الدوقة التي كسبت كغنيمة - 99
الفصل 99
خشيت أن يكون قد دخل بالفعل، لكن لازلو كان يجلس على مقعد في حديقة ملحق الغربي من القصر، غارقاً في التفكير العميق.
كان الهواء البارد يبعثر شعره بين الحين والآخر، لكنه بدا وكأنه غير مبالٍ بالطقس.
ترددت إيديل للحظة قبل أن تتقدم نحوه ببطء.
“الجو بارد يا سعادة الكونت، كما أن الوقت متأخر.”
عندها فقط، التفت لازلو فجأة، كما لو كان قد عاد إلى وعيه.
“إيديل…؟”
كانت نظراته تحمل شيئًا من المفاجأة.
“هل أزعجتُ وقتك الخاص؟”
“لا، خرجت فقط لاستنشاق بعض الهواء.”
لكن عيناه لم تفارقا إيديل.
شعرت إيديل ببعض الحرج، لكنها لم تتوقف عن الاقتراب منه.
“قابلتَ السيد جيكوب، أليس كذلك؟”
“كيف عرفتِ؟”
“لقد قال إنك أسقطت هذا. كنتُ قادمة من نفس الجهة.”
أخرجت إيديل ربطة العنق من شالها وناولته إياها.
عندما اقتربت منه، لاحظت أن مظهره لم يكن مرتباً كما اعتادت أن تراه.
كان يرتدي نفس القميص والبنطال اللذين ارتداهما في الصباح، لكن ياقة القميص كانت نصف مرفوعة، وكأن ربطة العنق قد فُكت جزئيًا، ومعطفه كان مفتوحاً على عجل.
“الهواء ليلاً بارد، وإذا تركت رقبتك مكشوفة هكذا، ستصاب بنزلة برد.”
“يمكنني أن أقول لك نفس الشيء. الهواء بارد ليلاً، وارتداؤك شالاً فقط لن يحميك من البرد.”
ضحكت إيديل بخفة وجلست على المقعد، تاركة مسافة صغيرة بينهما.
“هناك شيء مميز في أواخر الخريف. القمر ساطع، وأصوات الحشرات ممتعة.”
“صحيح. يُقال إن جميع الفصول هي نعمة من الإله، لكن الفترة بين أواخر الخريف وبداية الشتاء تحمل شعوراً خاصاً… شعوراً يلامس الأعماق.”
كانت هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها إيديل حديثًا كهذا من لازلو. شعرت وكأن شيئًا يهمس لها من جانبها، لكنها تجاهلت ذلك ونظرت إلى نفس المكان الذي كان ينظر إليه، حيث لم يكن يُسمع سوى صوت الحشرات في الظلام.
كان لازلو هو من كسر الصمت الطويل أولاً.
“ربما تأخرتُ في الاعتذار، لكن آسف لأنني راقبتُ لقائك الشخصي دون إذن. قد يكون ذلك مشهداً لم ترغبي في أن يراكِ أحد فيه.”
“أشعر ببعض الإحراج، لكنني أتفهم تمامًا. كان عليك أن تعرف سبب زيارة والدي.”
تنهد لازلو.
“الكونت كانيون ليس شخصاً يمكن أن يجهل العواقب. كيف تجرأ على فعل شيء كهذا؟”
بدت في كلامه نبرة من الإحباط.
لكن إيديل لم تكن تشعر بالاستياء على الإطلاق. كانت تتقبل بسهولة أن يتلقى جسدها اللكمات من والدها داستن عندما يفقد السيطرة على أعصابه. بالنسبة لها، كانت تلك اللكمات دليلاً على أنها لا تستطيع معارضة كلماته.
ابتسمت إيديل بخفة.
“ربما لم يهتم حتى لو كنت تراقب. بالنسبة له، أنا مجرد ورقة يمكن التخلص منها عندما لا تناسبه.”
حتى لو عاتب لازلو داستن على تصرفه في منزله، لم يكن داستن، بصفته من النبلاء القدامى، ليشعر بأي حرج. بل على العكس، ربما كان سيقول بفخر إنه جاء ليؤدب ابنته لأنها أصبحت عبئًا عليه بينما تعيش بفضل لازلو.
ذلك الموقف ربما بدا كعلامة ولاء لفصيل النبلاء القدامى، مما جعله مكسبًا آخر لدستين.
“ما يشغلني أكثر هو ما قاله والدي في النهاية. أخبرني أنه يخطط لاستعادة شرفي، لكنه ليس من النوع الذي يفعل شيئًا من أجلي.”
“حسنًا… يمكنني أن أخمن.”
“ماذا تعني؟”
“ربما كان ينوي استخدامك كجاسوسة. سمعت شائعات بأن العائلات الثلاث الكبرى تدفع ثمنًا باهظًا للحصول على معلومات عني. ربما خطط الكونت كانيون لاستخدامك لجمع المعلومات وبيعها لهم.”
ضحكت إيديل بمرارة. كانت تعلم أن والدها لم يكن يسعى لمصلحتها، لكنها لم تتوقع أنه سيواصل استغلالها حتى النهاية.
“من المؤسف كم هو ثابت في طبيعته.”
لكن هناك شيء أخطأ فيه لازلو.
“لم يكن يخطط لبيع المعلومات فقط، بل كان يسعى لاستخدامها كوسيلة لربط علاقات مع العائلات الثلاث. ما يريده والدي هو السلطة.”
لم يرد لازلو. أي رد قد يبدو كأنه يضع الملح على جروح إيديل.
وبدلاً من ذلك، قرر الاعتذار عن شيء كان يؤرقه طوال اليوم.
“في الحقيقة… لقد أسأتُ فهمك.”
نظر إلى عيني إيديل، وشعر بجفاف شفتيه، لكنه استمر.
“اعتقدت أن زواجك من دوق لانكاستر كان بدافع الغرور أو السعي للسلطة. وقلت لنفسي إنه لو كان الأمر مرفوضًا بالنسبة لك، لربما هربتِ.”
“…”
“كنت أراك شخصية معروفة في المجتمع الراقي منذ صغرك، فاعتقدت أنك لن تلتفتي إلى منزلي المتواضع هذا حتى لو أصبحتِ أسيرة فيه. أعلم أن هذا كان شعورًا بالنقص من ناحيتي.”
كان يعلم، لكنه لم يستطع التحكم في ذلك.
منذ اللحظة الأولى، اعتبرها “شخصًا من عالم مختلف.”
أن يُجبرها على العيش كخادمة في منزله المتواضع كان يثير شعورًا دفينًا بالنقص، حتى وإن لم يكن مدركًا له من قبل.
في البداية، شك في نواياها، ثم تجاهلها، وبعد ذلك راقبها، وأنكر مشاعره، ثم أدرك الحقيقة، وشعر بالخجل، ثم التعاطف، وأخيرًا الألم.
على مدار العام الماضي، عاش لازلو مع إيديل، واختبر مشاعر لم يعرفها من قبل، ومع مرور الوقت، بدأ يفهمها تدريجيًا.
“الآن، أعرف أنك لستِ كما ظننت. لقد كنتِ تحاولين فقط تحسين وضعك قدر المستطاع في ظل ظروف لم يكن الهروب منها ممكنًا.”
اختتم كلامه بابتسامة حزينة.
شعر وكأن الأمر استغرق وقتًا طويلاً لفهمها، وكأنه تسبب في إيذائها بتفكيره الأناني.
لكن رد إيديل كان مختلفًا تمامًا عن توقعاته.
“شكرًا لك. حقًا، شكرًا، أيها الكونت.”
تردد لازلو للحظة، غير متأكد مما إذا كانت تهزأ به أم تقصد ذلك بصدق. لكنها واصلت بابتسامة هادئة.
“خلال فترة زواجي، كان الناس ينظرون إلي بنظرتين فقط: إما الشفقة، أو الكراهية. أما الشائعات التي نشرها من كرهوني فكانت مبتذلة للغاية، حتى أنني لا أستطيع ذكرها.”
“لم أسمع شيئًا من هذا القبيل…”
“إذا لم تسمع، فهذا أفضل. لكن كان هناك من صدّق تلك الشائعات بين من أرادوا احتجازي كغنيمة .”
تذكر لازلو الرجال الذين تقدموا لطلبها وكأنهم يتنافسون على غنيمة. لم يتذكر وجوههم بدقة، لكن أجواءهم كانت واضحة.
“ذئاب جائعة…”
فكرة أنهم صدّقوا تلك الشائعات القذرة جعلته يشعر بالغثيان.
“على أي حال، أنت أول شخص يحاول فهمي حقًا ويعتذر لي. لم أتوقع ذلك أبدًا، لكن سماعه الآن يمنحني شعورًا كبيرًا بالراحة. شكرًا لك.”
رغم كلماتها الممتنة، لم يشعر لازلو بأي سعادة على الإطلاق.
“أي شكر هذا؟ هذا حقك الطبيعي! كان عليك أن تغضبي من الحمقى الذين صدّقوا تلك الشائعات السخيفة!”
لكن إيديل هزّت كتفيها بخفة.
“بصراحة، لا ألومهم. أليست هذه هي طبيعة الحياة؟ من لديه الوقت ليهتم بشؤون الآخرين بينما هو مشغول بأموره الخاصة؟”
“أوه، أنتِ قديسة إذن؟ هذا يتجاوز حدود التعاطف.”
صوت لازلو، الذي حملته نسائم الليل الباردة، لامس رقبتها، فارتعشت قليلًا وشدت شالها بإحكام أكثر.
“ربما هذا هو الجواب الصحيح.”
“ماذا؟ كونك قديسة؟”
“بالطبع لا.”
ضحكت إيديل بمرح، لكنها سرعان ما تلاشت ابتسامتها.
“حتى عندما كنتُ مجرد شبح يعالج المشاكل في منزل الدوق، أو حينما تُركت وحيدة في القلعة، أو عندما جُرّدت من لقبي النبيل وأصبحت غنيمة، كنت أجد تفسيرًا لكل ذلك. كان لكل موقف أسبابه.”
“هل أنتِ حمقاء؟”
“هل كنتُ سأكون أفضل حالًا لو كنت كذلك؟ الحقيقة أنني كنت ببساطة معتادة على إلقاء اللوم على نفسي أو الاستسلام. كان ذلك أسهل بالنسبة لي.”
صوتها حمل نبرة فارغة، وكأنها تتحدث مع الرياح الباردة.
“أنت محق. لم يكن ذلك تعاطفًا.”
شهقت نفسًا عميقًا وزفرته متحولًا إلى حسرات بيضاء في الهواء.
“أدركت أنني كنت أخدع نفسي عندما أريتنِني رسالة باربرا.”
لا يمكنها نسيان المشاعر التي اجتاحتها في ذلك اليوم.
ذلك الجدار الذي بنته حول قلبها بجهد، بدأ يتشقق شيئًا فشيئًا مع كل كلمة كتبتها باربرا وهي تعبر عن قلقها على سلامتها.
لو لم تكن أمام لازلو في ذلك الوقت، لكانت قد انهارت تمامًا.
“لكن حتى بعد ذلك، كنت أعتقد أن معظم الناس، بما فيهم أنت، يكرهونني. كنت أتمنى فقط أن أعيش بهدوء في منزل كريسس، وكأنني غير موجودة.”
“حتى تحت إدارة مارشا؟”
“نعم. لو كانت قد اكتفت بمضايقتي بشكل معتدل، لكنت بقيت صامتة وواصلت حياتي.”
ضحكت إيديل بخفة.
في ذلك الوقت، كانت تلك فكرتها فعلاً.
أينما ذهبت، ستجد نوعًا من الأذى يلاحقها، فقررت تحمله.
مجرد الصبر قليلاً، وسيستمر الزمن في المرور، وفي النهاية ستتوقف مارشا عن الاهتمام بها.
“ربما كانت مارشا هي من أيقظكِ. لولاها، لكنت عشتِ كخادمة بسيطة، مستسلمة لكل شيء.”
لكن إيديل هزت رأسها نافية.