البحث عن زوج للدوقة - 79
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- البحث عن زوج للدوقة
- 79 - السيدة النبيلة والجميلة هي في الواقع...²⁰
الفصل 79 : السيدة النبيلة والجميلة هي في الواقع…²⁰
كانت هَذهِ حفلة شاي جمعت ثلاث نساءٍ غير عاديات: المرأة الوحيدة في الإمبراطورية التي حصلت على الطلاق، والمرأة الأكثر بذخًا، والمرأة الأكثر صرامة.
ورغم هَذهِ التركيبة غير المألوفة، كانت الأجواء وديةً ومليئةً بالمرح.
خاصة ماريغولد، التي كانت تنفجرُ ضاحكةً كُلما تحدثت أرتيا.
“كيف لكِ أنْ تتحدثي بهَذهِ الطلاقة؟ ألَمْ يكُن لديكِ صديقةٌ تتبادلين معها الأحاديث لفترةٍ طويلة؟ آه، معذرة.”
وضعت ماريغولد يدها على فمها ونظرت إلى أرتيا بحرج.
لكن أرتيا اكتفت بالابتسام وكأنْ الأمر لا يُزعجها. في النهاية، لَمْ يكُن لديها أصدقاء بالفعل.
“في الواقع، أنا أحبُ القراءة كثيرًا، ولهَذا لديّ الكثير مِن المواضيع لأتحدث عنها.”
“حقًا؟ أما أنا، فَما إنْ أبدأ بالقراءة حتى أشعر وكأنني وقعتُ تحت تأثير التنويم المغناطيسي وأغفو فورًا… يبدو أنْ لديكِ نفس هواية داليا.”
تلألأت عينا أرتيا باهتمام.
كانت هَذهِ فرصتها الأولى لإجراء حديثٍ حقيقي مع داليا، التي كانت هادئةً طوال الوقت.
“السيدة غريك، ما نوع الكُتب التي تفضلين قراءتها؟”
أجابت داليا بصوتٍ مُنخفض يتناقض مع حماس أرتيا.
“أقرأ بشكلٍ أساسي كتب الثقافة العامة، كما أستمتعُ بكتب العلوم الإنسانية.”
‘بالطبع… هَذا ما كنتُ أتوقعه تمامًا.’
لكن أرتيا لَمْ تُرد أنْ تفقد فرصة التواصل معها بهَذهِ السهولة.
“ألا تهتمين بالروايات؟”
قبل أنْ تتمكن داليا مِن الإجابة، قاطعتها ماريغولد.
“هي لا تقرأ مثل هَذهِ الأشياء، وتعتبرُها تافهة.”
لأول مرة، بدت داليا مُرتبكةً، بعد أنْ كانت تُحافظ على رباطة جأشها طوال الوقت.
“متى قلتُ ذَلك؟”
“ألا تذكرين؟ عندما أهديتُكِ تلكَ الرواية التي كانت تحظى بشعبيةٍ هائلة بين السيدات، رفضتِها بوجهٍ مُتجهم.”
‘أنا لا أقرأ هَذا النوع مِن الكتب!’
كان تعبيرُ وجه داليا حادًا إلى درجة أنْ ماريغولد اعتذرت دوّن أنْ تدري لماذا.
“ذَلك…”
لأول مرة، بدت داليا مترددةً وغير قادرةٍ على الكلام، مِما دفع أرتيا لسؤالها بحذر.
“هل يُمكنني معرفة اسم تلكَ الرواية؟”
لكن ماريغولد سبقت داليا بالإجابة.
“هل كانت ‘قلب دوق الشمال المُشتعل’؟”
“ماريغولد!”
صرخت داليا، وقد احمرّ وجهُها بالكامل مِن مُجرد سماع العنوان. لكن في المُقابل، تألقت عينا أرتيا الوردية بلمعانٍ حماسي، كأنها أرنبٌ رأى جزرة.
“إنها إحدى روايات الكاتبة ريدليب!”
تفاجأت ماريغولد مٍن رد فعل أرتيا. فقد كانت تتوقع أنْ تخجل مِن مُجرد سماع العنوان، لكن بدلاً مِن ذِلك، بدت متحمسةً للغاية.
“أتعرفين هَذهِ الكاتبة؟”
“نعم! إنها كاتبتي المُفضلة على الإطلاق!”
“……!”
اتسعت عينا كل مِن ماريغولد وداليا بدهشة.
كانت ريدليب كاتبةً مشهورةً جدًا، حتى لدى مَن لا يقرأون الروايات الرومانسية، لكن نادرًا ما كانت السيدات يُعلنّ عن إعجابهنَ بها.
ذَلك لأن رواياتها كانت توصف بأنها جريئةٌ جدًا، حتى أنْ الكاتبة نفسها لَمْ تكشف عن أيِّ شيءٍ يخصُ هويتها سوى اسمها المستعار.
لهَذا السبب، كانت كتبها تُعامل كأعمالٍ سرية تُقرأ في الخفاء، وكأنها شيءٌ محظور.
لكن أرتيا لَمْ تكُن تُبالي بمثل هَذهِ الأمور، بل تابعت قائلةً بحماس.
“عندما أقرأ أوصافها العاطفية المُلتهبة، أشعر وكأنْ قلبي على وشك الانفجار مِن شدة الخفقان! إنها أعظم كاتبةٍ في هَذا العصر!”
قامت في مديح ريدليب بحماس، لكنها سرعان ما أدركت ما فعلته.
“أوه لا.”
لَمْ تكُن ترى في حبها لروايات ريدليب شيئًا مُخجلًا، لكنهُ بالتأكيد لَمْ يكُن الموضوع المُناسب للحديث في أول لقاء مع هؤلاء السيدات.
خصوصًا أمام داليا، التي كانت تُعرف بأنها المرأة الأكثر استقامةً في الإمبراطورية.
‘هل أزعجها حديثي؟’
نظرت أرتيا إلى داليا بوجهٍ مُرتبك، متوقعةً أنْ تراها باردةً ومتجهمة.
لكن المُفاجأة كانت أنْ وجه داليا كان مُحمرًا بشدة.
“……؟”
اتسعت عينا أرتيا بدهشةٍ مِن رد الفعل غير المتوقع.
أما ماريغولد، فقد نظرت إليّها بذهولٍ قبل أنْ تقول بتعليقٍ ساخر.
“تبدين وكأنكِ تلقيتِ اعترافًا مِن دوق الشمال، الرجُل الذي يكون باردًا مثل الجليد في كُل شيء، لكنه مُشتعلٌ في غرفة النوم فقط.”
“هَذا لَمْ يحدُث أبدًا.”
أجابت داليا بنبرةٍ هادئة، كما لو أنها استعادت رباطة جأشها تمامًا.
* * *
لحُسن الحظ، لَمْ تُبدِ داليا أيِّ تعليقٍ سلبي بشأن ذوق أرتيا. لكنها في الوقت ذاته، لَمْ تُظهر أيِّ تأييدٍ يُذكر.
أثناء حديثها مع داليا وماريغولد، أدركت أرتيا أمرًا مهمًا.
“لَمْ يكُن سبب الشعبية الكبيرة التي تحظى بها هاتان السيدتان بين النساء الأخريات هو المال أو المعرفة العميقة وحسب.”
كانت ماريغولد تبثُ طاقةً مُشرقة تُحرك الأجواء وتنعشها.
أما داليا، فكانت تنصتُ للآخرين بهدوءٍ واهتمام.
كان لكلتيهما سحرٌ يجذب الناس إليّهما.
لكن أرتيا لَمْ تكُن تعلم أنْ كلتيهما كانتا تُفكران بنفس الطريقة عنها.
‘كنتُ أعتقد أنْ وجهها باهتٌ لدرجة أنني لَن أتذكره حتى بعد رؤيتها مئة مرة، لكن كلما نظرتُ إليّها، بدت أجمل. أظُن أنها ستكون أكثر جمالًا لو ارتدت قلادةً مرصعةً بماسةٍ ضخمة تُحيط بعنقها الأبيض النحيف…’
‘أسلوب حديثها مُمتع ومواضيعها مُتنوعة، مِما يجعل التحدث معها ممتعًا. أود الاستمرار في الحديث معها.’
بعد تردد، تحدثت أرتيا إلى الاثنتين.
“لقد استمتعتُ كثيرًا اليوم. هل يُمكنني دعوتُكما في المرة القادمة؟”
لَمْ تستطع ماريغولد كبح حماسها، فاحتضنت أرتيا بحماسٍ وصاحت.
“بالطبع!”
أما داليا، فاكتفت بإيماءةٍ أنيقة.
***
بعد انتهاء حفلة الشاي، عادت داليا إلى منزلها.
كانت تنتمي لعائلةٍ عريقة مِن المسؤولين الإداريين، وتزوجت رجُلًا يشغل منصبًا مُهمًا في الحكومة.
وكما يليق بمنزل مسؤولٍ رفيع المستوى، لَمْ يكُن قصرها فخمًا بقدر ما كان راقيًا ومُفعمًا بالهيبة.
بعد أنْ اغتسلت وارتدت ملابس مُريحةً، توجهت داليا إلى مكتبتها.
لَمْ يكُن مِن المُعتاد أنْ يكون للسيدات النبيلات مكتبةٌ خاصةٌ بهن، لكن زوجها كان يرى أنْ المرأة الأرستقراطية يجبُ أنْ تمتلك مستوى مُناسبًا مِن المعرفة، لذَلك لَمْ يُمانع منحها هَذهِ المساحة الخاصة بها.
كانت رفوف المكتبة مليئةً بالكتب ذات العناوين الأكاديمية، مثل ‘دليلٌ مُتقدم في لغة غرنسيا’، ‘تاريخ الإمبراطورية’، ‘مائة عامٍ مِن الفنون’، ‘فلسفة الحكماء الخمسة’…
“لو كانت ماريغولد هُنا، لكانت قد اشتكت مِن الصداع بمُجرد رؤية العناوين.”
ابتسمت داليا بخفّةٍ وهي تتذكرُ رد فعل صديقتها، ثم دفعت رف الكتب جانبًا، فكُشف عن مساحةٍ سرية صغيرة.
كانت هُناك كتبٌ مخبأةٌ بداخلها.
لكنها لَمْ تكُن كتبًا أكاديمية مثل التي تملأ رفوف مكتبتها.
‘حُب الفارس الصامت’، ‘العاشق الذي اشتراهُ التاجر المغرور بماله’، ‘صلاة الكاهن الفاسد المُفعمة بالشوق’، و… ‘قلب دوق الشمال المُشتعل’.
كلها كانت روايات كتبتها ريدليب.
راحت داليا تلمسُ إحدى الروايات بأطراف أصابعها وهمست لنفسها.
“لَمْ أتخيل أبدًا أنها ستكون مِن مُعجباتي…”
نعم، كانت الحقيقة الصادمة هي أنْ الكاتبة الشهيرة ريدليب، التي تسحرُ قلوب نساء الإمبراطورية وتقلب مشاعرهُنَ، لَمْ تكُن سوى داليا نفسها!
لقد نشأت في عائلةٍ صارمة ترى أنْ حتى إمساك رجلٌ وامرأة بأيدي بعضهُما أمام الآخرين تصرفٌ غير لائق.
وكان والداها، اللذان ينامان بوضعية مستقيمة حتى أثناء النوم، يُكرران عليها بلا كلل.
“يجبُ أنْ تكوني سيدةً نبيلةً حكيمة ومشرفة.”
لَمْ يخطُر ببال أحد أنْ داليا، التي أمضت حياتها في طاعة هَذهِ القواعد، هي نفسها التي تكتبُ روايات مليئةٍ بوصفٍ جريء للعلاقات العاطفية.
حتى زوجها، الذي يسكُن معها في نفس القصر، لَمْ يكُن لديهِ أيُّ فكرةٍ. ولا حتى ماريغولد، صديقتها المُقربة.
“لو اكتشف زوجي أنني ريدليب، فسيحبسُني في ديرٍ ناءٍ خارج المدينة.”
وسيتذرعُ بأنه يفعل ذَلك لتطهير روحها الملوثة عبر الصلاة للحاكم.
ولَن يكون ذَلك أسوأ ما سيحدُث، إذ سيُصاب والداها بخيبة أملٍ كبيرة، وسيتحطمُ تمامًا ما تبقى لها مِن سمعةٍ كأكثر سيدةٍ نبيلة حكمة في المُجتمع الأرستقراطي.
لهَذا قررت داليا أنْ تفصل نفسها عن ريدليب تمامًا.
‘أنا لا أعرف هَذهِ الكاتبة، ولَمْ أقرأ أبدًا أيًّا مِن رواياتها.’
لم يكُن التظاهر بذَلك أمرًا صعبًا كما ظنت.
فنادرًا ما كانت السيدات الأرستقراطيات يناقشن موضوع الروايات الرومانسية.
صحيح أنْ اسم ريدليب كان يُذكر مٍن حينٍ لآخر، لكن…
“سمعت أنْ الخادمات في قصري يعشقنَ كتب تلكَ الكاتبة لدرجة أنهنَ يسهرن الليل لقراءتها! فضولي دفعني لتصفُح إحداها، ولكنني صُدمت! كيف يُمكن لشخصٍ أنْ يكتب بهَذا الانحطاط والانحلال؟!”
“لا شك أنْ الكاتبة شخصٌ مُنحط لدرجة أنها لا تعرفُ شيئًا عن الذوق الرفيع.”
“بل سمعتُ شائعةً بأنها ليست سوى مومس!”
لطالما كانت تلكَ التعليقات تترافق مع ضحكاتٍ متعالية.
وفي كُل مرة، كانت داليا تُحافظ على وجهها جامدًا، مُتظاهرةً بأنها مُجرد مستمعةٍ عادية.
…لكن اليوم، ولأول مرةٍ، سمعت شيئًا مُختلفًا تمامًا.
‘إنها كاتبتي المفضلة.’
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》