوق رأسها، كانت الطيور تغرد وتحلق بحرية، ما جعلها تفكر:
“لو كانت لدي أجنحة، لتمكنت من الطيران والوصول بسهولة.”
لحظة! أجنحة؟!
تألقت عيناها فجأة بفكرة جديدة.
استدارت بهدوء نحو رفيقها “تانيــــــبانغ”، الذي كان يستند إلى شجرة على بُعد خطوات قليلة، عاقداً ذراعيه وكأنه غارق في أفكاره.
“تانيــــــبانغ، أيمكنك…”
قاطعها قبل أن تكمل
“لن أتمكن من حملك.”
“آه، فهمت…إذن لا أمل بذلك.”
انخفضت ملامح آستى في خيبة، فقد كانت تأمل أن يتمكن من حملها على ظهره والطيران بها، لكن يبدو أن الأمل كان واهياً.
بالنظر عن قرب، بدا أن أجنحة تانيــــــبانغ، رغم كونه “بوبيت مون” أسطوري، أصغر من المتوقع.
لكن آستى لم تستسلم، وبدأت تبحث عن حلول أخرى.
“إذن، تانيــــــبانغ… هل يمكنك…؟”
“حتى الانتقال اللحظي غير ممكن.”
“ماذا؟ حقاً؟”
كان هذا صدمة لها؛ فهو كائن أسطوري بعد كل شيء!
كيف يمكنه أن يعجز عن ذلك؟
لقد ساعدها بالفعل على الانتقال من وطنها إلى هذا العالم.
عندما بدت عليها ملامح الاستغراب، أردف تانيــــــبانغ موضحاً:
“لقد استنــفدت كل طاقتي للوصول بك إلى هنا. أتظنين أن ذلك كان سهلاً؟”
لم تجد آستى ما تقول، لكنها لاحظت الآن كيف شحب وجهه وكأنه منهك تماماً.
“لقد اضطررت للتلاعب بالأبعاد لإنقاذ والدك، وأيضاً لإيجاد مكان لك للنوم عندما غفوتِ…”
توقف فجأة، وكأنه أدرك أنه قال أكثر مما ينبغي، قبل أن يغمغم لنفسه
“لماذا أشرح كل هذا أصلاً؟”
ثم عاد ونظر إليها
“على أي حال، لا يمكنني فعل أي شيء الآن.”
خفضت آستى رأسها وشفتاها ترتجــــفان. شعرت فجأة بالذنب تجاه تانيــــــبانغ، الذي اعتبرته منقذها وأعز أصدقائها.
لقد أنقذ والدها من الموت، وأعادها إلى وطنها، فكيف يمكنها أن تكون عبئاً عليه أيضاً؟
“لا يمكنني أن أكون أنانية وأطلب المزيد… يكفي ما تحمله من أجلي.”
خطت نحوه بتردد وهمست
“تانيــــــبانغ، هل تريدني أن أدلك كتفيك؟”
نظر إليها بإستغراب
“ماذا؟”
“لقد تعلمت التدليك في الروضة! كنت الأولى في فصلي!”
لكنه أزاح يدها بعيداً قائلاً بصرامة
“لا حاجة لذلك.”
رغم نيتها الطيبة، بدا عليه الضيق، وأضاف
“حتى لو كنت أملك الطاقة، لما استطعت استخدام السحر العالي.”
“سحر… عالٍ؟”
“السحر العالي، خاصة تقنيات الانتقال المكاني، تترك أثراً يمكن تعقبه بسهولة.”
ارتبكت آستى عند سماع كلمة “تعقب”. تذكرت كيف كان والدها دائماً يعقد حاجبيه عندما يسمعها في الأخبار.
رغم صغر سنها، كانت تفهم أن التعقب يعني الطرد، والطرد يعني الانفصال.
“إذا تعقبونا، فسنُطرد، وسأفقد والدي مجدداً… لا يمكن لهذا أن يحدث!”
رفعت رأسها بقلق لتخبر تانيــــــبانغ ألا يستخدم أي سحر مهما حدث، لكن…
“تانيــــــبانغ؟”
المكان الذي كان يقف فيه قبل لحظات أصبح فارغاً تماماً.
ركضت نحوه بفزع، لتجد حجراً أسود صغيراً ملقى بين أوراق الشجر.
نظرت إلى الحجر بدهشة، قبل أن تلتقطه بسرعة وتضعه في حقيبتها المدرسية.
“تانيــــــبانغ… يبدو أنك استنفدت طاقتك بالكامل ونمت.”
عادت ملامحها إلى الثبات وهي تغلق الحقيبة بإحكام، ثم تتأكد مرتين من إغلاقها تماماً.
“لا بأس، سأكمل الطريق مهما كان!”
تذكرت مقولة الجدة في الطابق 107: “حتى لو لم يكن لديـــك أمل، عليك المحاولة!”
ومع هذه الكلمات، تقدمت آستى بثقة نحو الأمام، غير مدركة لما ينتظرها في الطريق.
“طعمها سيئ للغاية.”
تمتم باستو وهو يمضغ جزرة برية بأسنانه، محاولاً ابتلاعها.
كان يدرك أنه ليس الوقت المناسب للانتقاء أو التذمر، لكن تناول الشيء ذاته لثلاثة أيام متتالية جعل الملل يتسلل إليه شيئًا فشيئًا.
استند إلى جذع شجرة، وأخذ يراقب محيطه بهدوء.
مرَّت ساعتان منذ أن نصب الفخاخ، ولكن لم تظهر أي إشارة تدل على وقوع صيد.
“تلك الوحوش الـ#$@…”
كانت هذة الغابة، في يومٍ من الأيام، مليئة بالأرانـــب والغزلان وسائر الحيوانات البرية.
لكنها باتت الآن شبه خالية، وذلك بسبب انتشار الوحوش الملعونة التي اجتاحت المكان.
“المرتزقة وجنود الإمبراطورية يحاربونها بلا توقف، ولكن…”
كلما دُمِّرت واحدة من الأحجار الملعونة التي تولّد الوحوش، ظهرت أخرى.
وكانت الوحوش تتدفق بلا نهاية، وكأن القضاء عليها ضرب من المستحيل.
“تباً.”
بصق باستو قطعة الجزرة التي كان يمضغها، ونهض من مكانه.
أخذ يلف جسده المرهق يمينًا ويسارًا، بينما أصدرت مفاصله أصوات طقطقة متتابعة.
بعد ذلك، مرّر يده الخشنة على لحيته الكثيفة، وأخرج خريطة من داخل درعه الثقيل.
✦✦✦✦
[غابة بريــــــوود]
كان الموقع الذي يتواجد فيه غابة متوسطة الحجم، تبعد عن العاصمة حوالي خمسة أيام سيرًا.
غابة ممتدة أفقياً، تحيط بالعاصمة كأنها درع أخضر.
رُسمت على الخريطة ثلاث نقاط حمراء واضحة.
أخرج باستو قطعة فحم صغيرة، ووضع علامة X على إحدى هذه النقاط.
كان ذلك هو الموقع الذي دمّر فيه الحجر الملعون الصغير الليلة الماضية.
“كدت أُقتل البارحة.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يسترجع معركة الليلة الماضية.
رغم أن الحجر الملعون كان صغيراً، إلا أنه كان كفيلاً بإطلاق وحش طائر، مما جعله في موقف لا يُحسد عليه.
أحياناً كان يملّ من هذا العمل، الذي يدفع حياته على المحك باستمرار.
ولكن…
“لا بأس.”
شدّ باستو درعه ليــــزيل أفكاره المزعجة.
الأهم أنه نجا مرة أخرى.
سواء كان مرتزقاً يتجول وحيداً أو قاتلاً للوحوش ملطخاً بدمائها، فكل ذلك سينتهي يومًا ما عندما تتوقف أنفاسه.
“يبدو أن الوقت قد حان لفك الفخاخ والعودة إلى العاصمة.”
لكن عندما همّ بحزم أمتعته والتحرك…
“تِنغ—”
صوت صغير مألوف اخترق سمعه.
كان ذلك صوت الحبل المشدود للفخ وهو يتحرر، مما يعني أن صيدًا ما وقع في الشباك.
أمسك باستو بسلاحه الثقيل، المطرقة الحربية، واندفع نحو الفخ.
“ظننت أن الحيوانات البرية اختفت تماماً.”
ترى، هل كان أرنبًا؟
أو ربما فأرًا أو ابن عرس؟
سيكون من الجيد إن كان خنزيراً برياً أو غزالاً، لكنه حتى لو كان فأرًا، فلن يشتكي.
لحم الفئران، وإن لم يكن لذيذًا جدًا، إلا أنه صالح للأكل إذا لم يكن هناك خيار آخر.
لكن…
“هيك!”
سمع صوتًا آخر. هذه المرة لم يكن صوتًا طبيعيًا.
صوت صغير، بدا وكأنه صادر من فم إنسان.
توقف باستو للحظة، مقللاً من سرعته، ورفع حاجبه.
“صوت أشبه بصوت شخص…”
“هيك!”
عبس باستو.
الصوت كان واضحًا هذه المرة، وكان بالتأكيد قادمًا من جهة الفخ.
خفض جسده وبدأ يتحرك بصمت بين الأشجار، متخذًا الحذر.
في غابة مليئة بالأحجار الملعونة، فإن احتمال وجود إنسان يعني إما أنه مرتزق أو فارس، لكنه لم يستطع استبعاد الخطر تمامًا.
لو كان الذي علق في الفخ إنسانًا، لكان صرخ طلباً للمساعدة أو حاول قطع الشباك والهروب.
لكن من يظل صامتًا تماماً باستثناء بعض الحازوقات؟ كان هذا أمرًا لم يره من قبل.
عندما اقترب من الفخ، اختبأ بين الأدغال ونظر إلى الهدف.
كانت شبكة الصيد، التي صنعها بنفسه، تتدلى من إحدى الأغصان العالية.
وفي داخلها…
توقفت أنفاسه للحظة.
“هيك!”
التقت عيناه بعينين خضراوين نقيتين تحدقان إليه بخوف شديد.
كان هناك طفلة صغيرة، ترتجف وترمــــقه برعب، عالقةً في الشبكة.