الدوقة التي كسبت كغنيمة - 94
الفصل 94
فُتِح الباب الكبير وعادت عائلة الكونت كانيون من الخارج، فوقف الخدم مصطفين على الجانبين، محيينهم بانحناءة محترمة.
مر الكونت كانيون وزوجته وابناه دون أن يرمقوهم بنظرة واحدة، واتجهوا مباشرة إلى الطابق الثاني.
“هل أحضر لك الشاي؟”
“لا، لاحقًا. لا تدع أحدًا يدخل مكتبي حتى أطلب ذلك بنفسي.”
رفض الكونت كانيون اقتراح كبير الخدم المؤدب ببرود، ثم توجه فورًا إلى مكتبه. لم يكن الوقت مناسبًا للشاي الآن.
بمجرد أن أغلق باب المكتب، استدار نحو أسرته.
“سمعتم جميعًا في الحفلة اليوم، أليس كذلك؟ إيديل تشغل منصبًا في عائلة كونت كريسيس .”
“لقد كان الجميع يتهافتون علينا بالسؤال عنها بشكل مزعج للغاية.”
قالت الكونتيسة وهي تنزع قفازيها بضجر.
حضرت العائلة اليوم الحفلة بأكملها بعد غياب طويل. فمنذ محاولة دوق لانكاستر الانفصالية الفاشلة قبل عام، كانوا يتحاشون الظهور، لكنهم اعتقدوا أن الوقت قد حان للرد على دعوة من حزب النبلاء القدماء.
إلا أن الحفلة، التي شاركوا فيها بحذر، وضعتهم في موقف محرج تحت الأضواء.
“لم أرك منذ فترة، كونت كانيون. لكن إذا كنت تفكر في الانضمام إلى حزب الإمبراطور، فلا حاجة لك بالحضور.”
فوجئ الكونت كانيون بسؤال عدائي مباشر جعله يتوتر على الفور.
“ماذا؟ ما الذي تقصده؟ أنا كما كنت دائمًا، من أنصار حزب النبلاء القدماء!”
“إذن، لماذا تسمح لإيديل بمساعدة ذلك المرتزق؟”
“ماذا تعني بذلك؟”
عندما لاحظ المضيف تعبيرات الحيرة على وجه الكونت وعائلته، أدرك أنهم لم يكونوا على علم بما حدث لإيديل.
فأخذ يشرح لهم بتفاصيل مزعجة ما جرى في غيابهم.
أن إيديل أصبحت مدبرة منزل لعائلة كونت كريسيس ، وأنها قادت أول حفلة للكونت لازلو بنجاح، بل ورقصت معه أول رقصة.
“اتضح أن المعلومات التي تلقيناها من الجاسوس كانت صحيحة.”
قال الابن الأكبر ويليام وهو يهز رأسه بأسف.
“عندما قيل لي إنها أصبحت مدبرة في عائلة كريسيس ، ظننت أن الأمر مجرد هراء وطردت الجاسوس.”
أما الابن الأصغر جيفري، فقد ضرب بمقبض الكرسي بقبضته، متأججًا بالغضب.
“إيديل، يبدو أنها نسيت تمامًا شرف النبلاء. حتى لو فقدت مكانتها كنبيلة، كيف يمكنها أن تعيش وهي تتملق لمرتزق؟”
حتى الكونتيسة لودميلا لم تستطع إخفاء استيائها.
“حتى لو قطعنا علاقتنا بها، الجميع يعلم أنها ابنتنا. سيُثار الحديث عنها في كل حفلة نحضرها. كيف سنعيش ونحن مغمورون بهذه الفضيحة؟”
لكن الكونت كانيون كان له رأي مختلف تمامًا.
نظر إلى أفراد أسرته الغاضبين بابتسامة ساخرة.
“لماذا أنتم غاضبون هكذا؟ هذه فرصة منحها لنا القدر.”
“فرصة؟ ماذا تقصد؟”
في الواقع، عندما سمع لأول مرة أن إيديل تعمل كمدبرة منزل في قصر كونت كريسيس ، شعر بالغضب الشديد.
مجرد التفكير في إيديل وهي تنحني أمام لازلو المتغطرس كان كافيًا ليشعر بالخزي تجاه عائلته.
لكن خلال حديثه مع الناس في الحفلة اليوم، تغيّر تفكيره تمامًا.
“يمكننا استغلال إيديل للوصول إلى عائلة وينبلير.”
“ماذا تقصد بذلك، يا أبي؟”
سأل ويليام بحيرة.
ابتسم الكونت كانيون ابتسامة خبيثة.
“عائلة وينبلير متلهفة للحصول على أي معلومات عن ذلك المرتزق. يبدو أن ذلك الرجل حساس جدًا بشأن تسريب المعلومات. ولكن الآن، إيديل تعمل كمدبرة في ذلك قصر، مما يعني أنها تعرف الكثير من المعلومات التي لا يعرفها أحد غيرها.”
“حسنًا، هذا صحيح… ولكن هل ستستمع إلينا إيديل؟”
“وإذا لم تستمع؟ لقد أطعمتها وربيتها، وعليها أن ترد هذا الجميل!”
صرخ الكونت كانيون بانفعال، ثم أدرك أنه كان متوترًا عندما رأى ويليام ينكمش أمامه، فضحك ضحكة متكلفة لتهدئة الجو.
“على أي حال، ليس لديها أحد تعتمد عليه. إذا تمكنا من إقناعها بشكل جيد، فستدرك بسرعة أين تكمن مصلحتها من أجل البقاء.”
على الرغم من أن ويليام وجيفري لم يبديا اقتناعًا تامًا، كان الكونت كانيون واثقًا من أن إيديل ما زالت تحت سيطرته.
ففي نظره، كانت دائمًا الابنة المطيعة التي تلبي توقعاته.
***
“مدبرة قصر، هناك رسالة لكِ.”
أحضرت إحدى الخادمات رسالة إلى إيديل، كانت قد استلمتها من رسول زائر.
في الآونة الأخيرة، تزايد الفضول حول إيديل، وبدأ البعض في التواصل معها مستغلين صداقات قديمة.
اعتقدت إيديل أن هذه الرسالة مجرد واحدة من تلك الرسائل، وكانت تنوي قراءتها بسرعة.
“من أرسلها هذه المرة؟”
أمسكت الظرف بخفة لتتحقق من اسم المرسل، لكنها تجمدت في مكانها فجأة.
تصلبت ملامح وجهها، وعيناها عالقتان على الحروف المكتوبة على الظرف.
“مدبرة المنزل…؟ هل هناك خطأ ما؟”
سألت الخادمة بقلق.
“لا، لا شيء.”
أجابت إيديل بسرعة وهي تهز رأسها لتستعيد وعيها.
“داستن كانيون.”
لم تكن لتخطئ ذلك الخط المألوف، أو الاسم الذي كتب به.
“دينا، هل رأى أحد هذه الرسالة قبلي؟”
“لا! استلمتها من الرسول وأحضرتها لكِ مباشرة.”
“فهمت، شكرًا لكِ.”
رسمت إيديل ابتسامة مصطنعة وشكرت الخادمة بلطف قبل أن تتوجه إلى غرفتها.
كانت خطواتها متزنة ووقفتها أنيقة كالمعتاد، ولكن داخل عقلها كان العكس تمامًا.
‘لماذا أرسل أبي رسالة الآن؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات…؟’
منذ أن تزوجت إيديل من عائلة لانكاستر، لم يُبدِ أحد في عائلة الكونت كانيون أي اهتمام بأحوالها، لا قبل وقوعها في الأسر ولا بعده.
وفي الطريق إلى العاصمة، كان من بين الأخبار التي سمعتها أن عائلة الكونت كانيون تخلت عن كل حقوقها المتعلقة بها.
علاوة على ذلك، لم يكن داستن، كما تعرفه إيديل، من النوع الذي يرسل رسائل لمجرد تبادل التحيات أو الاطمئنان.
‘هناك شيء مريب… ولكن ما الذي يمكنهم أن يريدوه مني الآن؟ …لا، علي أن أهدأ. قد لا يكون الأمر مهمًا.’
حبست إيديل أنفاسها وهي تُغلق باب غرفتها وتفتح الظرف بيدين مرتجفتين.
بداخل الظرف، لم يكن هناك سوى رسالة واحدة قصيرة.
بدأت الرسالة بكلمات “إيديل، يا ابنتي”، وكأنها تحية باهتة، واستُهلت بجملة توحي بأنها بخير بعد أن سمعوا عنها أخبارًا، ثم انطلقت لتسرد بالتفصيل كيف أصبحت عائلة الكونت كانيون في وضع حرج للغاية.
“…على الرغم من أننا نعمل أنا وإخوتك بجهد ليلًا ونهارًا لإعادة إحياء هذه العائلة التي وقعت في أزمة، إلا أن وضعنا لا يزال أشبه بقارب صغير وسط محيط شاسع.
بما أنكِ تحملين دماء عائلة كانيون، فأنا متأكد من أنك تشعرين بالقلق على حال العائلة.
ولأنني أدرك أن الاتصال منك قد يثير انتباه الآخرين، قررت أن أكون أنا من يرسل هذه الرسالة أولًا.
أتمنى أن نلتقي قريبًا ونتحدث وجهًا لوجه.”
لم تكن الرسالة طويلة، ومع ذلك شعرت إيديل بعدم قدرتها على استيعاب ما قرأته، فأعادت قراءتها مرة أخرى بعناية.
وبعد ذلك، بحثت في الرسالة من الأمام والخلف، بل حتى فتشت الظرف بحثًا عن شيء آخر، لكن لم يكن هناك أي شيء إضافي.
“هل يريدون مني أن أساعد العائلة؟”
الفكرة التي بدأت كاحتمال بعيد أصبحت تتأكد في ذهنها، وبدأت يدها التي تمسك الرسالة ترتجف.
“لقد باعوني كزوجة لرجل دوق مسن من أجل تلك العائلة المزعومة! وعندما أصبحت أسيرة بسبب خيانته، لم تفعل العائلة أي شيء لمساعدتي! والآن… هل يعتقدون أنهم لا يزالون يملكون الحق في استغلالي؟”
ارتجفت يدها، ثم ارتجف جسدها بأكمله، وشيء ساخن كان يتصاعد من أعماقها حتى انسابت دموعها بهدوء من عينيها.
في البداية، لم تكن إيديل تعرف ما هو هذا الشعور الذي اجتاحها، فشعرت بالارتباك. لكنها عندما بدأت تستبعد الاحتمالات واحدًا تلو الآخر، بقي اسم شعور واحد فقط.
الـغـضـــب.
كان هذا غضبًا خالصًا.
“كيف يمكن للإنسان أن يكون بهذا الشكل؟ كيف يمكن لشخص أنجبني ورباني أن يفعل هذا؟!”
أغمضت إيديل عينيها بإحكام، ثم أخذت نفسًا عميقًا وأطلقته ببطء، محاولة تهدئة أفكارها وصدرها.
لأنها تعلم جيدًا أن البكاء هنا وندب حظها لن يُوصل شعورها بالظلم والحقد إلى والدها.
“صحيح، إذا فكرت في الأمر، فهذا ليس أمرًا مفاجئًا. فأنا ولين لم نكن بالنسبة له سوى أدوات لعقد زيجات تحالفية.”
كانت هناك عبارة دائمًا ما يرددها والدها كلما ضاق به الحال.
“لا تنسيا فضل تربيتكما رغم أنكما فتيات عديمات الفائدة. عليكما بذل كل جهدكما للزواج من أحد أفراد العائلات الأربع الكبرى. هل تفهمان؟!”
وإلا، فسيعتبرهما مجرد عبء زائد لا قيمة له. نعم، كان هذا هو والدها، ولم يكن من الممكن أن يغير رأيه بمجرد مواجهة بعض الصعوبات.
لكن هذه المرة، الوضع ليس كما كان في السابق.
“لأنني أنا من تغير.”