البحث عن زوج للدوقة - 7
الفصل 7
أخيرًا، سلمت بيبي إبريق الشاي.
رفعت أرتيا الإبريق وبدأت تسترجعُ ذكرياتها الماضية.
‘كان الناس يسخرون منها لأنها لَمْ تكُن تستطيع صب الشاي بشكلٍ صحيح.’
بينما كانت أرتيا ترتجفُ وهي تحمل الإبريق، كان الناس يضحكون خفية.
حتى والدها، بينيدكت، هزَّ رأسهُ بتعبيّر وجهٍ مليء بالاستياء.
“لا تستطيعين أنْ تفعلي شيئًا بشكلٍ صحيح.”
لكن هَذا كان بسبب توترها الشديد أمام الناس.
منذُ أنْ كانت في الثالثة مِن عمرها، تلقت أرتيا تعليمًا صارمًا، وكانت تعرفُ كيف تصب الشاي بشكلٍ مثالي.
كما لو كان يتدفق كالماء.
عندما شاهدت بيبي كيف تصب أرتيا الشاي، فتحت فمها بدهشة.
تورر-.
امتلأ فنجان الشاي أمام بيبي بالشاي الدافئ الذي كان يتصاعدُ منه البخار بشكلٍ رائع.
“جربيه.”
قالت مرةً أخرى لبيبي التي ترددت في شُرب الشاي المُقدم.
“لكي تكوني خادمة شاي مُتميزة، يجبُ أنْ تعرفي جيدًا مذاق الشاي.”
“أشكرُكِ، سأشربهُ بأمتنان.”
بعد أنْ حنت بيبي رأسها قليلاً، جلبت الفنجان إلى فمها.
بعد لحظات، فتحت بيبي عينيها على اتساعهما.
“لذيذ.”
ظهرت حمرّة خفيفة على خدها الذي يحمل ندوبًا.
كانت هَذهِ استجابةٌ عظيمةٌ جدًا مِن بيبي، التي نادرًا ما تُظهر مشاعرها.
في تلكَ اللحظة، ارتفعت كتفا أرتيا بفخر.
لكن فجأةً، غطى ظلّ وجه أرتيا.
رفعت رأسها لتجد إيلما تُراقبها بنظرةٍ شديدة الغضب.
“سيدتي، لديّ ما أخبرُكِ به.”
تحولت ملامح أرتيا، التي كانت تبتسم لبيبي قبل لحظات، إلى جفاء فجأة.
“ما الأمر؟”
نظرت إيلما إلى بيبي بعين خفية قبل أنْ تبدأ بالحديث.
“على الرغم مِن أنْ بيبي قد تكون صادقة، إلا أنْ هُناك العديد مِن العيوب التي تجعلها غيرَ مؤهلة لخدمتكِ.”
وضعت إيلما يدها على صدرها.
“مِن الآن فصاعدًا، سأتولى أنا شخصيًا خدمة سيدتي.”
كان هَذا تصريحًا مُفاجئًا؛ حيثُ كانت إيلما، التي اعتادت استخدام لسانها لإصدار أوامر للخادمات، تُعلن عن قرارها بالخدمة المُباشرة.
لكن، وماذا في ذَلك؟
أجابتها أرتيا بوجهٍ خالي مِن أيِّ تعبيّر.
“لا داعي.”
“……!”
اتسعت عينا إيلما في ذهول، كأنها تعرضت للخيانة. لكن أرتيا، دوّن أنْ تكترث، نظرت إلى بيبي ووضعت ابتسامةً رقيقة.
“خادمتي هي بيبي، وهَذا كافٍ.”
خادمتي.
كان هَذا مُصطلحًا لطيفًا غيرَ مُعتاد على لسان سيدةٍ عادية، مِما جعل وجه بيبي المُتجهم يزدادُ احمرارًا قليلاً.
كان المنظر لطيفًا، مِما جعل أرتيا تبتسمُ وتنهض مِن مكانها.
“الطقس جميلٌ اليوم، كنتُ أود شرب الشاي في الخارج بعد وقتٍ طويل، لكن يبدو أنْ هناك مَن يُعكر مزاجي. لنعود إلى الداخل.”
“نعم.”
أومأت بيبي برأسها، وفتحت المظلة.
بينما كانت أرتيا تسيرُ تحت مظلة بيبي، صاحت إيلما مِن بعيد.
“سيدتي، رغم أننا قد تراجعنا، إلا أنني مِن عائلةٍ نبيلة. عملتُ كخادمةٍ لمدة عشرين عامًا، وخدمت العديد مِن سيدات النبلاء الشهيرات. أنا أفضل بكثيرٍ مِن بيبي!”
أجابت أرتيا بنبرةٍ باردة.
“لكنكِ لا تملكين قلبًا.”
“……!”
“أنا لستُ بحاجةٍ إلى خدمتكِ. اهتمي بإدارة الخادمات بشكلٍ جيد.”
وبهَذهِ الكلمات، استدارت أرتيا وبدأت تمشي مع بيبي باتجاه المبنى.
مِن بعيد، كانت الخادمات يشاهدن أرتيا وإيلما وهمساتُهن تتعالى.
“هل صحيح أنْ السيدة ألقت ضربةً قوية على رأس كبيرة الخدم؟”
“نعم، بكُل تأكيد.”
نظرنَ إلى إيلما التي كانت قد تجمد وجهُها وكأنها تعرضت للضرب، وضحكنَ بخفة.
ثم نظرنَ إلى أرتيا.
بينما كانت أرتيا تسيرُ تحت مظلة بيبي، برأسٍ مرفوع كما لو كانت سيدةً نبيلة.
“إنها حقًا تبدو مثل سيدةٍ نبيلة.”
“بل هي سيدةٌ نبيلةٌ بالفعل.”
نعم، هي مِن عائلة إيدنبيرغ، مِن أعرق الأسر النبيلة.
استفاقت الخادمات على حقيقة قد نسينها، وبدأت نظراتهُن تحمل مشاعر جديدة.
كان ذَلك هو الاحترام العميق لشخصيةٍ كبيرةٍ في الأسرة.
بالطبع، لا يزال هُناك العديد مِن الخادمات اللواتي يستخفن بأرتيا.
“هاهاها، تتصرفُ بتكبر، لكن هَذا لَن يدوم. عندما يعود السيد، ستخاف وتعود إلى طبيعتها.”
“بالتأكيد، ستُعاقب بسبب حبسها للريليكا في الغرفة، وستعودُ إلى البكاء والندم.”
ومع ذَلك، كان هُناك بعض الخادمات اللواتي كانت أفكارهنَ مختلفة.
“بالرغم مِن ذَلك، إذا كان الأمر كذَلك، هل كانت كبيرة الخدم ستتصرفُ بهَذهِ الطريقة؟”
كانت إيلما خادمةً مُخضرمة خدمت النبلاء لفترةٍ طويلة.
على الرغم مِن شخصيتها القاسية، كانت لا تُضاهى في قدرتها على اكتشاف رائحة القوة والتودد للمُحيطين بها.
إذا كانت تبذل كل هَذا الجهد لإرضاء السيدة، فَهَذا يعني أنْ السيدة قد اكتسبت بعض القوة.
فجأةً، التفتت إحدى الخادمات إلى بيبي التي كانت تقفُ بجانب أرتيا.
“حتى قبل بضعة أيام فقط، كانت مُجرد فتاةٍ تقوم بالأعمال المنزلية، والآن أصبحت تخدُم السيدة…!”
“لقد سمعتُ أنه بدلاً مِن أنْ تتبع لريليكا، أصبحت بيبي خادمة ختصة للسيدة مُباشرةً.”
حتى لو كانت القوة التي اكتسبتها أرتيا ستزول عند عودة لويد، فإنْ حقيقة كونها سيدة هَذا القصر لَمْ تتغيّر.
وكان مِن الطبيعي أنْ العديد مِن الخادمات يتمنين أنْ يكنّ في مكان بيبي ويخدمن أرتيا بدلاً مِن القيام بالأعمال المنزلية مثل الغسيل والتنظيف.
حتى الآن، كان على الخادمات أنْ يُقدمن إكراميات لإيلما ويعبرن عن تملقهن لها وكأنهنَ يستجدين مكانًا، لكن الأمور قد تغيّرت الآن.
“إذا كنتُ أُظهر بعض الإخلاص للسيدة، رُبما يُمكنني أنْ أصبح خادمتها الخاصة.”
فكرت الخادمة التي كانت طموحة، بعينيها اللامعتين.
تغيّرت سلوكيات الخادمات تجاه أرتيا. خصوصًا بعضهنَ، اللواتي بدأنَ يسعينَ لإرضائها بعيونٍ لامعة.
“لقد تم تكليفي بتنظيف غرفة السيدة. سأحرصُ على أنْ تكون خاليةً مِن الغبار تمامًا!”
“غسلتُ البطانيات. لقد جففتها تحت الشمس، وصارت ذات رائحةٍ عطرةٍ وناعمة!”
“أحضرتُ جزرًا مُمتازًا مِن مسقط رأسي، هل يُمكنني تقديمهُ كوجبةٍ خفيفة؟”
حتى إيلما انضمت إليّهم.
“على الرغم مِن أنْ بيبي تُحاول بجد، فإنْ هناك العديد مِن النقائص. إذا كنتِ بحاجةٍ إلى شيء، يُمكنكِ دائمًا إخباري أنا، إيلما.”
لَمْ تكُن أرتيا تتوقع أنْ تبدل الخادمات نظراتهن بهَذهِ السرعة، ولكن لَمْ تكُن تتخيل أنهنَ سيكنَ بهَذهِ البراعة.
لَمْ يكُن الأمر سيئًا رغم أنه كان يحمل بعض الإحساس بالضغط بسبب الاهتمام المُبالغ الذي لَمْ تكُن مُعتادةً عليهِ مِن الخادمات.
الغرف التي كانت تلمعُ وكأنها جديدةٌ بفضل الشمع الخاص.
الأغطية التي كانت تحتوي على رائحة الشمس، ناعمةٌ ومريحةٌ كالسحب.
الجزر الطازج الذي كان هشًا وحلوًا.
كل شيء كان جاهزًا بشكلٍ مثالي.
“كم هي رائعة، حياةُ دوقة…!”
كانت أرتيا ترغبُ في العيش بهَذهِ الطريقة إلى الأبد.
لكن على الرغم مِن أمانيها، كان هَذا السعادة ستنتهي قريبًا.
لأن لويد سيعودُ قريبًا.
“ماذا لو أرسلت قاتلاً إلى لويد ليبقى مفقودًا إلى الأبد؟”
فكرةٌ خطرت في ذهنها بينما كانت تقرأ كتابًا بعنوان “100 طريقة لقتل زوجكِ”، وكانت الفكرةٌ مثيرة.
كانت تصرفًا غيرَ إنساني، ولكن إذا فكرت في كل ما فعلهُ لويد بأرتيا، لَمْ يكُن هَذا أمرًا غيرَ مُمكن.
“لكن لويد يهتمُ بنفسهِ بشكلٍ مُفرط.”
مِن الصعب جدًا أنْ تقتل شخصًا يُحاط بحراس شخصيين.
حتى إذا نجحت، وإذا تم اكتشاف الأمر، فالعقوبة ستكون على الأقل الإعدام.
“بالأحرى، لا أريدُ أنْ ألوث يدي بدمائهِ.”
لذَلك تم رفضُ هَذهِ الفكرة.
“يجبُ أنْ أفكر بطريقةٍ أخرى لمواجهة لويد.”
قضمت أرتيا قطعةً مِن الجزر وبدأت تُفكر بعمق.
أغلقت أرتيا الكتاب الذي كانت تقرأه وبدأت في اتخاذ قرار.
لطالما كانت أرتيا صامتةً و رسمت على وجهها نظرةً جادة، ولكنها لَمْ تكُن غافلةً عن ما كان يدور حولها.
“وجوهُ الذين كانوا يستخفون بي ما زالت واضحةً في ذاكرتي.”
أولئك الذين ضحكوا عندما كان لويد يتحدثُ بعنفٍ تجاه أرتيا.
وأولئك الذين وقفوا بجانب لريليكا وراحوا يتحدثون عنها بسوء.
جمعت أرتيا هؤلاء جميعًا.
“لقد عانيتم بما فيهِ الكفاية حتى الآن. حان وقت مُغادرتكم القصر.”
“……!”
تجمدت تعبيرات العمال فجأةً في صدمة مِن قرار الطرد المُفاجئ، وركعوا أمامها.
“سيدتي، نحنُ آسفون. رجاءً، ارحمينا، واغفري لنا!”
على الرغم مِن أنْ الموقف بدا مؤلمًا بعض الشيء، إلا أنْ أرتيا لَمْ تُفكر في التراجع عن قرارها.
لَمْ يكُن طرد هؤلاء الأشخاص مُجرد عملٍ مِن باب الانتقام، بل كان الهدف هو ملء القصر بأشخاص يستطيعون خدمة أرتيا. أرتيا فقط.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》