الدوقة التي كسبت كغنيمة - 103
الفصل 103
“هل تعتقدين أن هذا ممكن بجهد شخص واحد فقط؟ بفضل باربرا، وبالطبع بفضل جميع أفراد عائلة كريسيس ، تمكنا من تحقيق ذلك.”
“متواضعة جداً. ولكن أمام الكونت كريسيس ، عليك أن تظهري بعض الجهد الذي بذلته. لأنه لن يلاحظ الأمر إذا لم تخبريه.”
ضحكت إيديل بخفة على ذلك.
“في الواقع، الأمر عكس ذلك. الكونت كريسيس يمنحني مكافآت مبالغة فيها لدرجة أنني أشعر بالإحراج.”
“مكافآت مبالغ فيها؟ ألا تقدرين نفسك بأقل مما تستحقين؟”
“لا، هذا صحيح.”
أمام نظرة باربرا المتشككة، أخبرت إيديل بكل ما أعطاه لها لازلو وما كان ينوي أن يمنحه لها.
مثل الشيكات البيضاء التي كان يقدمها فجأة، والراتب السخي، والمعاملة المميزة، والأقراط باهظة الثمن بشكل مبالغ فيه.
لكن عندما ذكرت الأقراط، تجعدت جبين باربرا التي بدأت ترتخي قليلاً من قبل.
“أقراط؟ هل تقولين إنه أهداك مجوهرات؟”
“نعم، قال إنه اشترى لي أشياء لأنني رفضت أخذ المال. لقد كنت مصدومة تماماً…”
“دعيني أرى تلك الأشياء. ربما اشتراها من مكان رخيص.”
لإزالة شكوك باربرا المستمرة تجاه لازلو، أحضرت إيديل الأقراط لتريها إياها.
وسرعان ما أدركت باربرا أيضاً أنها ليست مجرد قطعة عادية.
“بصراحة، لا أفهم متى يُفترض أن أرتدي أقراطاً ضخمة كهذه.”
ضحكت إيديل وهي تهز رأسها، لكن ملامح باربرا كانت جدية بعض الشيء.
“بصراحة، هذا مبالغ فيه كتعويض عن الجهد…”
“لقد قلت لكِ، إنه يبالغ في تقديري.”
“همم… بصراحة، يبدو أن الأمر ليس مجرد تقدير.”
“ماذا تعنين بذلك؟”
كانت باربرا تحدق في أقراط الماس المتلألئة قبل أن ترفع نظرها إلى إيديل التي كانت تميل رأسها ببراءة.
“إيديل، دعينا نفترض أن هذا حدث لشخص آخر. إذا قالت خادمة في منزل ما إنها تلقت مجوهرات غالية من سيدها، ماذا كنتِ ستعتقدين؟”
تجمدت ملامح إيديل تدريجياً عند سماع هذه الكلمات.
“لكن، لا أظن أن الكونت كريسيس كان لديه نية معينة عندما أعطاني إياها. ربما كان قد ذهب لشراء شيء لِـ لِـينيا، ورآها هناك فأخذها. آه، وأيضاً، إذا لم أكن بحاجة إليها، قال لي أنني يمكنني بيعها! من المؤكد أنه اختارها لأنها قابلة للتحويل إلى نقود، لأنه كان يحاول دائماً إعطائي المال.”
ابتسمت باربرا بابتسامة هادئة ولم تضغط على إيديل التي كانت تبدو مرتبكة.
“نعم، ربما يكون الأمر كذلك. بما أن هذا لم يُعلن عنَّه، فلن تكون هناك شائعات غريبة. على أي حال، لم تشعري بعدم الراحة عندما تلقيتِ هذه الهدية، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا. كنت فقط ممتنة لأنه قدّرني هكذا. شعرت بالخجل في بعض الأحيان.”
لم تكن إيديل تبدو مشككة في نوايا لازلو، لكن بصراحة، كانت باربرا تؤمن أن لهذه الهدية التي قدمها لازلو معنى ما، حتى لو لم يكن لازلو نفسه قد أدرك ذلك.
‘الرجال عادةً ما يهدون المجوهرات للنساء كعلامة على رغبتهم في السيطرة.’
على الرغم من ذلك، لم يكن من الضروري أن تثير هذا الموضوع الآن وتربك إيديل. مع مرور الوقت، ستتمكن إيديل من اتخاذ قراراتها الخاصة.
لكن هناك شيء آخر كانت باربرا قلقة بشأنه.
“إيديل، هذه مسألة مختلفة قليلاً…”
“نعم، تفضلي.”
“أنت ما زلت شابة، أليس كذلك؟ بصراحة، لم أتمكن من العثور على أي فتاة أكثر جمالاً وذكاءً منك في المجتمع حتى الآن.”
“أنتِ مبالغة في الثناء. أنا في الخامسة والعشرين من عمري.”
رغم أنها كانت في الخامسة والعشرين، إلا أن عينيها كانت أعمق من عمرها، وكانت الأجواء التي تنبعث منها ناضجة. لكنها كانت لا تزال تبدو أصغر بفضل بشرتها البيضاء الناعمة، وقوامها المتناسق، وظهرها المستقيم، وجسدها الرشيق.
كانت باربرا لا تزال تحدق في إيديل، التي ما زالت تتألق بجمالها الباهر، قبل أن تقول
“لا تتحدثي وكأنك في الثمانين من عمرك. في الخامسة والعشرين يمكنك تجربة كل شيء. أتمنى أن تستمتعي بحياتك أكثر، أن تحبي، وتسافري، وترقصي، وتغني…”
إيديل كانت تعلم أن باربرا تتحدث بصدق، لكن في ظل ظروفها الحالية، كانت كل تلك الأشياء صعبة المنال.
رغم أن لقبها الرسمي هو مدبرة منزل عائلة كريسيس ، إلا أن وضعها الحقيقي كان غنيمة / اسيرة تحت وصاية لازلو. لم تنسَ إيديل هذه الحقيقة ولو للحظة واحدة.
لم ترغب في الجدال مع باربرا، لكنها أيضاً لم تكن تريد أن تُرضيها بإجابات فارغة من المعنى.
“بالنسبة لموقفي، هذه الأشياء ليست سهلة حقاً. لكن هذا لا يعني أنني تعيسة. في الواقع، إذا استطعت أن أعيش كما أعيش الآن، فلن أطلب المزيد.”
“سأتأكد من إنهاء وضعك كـ ‘أسيرة’. لذا، لا تقلقي.”
“مجرد كلماتك تبهجني. وإذا حدث ذلك، ربما أتمكن من الغناء والرقص. وربما أتمكن من السفر يوماً ما.”
ابتسمت إيديل وهي تحلم بتلك الفكرة، لكن باربرا لم تكن راضية بذلك.
“لماذا تكتفين بذلك فقط؟ يمكنك أن تحبي أيضاً! وإذا أردتِ، يمكنك حتى الزواج.”
“ماذا؟ أنا؟”
اتسعت عينا إيديل بدهشة، لكنها سرعان ما خفضت حاجبيها بابتسامة كما لو كانت قد سمعت مزحة طريفة.
“أنت تعرفين أن ذلك مستحيل بالنسبة لي.”
“ولماذا يكون مستحيلاً؟ لأنك تزوجت مرة من قبل؟”
“تلك المرة كانت تحديداً… من دوق لانكاستر.”
تحولت ابتسامة إيديل إلى شيء يشبه ضوء المساء في أواخر الخريف، حزيناً وبارداً. ولهذا أكدت باربرا حديثها بنبرة أقوى.
“ذلك لم يكن خطأك، وهناك رجل سيفهم ذلك ويتقبله. وإذا رغبتِ، يمكنك تكوين أسرة سعيدة.”
كانت عينا باربرا ثابتتين، كأنها تؤمن بشيء مقدس لا شك فيه.
لكن إيديل لم تستطع إلا أن تبعد نظرها عنها.
“السعادة التي سـ أُمنحها لا يمكن أن تكون بهذا الحجم.”
الحصول على حب كامل، ومنح ذلك الحب بالمقابل…
كانت تطمح إلى هذا النوع من العلاقات منذ طفولتها. لم تحلم أبداً بعلاقات رومانسية مثل التي تُكتب في الروايات.
كل ما أرادته هو أن تجد مكاناً تنتمي إليه، حتى لو كان ذلك داخل أسرتها. مكان واحد فقط يربط قلبها بشيء ما…
“إيديل…”
كانت باربرا تمسك بيد إيديل بشدة وهي غارقة في أفكارها.
“ثقي بي. وضعكِ سيتحسن كثيراً عما هو عليه الآن.”
كانت باربرا تخطط لإعادة مكانة إيديل بمجرد أن تستعيد حريتها وفقاً لوعد لازلو.
كما أنها كانت قد أعدت بالفعل جزءاً من ثروتها لتوريثه لإيديل، لذا كانت ثقتها في حديثها واضحة.
لكن ما كان يثير قلقها هو إيديل نفسها.
“لذلك، إيديل، لا تغلقي أبواب قلبك. لا تمنعي السعادة من الدخول. أعلم أن الجروح التي تلقيتها جعلتكِ خائفة ومرهقة، لكن تجاهل السعادة لمجرد الخوف منها هو تصرف أحمق.”
عند سماع ذلك، أدركت إيديل أنها تخشى السعادة نفسها.
إذا فكرت بعمق، فقد كانت تشعر بعدم الارتياح تجاه كل فرصة للسعادة.
لم تفتح قلبها بالكامل لأولئك الذين اقتربوا منها بلطف، ولم تشترِ ملابس أو أحذية أفضل رغم وفرة راتبها.
كانت تعيش في حدود دائرة صغيرة، تعمل فقط وكأنها تجد راحة في ذلك.
“باربرا، أنا… أفضّل البقاء كما أنا.”
“إيديل!”
“أنا خائفة. أخشى أن أطمع في سعادة أكبر من قدرتي، فأفقد حتى هذا السلام الذي أتمسك به بشدة. أنا حقاً خائفة من ذلك.”
أغلقت إيديل عينيها بشدة.
كانت تفهم ما تقوله باربرا، لكنها كانت تدرك أيضاً مدى كون هذا السلام الذي تعيشه الآن معجزة بعد أن تم إنقاذها من الجحيم.
لذلك، لم تكن تريد أن تفقده.
“هذا… آخر ما أطمح إليه. لا أريد شيئاً أكثر من ذلك، لذا أرجو فقط أن أعيش بهذه الطريقة… أدعو لذلك كل ليلة إلى الإله .”
عندما فتحت إيديل عينيها مجدداً، اختفى الاضطراب الذي كان يعصف بوجهها، ولم يتبقَ سوى ابتسامة هادئة.
“بالطبع، لا يوجد ضمان بأن هذا الوضع سيستمر إلى الأبد. ولكن هذا لا يهمني. أريد فقط أن أعيش أينما كنت، وكأنني موجودة وغير موجودة، أتنفس بهدوء ثم أختفي.”
لكن وجه باربرا، الذي كان مليئاً بالشفقة من قبل، تشوه بغضب شديد.
“إيديل! استيقظي!”
كان صوتها حازماً على غير العادة.
“أنتِ غارقة في شفقة على نفسكِ. هل تعتقدين أنكِ بطلة مأساوية؟”
“باربرا…؟ أنا، لم أقصد ذلك…”
“إذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا تتعاملين مع حياتكِ وكأنها حياة شخص آخر بلا اكتراث؟ المسؤول الأول عن حياتكِ هو أنتِ! فكيف يمكنكِ أن تكوني غير مسؤولة بهذا الشكل؟”
تفاجأت إيديل بشدة من نبرة باربرا الصارمة، ولم ترها بهذه الحدة من قبل.
لكن لم تجد ما ترد به أو تبرر كلامها.
“الكونت كريسيس يمدحكِ ويقول إنكِ إنسانة مسؤولة ويمكنه أن يأتمنكِ على أسراره، لكن يبدو أن كل ذلك مجرد مظهر خادع! كيف يمكن لشخص تخلّى عن حياته أن يتحمل مسؤولية عائلة أخرى؟ ألا تفكرين ببساطة: ‘لا يهم، فالموت هو النهاية’ ؟”
كل كلمة من كلمات باربرا كانت تخترق قلب إيديل بعمق.