البحث عن زوج للدوقة - 29
الفصل 29 : أسوأ خاطِب ³
أعترفُ بأنني لَمْ أبذُل جُهدًا في التأنق.
لكنني ارتديتُ ملابسًا نظيفةً ومريحة، وكان ذلك كافيًا.
“على أيِّ حال، الجميع يرغبون في اسم إيدنبيرغ، لذَلك يريدون الزواج بي مًجددًا. مظهري الخارجي لَن يكون مُهمًا جدًا.”
“ماذا؟ لقد جاؤوا لأنهم يُريدون الزواج منكِ، لذا عليكِ أنْ تبذُلي جُهدكِ لتزيين نفسكِ! ألا تشعُرين بالخجل وأنتِ بهَذا المظهر؟”
نظرت أرتيا إلى كاثرين، التي كانت تصرُخ ووجهًها محمرٌّ بالكامل، وأجابت بنبرةٍ مُشرقة.
“لا.”
“ماذا؟!”
في توقيت مناسب، دخلت الخادمة مسرعة.
“لقد وصل الشاب ويليام.”
رغم الحماس المُتقد في كاثرين، لَمْ تكُن أرتيا مُتحمسةً كثيرًا لإيجاد زوج.
فَلقاءُ الخطّاب كان مُجرد ذريعةٍ للتهرب مِن ضغط الشيوخ عليها للزواج.
‘إنْ لَمْ يُعجبني، سأودعهُ فورًا، وإنْ بدا مُناسبًا، فَسأقابلهُ بضع مراتٍ أخرى.’
بمزاجٍ هادئ، فتحت أرتيا باب غُرفة الاستقبال، لكنها اتسعت عيناها دهشة.
الرجُل الجالس على الأريكة بتعجرُف كانت عيناهُ مُتباعدتين، ولهُ شاربٌ طويل، وشفاهٌ مقلوبة. كان الفرق بينهُ وبين الصورة الوسيمة التي رأتها في اللوحة هائلًا، لا، بالأحرى، كان يفوق ذَلك بمليار مرةٍ.
لَمْ يكُن هَذا مُجرد تجميلٍ للواقع، بل كان خداعًا صريحًا.
‘أليس هَذا نوعًا مِن الاحتيال؟’
أخفت دهشتها وارتشفت رشفةً مِن الشاي، لكن الرجُل ألقى كلماتهِ فجأةً.
“دوقة إيدنبيرغ.”
“نعم، تفضل.”
قال الرجُل بملامحٍ جادة:
“أنا أعزب.”
“آه، فهمت.”
لماذا يتحدثُ فجأةً عن كونهِ أعزبًا؟
نظرت أرتيا إليّهِ وهي تميل رأسها في حيرةٍ، لكنهُ تابع بنبرةٍ استنكارية:
“على عكسكِ، أنا رجلٌ نقي. فَهل تُدركين حجم التضحية التي أقدم عليها حين أقرر الزواج بامرأةٍ سبقَ لها الزواج؟”
ابتسمت أرتيا بسخريةٍ تجاه الرجُل المُتعجرف.
‘أيُها الاعزب، مرفوض.’
تعاملت أرتيا معهُ ببرودٍ كما لو كان دميةً، ثم صرفتهُ.
بعد ذَلك، التقت برجالٍ مِن مُختلف الأنواع.
“لديّ سؤالٌ واحدٌ فقط، إنْ لَمْ يُعجبكِ شيء بعد الزواج، هل ستطلُبين الطلاق مرةً أخرى؟”
سألها الرجُل بعيونٍ حادةٍ كما لو كان يستجوبها.
“أنا أرمل ولديَّ أربعة أطفال. أودُ منكِ أنْ تكوني أمًا جيدةً لهم.”
رجُلٌ يهزُّ بطنهُ المُمتلئ بينما يعرضُ عليها صورةً لأطفاله.
“هاهاها، تبدين أصغر سنًا بكثيرٍ مِن صورتكِ في اللوحة.”
رجُلٌ يبدو أكبر منها بثلاثين عامًا على الأقل.
كانت أرتيا تبلغ مِن العمر ثلاثة وعشرين عامًا فقط.
لَمْ تكُن جمالًا أخاذًا، لكنها كانت رقيقةَ وخاليةً مِن العيوب، وقبل كًل شيء، كانت تحمل اسم إيدنبيرغ.
‘ومع ذَلك، لمُجرد أنني مررتُ بتجربة طلاقٍ واحدة، أصبح مستوى الخُطّاب بهَذا السوء…’
وضعت أرتيا يدها على جبينها الذي بدأ يؤلمها، فاقتربت منها كاثرين وقالت:
“لقد التقيتِ بِما يكفي مِن الرجال، لذا عليكِ الآن اختيار واحدٌ منهم ومقابلتهُ مُجددًا. بهَذهِ الطريقة سوف تتحسن الأمور.”
سألتها أرتيا بسخريةٍ:
“هل وجدتِ أيَّ رجُلٍ مُناسب يا أمي؟”
توقفت كاثرين للحظةٍ أمام هِذا السؤال المُباشر.
“لا تُفكري في كُل تلكَ التفاصيل، ركزي على شيءٍ واحدٍ فقط. المال.”
“أنتِ لَمْ تعودي عذراء طاهرة، بل أصبحتِ مُطلقةً بنظرةٍ غيرِ مُشرفة. لا مجال لأن تطمعي في أمورٍ أخرى.”
* * *
“أرتيا، لقد صنعتُ قناعًا جديدًا، فَلنجربهُ سريعًا. عندما تضعينه على شفتيكِ، ستبدوان لامعتين كحبات الكرز المغسولةِ حديثًا!”
تهربت أرتيا مِن كاثرين، التي كانت تحملُ القناع العطِر، وخرجت مِن القصر برفقة بيبي.
“كوني مطلقةً لهُ جانبٌ جيد.”
في السابق، كان عليها الحصول على إذن مِن والديها أو زوجها كُلما أرادت الخروج، أما الآن، فَلَمْ تعُد بحاجةٍ إلى ذَلك.
ارتدت قبعةً واسعة الحواف عن قصد.
جزءٌ مِن السبب كان حرارة الشمس الشديدة، لكن السبب الأكبر كان رغبتها في تجنُب مواجهة معارفها غيرِ المُقربين.
غطّت القبعة نصفَ وجهِها، مِما جعل بعض النبلاء الذين مروا بجانبها غيرَ قادرين على التعرُف عليها.
وبفضل ذَلك، تمكنت مِن زيارة المكتبة وشراء بعض الكتب براحةٍ تامة.
“حقًا، لا شيء يُضاهي التسوق وشراء الكتب عندما أكون مُتوترةً~.”
كانت تهمس بلحنٍ مرح في داخلها أثناء سيرها في الشارع عندما سمعت صوتًا مُنخفضًا يناديها.
“أرتيا فون إيدنبيرغ.”
“……؟!”
كيف عرفني؟
استدارت في دهشةٍ، فرأت رجُلاً يتألق تحت أشعة الشمس أكثر منها.
إنهُ الأمير كيليان.
‘واو……. بعد أيامٍ مِن رؤية أمورٍ مُريعة، أشعرُ وكأنْ عينيَّ قد تطهرتا.’
توقفت أرتيا للحظةٍ تتأمل جماله، لكنها سرعان ما استعادت رُشدها وانحنت لهُ باحترامٍ.
“أحيي سليل أورفيوس العظيم.”
حتى لو أصبح لديها معهُ علاقةٌ ضئيلةٌ بحجمِ بذرة تفاح، فلا يجبُ أنْ تنسى.
الأمير المجنون.
مصابٌ برُهاب نساءٍ شديد.
شخصٌ خطير يجبُ الحذر منهُ أكثرَ مِن الحيوانات المُفترسة.
بينما كانت تغوص في أفكارها، انخفض صوتهُ ليصل إلى مسامعها.
“سمعتُ بأنكِ مشغولةٌ بِمُقابلة الخطّاب، لكنكِ تبدين مرتاحةً للغاية.”
رفعت أرتيا رأسها دوّن أنْ تُدرك.
“كيفَ عرفتَ ذَلك؟”
“النبلاء يتحدثون عن الأمر بحماسةٍ. يقولون إنْ دوقة إيدنبيرغ أخيرًا سمحت للخطّاب بزيارتها.”
هل كان مُجرد وهمٍ؟
شعرت أرتيا وكأنْ نظرات الأمير الذهبية تحملُ شيئًا مِن الانزعاج.
“بعد أنْ بذلتِ جهدًا كبيرًا للطلاق، تبحثين الآن عن زوج؟”
لماذا يقول هَذا؟
هو مَن ساعدني على الطلاق، ومع ذَلك، يبدو وكأنهُ يلومني.
بعد تفكيرٍ عميق، توصلت أرتيا إلى إجابةٍ مُلائمة وردّت عليه.
“لا تقلق، سموّك. ما أفعلهُ مُجرد استجابةٍ لضغوط شيوخ العائلة، وليس لأنني في عجلةٍ مِن أمري. سأكون حذرةً جدًا في الاختيار، وسأجدُ زوجًا يُرضي سموكَ تمامًا، على عكس لويد.”
“…….”
لماذا ازدادت نظراتُه حدةً؟
شعرت أرتيا بعدمِ الارتياح وابتلعت ريقها بصعوبةٍ.
ثم سألها كيليان بصوتٍ بارد:
“هل يوجد رجلٌ كهَذا؟”
اتمنى ذَلك!
“لَن أندهش حتى لو كان كُل الرجال الجيدين في الإمبراطورية إما متزوجين أو ميتين.”
عندها فقط، بدا أنْ تعابيّرهُ المُتصلبة قد خفّت قليلًا.
“إذن، لَمْ يُعجبكِ أيٌّ مِن الخطّاب؟”
“أبدًا.”
عند سماع إجابة أرتيا الصادقة، ارتسمت على شفتي كيليان ابتسامةٌ خفيفة، وكأنْ شيئًا لَمْ يكُن قبل لحظات.
لَمْ تستطع أرتيا فهم تقلباتهِ العاطفية السريعة.
بينما كانت تتأمل هَذا الكائن الغامض، خطر لها تساؤل مًفاجئ.
كيليان يُعتبر الوريث الأبرز للعرش، وهو بلا شكٍ أجملُ رجُلٍ في الإمبراطورية.
ومع ذَلك، بلغ الثالثة والعشرين مِن عمرهِ دوّن أنْ يخطُب أو يتزوج، وهو أمرٌ نادر الحدوث.
حتى لو كان مُصابًا برُهابٍ النساء، فَهَذا لا يُفسر كل شيء.
لَمْ تستطع أرتيا كبح فضولها وسألته:
“ألا يُلحّ جلالة الإمبراطور عليكَ بالزواج؟”
“دائمًا.”
“وكيفَ تتجاوز الأمر؟”
حتى الأمير المجنون، الذي لا يخشى شيئًا، لا بد أنهُ يجدُ صعوبةً في مُعارضة أوامر الإمبراطور، رأس السلطة في البلاد.
“لَمْ أتجاوزه. لقد قابلتُ جميع النساء اللواتي أحضرهُنّ أبي.”
كل امرأةٍ كانت تجلسُ أمامهُ كانت متألقةً مِن رأسها حتى أخمص قدميها، بابتسامةٍ مُشرقةٍ على وجهها، لكنهُ كان يقول:
“قصّي شعركِ. عندما أرى الشعر الطويل، أشعرُ بأنه كالأفعى، وأرغبُ في قصهِ كُله.”
“لا تتحدثي. الأصوات الأنثوية العالية التي تُشبه زقزقة الطيور، تجعلُني متوترًا، وأرغبُ في قطعِ لسانكِ.”
“لا تقتربي. رائحةُ العطور الثقيلة تُصيبني بالغثيان، وأرغبُ في محو وجودكِ.”
أضاف كيليان بصوتٍ باردٍ مُتكاسل:
“عندها، كانت وجوهُ النساء تشحُب، ثم يهرُبنَ على الفور. وبعد تكرار ذَلك عدة مرات، توقف والدي عن ترتيب اللقاءات من أجلي.”
بالطبع.
حتى لو حاول الإمبراطور فرض الزواج عليه، فإنْ النتيجة الوحيدة ستكون انتشار الشائعات حول ‘الأمير المجنون الذي يكره النساء’.
رغم أنهُ بدا هادئًا مِن الخارج، كان داخلهُ موطنًا لجنون لا يُمكن قياسه.
توصلت أرتيا إلى استنتاجٍ سريع.
‘البقاء بعيدةً عن المجانين هو الخيارُ الأفضل.’
“أشكُركَ على هَذهِ النصائح القيمة، سأحرصُ على تطبيقها عند التعامل مع الخطّاب.”
“تأكدي مِن ذَلك.”
راقبت أرتيا تعابيّر وجههِ بحذرٍ قبل أنْ تُضيف:
“أعتذر، سموّك، لكن لديّ أمرٌ بالغ الأهمية والعجلة. هل تتكرّم بالسماح ليّ بالمُغادرة؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة