البحث عن زوج للدوقة - 60
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- البحث عن زوج للدوقة
- 60 - السيدة النبيلة والجميلة هي في الواقع ... ¹
الفصل 60 : السيدة النبيلة والجميلة هي في الواقع … ¹
كنت في الأصل أنوي إخبار الضيوف بالأمر وإلغاء حفل الزفاف، لكنني غيرتُ خطتي وأقمتُ حفلةً بدلاً مِن ذَلك.
طاولاتٌ بيضاء موضوعةٌ في حديقة مليئة بالأزهار، وطعامٌ شهي أشبهُ بلوحةٍ فنية.
وصل الضيوف إلى قاعة الحفل التي أعددتُها بكُل إخلاص.
كان مِن المُفترض أنْ يكون هَذا اليوم حفل زفافٍ مزيف، لكنهُ تحول في غضون يومٍ واحد إلى مُجرد حفلٍ عادي، ومع ذَلك، لَمْ يسأل أيٌّ مِن الضيوف عن الأمر.
اكتفوا بالابتسام وتبادل الأحاديث اليومية المُعتادة.
وهيلين فعلت الأمر ذاته.
كانت تسأل عن أحوال الآخرين، تتحدثُ عن الزهور والطعام، وتضحكُ معهم، وعندما رأيتُها هَكذا…
نسيتُ تمامًا أنني رجلٌ نبيل يُفترض أنْ يُحافظ على وقاره، فامتلأت عيناي بالدموع.
وعندما لاحظ الآخرون ذَلك، تظاهروا بأنْ شيئًا ما دخل في عيونهم، في محاولةٍ لحفظ كرامتي.
وحين شارف الحفل على نهايته، قالت هيلين للضيوف:
“أيُها السادة، قبل عشرين عامًا، عندما حضرتُم جنازة جولييت، لَمْ أتمكن مِن شكركم كما ينبغي.”
في تلكَ اللحظة، ساد الصمتٌ أجواء الحفل، التي كانت قبل لحظاتٍ مليئةً بالمرح والضحك.
وأنا أيضًا، كنتُ مذهولًا تمامًا.
قبل عشرين عامًا، عندما تحول حفل الزفاف إلى جنازة، كانت هيلين تُردد اسم جولييت وهي تبكي بجنون، ثم تنهار مغشيًا عليها مرارًا وتكرارًا.
لَمْ تكُن بحالةٍ تسمحُ لها بحضور الجنازة، لذا لَمْ تتمكن مِن وداع ابنتها حينها.
تذكّر الضيوف ذَلك اليوم، فظلوا صامتين وشفاههم مُطبقة.
ثم واصلت هيلين حديثها بصوتٍ مًرتجف:
“في ذَلك اليوم، وكما في هَذا اليوم، أشكركُم لأنكم شاركتموني أحزاني على رحيل ابنتي.”
عندها، أدركتُ الحقيقة.
هيلين قد ودّعت جولييت أخيرًا.
وهَذا الحفل لَمْ يكُن سوى جنازةٍ لجولييت، التي أُقيمت بعد عشرين عامًا.
لَمْ أستطع منع دموعي بعد ذَلك، ولَمْ أعد أكترث لشرف النبلاء أو وقارهم.
بعد ذَلك اليوم، تغيّرت هيلين.
لَمْ تعُد تبقى راقدةً في غرفتها المُظلمة ذات الستائر المسدلة.
أصبحت تستيقظُ كل صباح، تتناول طعامها، وتمشي في الحديقة.
لا تزال ملامح الحُزن واضحةً في عينيها الزرقاوين اللتين تُشبهان عيني جولييت، لكنهما لَمْ تعودا يائستين كما كانتا مِن قبل.
بل باتتا تحملان نظرة شخصٍ يواجه الحياة بقوة.
حتى الآن، لَمْ تسأل هيلين ولو لمرةٍ واحدة عن جولييت المُزيفة التي زارتها لفترةٍ قصيرة.
لكن، إنْ جاء ذَلك اليوم، فَهل يُمكنني أنْ أخبرها عنكِ، أرتيا؟]
بعد أيام قليلة، وصلته رسالةُ أرتيا.
[بالطبع.
عندما نلتقي مُجددًا، قدمني لها على أنني أرتيا، ابنةُ أختكَ، لا جولييت.]
* * *
قصر إيدينبرغ.
جلست أرتيا وبينيليوب مُتقابلتين تحتسيان الشاي.
نظرت بينيليوب إلى المطر الغزير المُنهمر خلف النافذة وقالت:
“كان الطقس كئيبًا منذُ الصباح، والآن تهطل الأمطار بغزارةٍ.”
“المشي في الطرق المُبللة خطر، مِن الأفضل أنْ تبيتي هُنا.”
“هل تُحاولين إغرائي الآن؟”
“نعم، أحاول إغرائكِ.”
“يا إلهي، كم هَذا مثير!”
مسحت بينيليوب خديها المُتوردين بكفيها وهي تبتسم.
“عندما تهطل الأمطار بهَذا الشكل، أتذكر صاحب السمو الأمير الأول.”
“…….”
أرسين فون أورفيوس.
الابن الأول للإمبراطور والإمبراطورة.
لكن على عكس مكانتهِ المرموقة، كان وجودهُ محظورًا حتى ذكرُ اسمه.
“يقال إنْ يوم ولادة صاحب السمو الأمير الأول كان يومًا مُمطرًا كهَذا.”
رغم أنْ أرتيا وبينيلوب كانتا أصغر منهُ سنًا، فقد كانتا تعرفان ما حدث في يوم ولادته.
فقد كانت قصةً مشهورة.
ذَلك اليوم هطلت أمطارٌ غزيرة، وارتفع منسوب المياه في كل مكان، وحدثت انهياراتٌ أرضية.
وفي خضم الكارثة التي جعلت الناس يصرخون في يأس، وُلِد أخيرًا الطفل الذي طال انتظارُه في العائلة الإمبراطورية.
“وُلد بمعجزةٍ وسط كارثةٍ مِن غضب الحاكم! لا شك بأنهُ سيكون قائدًا يُمجّد الإمبراطورية!”
لكن صرخة الكاهن كانت بلا جدوى.
فالطفل حديث الولادة لَمْ يبكِ، بل لَمْ يستطع حتى ذَلك.
كان جسدُه ضعيفًا إلى درجة أنهُ لَمْ يكُن قادرًا على التنفُس بشكلٍ صحيح.
وبفضل مهارة الأطباء الذين كانوا على أهبة الاستعداد، تمكنوا بالكاد مِن إنقاذهِ، لكنهُ ظل ضعيفًا، يتأرجح بين الحياة والموت في كل لحظة.
غرقَت الإمبراطورية في اليأس، وكذَلك العائلة الإمبراطورية، والإمبراطور، والإمبراطورة.
حتى أنْ البعض تنبأ بأنْ الإمبراطورية ستنهار بسبب ولادة الأمير المشؤوم.
لكن لحُسن الحظ، لَمْ يدُم ذَلك اليأس طويلًا.
فبعد عامٍ واحد، وُلِد الابن الثاني، كيليان.
“أوواآاآاآاآاآاآاآاآنغ!”
بِمُجرد ولادتهِ، أطلق كيليان صرخةً قوية.
كان كُل شيءٍ فيهِ مثاليًا.
عيناهُ الذهبيتان المُتألقتان تدلّان على دمه الإمبراطوري، كان ذكيًا مُقارنةً بعمره، ولَمْ يُصَب بأيِّ مرضٍ طيلة حياته.
استعادت الإمبراطورية أملها بسرعة كما لو أنها لَمْ تعش في يأسٍ مِن قبل.
“صاحب السمو الأمير كيليان، الذي ورث دم الإمبراطور الأول أورفيوس بقوة، سيجلبُ المجد للإمبراطورية!”
لكن كان هُناك مشكلةٌ واحدة.
وهي أنهُ الأمير الثاني.
كانت الإمبراطورية تتبعُ مبدأ توريث العرش للابن البكر، ولَمْ تكُن العائلة الإمبراطورية استثناءً.
غير أنْ قلوب الشعب كانت تتمنى أنْ يكون كيليان هو الإمبراطور القادم.
وتحوّل ذَلك التمني إلى استياءٍ مُتزايد تجاه أرسين.
“لو اختفى الأمير الأول فقط، لكان الأمير كيليان هو الإمبراطور!”
حتى أنْ بعضهم لَمْ يتردد في الإفصاح عن أمانيهِ بكُل وضوح.
ورُبما نتيجةً لهَذا الرأي العام، حاولت العائلة الإمبراطورية إبقاء أرسين بعيدًا عن الأنظار قدر الإمكان، وتجنبَ الناس ذكر اسمه.
كما لو أنهُ لَمْ يكُن موجودًا أصلًا.
“صاحب السمو الأمير كيليان لا يحظى فقط بثقة جلالة الإمبراطور، بل أيضًا باحترام الشعب. لقد قاتل لسنواتٍ في ساحة المعركة مِن أجل الإمبراطورية.”
وهَكذا، أصبح الرأي العام يرى أنْ الأمير الثاني كيليان سيتجاوز الأمير الأول أرسين ويعتلي العرش.
أرتيا كانت توافق على ذَلك، لكنها…
“لكن هُناك شائعاتٌ تقول إنْ الأمير كيليان سيفعلُ أيَّ شيءٍ لإسقاط الأمير أرسين في هاوية الموت.”
نطقت بينيليوب بوجهٍ مليء بالإثارة، لكن أرتيا لَمْ تستطع أنْ تهز رأسها بالموافقة.
قبل بضعة أشهر، رُبما كانت ستتحدثُ بحماسٍ مثل بينيليوب، مُستمتعةً بقصة الأمير الجميل والمُرعب كيليان فون أورفيوس كما لو أنها قصةٌ مِن الماضي.
لكن الآن، لَمْ تستطع فعل ذَلك.
‘لقد رأيتُ الأمير كيليان في العديد مِن المواقف.’
لَمْ يُظهر الأمير المجنون الذي قيل إنهُ لا يهدأ إلا بعد أنْ تُلطّخ يداهُ بالدماء، أيَّ وحشيةٍ على الإطلاق.
بل على العكس…
‘لقد كان لطيفًا. بشكلٍ لا يُصدَّق.’
تذكرت أرتيا ابتسامتهُ الهادئة وهو يُقدّم لها شاي الجزر.
فشعرت بخفقان قلبها، مِما دفعها لاحتساء الشاي سريعًا.
“على أيِّ حال، إنهُ ليس مُخيفًا كما يعتقد الجميع.”
لكن مِن الناحية الواقعية، لَمْ يكُن هُناك شكٌ في أنْ أرسين هو العقبة الأكبر أمام وصول كيليان للعرش.
“فَهل سيرغب في التخلص مِن شقيقهِ كما تقول الشائعات؟ أم أنه…”
“…سيُظهر جانبًا مُختلفًا تمامًا كما فعل من قبل؟”
***
في تلكَ الأثناء، في حديقة القصر الإمبراطوري.
جلس كيليان داخل جناحٍ رخامي يُراقب المطر المنهمر.
أمامه، جلس شابٌ على كرسي مُتحرك خشبي.
نظر كيليان إليّهِ، كان يحتمي مِن الرياح العاصفة بكتفيهِ النحيفين.
“هل تشعرُ بالبرد، أخي؟”
كان الشاب الذي يجلس أمامهُ هو الأمير الأول، أرسين.
لكن بسبب مرضهِ وضعفهِ الشديد، لَمْ يستطع أنْ ينمو بشكلٍ طبيعي.
رغم بلوغهِ الرابعة والعشرين، لا يزال يبدو كفتى صغير.
شعرهُ الأبيض الطويل، وجههُ الجميل لكن عديم الحياة، جسدهُ الهزيل الذي يبدو وكأنهُ سينكسر، وصوتُه الناعم الرفيع.
بدا كأنه سيختفي في أيِّ لحظة.
أجاب أرسين بصوتٍ خافت:
“نعم، أشعرُ بالبرد.”
عندها، جثا كيليان على ركبةٍ واحدة أمام كرسيهِ المُتحرك، وخلع الوشاح الذي كان يلفه حول رقبتهِ، ثم لفهُ حول عنق أرسين.
“ألستَ خائفًا؟”
“مِما؟”
“مِن أنْ أخنقكَ حتى الموت في هَذهِ اللحظة.”
ابتسم أرسين بعينيه.
“يُمكنكَ فعلها إنْ أردت.”
“كم هَذا مُمل.”
تمتم كيليان بصوتٍ مُنخفض، ثم ربط طرفي الوشاح حول عنق أرسين على شكل عُقدةٍ أنيقة.
نظر أرسين إليّهٍ وقال بهدوء:
“في أيِّ وقت، بأيِّ طريقة، سأموتُ كما تشاء. هَذا كل ما يُمكنني فعلهُ مِن أجلكَ.”
لطالما قال ذَلك منذُ طفولته.
عباراتٌ يائسة جعلت كيليان ينظرُ إليّهِ ببرود.
“إذا متّ، فسوف يُعتبرني الجميع المُجرم. وأنا لا أريدُ أنْ أصبح مُجرمًا.”
“إذن، ماذا أفعل؟”
“فقط عش.”
ابقَ إلى جانبي… ولا تمُت.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة