الطفلة التي تُخفي قوتها تبحث عن والدها - 02
“آه يا إلهي، لماذا الجو حارٌّ هكذا اليوم؟”
في ذلك اليوم…
كانت آســــتي، مستلقية على الأرض بجسدها الصغير الممتد، تتلقى نسمات الهواء من المروحة اليدوية التي كانت الجدة من الشقة رقم 107 تلوّح بها.
وبينما كانت تحدّق بشعرها المتمايل أمام عينيها، دخلت السيدة من الشقة رقم 203 عبر الباب المفتوح.
“آه…هُــــناك شئ سئ قد حدث…”
هذه السيدة كانت دائمًا ما تحتضن “تيي” فور رؤيتها وتخبرها كم هي جميلة، ولكن اليوم، بالكاد ألقت نظرة سريعة عليها وصرفت بصرها عنها.
أمالت “تيي” رأسها بحيرة.
“ما الأمر؟ هل وقــــع أحدهم في مشكلة؟”
“لا، ليس هذا… ولكن…”
كانت السيدة من الشقة رقم 203 تتجنب النظر إلى “تيي”، وتُرمقها بخلسة من حين لآخر. انتقل انتباه “تيي” تلقائيًا إلى الظرف الذي تحمله السيدة بين يديها.
كانت السيدة تمسك الظرف الورقي المجعّد وكأنه آخر طوق نجاة يمكنها التشبث به.
“إن لم يكن هذا أمرًا خطيرًا هذه المرة أيضًا، فلن أسامحك! أنت دائمًا تقلقين الجميع بمبالغاتك!”
ولكن بمجرد أن فتحت الظرف، خيّم الصمت على الغرفة. توقفت الجدة عن تحريك المروحة، وبدأ العرق يتصبب من جبين “تيي”.
ساد الهدوء التام في الغرفة الصغيرة، ولم يكن يُسمع سوى صوت صراصير الليل في الخارج.
“يا إلهي، ما الذي علينا فعله الآن؟!”
دون مقدمات، استدارت الجدة وسحبت “تيي” نحوها بقوة.
“ما الذي علينا فعله الآن؟! ماذا سنفعل؟!”
ثم بدأت تبكي بحرقة.
كانت “تيي”، المحبوسة بين ذراعي الجدة، تحدّق بدهشة، ترمش بعينيها دون فهم.
حتى السيدة من الشقة رقم 203 بدأت تمـــسح دموعها بأناملها المرتجفة.
ومع أن “تيي” لم تفهم تمامًا ما يحدث، إلا أنها شعرت بأن شيئًا فظيعًا قد حدث.
─────────
『 وفقًا للمادة 12 من قانون إدارة الجنازات، نعلن عن تســــــليم رماد المتوفى الذي لم يتم استلامه. يرجى من أقرباء المتوفى الحضور لاستلام الرماد المحفوظ 』
كان ذلك اليوم العاشر منذ أن لم يعد والدها إلى المنزل.
✦✦✦✦✦
“جَنـــــازة…؟”
ما معنى هذه الكلمة؟
جلست “تيي” وحيدة في الغرفة بعد أن غادرت الجدة والسيدة. كانت تحدّق في الورقة مرارًا وتكرارًا.
كانت الكلمات المكتوبة عليها غريبة وصعبة الفهم.
ولكن كان هناك مصطلح واحد فقط تعرفه تيي.
“الجنازة تُقام للشــــخص المتوفِي…”
ارتجف قلبها الصغير، فوضعت الورقة جانبًا بسرعة.
بينما كانت تعبث بأصابعها بتوتر، لفت انتباهها كتاب ملصقات “تانيبانغ” الذي أهداها إياه صديقتها ســـول هي في الحضانة.
رغم أن سول هي استخدمت معظم الملصقات، إلا أن ملصق “تونابانغ” المفضل لدى تيي كان ما يزال موجودًا.
بدأت “تيي” تدندن أغنية “تانيبانغ” برفق، وهي تنزع الملصق بعناية.
ثم خرجت من شقة 107 وتسللت إلى شقة 106، الغرفة التي كانت تشاركها مع والدها.
أحضرت كومة من المنشورات التي كان والدها يجمعها، واختارت واحدة فارغة من الخلف.
أمسكت قلمًا ملونًا وبدأت تكتب بحروف صغيرة مرتبة:
“أرجوكم، أعيدوا والدي إلى المنزل.”
لم يكن أحد في الحضانة يكتب بخط جميل مثل “تيي”.
وفي النهاية، ضغطت على ملصق “تونابانغ” بحرص في أسفل الرسالة.
“أبي…”
كان والدها دائمًا يقول أشياء غريبة لها.
كان يدّعي أنه جاء من إمبراطورية تدعى “تالوتشيوم”، وأن “تيي” ولدت هناك أيضًا.
قال إنه كان فارسًا مقدسًا عظيمًا في ذلك العالم، يقضي أيامه في محاربة الوحوش والأشرار، وأن الجميع كانوا يحترمونه كأقوى بطل.
لكن “تيي” هزّت رأسها.
كانت تصدق هذه الحكايات عندما كانت أصغر سنًا، ربما في الثالثة من عمرها.
كانت تحب القصة لدرجة أن قلبـــــها كان يخفق حماسًا ولم تستطع النوم ليالي كثيرة.
ولكن الآن، وهي تبلغ من العمر أربع سنوات، أصبحت كبيرة بما يكفي لتفهم الواقع.
“إذا كان فارسًا قويًا يحبه الجميع، فلا بد أنه غني…”
لكن كلاهُـــما كانا فقيرين.
كان هذا واضحًا من عدم ذهابهما في أي عطلة، على عكس بقية أصدقائها في الحضانة.
كما أن والدها كان يعمل بلا انقطاع، حتى في الأعياد وعطلات نهاية الأسبوع.
وحين سألت لماذا يعمل كثيرًا، قال الكبار في المبنى إن عمله “لا يجلب الكثير من المال”.
رغم صعوبة الكلمات، فهمت “تيي” معنى واحدًا:
والدها يعمل بجد، لكنه لم يكن يكسب ما يكفي لشراء كتاب ملصقات جديد لها.
لكنها لم تهتم.
كان والدها أثمن لديها من أي شيء آخر.
كانت دائمًا تشعر بالفخر والامتنان له.
“آه…”
دفنت “تيي” وجهها الصغير بين يديها، وكان الحزن ظاهرًا على ملامحها.
كان والدها بحاجة إلى العودة إلى المنزل بسرعة.
“أبي…”
كانت كلمة “المتوفى” تدور باستمرار في ذهنها الطفولي.
لفّت “تيي” جسدها الصغير وانكمشت، وأغمضت عينيها بشدة.
كانت تردد في داخلها: “لا يمكن أن تكون كلمة المتوفى تشير إلى أبي… لا يمكن أن يكون ذلك.”
وبينما كانت غارقة في أفكارها، يبدو أنها غفت دون أن تشعر.
عندما استيقظت، كانت الغرفة مظلمة تمامًا.
عادت الجدة من الشقة رقم 107 في وقت متأخر من الليل، وكانت مبتلة تمامًا من المطر.
كانت تحمل صندوقًا ورقيًا تلطخت جوانبه بالماء.
عندما فتحته، لم تستطع “تيي” إلا أن تحدق فيه بفم مفتوح.
“أبي سيعيش مع تيي إلى الأبد. سنعود يومًا إلى الوطن، وسأجعل تيي تبتسم في منزل أوسع وأنظف بكثير.”
لكن الذي وصل لم يكن أباها.
كانت هناك ثلاث كلمات مكتوبة على الصندوق: “صندوق التذكارات”.
حدقت “تيي” بتلك الكلمات لفترة طويلة.
كانت تعرف ما تعنيه.
سمعت هذه الكلمة من قبل في أحد المسلسلات.
وهذا يعني… أنه لن يعيش طويلًا، ولن يعود إلى وطنه، ولن يجعلها تبتسم كما وعد.
لقد تركها وحدها، في النهاية.
في وقت متأخر من الليل.
بينما كانت أصوات شخير الجدة تتردد في الخلفية، تسللت “تيي” خارج الغرفة.
سارت بخطوات هادئة باتجاه الشقة 106، حيث كانت تعيش مع والدها، ودخلت الغرفة.
رأت صندوق التذكارات موضوعًا فوق أحد الأدراج، حيث وضعته الجدة.
تسلقت الدرج بحذر، وفتحت غطاء الصندوق ببطء.
“…”.
كان الصندوق يحتوي على قبعة والدها المعتادة، وعدد من المفاتيح، ومحفظته.
بينما كانت تميل الصندوق قليلاً لتفحص ما بداخله، سُمع صوت خافت.
كان هناك قلادة في قاع الصندوق، وقد انقطع خيطها.
“هذه قلادة أبي…”
لا شعوريًا، التقطت “تيي” القلادة.
كانت تلك القلادة التي كان والدها يحملها دائمًا في جيب قميصه الداخلي، ولم تُرَها “تيي” من قبل.
أمسكت الحجر المعلق في منتصف القلادة، وشعرت بأن صدرها يضيق.
بدت وكأن حرارة والدها ما تزال عالقة في هذا الحجر.
بينما كانت دموع “تيي” تتجمع في عينيها، وقع شيء مفاجئ.
دوووم!
اهتز السقف فجأة.
رفعت رأسها بسرعة، فشعرت باهتزاز الأرض تحت قدميها.
دوووم!
تراجعت إلى الوراء بخطوات مرتجفة، وظهرت أمامها فجأة ضوء ساطع.
“لماذا تبكين؟”
حدقت “تيي” بذهول، فاغرةً فمها.
كانت القلادة قد انزلقت من يدها، لكنها لم تسقط. بل راحت تطفو في الهواء، محاطة بهالة من الضوء البراق.
“الق- القلادة تتحدث؟”
وقبل أن تفكر مليًا في الأمر، خرج شيء مفاجئ من القلادة.
كان رأس صغير بحجم قبضة اليد، أسود اللون.
راقبت “تيي” بدهشة كيف ظهرت عيون ياقوتية، وأنف، وفم، وآذان على سطح الحجر.
“لماذا تبكين؟”
عندما طُرح السؤال للمرة الثانية، استعادت “تيي” وعيها تدريجيًا.
ترددت قليلاً، لكنها أخيرًا جمعت شجاعتها وقالت بصوت مرتجف:
“أبي… أبي…”
“فهمت.”
قاطعها الكائن الصغير قبل أن تكمل.
ثم، بينما كان يمسح قدميه الأماميتين الصغيرتين، أكمل قائلاً:
“لقد مات والدك، أليس كذلك؟”
اهتزت عينا “تيي” بشكل واضح.
“أبي… أبي لم…”
“هل تريدين أن أعيده؟”
قبل أن تفهم تمامًا، طرح الكائن سؤاله التالي.
كان يحدق بها بعيون مشرقة، ثم نفض رأسه فجأة وأردف قائلاً:
“سأعيد والدك، لكن أريد جوابك أولاً: هل ستتوقفين عن البكاء إذا فعلت؟”