الشخصيةَ الداعمةِ في رواية الرُعبٍ تريدُ أن تعيش كإنسانٍ - 0
المقدمة 000
صاحت الغربان بصوتٍ عالٍ، وملأت نعيقاتها الغابة بأصداءٍ تردد صداها في أرجاء المكانٍ.
كانت الظلال القاتمة التي ألقتها الأشجار الكثيفة تحجب حتى ضوء القمر، مما جعل الأرض تبدو ككتلةٍ من السواد الدامس.
تحت سطح الأرض الرطبة، تواجدت بقايا متحللة شكلت بقعًا غامضة في التربة.
رائحة كريهة عَبرت كضبابٍ ثقيل، مزعجةً كاحلي من تجرؤوا على دخول الغابة.
عربة وحيدة، وهي تتدحرج ببطء عبر المسار المظلم، حاولت جاهدة أختراق الضباب الكثيف.
كانَ العمال الصم وضعاف اللسان يجذبون العربة، وتمايلوا بها بين الأشجار.
عندما وصلوا إلى الموقع، حيث بالكاد كانَ بالإمكان رؤية أي شيء بوضوح، أكتشفوا أنهُ عبارةً عن مساحة صغيرة خالية من الأشجار، ووسطها حفرة مظلمة تحيط بها الظلال.
“…….”
أومأ أحد العمال برأسهُ.
جلجـل، جلجـل، جلجـل.
بحركة غريبة، مالَت العربة وسقطت الجثث التي كانت فيها في عمق الحفرة.
تتابع صوت هبوط الأجساد الثقيلة أربع مرات، وأحدًا تلو الآخر، حتى تكدست الجثث فوق بعضها.
لم يُسمع أي صرخات، ولم يكن هناك أي نداء للحياة.
سحب العمال العربة بسرعةٍ وغادروا المكانٍ دون أن يلتفتوا نحو الحفرة. بقيت الحفرة الكبيرة، غارقة في الظلام، تحوي فوقها جثثًا متراكمة، بعضها مغطى بجلد متعفن.
بعد فترةٍ قصيرةٍ من مغادرة العمال، ظهر شخصٌ من بين الظلال.
كانَ مختبئًا في الظلام، راقب الحفرة بينما كانَ يعانق شيئًا بإحكام.
لم يتغير تعبيرهُ رغم الرائحة الكريهة والرهيبة التي أقتربت.
في أعماق الحفرة المليئة بالموت والانحلال، ألقى نفسهُ بثبات. نزل من جدار الحفرة الوهمي بحركاتٍ رشيقة، تتناقض مع حجمهُ، وما إن وطأت قدماهُ الأرض حتى شعر برغبةٍ في رسم إشارة الصليب. لكنهُ لم يستطع تنفيذها بسبب الشيء الذي كانَ يحملهُ بين ذراعيهِ.
بدلًا من ذلك، تلا صلاةً بصوتٍ خافت، وكانَ يأمل بعمق ألا يُدان بسبب أحداث اليوم.
أيها المبارك، لينظر إليك أبناؤك السبعة.
وضع الشخص ما كانَ يحملهُ على الأرض. كانت الكتلة الملفوفة في بطانية داكنة تتلوى في مكانها.
من الداخل، برزت أيادٍ وأذرعٌ وأرجلٌ بيضاء من البطانية الملفوفة بإحكام.
الأرجل ارتجفت كأقدام طفل حديث الولادة، ولامست الأرض بسرعةٍ قبل أن تقف مستقيمة. وسط الرائحة الكريهة، زحف الصبي الذي تنبعث منهُ رائحة اللحم الطازج مباشرةً نحو المكانٍ.
في أعماقهم، تكمن الخطيئة والشر، منحوتة في أجسادهم كأسرار ينكرها البشر ويتجنبونها.
قبضت اليد البيضاء على الفريسة.
كانت امرأة جميلة ذات رقبة مكسورة. كانَ الغضب ما زال يسيطر على وجهها، كما لو كانت لا تزال حية.
لقد كانت عيناها موجهتين إلى السماء السوداء، وكأنها تلعن حاكمًا في مكانٍ ما هناك.
ربت الصبي على رأس الجثة عدة مرات، كما يفعل حيوان حديث الولادة، وهمس بصوتٍ متمتم.
“أمي. أنا هنا، يا أمي. أنا شخص مطيع. لقد جئتُ لأفي بوعدي. أنا دائمًا ما أستمع إليكِ، أليسَ كذلك؟ أنا طفل جيد، أليسَ كذلك؟ أبي، وجدي وجدتي، جميعهم هنا، أليسَ كذلك؟”
رغم همسهُ المتواصل، لم تظهر المرأة أي رد فعل.
لكن ذلك لم يُثنهُ عن الاستمرار.
قبّل جبين الجثة الشاحبة الملطخة بالدماء، وعيناهُ مفتوحتان على مصراعيها.
انحنى الصبي على الجسد البارد، وكأنهُ يتوقع من المرأة المجمدة في مكانها أن تمدحهُ.
“آه، سأفعل ذلك. سأفعل كل شيء تمامًا كما أمرتني!”
ركع الصبي عند حافة الحفرة، ووضع ركبة واحدة على الأرض وضَمّ يديهِ معًا. لم يستطع أن يرى بأم عينيهِ الخطايا التي سيرتكبها من الآن فصاعدًا، فتسمرت يداهُ المرتجفتان قليلًا.
يا أبناء السبعة الذين وراء السماء.
أرجوك أغفر الخطايا التي ارتكبتها، وأمنح رحمتك ومحبتك الصارمة لأولئك الذين ضلوا طريقهم….
في وسط الغابة السوداء الصامتة، وعلى قمة الحفرة حيث وضعت الجثث، أطلق كيان لا ينتمي إلى الأرض ولا السماء ضحكة راضية.
يُتبع….