البحث عن زوج للدوقة - 28
الفصل 28 : أسوأ خاطِب ²
أخرجت كاثرين اللوحات التي أعدّتها مُسبقًا وبدأت تُقدمها واحدةً تلو الأخرى.
“الابنُ الرابع للكونت ويليام يمتلكً موهبةً رائعةً في إدارة الأعمال. إذا تزوجتهِ، فَسوف يقود أعمال دوقية إيدنبيرغ بنجاح.”
“أما الابنُ الثالث للبارون إستيك، فَهو يمتلكً خمس مناجم ألماس باسمهِ. لو تزوجتهِ، فَستتمكنين مِن التزيُن بالألماس كما يحلو لكِ.”
“الابنُ الخامس لماركيز فيلانشي…”
بينما كانت أرتيا تستمعُ بصمتٍ إلى حديثها، قاطعتها قائلة:
“أمي، لا أفكر في الزواج مُجددًا بعد.”
“ماذا؟!”
“لَمْ يمضِ وقتٌ طويلٌ على طلاقي. أريدُ أنْ أستريح قليلًا.”
ثم نظرت أرتيا إلى اللوحات المعروضة أمامها وتابعت حديثها:
“إنْ كانوا رجالًا بهَذهِ الروعة، فَلماذا لا تختارين أحدهُم وتتزوجينهُ أنتِ؟ لقد مرّت ثلاث سنواتٍ على رحيل والدي، وأعتقدُ بأنه سيوافق بكُل سرورٍ وهو في السماء…”
اتسعت عينا كاثرين وكأنها تلقت ضربةً قويةً بالحجر الذي كانت أرتيا تحملهُ قبل قليل.
“هل فقدتِ عقلكِ؟!”
“أسمعُ ذَلك كثيرًا مؤخرًا.”
“أرتيا فون إيدنبيرغ!”
في الماضي، عندما كانت كاثرين تصرخُ بهَذهِ الطريقة، كانت أرتيا ترتجفً خوفًا وتعتذر فورًا بينما تُراقب تعابيّر وجهِها بحذر.
لكن ليس بعد الآن.
“تفضلي، قولي ما لديكِ.”
نظرت كاثرين إلى أرتيا التي كانت تواجهها بنظرةٍ ثابتة، ثم تنهدت بعمق.
“هل تعتقدين أنني أتيتُ إلى هُنا برغبتي؟ جئتُ بسبب الشيوخ.”
اتسعت عينا أرتيا بدهشةٍ.
الشيوخ، كبارُ العائلة.
بعبارةٍ أخرى، إخوة بينديكت، أعمامًها.
في الإمبراطورية، لَمْ يكُن بإمكان النساء وراثةُ الألقاب النبيلة، كما لَمْ يكُن لهنَ الحق في تولي منصبٍ رئيس العائلة.
حتى إذا توفي أزواجهنَ أو انفصلنَ عنهم، فإنْ الوضع لَمْ يتغيّر.
ولهَذا، تم تفويضُ سلطات رئيس العائلة، التي كانت بيد لويد، إلى الشيوخ مؤقتًا.
“هؤلاء العجائز يستمتعون الآن بسلطتهم المؤقتة كأوصياء على العائلة. لكن في الوقت نفسهِ، هُم غاضبون منكِ.”
كان ذَلك متوقعًا.
فقد كانوا يرون أنْ طلاق أرتيا قد أضرّ بهيبة عائلة إيدنبيرغ.
“حاليًا، هم مشغولون بلعب دور رئيس العائلة الذي طالما حلموا بهِ، لكن بِمُجرد أنْ يعود إليّهم رًشدهم، سيبدأون في البحث عن زوجٍ جديدٍ لكِ.”
إيجادُ زوجٍ جديدٍ وإعلانهُ دوقًا لإيدنبيرغ كان السبيل الوحيد لاستعادة مكانة العائلة التي تضررت.
لكن بالطبع، هؤلاء الرجال لَن يرغبوا في التخلي عن السلطة التي حصلوا عليها بسهولة، لذا سيبحثون عن رجُل يُمكنهم التحكم بهِ بسهولة.
مِن الواضح أنهم لِن يهتموا بأيِّ مؤهلاتٍ أخرى.
“قبل أنْ يقوم هؤلاء العجائز بفرض رجُلٍ مُسن، أحمق، وسيئ الطباع عليكِ، اختاري أحد هؤلاء. على الأقل سيكون أفضل مِن خياراتهم.”
نظرت كاثرين إلى أرتيا بتركيزٍ وعقدت حاجبيها.
“لا تُخبريني بأنكِ لا ترغبين في الزواج مُجددًا على الإطلاق؟”
“ليس الأمر كذَلك.”
في هَذا العالم الذي لا تُمنح المرأة أيُّ سلطة، كان العيش بِمُفردها أمرًا صعبًا للغاية.
وفوق ذَلك، كانت أرتيا الابنة الكبرى لعائلة إيدنبيرغ.
كان مِن واجبها ضمانُ استقرار العائلة، لذا كان الزواج أمرًا لا مفر منه.
لكنها لَمْ تكُن تُخطط للقيام بذَلك بهَذهِ السرعة.
بعد لحظةٍ قصيرةٍ مِن التفكير، حسمت أرتيا أمرها.
“سأقابلُ هؤلاء الرجال الذين يرغبونُ في الزواج مني.”
تألقت عينا كاثرين بفرحٍ.
“أحسنتِ التفكير! المرأة يجبُ أنْ تتزوج وهي لا تزال شابة، فَبِهَذهِ الطريقة ستتلقى المزيد مِن حُب زوجها.”
نعم، رُبما… ورُبما لا.
استمعت أرتيا إلى كلماتها القديمة المُملة وهي تدخل مِن أذن وتخرُج مِن الأخرى.
* * *
“في أوقات الجفاف مثل هَذهِ، عليكِ استخدامُ قناع الصبار. وعند الاستحمام، لا تنسي إضافة الحليب.”
“ولا تنسي تدليكَ جسمكِ بالكامل بزيت الأروماثيرابي، حتى تفوحَ منكِ رائحةٌ عطرة.”
“وسيدة النبيلة يجبُ أنْ تعتني بشعرها جيدًا. قومي بهرس الأفوكادو يوميًا وضعيهِ على شعركِ.”
بسبب إلحاح كاثرين المُستمر، اضطرت أرتيا للخضوع للعناية طوال اليوم.
“لقد غابت الشمس، لذا لا تفعلي أيَّ شيءٍ آخر واذهبي للنوم فورًا. لا يوجد ما هو أفضل مِن النوم للعناية بالبشرة.”
بعد أنْ أنهت كاثرين توجيه تعليماتها وغادرت، انهارت أرتيا على الكرسي بجسدٍ مرُهقٍ كليًا.
نظرت إلى وجهها الذي أصبح أملسًا مثل البيض المُقشر.
“لقد عانيتِ كثيرًا اليوم، بيبي. كان الأمر مُتعبًا، أليس كذَلك؟”
على عكس أرتيا المُنهكة، كانت بيبي نشيطةَ تمامًا.
“لَمْ يكُن مُتعبًا على الإطلاق. على العكس، تعلمتُ الكثير بفضل ما علمتني إياه السيدة.”
كانت عينا بيبي البُنيتان تتألقان أكثرَ مِن المُعتاد.
لأن حُلمها كان خدمة سيدةٍ نبيلة، بدت راضيةً تمامًا عن عملها اليوم.
“هَذا جيدٌ إذن…”
قدمت بيبي كوبًا مِن الشاي لأرتيا التي كانت تبتسمُ بخفةٍ.
كان شايُ النعناع الذي أعطتهُ كاثرين لها، مؤكدةً أنهُ مفيدٌ للنوم والبشرة.
أثناء ارتشافها للشاي، سألتها بيبي:
“سيدتي، لديّ سؤالٌ واحدٌ أود طرحه.”
“ما هو؟”
ترددت بيبي قليلًا، وهو أمرٌ غيرُ مُعتادٍ عليها، ثم تحدثت:
“بخصوص الشيوخ الذين تحدثت عنهم السيدة الكبرى، هل هُناك احتمالٌ بأنْ يشكلوا خطرًا على حياتكِ؟”
“آه…”
بسبب وصية والدها بينديكت، كان مِن المُقرر أنْ يتم توريث لقب الدوق لزوج أرتيا أو ابنها. ولكن إذا ماتت دوّن أنْ تترك وريثًا، فَسيُنتقل اللقب إلى أحد الشيوخ.
كانت بيبي قلقةً مِن أنْ طمعهم باللقب قد يدفعهم لإلحاق الأذى بأرتيا.
“أنتِ تعلمين أنْ والدي، يوم زفافي، أعلنَ أنهُ سيورث اللقب لابني، صحيح؟”
“نعم.”
“لَمْ يكُن ذَلك مُجردَ إعلانٍ علني. لقد حصل أيضًا على تأييدٍ رسمي مِن العائلة الإمبراطورية لحماية قرارهِ.”
ولَمْ يكُن ذَلك هو الجزء الوحيد الذي حصل على تصديق.
“إذا توفيتُ قبل أنْ أنجب وريثًا، وكان هُناك أدنى احتمال لكون وفاتي ناتجةً عن القتل، فَسيتم التبرُع بكامل ثروة دوقية إيدنبيرغ للمعبد. في الواقع، حتى لو مُتُّ وفاةٍ طبيعية، فقد يزعمُ المعبد أنْ هُناك احتمالًا للقتل لأنه طامعٌ في ثروة العائلة. وبِهَذا، لَن يحصل الشيوخ على فلسٍ واحد.”
“….!”
بدت الدهشةُ جليةً على وجهِ بيبي، رغم أنها عادةً ما تكون بلا تعابير.
كان ذَلك أمرًا صادمًا بحق.
لَمْ يكُن بنديكت رجلًا مُتدينًا. لكن السبب الذي دفعهُ لوضع هَذا الشرط الصادم في وصيتهِ كان إخوته.
لأنه كان يعلم أنهم قد يرتكبون حماقةً بسبب طمعهم في اللقب. ولَمْ يكُن مُستعدًا أبدًا للتخلي عنهُ بسهولة.
“لهَذا السبب ازداد التوتر بين والدي والشيوخ. لقد استخدم وسيلةً مُتطرفةً فقط كي لا يمنحهم اللقب.”
لكن بفضل ذَلك، نجت أرتيا.
فَلو لَمْ يكُن ذِلك الشرط موجودًا، لكانت قد فقدت حياتها فور وفاة والدها.
بدت بيبي أكثر جدية.
“إذن، هل الشيوخ مُستعدون لإيذائكِ لولا هَذا الشرط؟”
“هم ليسوا وحوشًا قاسية بما يكفي لقتل شخصٍ بسهولة، لكنهم أيضًا ليسوا طيبين لدرجة الشعور بالشفقة على ابنة أخيهم اليتيمة.”
كانوا ببساطةٍ أنانيين كأيِّ شخصٍ عادي.
ولهَذا، وكما قالت كاثرين، كانوا يريدون تزويج أرتيا بسرعة. ليس مِن أجل سعادتها أو سلامتها، بل فقط ليتمكنوا مِن وضع دميةٍ يتحكمون بها على رأس دوقية إيدنبيرغ.
والشيء الوحيد الذي كان في صالحها هو أنها كانت الوريثة الشرعية لعائلة إيدنبيرغ وتحملُ لقب دوقة.
حتى لو كان الشيوخ أوصياء مؤقتين، إلا أنهم لا يستطيعون إجبارها على الزواج، لأنها تتفوق عليهم مرتبةً.
“لكن بِما أنْ سلطة رئيس العائلة بيد الشيوخ الآن، فلا يُمكن معرفة ما قد يخططون له. لذا، لا خيار أمامي سوى التحرّك قبل أنْ يتحركوا هم.”
أخذت أرتيا رشفةً مِن الشاي.
كان وجهُها كئيبًا، بلا أدنى أثر لأيِّ حماسةٍ لفكرة البحث عن زوجٍ جديد.
***
لوّحت كاثرين بفُستانٍ فاخرٍ متألق كذيل الطاووس.
“أيًّ واحدٍ يُعجبكِ؟ الفستان الأحمر القوي مثل الوردة؟ أم الأصفر الزاهي مثل التوليب؟ أم الأخضر الذي يعكسُ الوقار؟”
ثم أخرجت مجوهراتٍ متلألئة.
“ألماس الأبيض هو الأكثر فخامةً، لكن الوردي الذي يتناسبُ مع لون عينيكِ سيكون جميلًا أيضًا.”
رغم حماستها، كان جواب أرتيا قاطعًا:
“لا أحبُ أيًّا منها.”
ارتدت فستانًا أزرق سماويًّا بسيطًا، دوّن أيِّ زينةٍ تقريبًا، ولِمْ تضع أيَّ مجوهراتٍ. حتى مكياجها كان خفيفًا للغاية.
رمقتها كاثرين بنظرةٍ مصدومة.
“لا تُخبريني إنكِ ستقابلين الخطّاب بهَذا الشكل؟”
“بل هَذا ما سأفعلهُ بالضبط.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة