الدوقة التي كسبت كغنيمة - 104
الفصل 104
عند التفكير جيداً، أدركت إيديل أن باربرا كانت محقة.
في يوم من الأيام، عندما يحين وقت اختفائها من العالم، لن تهتم برعاية لازلو أو عائلة كريسيس .
ولن تبالي بمشاعر من تتركهم خلفها.
ستكتفي فقط بقول كلمة “آسفة” وتغلق عينيها.
لأن كل ما كانت تتحمله من مسؤوليات تجاه هؤلاء الأشخاص والأشياء كان بهذا القدر الضئيل فقط.
‘ماذا لو كانت باربرا قد استسلمت للعالم بسبب إعاقتها؟ كيف سأشعر حينها؟’
ما إن تخيلت ذلك حتى شعرت بألم يعصر قلبها، فأطلقت تنهيدة منخفضة.
“ماذا لو عاد الكونت كريسيس مصاباً وقرر التخلي عن حياته؟”
ما إن تخيلت لازلو يقول: “أعتذر لكِ.” ثم يغمض عينيه، حتى شعرت أن عقلها أصبح فارغاً تماماً.
مجرد تخيل موت الاثنين جعل دموعها تملأ عينيها.
“آسفة… آسفة يا باربرا. لقد… لقد كنت مخطئة تماماً.”
انحنت إيديل أمام باربرا.
“لم أدرك كم كنت أنانية. لقد غرقت في تعاستي الخاصة… وتجاهلت الأشخاص الذين يهتمون لأمري. أنا آسفة.”
صوت إيديل المرتجف والدموع في عينيها جعل ملامح باربرا تهدأ تدريجياً.
وبدأت عيناها أيضاً تمتلئان بالدموع.
“هل تعتقدين أنني لا أعلم كم كان الأمر صعباً عليكِ؟ كلما سمعت عنكِ كان قلبي يتقطع… وكم كرهت نفسي لعدم قدرتي على فعل أي شيء لمساعدتكِ.”
“باربرا…”
“لذلك، أرجوكِ، حاولي أن تطمعِ للسعادة. سأبذل كل ما أملك لمساعدتكِ، لذا، أرجوكِ، طمعِ إلى السعادة.”
كان صوت باربرا مليئاً بالمشاعر الصادقة، مما جعل إيديل تبكي أكثر وتخفض رأسها بينما تسقط دموعها على الطاولة.
لم تكن قد فقدت كل شيء كما ظنت.
ذلك “السلام الذي حصلت عليه أخيراً” لم يكن ليُوجد لولا وجود هؤلاء الأشخاص من حولها.
إن عدم إدراكها لذلك حتى الآن كان، كما قالت باربرا، بسبب استسلامها للشفقة على نفسها.
“سأكون سعيدة، سأفعل ما بوسعي لأكون سعيدة. يوماً ما، سأضحك معكِ على هذا اليوم، أعدكِ بذلك.”
نهضت إيديل من مكانها واحتضنت باربرا بلطف.
بالرغم من وجهها المبلل بالدموع، ابتسمت باربرا بابتسامة مشرقة.
الشعور بالقلق المستمر عندما تفكر في إيديل بدأ أخيراً يخف.
بعد فترة من العناق، مسحتا دموعهما وشاركتا كوباً من الشاي بابتسامات خجولة.
ثم ألقت باربرا نظرة عابرة على أقراط الألماس التي لا تزال على الطاولة، وقالت وكأنها تتحدث عرضاً
“إذا لم تغلقي قلبكِ، فستأتي الفرص من كل مكان. من يدري؟ ربما يقع الكونت كريسيس في حبكِ.”
“با.. باربرا! لا تقولي شيئاً كهذا! لو سمعنا أحد نتحدث عن هذا، قد أطرد من هنا!”
“هُه! هل تريدين الرهان؟ لازلو كريسيس لا يستطيع طردكِ مهما فعلتِ. إذا غادرتِ، كيف سيدير هذه العائلة؟”
ضحكت باربرا كأنها شريرة، تسخر من الموقف.
ضحكت إيديل بدورها، لكن كلمات باربرا المفاجئة علقت في قلبها بطريقة غريبة ولم تستطع نسيانها.
‘من يدري؟ ربما يقع الكونت كريسيس في حبكِ.’
***
غادرت باربرا بعد لقاء إيديل وتوجهت مباشرة إلى القصر الإمبراطوري.
نزلت أمام مبنى الحرس الإمبراطوري دون إرسال أي رسالة مسبقة، وطلبت من الحارس أن يستدعي لازلو.
“لم يُذكر أن هناك ضيفاً سيأتي اليوم. هل لديكِ موعد مسبق مع السيد كريسوس ؟”
“لا، لكن هل يمكنكِ إيصال الرسالة له؟”
لم يستطع الحارس أن يرفض طلب باربرا، التي كانت تبدو واثقة ومهيبة رغم عرجها.
وما إن أخبروا لازلو بوصولها، حتى خرج بنفسه لاستقبالها أمام المبنى.
“الكونتيسة سيلستين! لم أكن أتوقع زيارتكِ هنا. ما الذي أتى بكِ دون سابق إنذار؟”
“لن أشغلك طويلاً، أحتاج فقط إلى بضع دقائق من وقتك.”
“هذا المكان مليء برائحة عرق الرجال، لكن تفضلي بالدخول.”
قادها لازلو إلى مكتبه، وحاول تقديم فنجان من الشاي، لكنها رفضت بإشارة من يدها، وبدأت الحديث مباشرة.
“لقد وعدتني سابقاً، أنه عندما يتوقف ذكر اسم إيديل في المجتمع، ستسمح لي بأخذها.”
تجمد جسد لازلو دون قصد عندما طُرح موضوع مكان إيديل فجأة، خاصةً أنه موضوع كان يفضل عدم مناقشته مرة أخرى.
ولكنه لم يستطع التراجع عن الوعد الذي قطعه سابقاً.
“نعم، لقد قلت ذلك.”
“هل يمكن تقديم الموعد قليلاً؟”
“ماذا؟”
عرف لازلو أن باربرا لم تكن عادةً من النوع الذي يتعجل الأمور.
“هل حدث شيء ما؟”
وكما توقع، تنهدت باربرا طويلاً، وهي التي لم تكن تُظهر أي نقطة ضعف أمامه.
“أريد أن أعيد لإيديل مكانتها قبل أن أصبح عجوزاً عاجزة.”
“هل طلبت منكِ ذلك؟”
“لو كانت من النوع الذي يطلب، هل كنت سأقلق بشأنها إلى هذا الحد؟”
وافق لازلو على كلامها.
“إيديل لا تزال شابة وجميلة. أمامها حياة طويلة. ومع ذلك، لا تبدي أي اهتمام بالحياة.”
تنهدت باربرا مجدداً وتابعت.
“اليوم، حتى بعد أن فقدت أعصابي، تمكنت بالكاد من تغيير رأيها قليلاً، ولكن بواقعها الحالي ووضعها الاجتماعي، من الصعب أن تحلم بمستقبل مشرق.”
أومأ لازلو برأسه بهدوء، مستمعاً لكلامها.
كانت باربرا من النوع الذي لا يتوسل أو يطلب المساعدة أولاً في أي تفاوض، ولكن الآن، إيديل كانت في يد لازلو.
اقتربت باربرا قليلاً وجلست أقرب إليه.
“على الرغم من أن الوقت الذي قضيناه معاً لم يكن طويلاً، إلا أنني أدركت أنك شخص يتسم بالتعاطف والتفهم. لهذا السبب، رغم معرفتي أن طلبي هذا قد يكون صعباً، قررت التحدث معك.”
“ولكن كيف تخططين لإعادة مكانتها؟”
“أفكر في تبنيها. بذلك، ستصبح إيديل جزءاً من عائلة مركيز سيلستين وتستعيد مكانتها النبيلة.”
كان لازلو قد خمن بالفعل أن باربرا تفكر في هذا الحل.
لكن كان يدرك أن هناك العديد من العقبات أمام ذلك.
“هل وافق المركيز و المركيزة على هذا الأمر؟ وماذا عن الفروع القريبة من العائلة؟ الجميع يعلم أنكِ من صنعتِ اسم عائلة سيلستين، ولكن إضافة وريث آخر ليس شيئاً يمكنكِ أن تقرريه بمفردك، وأنت تعرفين ذلك.”
“لقد خصصت بالفعل جزءاً من ثروتي لإيديل.”
“هذا ليس المشكلة الوحيدة. إيديل لا يمكن تبنيها دون موافقة الإمبراطور. بالإضافة إلى أن الجميع يعرف أنها ابنة عائلة الكونت كانيون. لن يكون الأمر بلا عقبات.”
“سأتوجه شخصياً للإمبراطور وأطلب منه ذلك. وسأتصدى لأي معارضة من داخل العائلة.”
“بغض النظر عما إذا كان ذلك ممكناً أم لا، هل تضمنين أن إيديل لن تتعرض لأي أذى خلال هذه العملية؟”
توقفت باربرا عن الحديث للحظة.
“عندما كتبتِ لي أول رسالة، سألت إيديل ما إذا كانت تعرفك. حينها، قالت لي إنها ‘مجرد شخص تشاركه كوباً من الشاي أحياناً’، لأنها كانت تخشى أن تسبب لكِ أي ضرر.”
من الواضح أن إيديل كانت تعتبر باربرا شخصاً عزيزاً عليها إلى حد كبير، لدرجة أن من يراها قد يشعر بالغيرة من هذا الاهتمام.
لا يمكن لإيديل أن تقف مكتوفة الأيدي وتشاهد باربرا تواجه وحدها معارضة عائلة سيلستين بأكملها.
“علاوة على ذلك، إيديل هي هدية من الإمبراطور، ولم يمضِ سوى عام على هذا الأمر. إذا قمتُ بنقلها إلى شخص آخر الآن، فسيكون ذلك ذريعة لأولئك الذين يكرهونني لاستغلال الأمر ضدي.”
“آه… إذن، لا خيار سوى الانتظار؟”
لأول مرة، أظهرت السيدة العجوز قلقها أمامه، ولاحظ لازلو أن الجدار الذي كان يفصل بينهما قد بدأ ينهار ببطء.
لذلك استطاع هو أيضًا أن يُظهر بعضًا من مشاعره الحقيقية.
“أنا أيضًا أفكر في كيفية استعادة مكانتها. أبحث عن طريقة، لذا من فضلكِ، أظهري لإيديل نفس الوجه المعتاد أمامها.”
بدت على وجه باربرا لمحة من الدهشة والسرور.
“أن يكون لديك مثل هذه الفكرة أيضًا، هذا مفاجئ بعض الشيء. هل حدث شيء ما؟”
تذكرت باربرا للحظة أقراط الألماس التي حصلت عليها إيديل منه، لكنها لم تكن تتوقع أن يكون جواب لازلو أكثر قتامة من ذلك.
“قبل فترة زارنا الكونت كانيون والتقى بإيديل.”
“ماذا؟! كيف يجرؤ! حتى الوقاحة لها حدود. كيف يذهب ذلك الرجل لمقابلتها؟! هل سمحت له بمقابلتها؟”
“كنت أريد أن أعرف نواياه.”
تذكر لازلو المشهد الذي رآه حين كانت إيديل تتألم وهي تحاول كتم صرخاتها من الاعتداء، فقبض على أسنانه بشدة.
“ومن خلال ذلك، اكتشفت أكثر مما توقعت. عرفت كيف نشأت إيديل في منزل الكونت كانيون، وما الألم الذي تحملته طوال حياتها.”
“لقد اعتبروا بناتهم مجرد أدوات. حتى الوحوش تحمي صغارها!”
“يبدو أن الأمر كذلك. حين أصبحت إيديل أسيرة، تخلوا عن حقوقهم بسهولة. ولكن ما إن بدت لهم ذات قيمة، حتى عادوا ليتمسكوا بها بشدة.”
تشوّه وجه باربرا من الألم.
ما زالت تشعر بالندم لأنها لم تستطع إنقاذ إيديل عندما أُجبرت على الزواج من دوق لانكاستر.
ولهذا السبب بالذات، لم تستطع أن تتحمل رؤية نفس الموقف يتكرر مرة أخرى.