التقطتُ الشرير من روايه رُومانسية مُدمرة - 9
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- التقطتُ الشرير من روايه رُومانسية مُدمرة
- 9 - الكاهن الوقح
انستا: aahkk_7
*******************
” يا إلهي أنت لا تُحتمل أبدًا! أنت عليك أن تضحي من أجلي لورد بارين!”
كييييينغ
ما إن وسّعتُ نطاق رؤيتي حتى أبصرتُ شيخًا مترهّلًا ضخم البنية، أقرع، صلعته لامعة، يلبس زي كاهن، على الأغلب.
كان ذلك الكاهن، أو الذي يبدو ككاهن، يدفع رجلًا آخر يكسو جسمه بدرعٍ حديدي متسخ بطريقة عنيفة ونزقه.
” رجاءً توقف عن قول مثل هذه الترهات، إن متُّ بسببك فكيف سأهتم بكبار السن والأطفال؟”
ولكن رغم ضربات ذاك السمين القوية، إلا أن ذلك المدرع لم يتحرك ولو بقيد شبر
بينما كانا يتشاجران وصخبهما الممتزج بإيماءات أصابعهما نحو قصري، كان يجاورهما هيئة صغيرة ظريفة ترتعش كعصفورٍ مذعور تائه، لا يدري ما يفعل.
” مجموعة أخرى من الناجين، يبدو أن العالم لم ينتهِ بعد”
لم يبدُ لي أنهم مجموعة طبيعية أبدًا، لكن وجود زيّ الكاهن بينهم، جعلني أحس ببعض الطمأنينة، خوفًا من أنهم قد يكونون جماعة مجرمين آخرين.
انطلقتُ مسرعة نحوهم؛ فقد عقدتُ العزم على التدخل في شؤون هذا العالم حتى لو كان خرابًا؛ فثمّة من لا يزالون يقاتلون لأجل حياتهم
” انتظروا لحظة! أنتم!!”
صرختُ بأقصى ما أستطيع، لكن جدالهم المحتدم كان أكثر تعقيدًا من أن يحلَّه صوتي الذي قد ينجدهم
هرولتُ مسرعة نحوهم، وبينما كنت أقترب رويدًا منهم، تلاقى بصري بالأعين البنفسجية المتسعة من الذعر لتلك الصغيرة ذات الشعر البني الأشعث
” هـ هَه! وجدّ أوجين! إ إنها مـ معجزة!!…ملاك!”
ماذا قالت تلك الصغيرة توًّا؟ يا إلهي لو أنكِ عندي في القصر لأغرقتُ لطافتكِ بكعكة الخوخ المبهجة التي يُعدها كيليان
غمرتني سعادةٌ غير متوقعة حينها، فتوقفت لولهة، وأردتُ أن أهُم بالرد لها مطمْئنة…لكن قاطعني فجأة انحناء ذلك الضخم المترهل، حيث التقط حفنة رماد من الأرض وألقاها نحو ذاك المدرع.
” أوه!!”
” هذا عقاب إلهي يا ناكر الجميل!”
كان المدرّع يتلوى من ألم عينيه حتى دفعه السمين بقوة من جديد
لم أكن قد وصلت إليهم بعد؛ فقد كانت المسافة لا تزال بعيدة نسبيًا
شووووووووششش
حتى انطلقت من العدم سهام سحرية، شقّت الرماد الأسود الذي يخالط نسيم الهواء الساخن بمسارٍ مقوّسٍ مميت، نُصْب المدرع.
صحتُ له بأعلى صوتي بينما انطلقتُ بأقصى سرعتي، وفي اللحظة التي ظننتُ فيها أن السهام ستغرق جسمه بالدم، كانت قد انحرفت وغاصت في الأرض، مع ذلك أصيب بضررٍ منها.
“عمي بارين!!!”
أمسك ذاك الأشقر ذي الملامح الوسيمة الشعثاء جانبه الذي أصيب، وصار يترنح تحت وطأة الألم . كانت الصغيرة على وشك الاندفاع نحوه لكن غلبها وسط انهيارها المصاحب لحرقة دموعها؛ فتلبّدت مكانها، وإلى جوارها كان هنالك رجل آخر يربت على شعرها بأيدٍ مرتجفة حنون.
بينما الضخم النزق كان أول من لاحظني، لينط متهللًا، فرحًا بأعلى صوته:
” لقد نجوت!! نعم لقد نجحت!! أثبتت لابالي أنها لن تتخلى عني!! بالطبع!!”
تجمدتُ مكاني، كان وجهه يلمع إثر العرق والشحوم المختنقة بين خديه إضافةً لصلعته، لكن ليس ذلك ما أثار انزعاجي و ريبتي، بل دفعه لزميله كفأر تجارب محتميًا بنفسه كالجبناء.
هل هذا ما قصده كيليان حين ذكر أسوأ سيناريو ممكن !؟
حتى لو كان الأمر كذلك، لا أستطيع تركهم في العراء هكذا، اقترب مني الشيخ بحذر، بينما الصغيرة على استحياء متشبثةً بطرف كمي
تبًّا! ما العمل الآن!؟ كيف كان سيتصرف كيليان لو كان مكاني؟
في خضم أفكاري أفاقني صوت الطفلة بنبرة مترددة:
” هل…هل أنتِ مـ ملاكٌ حقًّا…؟”
حملقتُ حولي، المدرع كان ينزف ويلهثُ بصعوبة كأن أنفاسه تُسحب من رئيته بالقوة، خلفهم عربة رثة بالكاد تقف على عجليها، يجرّها جوادان هزيلان يناهزان آخر أنفسهما قبل الانهيار.
تنهدتُ قبل أن أردف للفتاة بجدية:” أنا صاحبة هذا القصر، وأنتم؟ من أين أتيتم؟”
مسحت دموعها المترسبة على خديها بقبضتيها الصغيرتين قبل أن ترد بارتباك:” أنا…أنا من شارع روين، رقم 31…”
في عالمٍ منهار لم يتبقى فيه سوى جمرٍ من الرمادٍ، لم يعد للعنوان الذي ذكرته تلك الصغيرة أي معنى، ويبدو أنها أحس بذلك، ما دفعها لإطراق رأسها بأسًى وكأنها استسلمت لفكرة النجاة
تنهدتُ بخفّة قبل أن أجيبها بنبرة أكثر ليونة:” تعالي، سندخل للقصر، ستكونين بمأمنٍ معي”
وبصراحة وددت التخلص من ذلك الرجل الضخم، لكنه سيلتصق بنا كالطفيليات، لذا لا فائدة ترجى منه المحاولة معه، حتى الآن على الأقل
نظرتُ للشيخ الواقف بجانب الفتاة وطلبتُ منه تحرير الخيول عن العربة، لندعها تعش ما تبقى من حياتها على الأقل، ويبدو أن الخيول فهمت بشكل غريزي أن لا فائدة من بقائها حية إلا معي؛ فتبعتني بخطواتٍ هادئة.
” أوه يا آنسة مجنونة من قصر أرتور، ألا يُجدر بكِ أن تُكنّي لي الأحترام أولًا؟”
كنت متوجهة نحو المدرع المَلقي على الأرض ممسكةً بيد الصغيرة، عندما اعترضني رجل الشحوم متصنعًا الجدية بوقفةِ استياء، كأنه معلم يلقي المواعظ على طالبٍ مشاغب.
زفرتُ بانزعاج وأجبت :” أولًا لستُ مجنونة، ثانيًا أنا لا أعرفك أصلًا!”
” ما الذي تقولينه!؟ من لا يعرفني! أنا الخادم الوفي للإله لابالي، رئيس الأساقفة ساندرو!”
حدّقتُ فيه بوجهٍ خالٍ من أي تعبير، ما بال هذا الأحمق المتغطرس؟
لم أضيع وقتي معه، وانحنيتُ نحو المدرع لأتفقد حاله، كانت السهام قد اختفت لكنها تركت أثر جرحٍ عميق يفرز دمًا بغزارة .
” هل تستطيع النهوض؟ إن كنت لا تستطيع فسأساعدعك”
” أعلم أن هذا صعب عليك لكن إن استطعت أن تمدي لي يدك سأكون ممتنة”
تآوه الرجل محملًا بأنفاسه بصعوبة، بينما حاول أن يبتسم ابتسامةً متكلّفة، بدأت عيونه الزرقاء التي تشبه صفاء السماء تتراكم فيها العَبرات.
” لو أني التقيتُ بكِ أيتها الملاك في وقتٍ أبكر، لاستطعتُ إنقاذ…رفاقيي..ه..”
” عمي لنسرع هيا”
ساعدت الفتاة ذات الشعر البني برفعه أيضًا، وسرنا باتجاه القصر، كنت أحس بالاختناق، كأني في غرفة جافة مليئة بالبخار، إحساس الخروج بعد البقاء طويلًا في المنزل كان غريبًا علي.
كيف استطاع الجميع تحمل كل هذا؟ أنا بالكاد أستطيع واقفه.
” لقد اقتربنا، تحمل قليلًا “
في تلك الاثناء رفع العجوز السمين جانبًا من المدرع معي، كان الرماد المتناثر في الهواء إثر خطوات السمين تسبب السعال له…
بصدقٍ أنا لا أريد أن أحضره معي أبدًا، آآآه كم أحتاجك الآن، كيليان.
هززت رأسي بشكل لا إرادي، ونظرت للشمس التي كانت تحترق في الأفق، رغم حرارة الجو الذي كنا بالكاد نتحمله
” أيتها الملاك؟”
نظرت الفتاة إليّ بعينيها البنفسجيتين، ملابسها فوضوية لكنها تبدو من النبلاء، لماذا تبدو هذه الصغيرة حذرة؟ أهذا بسبب ذاك السمين؟
زفرتُ بضيق وواصلت للأمام، إذ بي أرى كيليان واقفًا عند الباب متكئًا بكيفه على حافته،
” أرى أنكِ جلبتِ مزيدًا من الطفيليات”
” ماذا؟ ماذا الذي قلته؟”
سألته مستغربة، فرد علي بابتسامة مشرقة.
” مارينا طيبة للغاية، وهذه هي مشكلتها، هيّا أعطني إياه”
خرج من عند الباب للخارج عابسًا بسبب الحرارة وأخذ المدرع من يدي، رغم أن ذلك الرجل كان ذو بنية كبيرة، إلا أن كيليان رفعه بسهوله.
” هل هناك غرفة نظيفة في الطابق الثاني؟”
” اليوم كنت أنظف الممرات، فقط نظفتُ غرفتي”
” إذن لنضعه هناك”
” كما تأمرين”
في تلك اللحظة، كانت الأوردة ظاهرة من أسفل قميص كيليان المنزعج، يبدو أن الأمر لم يعجبه، لكن بما أن الحال آلت إلى هذا الحد؛ فما من خيارٍ آخر، لا يمكن أن نترك المريض في غرفة مليئة بالغبار.
صعد كيليان للطابق العلوي بصمتٍ مطبق لا يكسره سوى صوت خطواته ولهان الآخرين، كنت أود اتباعه لكن علي شرح الوضع لمن بقي معي.
“أنبدأ بالتحية أولًا ؟”
انحنيت على ركبتي أمام الصغيرة التي كانت تتأمل المكان حولها بأعينٍ مغرورقة بالدموع ثم إليّ
” ادعى ليزا عمري أحد عشر عامًا و… وهذا الجد أوجين، خادم العائلة لدينا”
اعتقدتُ أنه مجرد عابر يرتدي ملابس ممزقة، لكن اتضح أنه شخص مهم، يا لها من بطاقة.
اقتربت من هذا المسن الوقور الذي بدأت ارحب به أكثر من أي شخصٍ آخر وطلبتُ مصافحته.
” سعدتُ بلقائكم، كنت أبحث عن خادم في الواقع…”
- ” شكرًا، شكرًا على انقاذنا أيتها الملاك، شكرًا”
كان الجد أوجين يبتلع دموعها بصعوبة وهو يُطأطئُ رأسه عدة مرات، ويصافحني بيديه المجعدتين اللتان أكلها الزمن والحروق سيان.
بينما ليزا رغم أن ملابسها متسخة فقد كانت سليمة وبحالٍ جيدة، وهذا يُظهر حرص الجد أوجين على حمايتها.
” ثم…”
ترددتُ قليلًا قبل أن أنظر للسمين، أقال أنه رئيس أساقفه؟ بدا غليظ القلب وقاسيًا
” أعدي لنا الماء للاستحمام والطعام، علي تطهير جروحي قبل الصلاة للآبالي”
كما لو كان يتنظر هذه اللحظة منذ وقتٍ طويل .
” اتبعني”
شعرتُ برغبة شديدة في دفعه خارج القصر على الفور، لكن مع الأسف كان علي أن أصعد الدرج مع هذا السمين.
رغم أني لم أستطع تحمله، لكن استعصى علي طرده لمكانٍ خطير بعد أن أمِن داخل القصر.
كان هذا ما تبقى من ضميري،
لكن ماذا عن الخيول التي تقف أمام الباب؟ يجب أن أطلب من كيليان أن يضع لها بعض الماء وأبحث عن شيء لها لتأكله.
بينما كنتُ أحاول تجاهل رئيس الأساقفة بالغوص في بنات أفكاري، أردف بشكلٍ فُجائي :” كيف لهذا القصر أن يبقى صامدًا رغم كل تلك الكوارث في الخارج؟ أهذا بفضل قوة ماثيو، ذاك المجنون؟”
**
انستا : aahkk_7