البحث عن زوج للدوقة - 58
الفصل 58 : أسوأ خاطِب ³¹
بعد فترةٍ طويلة، فتحت أرتيا فمها أخيرًا.
“لستُ متأكدة.”
كانت إجابةً غامضة.
لكن كاثرين لَمْ تطلُب منها إجابةً واضحة، ولَمْ توبخها على ذَلك. بل اكتفت بالابتسام وكأنْ تلكَ الإجابة وحدها كافيةٌ لها.
“شكرًا لكِ، أرتيا. شكرًا لكِ حقًا…”
وبهَذهِ الكلمات، غادرت كاثرين قصر إيدينبرغ.
في تلكَ الليلة، دخلت أرتيا الغرفة التي كانت تُقيّم فيها كاثرين.
بدت فارغةً تمامًا، وكأنْ أحدًا لقمْ يكُن يسكنها مِن قبل، لكن على الطاولة كان هُناك كومةٌ مِن الأوراق مُكدسة كجبل.
عندما تفحصتها، وجدت أنها تحتوي على معلوماتٍ مفصلة عن الأشخاص الذين تقدموا لخطبتها.
“لَمْ أكُن أعلم أنْ هُناك كُل هَذا الكم مِن المعلومات… فقد كانوا يعطونني دائمًا بضع أوراق مرفقةً بصورٍ فقط.”
قرأت أرتيا الأوراق باندهاش.
كانت هُناك خطوطٌ مرسومة على النصوص، كما لو أنْ أحدهم قرأها عدة مرات، بالإضافة إلى مُلاحظاتٍ مكتوبة هُنا وهُناك.
[يُشاع أنه يضرب النساء X]
[فشل في أعمالهِ مرارًا ويُقال إنهُ غارقٌ في الديون X]
[يُعاني مِن مرضٍ وراثي مع فرصةٍ ضئيلة للشفاء X]
عندها فقط أدركت أرتيا الحقيقة.
الرجال الذين قدمتهم لها كاثرين لَمْ يكونوا مُجرد أيِّ رجالٍ عشوائيين، بل كانوا مُختارين بعنايةٍ وفقًا لمعاييرها الخاصة.
‘رُغم ذَلك، لَمْ يكونوا مُناسبين…’
لكن على الأقل، لَمْ تكُن تعرض عليها أيَّ شخصٍ دوّن تمييز.
بغض النظر عن الطريقة، كانت كاثرين حقًا تُرغب في سعادتها.
وكان ذَلك وحدهُ كافيًا ليمنحها بعض العزاء.
***
وصلت رسالةٌ مِن شايلوك إلى أرتيا.
“إذا وافقتِ على الزواج مِن سيمون، فَسأمنحُكِ أحد مشاريع عائلتنا بالكامل كهدية.”
‘ظننتُ بأنه فد استعاد رشده، لكنهُ لا يزال ينبحُ كما يحلو له.’
طوت أرتيا الرسالة على شكل طائرةٍ ورقية وألقتها مِن النافذة.
لكن بغض النظر عن مدى تجاهُلها له، واصل شايلوك إرسال الرسائل.
ومع كُل رسالة، زادت قيمةُ ما عرضهِ مُقابل الزواج.
شعرت بتصميمهِ القاتل على الحصول على ما يُريد بأيِّ ثمن.
“لقد بدأتُ أملّ حتى مِن طي الورق…”
لكن قبل أنْ يزداد ضجرها، توقفت الرسائل عن الوصول فجأةً.
اعتقدت أرتيا ببساطة أنْ شايلوك قد تخلى عنها.
لَمْ يخطُر ببالها أبدًا أنْ ‘شيئًا ما’ قد حدث.
قبل بضعة أيامٍ، في قصر بارون لوشيان.
كانت زجاجاتُ الخمر مُتناثرةً في الغرفة المظلمة.
وسطها، جلس سيمون بوجهٍ شاحبٍ مُنهك.
لَمْ يكُن قد اغتسل جيدًا، وكان شعرهُ مُتشابكًا، وذقنهُ مُغطاةً بشعر غيرِ مُهذب، ما جعلهُ يبدو كمتشردٍ بدلًا مِن الشاب الأنيق الذي كان عليهِ يومًا.
عندما دخل شايلوك الغرفة، قطّب حاجبيه.
“لقد أمضيتَ يوم أمس كُله فاقدًا للوعي بسبب الشرب، وها أنتَ تشربُ مُجددًا؟”
في العادة، كان سيمون يقرأ تعابير أخيهِ بعنايةٍ، لكنه هَذهِ المرة أجاب بلكنة متلعثمة:
“نعم، شربت.”
بدلًا مِن أنْ يوبخهُ على أسلوبهِ، قال شايلوك بنبرةٍ حازمة:
“أفق، سيمون. سأجعلُكَ تتزوجها مهما كلف الأمر…”
“لا، لَن تفعل أبدًا.”
تذكر سيمون النظرة الأخيرة التي رمقتهُ بها أرتيا.
ازدراءٌ شديد.
شعر يقينًا أنهُ مهما فعل، فَلَن يتمكن مِن إصلاح علاقتهِ بها أبدًا.
وامتزج ذَلك الشعور بالخزي العارم داخل صدرهِ.
وسرعان ما تحولت تلكَ المشاعر إلى كراهيةٍ تجاه شقيقهِ.
حدّق سيمون في شايلوك بعينين ملؤهما الغضب.
“كُل هَذا بسببكَ. أنتَ مَن دمّر كًل شيء!”
“سيمون فون لوشيان!”
صرخ شايلوك، لكن سيمون لَمْ يرُد عليه، بل خرج مِن الغرفة دوّن أنْ يلتفت.
لَمْ يكُن هُناك شكٌ في أنه سيعود مُجددًا وهو مترنح مِن كثرة الشرب.
“اللعنة…”
تمتم شايلوك بشتيمةٍ وهو يمسح جبينه.
كُل شيء خرج عن السيطرة.
أصبح شقيقُه المُطيع يتمرد عليه.
وفوق ذَلك، تعرّض لانتقاداتٍ قاسية في المُجتمع الراقي بسبب محاولتهِ إجبار أرتيا على الزواج بالخداع.
لَمْ يجنِ شيئًا، بل خسر كُل شيء.
قبض شايلوك يده بإحكام.
“لا… لَمْ ينتهِ الأمر بعد.”
عند التعامل بالمال، لا بد أنْ تأتي لحظاتٌ للخسارة.
لكن الطريقة لا تهُم.
فالذي يفوز في النهاية ويحصل على ما يُريد هو المُنتصر في هَذهِ اللعبة.
‘حتى لو كانت امرأةً غبيةً لا تعرفُ قيمة المال، ما عليَّ سوى تقديم عرض مغرٍ كفيلٍ يجعلُها تفقدُ صوابها. وإنْ استمرت في الرفض، فلا خيار آخر سوى نصب فخٍ جديد.’
فخٌ عميقٌ وخانق، حتى لا تتمكن تلكَ المرأة الصغيرة، التي تُشبه الأرنب، الإفلات منه مهما فعلت.
كان بريقٌ شرير يلمعُ في عيني شايلوك الثعبانية حينها.
“ما الذي تُفكر فيهِ وانتَ تصنعُ ذَلك التعبير الدنيء على وجهكَ؟”
شهق شايلوك وأطلق صرخةً صغيرة وهو يرفعُ رأسه.
كان مُتأكدًا بأنه كان بمُفردهِ في الغرفة، ومع ذَلك، كان هُناك رجلٌ يقف أمامه.
لَمْ يجرؤ حتى على الصراخ مُتسائلًا كيف دخل دوّن إذن.
فقد أدرك على الفور هوية الرجُل، صاحب العيون الذهبية المُتغطرسة التي تبعثُ طاقةً قاتلة أشبه بفهدٍ أسود ضخم.
“ص، صاحب السمو الأمير كيليان… كيف وصلتَ إلى هُنا…؟”
على عكس شايلوك المُرتبك، تحدث كيليان بوجهٍ خالٍ مِن التعبير.
“احترم مقام العائلة الإمبراطورية.”
كان هو مَن دخل إلى مكتبهِ دوّن إذن، وهو مَن تجاوز حدود الأدب، لكن لَمْ يكُن هُناك وقتٌ للاعتراض.
ركع شايلوك على الفور، في حين بدأ العرق البارد يتصببُ منه.
‘كيف دخل؟’
كان القصر مُحصنًا بحراسةٍ مُشددة، لكنهُ لَمْ يستطع تصور كيف تمكن كيليان مِن تجاوزها.
لكن ذَلك لَمْ يكُن مهمًا الآن.
‘لماذا جاء إليّ؟’
تذكر شايلوك السمعة المُروعة للأمير المجنون.
كان معروفًا بقتلهِ العديد مِن النبلاء، لكنهُ لَمْ يكُن يفعل ذَلك عشوائيًا.
دائمًا ما كان هُناك سببٌ وجيه، مثل محاولة إحدى السيدات النبيلات تخديرهُ لإغوائه، أو تآمر بعضِهم ضد العائلة الإمبراطورية.
‘أنا لَمْ أفعل شيئًا كهَذا…’
بل على العكس، كان يُقدم ضرائب ضخمةً وهدايا للإمبراطورية كُل عام.
وسط ارتباكهِ، وصل إلى مسامعهِ صوت كيليان المُنخفض.
“الحفل الذي يُقيمه البارون كروفاشيون… أنتَ منظّمهُ الحقيقي، أليس كذَلك؟”
“….!”
اتسعت عينا شايلوك للحظة، لكنهُ سرعان ما أومأ برأسهِ ببطء.
لَمْ يكُن مِن الحكمة إنكار ذَلك، فقد يؤدي الإنكار إلى فقدانه رأسهِ فورًا.
“هَذا صحيح… ولكن، كيف يكون هَذا مشكلة؟”
“تنظيمُ حفلاتٍ بهويةٍ مزيفة، وتقديمُ الكحول، والقمار، بل وحتى تنظيم حفلات الفجور طوال الليل يُمكن التغاضي عنه باعتبارهِ جزءًا مِن الترفيه الليلي. ولكن…”
تلألأت عيون كيليان الذهبية ببرودٍ قاتم.
“استدراج الناس عمدًا إلى المقامرة، وإغراقُهم بالديون حتى يضطروا إلى أخذ قروضٍ بفوائد باهظة… هَذا شيءٌ آخر تمامًا.”
صرخ شايلوك مُحتجًا وكأنه مظلوم:
“أنا فقط أقرض المال لِمَن يحتاجُه! إنهُ عملٌ تجاري!”
“عملٌ تجاري؟”
ارتفع طرفَ شفتي كيليان بابتسامةٍ باردة.
“خلال السنوات الخمس الماضية، بلغ عددُ الأشخاص الذين اقترضوا أموالًا مِن عائلة لوشيان في تلكَ الحفلات 154 شخصًا.”
“….!”
“مِن بينهم، انتحر 11 شخصًا، وأُعلن إفلاس 16 آخرين، و25 أصيبوا بأمراضٍ عقلية بسبب الضغط النفسي الشديد. هل تُسمي هَذا عملًا تجاريًا؟ أم جريمةً شنيعة؟”
عندما بدأ كيليان في تلاوة المعلومات الواردة في السجلات السرية لعائلة لوشيان، أدرك شايلوك السبب الحقيقي لزيارة الأمير.
لقد جاء لمُعاقبتي باستخدام قضية القروض هَذهِ…!
بِمُجرد أنْ استوعب الأمر، خفض شايلوك رأسهُ وهو
شاحبُ الوجه.
“صاحب السمو، صحيح أنْ المال المُقتَرض كان ضخمًا، وأنْ بعض الضعفاء انتهى بهم الأمر إلى مصيرٍ مأساوي، وأنا أتحملُ مسؤولية ذَلك. ولكن لَمْ يكُن لديّ أيُّ نيةٍ لإيذائهم عمدًا. أرجوك، صدّقني.”
كان صوته يائسًا لدرجة أنه لَمْ يكُن يُشبه شايلوك فون لوشيان الجشع الذي يعرفُه الجميع. لكن…
“أولئكَ الذين استدانوا منكَ لا بد أنهم توسلوا إليّكَ بنفس الطريقة.”
“….!”
‘أرجوكَ، امنحني فرصةً أخرى.’
‘إذا خفضتَ الفوائد قليلًا، سأجدُ طريقةً للسداد.’
“لكنّكَ لَمْ تستجب لمطالبهم ولو مرةً واحدة، والآن تتوقعُ مني أنْ أتحلى بالرحمة؟ كم هَذا مُضحك.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة