البحث عن زوج للدوقة - 27
الفصل 27 : أسوأ خاطِب ¹
…… في النهاية، أكل كيليان ثلاث قطعٍ مِن اللحم المُقدد، واحدةً مِن لحم البقر، وأخرى مِن لحم الدجاج، والثالثةً مِن لحم البط.
لَمْ يكُن طعمُ اللحم المالح والمطاطي سيئًا.
لكن الأمرُ الذي أزعجهُ هو شعورهُ القذر فَحسب.
أرتيا، التي لَمْ تكُن تُدرك ذَلك، صفقت بيديها وعلامات التأثُر باديةٌ على وجهِها.
“أنتَ تأكلُ اللحم جيدًا. في المرة القادمة، سأعدهُ لكَ بطريقةٍ أشهى.”
توقفي.
كيليان بالكاد تمكن مِن كبح الكلمات التي كادت تخرُج مِن فمه.
لكن الأسوأ مِن ذَلك أنْ الأمر لَمْ ينتهِ هُنا.
أخرجت أرتيا عصا طويلةً مِن السلة.
في نهاية الخيط المُعلق بالعصا، كان هًناك ريشُ وردي يتأرجح بخفةٍ.
“لقد استمعتَ إلى حديثي، لذا أردتُ أنْ أجعلكَ تستمتع أيضًا.”
لوّحت أرتيا بالريش الوردي وهي تبتسمُ بفرح.
“حاول أنْ تًمسكها، هيا نوي.”
“…….”
هل أنتِ بعقلكِ، أرتيا فون إيدينبيرغ؟ تُريدين مني أنْ أطارد هَذا الريش الوردي وألعبَ بهِ؟
هَذا يكفي. لَمْ أعُد أرغبُ في المشاركة في هَذهِ التفاهة الغريبة بعد الآن.
فوووش—
لوّح القط الأسود بمخالبهِ وأمسك بالريش الوردي، مِما جعل أرتيا تُطلق شهقة إعجاب.
“واو!”
القط الأسود، الذي كان مُستلقيًا بفتورٍ، لَمْ يُحدق حتى، بل حرّك مخالبهُ قليلًا ليُمسكَ بالريش الوردي.
كانت حركتهُ أقربَ إلى السحر.
قالت أرتيا بصوتٍ مليءٍ بالحماس:
“أنتَ مُذهلٌ حقًا. كيف يمكنكَ أن تكون بهذه السرعة؟ لم أستطع حتى رؤية حركتك!”
“…….”
ذَلك التعبير.
لو لَمْ تكُن تُحدق بهِ بعينيها الورديتين اللامعتين وكأنها ترى أعظم شيءٍ في العالم، لما قام كيليان بهَذا الفعل أبدًا.
لكن الأمرُ بلغَ حدّه الآن.
‘إذا بقيتُ أكثر، فقد أبدأ بالاستمتاع حقًا.’
وهَذا أكثر ما يُخيفني.
بالتزامن مع ذَلك، سُمع صوتُ طرقٍ على الباب تلاهُ صوت الخادمة.
“سيدتي، أنا بيبي.”
نهضّ القط الأسود دوّن ترددٍ.
بدت أرتيا حزينةً، لكنها أظهرت تعبيرًا أكثر إشراقًا مِن السابق.
لأنها اعتقدت بأنها ستلتقي بنوي مرةً أخرى.
ابتسمت أرتيا برقة.
“لقد استمتعتُ كثيرًا اليوم. في المرة القادمة، سأحضرُ المزيدَ مِن الوجبات الخفيفة والألعاب.”
لا، لَن تكون هُناك مرةٌ قادمة.
يكفيني يومٌ واحد مِن هَذهِ الإهانة.
“إذن، لنلتقِ مُجددًا، نوي.”
سطعَ ضوءُ الشمس المعكوسِ على وجهِ أرتيا.
تألقت خصلاتُ شعرِها الفضية وعيناها الورديتان تحتَ أشعة الشمس المُتدفقة.
ذَلك المشهد كان مُذهلًا للغاية…
حدّق كيليان في أرتيا لفترةٍ، ثم فتحَ فمه.
“مياو—.”
تبًا، لقد أطلقتُ هَذا الصوت مُجددًا.
***
استيقظت أرتيا تحتَ أشعة الشمس الساطعة المُتدفقة عليها.
كان الوقت مُتأخرًا بعض الشيء عن وقت النهوض المعتاد، لكنها أحبت ذلك.
‘النوم حتى وقتٍ مُتأخر هو أحد امتيازات السيدة النبيلة. يجبُ أنْ أستمتع بهِ قدر الإمكان.’
مدّت أذرعها إلى أقصى حد.
وكأنها استشعرت استيقاظَ أرتيا، أحضرت بيبي ماء الغسل.
بعد مسح وجهِها بالمنشفة المُبللة بالماء الدافئ، بدأت بتجهيزاتٍ بسيطةٍ لجسدها.
مِن تمشيط شعرها إلى تبديل ملابسها، ساعدتها بيبي، وكانت لمساتُها حذرةً للغاية لدرجة أنها شعرت وكأنها دبٌ صغير حديثُ الولادة.
بعد الانتهاء مِن الاستعدادات، بدأ وقتُ تناول الطعام مُباشرةً.
بجانب السلطة المكونة مِن الجزر والفاصولياء والكرفس والطماطم والتوت الأزرق، كان هُناك دجاجٌ مشوي بلونٍ ذهبي شهي.
عادةً، كانت أرتيا شخصًا انتقائيًا للغاية في الطعام، تأكل الخضراوات فقط، لكنها بدأت مؤخرًا في تناول اللحم يوميًا.
حدّقت أرتيا في الدجاج قائلة:
“بيبي، تناول اللحم يُساعد على بناء العضلات، صحيح؟”
“نعم.”
أومأت بيبي برأسها وأبرزت عضلات ذراعها.
عند رؤية العضلات البارزة تحتَ زي الخادمة، قطّعت أرتيا الدجاج إلى قطعٍ صغيرة ووضعتها في فمها ببطء.
“إنهُ غيرُ لذيذٍ.”
عندما أظهرت أرتيا تعبيرًا كأنها تناولت سُمًا، قالت بيبي:
“لقد اكتسبتِ الآن جرامًا واحدًا مِن العضلات.”
بتلكَ الكلمات، استجمعت أرتيا قوتها وأخذت قطعة لحمٍ أخرى.
بعد الانتهاء مِن الوجبة، أمسكت بالحجارة الثقيلة التي أعدّتها بيبي ورفعتها بكلتا يديها.
كانت ذراعاها النحيفتان ضعيفتين جدًا لدرجة أنْ رفع الحجر مرةً واحدةً وإنزالهُ كان مُرهقًا للغاية.
في كل مرةٍ كانت تشعرُ فيها بالتعب، كانت كلماتُ بيبي تمنحُها الدافع.
“لقد اكتسبتِ الآن جرامين مِن العضلات.”
“إييااااه!”
صرخت أرتيا بصوتٍ خافتٍ وهي ترفعُ الحجر الثقيل.
كان التمرين مُرهقًا، لكنهُ منحها شعورًا عظيمًا بالرضا بعد انتهائه.
بعد ذَلك، تلقت تقريرًا عن أوضاع القصر مِن رئيسة الخدم سوزان، ثم جلست تقرأ كتابها المُفضل وهي تمضغُ عيدان الجزر المُقرمشة.
كانت حياتُها اليومية تسيرُ بسلامٍ تام.
باستثناء “ذلك” الأمر.
“هَذهِ الرسائل قد وصلت اليوم.”
على الصينية الفضية التي تحملُها بيبي، كانت الرسائل مكدسةً فوق بعضها.
جميعها كانت مِن النبلاء.
“في الماضي، كنتُ كأنني غيرَ موجودة، والآن أصبحتُ أشهر شخصيةٍ في المُجتمع.”
والسبب، بلا شك، كان الطلاق.
لقد أثار اهتمام النبلاء أنْ تكسرَ دوقةٌ تقاليد دامت لعشرات السنين وتُطلّق زوجها.
كان هُناك مَن يرغبُ فقط في معرفة قصتها، لكن كثيرين أرسلوا رسائلهم بدوافع أكثرَ وضوحًا.
“يريدُ التحدث معي بجديةٍ عن الزواج؟”
لَمْ تكُن أرتيا تعرفُ حتى شكل الرجل الذي كتب هَذهِ الرسالة.
وغالبًا، هو أيضًا لا يعرفُ شكلها.
ومع ذَلك، كانت رسالتُه مليئةً بالكلام المطوّل عن الفوائد التي سيجنيها مِن الزواج بها.
“كما توقعت، الزواج بالنسبة للنبلاء ليسَ سوى صفقةٍ تجارية.”
تنهدت أرتيا بإرهاقٍ.
لَمْ تكُن ترغبُ في حضور حفلات المُجتمع الراقي والحديث عن حياتها الخاصة لجذب الانتباه، ولَمْ تكُن تبحثً عن رجلٍ يشتري لقب دوقية إيدنبيرغ بأغلى سعرٍ مُمكن.
كل ما أرادتهُ كان الاستمتاع بالحرية والسلام اللذين حصلت عليهِما بشق الأنفس.
‘رجاءً، توقفوا عن إزعاجي وابتعدوا.’
كان هَذا ما أرادت كتابتهُ ردًا على الرسائل، لكنها أدركت أنْ ذَلك سيُثير ضجةً كبيرة.
لأنها لَمْ تكُن ترغب في الدخول في جدالاتٍ لا طائل منها، كتبت ردًا مُهذبًا قدر الإمكان.
“ما زالت آثارُ الطلاق تؤلمني، وأحتاجُ إلى الراحة.”
كانت تكتبُ الردود بوجهٍ خالٍ مِن أيِّ تعابير، عندما اتسعت عيناها فجأةً.
والسبب كان اسمًا مكتوبًا على إحدى الرسائل غيرِ المفتوحة بعد.
كاثرين فون إيدنبيرغ.
“زوجةُ أبي… كاثرين.”
عندما كانت أرتيا في العاشرة مِن عمرها، توفيت والدتًها.
لَمْ يمر عامٌ على وفاة زوجتهِ حتى أحضر بينديكت امرأةَ أخرى إلى القصر.
امرأةَ شابةً وجميلة تُدعى كاثرين.
لَمْ تكُن كاثرين طيبة القلب إلى حد الاعتناء بابنةٍ ليست مِن دمها، لكنها أيضًا لَمْ تكُن مثل زوجات الأب الشريرات في القصص الخيالية. لَمْ تؤذِها ولَمْ تُسيء مًعاملتها.
رغبت الطفلة أرتيا في التقربً منها.
لأنها كانت في سن لا تزال تحتاجُ فيهِ إلى لمسة الأم.
“لكن علاقتُنا لَمْ تتحسن أبدًا.”
مرّ الوقت، ولَمْ تُرزق كاثرين بأيِّ أطفال.
خيّبَ ذِلك أمل بينديكت، وسرعان ما أصبحت علاقتُهما الزوجية باردة.
وبسبب ذَلك، أصبحت كاثرين أكثر بُعدًا عن أرتيا، وبعد انتهاء جنازة بينديكت، غادرت القصر تمامًا.
“لكن الآن، ها هي تعود… لا أعتقدُ أنها جاءت لأنها اشتاقت إليّ.”
بعد عدة أيامٍ، وصلت كاثرين إلى القصر.
لَمْ تكُن تكبرُ أرتيا سوى بأربعة عشر عامًا، مِما جعلها تبدو شابةً جدًا وجميلةً لتُدعى “أمًا”.
كانت كاثرين ترتدي ملابس فاخرةً مِن رأسها حتى أخمص قدميها، وما إنْ وقعت عيناها على أرتيا حتى تحدثت بنبرةٍ مُستاءة.
“يا إلهي، ماذا تفعلين الآن؟!”
تحتَ أشعة الشمس الحارقة، كانت أرتيا ترتدي سروالًا فضفاضًا، يُشبه ملابس الخدم الذكور، مُمسكةً بحجرٍ ثقيل في كلتا يديها.
نقرت كاثرين بلسانها وأكملت قائلة:
“أنتِ لستِ جميلةً بشكلٍ استثنائي، ولا تمتلكين حتى القليل مِن اللطافة، الشيء الوحيد الذي يُمكنكِ التباهي بهِ هو بشرتُكِ البيضاء الناعمة وجسمُكِ النحيف كغُصن شجرة. فكيفَ تجرئين على إفساده؟!”
بعد ثلاث سنواتٍ مِن الغياب، كانت هَذهِ أول كلماتها؟
‘لا تزال كما هي.’
ابتسمت أرتيا بمرارةٍ، ثم وضعت الحجر على الأرض وانحنت لها برشاقة.
“مرحبًا بقدومكِ، أمي.”
اتسعت عينا كاثرين، التي كانت تُشبه عيني قطة.
“لَمْ أستطع تصديق خبرِ طلاقكِ، لكن الآن أصدق. الطفلة التي كانت ترتجفُ خوفًا عند رؤيتي وتنظرُ إلى الأرض فقط قد تغيّرت حقًا؟”
“البشر يتغيّرون مع الوقت، أليس كذَلك؟”
“هَذا جيد. على الأقل، الآن يُمكننا التواصل بشكلٍ أفضل مُقارنةً بالماضي، عندما كنتِ لا تستطيعين النظر في عيني ولا أستطيعُ حتى فهم ما تُتمتمين بهِ.”
مدّت كاثرين مجموعةً مِن الأوراق نحو أرتيا.
“ما هَذا؟”
“لقد قمتُ بفرز الرجال الذين يُريدون الزواج منكِ، واخترتُ لكِ أفضلهُم مِن حيث الشروط.”
عندها فقط أدركت أرتيا سببَ قدوم كاثرين إلى هُنا.
“جئتِ إلى هُنا فقط لترتيب زواجي مُجددًا؟”
“نعم.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة