البحث عن زوج للدوقة - 6
الفصل 6 : الدوقة ترغب في الطلاق ⁶
للأسف، كانت آرتيا شُبه فاقدةٍ للوعي، لذا لَمْ تتذكر سوى يد الخادمة الكبيرة والخشنة.
لكن الآن أصبحت تعرفُها تمامًا.
اسمُها، وجهُها، كل شيء.
نظرت آرتيا إلى عينا بيبي السوداء.
“مِن بين عشرات الأشخاص في القصر، أنتِ الوحيدة التي وقفتِ إلى جانبي. أريدُكِ أنْ تكوني بجانبي.”
“……”
حتى بعد هَذا الاعتراف، ظلّ وجهُ بيبي خاليًا مِن التعبيّر. شعرت آرتيا ببعض الإحباط.
“هل تكرهين أنْ تكوني خادمتي؟”
تسعت عينا بيبي قليلًا، ثم هزّت رأسها.
“لا، ليس الأمر هَكذا. كما قلتُ سابقًا، أنا غيرُ مؤهلةٍ لخدمتكِ.”
“ما الذي يجعلُكِ غيرَ مؤهلة؟”
“أنا مِن قريةٍ جبلية.”
“لقد نشأتِ في مكانٍ يتمتعُ بالهواء النقي والماء العذب. لابد أنكِ بصحةٍ جيدة.”
“أنا خادمةٌ في عائلة الدوق، لكنني لَمْ أقم سوى بالأعمال الشاقة طوال الوقت، ولَمْ أخدُم السيدات الأرستقراطيات مِن قبل.”
“ولكنكِ اكتسبتِ قوة مِن الأعمال الشاقة، لذا يُمكنكِ تعلم أيِّ شيءٍ بسرعة.”
بعد هَذهِ الإجابة الإيجابية، بدت بيبي مُحبطةً.
“أشكرُكِ على كلماتكِ الطيبة، سيدتي. لكن مهما تدربت، سيكون مِن المُحرج أنْ تأخذيني معكِ.”
“لماذا؟”
سألت آرتيا، غيرَ قادرةٍ على فهم السبب.
“مظهري هو السبب.”
“……!”
“كما ترين، جسدي أكبرُ مِن أنْ يكون مُناسبًا للنساء. ووجهي أيضًا قاسٍ.”
أشارت بيبي إلى الندبة الطويلة على خدها.
“لقد كنتُ قويةً بما فيهِ الكفاية لأقوم بالأعمال الشاقة، ولكنني تلقيتُ تحذيراتٍ شديدة. أخبروني أنْ أتجنب الظهور أمام السادة لأن مظهري قد يسبب لهم الإزعاج.”
بينما كانت بيبي تتحدثُ بحُزن، سمع صوت آرتيا الصافي في أذنها.
“حقًا؟ أنا أحبُ مظهركِ كثيرًا.”
“……!”
“إذا قارنتهِ بجسدي الضعيف، فأنتِ تبدين قوية ورائعة. أريدُ أنْ أكون مثلكِ.”
“……”
كانت بيبي مذهولةً مِن هَذهِ الكلمات، وكأنها تلقت لكمةً مُفاجئة.
“هل هَذا كل شيء يمنعكِ مِن أنْ تكوني خادمتي؟”
“نعم.”
“أنتِ لا تكرهينني، أليس كذَلك؟”
“لا، بالطبع لا.”
بعد الإجابة الحاسمة، استجمعت آرتيا شجاعتها وقالت مرة أخرى.
“كوني خادمتي، بيبي.”
بالطبع، هَذهِ ليست وظيفةٌ مُغرية. على الرغم مِن أنها دوقة، فإنْ آرتيا في وضعٍ يجعلُ حتى عشيقة التي مِن العامة تتجاهلها.
ومع ذَلك، كان هُناك شيءٌ واحد يُمكنها أنْ تعدها بهِ بثقة.
“سأعاملُكِ بكل احترام.”
“……!”
كانت كلمات آرتيا قصيرة، لكنها كانت قويةً جدًا.
حتى مع استمرار بيبي في إخفاء مشاعرها، احمرَّ طرف أذنها.
بعد فترةٍ، انحنت بيبي.
“شكرًا لكِ لاختياركِ إياي. بيبي بلانك، سأخدمُكِ بكل جسدي وقلبي.”
ابتسمت آرتيا ابتسامةً واسعة.
لقد حصلت أخيرًا على مَن يقفُ إلى جانبي!
في اليوم التالي، كان هُناك الكثيرُ مِن الفوضى بين الخادمات في قصر إيدنبرغ.
“هل صحيح أنْ الآنسة لريليكا تم حبسُها في غرفتها؟”
“نعم، قالت إيلما إنها لَن تخرج حتى يهدأ غضب سيدتنا.”
تجمدت ملامحُ الخادمات، فقد كان حُب لويد لليرليكا ليس مزاحًا. إذا عاد وعرف ما حدث، فسيكون هُناك عواقب.
“رُبما ستُعاقب جميع الخادمات المُتورطات في هَذا الأمر…”
ارتجف الجميع في خوف، وعندها سُمِع صوتٌ صارم في آذانهن.
“أنتُن تُثرثرن أشياء بلا فائدة.”
مع ظهور إيلما، توقفت الخادمات فورًا عن الحديث ووقفنَ في وضعية الاستعداد.
نظرت إيلما إلى الخادمات بأعين كالأفعى.
“لقد صفعت لريليكا خد سيدتنا. لمسُ جسد النبلاء مِن قبل العامة يعُد جريمةً كبيرة، ويُمكن الحكم عليها دوّن مُحاكمة. حتى لو كانت عشيقةً محبوبة، مِن الطبيعي أنْ تتلقى العقاب.”
“……”
“لا تثرثروا كثيرًا بعد الآن، اذهبوا واعملوا!”
بعد اختفاء إيلما، همست الخادمات بدهشة.
“حتى وقتٍ قريب، كانت تُعامل لريليكا مثل دوقة، بينما كانت تُعامل سيدتنا وكأنها امرأةٌ غيرُ موجودة. لماذا فجأةً أصبحت تُدافع عن سيدتنا هَكذا؟”
“ماذا تعتقدين؟ سيدتنا قد تغيّرت تمامًا، هَذا هو السبب.”
ما صدم الخادمات لَمْ يكُن فقط أنْ لريليكا تم حبسُها في غرفتها، بل كان الأكثر صدمةً هو أنْ آرتيا تحدثت بوضوحٍ أمام لريليكا وأخبرتها بما يجبُ أنْ تقوله، ثم أمرت بحبس لريليكا التي صفعتها. هَذا كان أكثر ما أثار دهشتهم.
“ما زلت لا أصدق. كيف يُمكن لشخصٍ مثلها، لَمْ يكُن يستطيع حتى النظر في أعيننا، أنْ يفعل شيئًا كهَذا فجأةً؟”
“قالوا بإنها قد أصيبت بصدمةٍ مِن السقوط في البحيرة، وأنْ عقلها قد تغيّر.”
رغم كل همسات الخادمات، لَمْ يتمكنوا مِن معرفة السبب الحقيقي لتغيّر آرتيا، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا.
“أعتقد أنْ كبيرة الخدم، التي كانت تُهيننا دائمًا، أصبحت الآن في وضعٍ مُحرج، أليس كذَلك؟”
نظرت الخادمات وضحكن بهدوء.
كان مِن المُمتع حقًا رؤية إيلما، التي كانت تتعامل مع الخادمات بقسوةٍ، تقعُ في مثل هَذهِ الورطة.
كما توقعت الخادمات، عندما عادت إيلما إلى غرفتها، كانت تعضُّ أصابعها مِن الخوف، وجهُها يعكس توترًا شديدًا.
كانت تخشى مِن عواقب عودة لويد بعد أيامٍ قليلة.
لكنها كانت تخشى أكثر مِن ذَلك أنْ يخرج السر الذي كانت آرتيا تحتفظُ به.
بعد فترةٍ، همست إيلما في نفسها.
“إنْ سيدتنا تتصرفُ بهَذهِ الطريقة فقط لأن سيدها ليس هُنا.”
عندما يعود لويد، ستعود الأمور إلى سابق عهدها، وسيصغرُ حجمها مِن جديد.
في ذَلك الوقت، سيكون لديها الفرصة.
“سأواسي سيدتنا بلطف وأجعلها تعتمدُ علي. ثم سأبقى بجانبها حتى أتمكن مِن العثور على نقطة ضعفها وأقلب الأمور لصالحي.”
كانت إيلما، التي وصلت إلى هَذا المنصب باستخدام التملق والمُكر فقط، تؤمن أنها قادرةٌ على تنفيذ خطتها.
تخيلت إيلما في ذهنها آرتيا وهي تُمسك ثوبها وتعتذر عن خطأها، وابتسمت ابتسامةً شريرة.
***
كانت آرتيا جالسةً على الطاولة في الحديقة المُشمسة، بينما كانت بيبي، التي تحمل إبريق الشاي، تبدو بوجهٍ جاد مثل مُحاربٍ في ساحة المعركة.
كان وجهُها مُختلفًا تمامًا عن تعبيرها المُعتاد أثناء التنظيف، فشعرت آرتيا بالفضول وسألتها.
“هل لا تُحبين صب الشاي؟”
“لا.”
جاء الرد سريعًا، قاسيًا مثل البرق.
توقفت بيبي قليلاً قبل أنْ تتكلم مجددًا.
“خدمة السيدات الأرستقراطيات كانت حُلمي القديم. وكان صب الشاي مِن بين الأمور التي كنتُ أتمنى القيام بها.”
عندما كانت بيبي صغيرة، كانت تقرأ الكتب التي حصلت عليها بشق الأنفس حتى تمزقت، وكانت تُمرن نفسها يوميًا على صب الشاي باستخدام أكوابٍ خشبية صنعتها بنفسها.
“لكنني الآن قلقةٌ مِن أنني لِن أتمكن مِن القيام بذَلك بشكلٍ صحيح.”
ابتسمت آرتيا ابتسامةً هادئة على تعبير بيبي الصادق.
“ستقومين بذَلك بشكلٍ جيد. لأنكِ تُدربين نفسكِ بجد.”
“إذن سأبدأ.”
قامت بيبي بتسخين الإبريق والكوب مُسبقًا، وأخذت ملعقةً صغيرةً لوضع أوراق الشاي في المصفاة داخل الإبريق.
كانت تُحرك يديها بحذرٍ شديد، وكأنها إذا أخطأت في أيِّ شيء، ستفقدُ حياتها. وكان وجهُها جادًا جدًا.
آرتيا، التي كانت تُراقب عن كثب، شعرت بالتوتر هي الأخرى.
للأسف، الإرادة والنتائج لا يتناسبان دائمًا.
كانت بيبي تتحركُ مثل دميةٍ حديدية غيرَ مُشحمة، وأدى ذَلك إلى حادثٍ حيثُ تطاير الشاي مِن الكوب.
تأملت بيبي في الأوراق السوداء بعينيها المُتأرجحتين.
“أعتذر، سيدتي.”
بدلاً مِن لومها، نظرت آرتيا إليها بقلق.
“هل شعرتِ بألَمٍ بسبب الشاي الذي سقط على يدكِ؟”
“…… أنا بخير.”
“أنا سعيدةٌ بذَلك.”
تنهدت آرتيا براحةٍ قبل أنْ تمدُ يدها.
“هل يُمكنني أخذُ الإبريق؟”
“……!”
نظرت بيبي إليّها بعيون جادة وكأنْ العالم قد انتهى.
“لَمْ أقصد أنني لَن أترككِ تصبين الشاي. أنا فقط أريدُ أنْ أساعدكِ. فَمشاهدة ما أفعلُه أفضل مِن قراءة الكتب فقط.”
أيُّ سيدةٍ نبيلة ستُعلم خادمتها بهَذا الشكل؟
على عكس بيبي المدهوشة، كانت عينا آرتيا الوردية بريئةً وكأنْ لا شيء غريب في ذَلك.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》