البحث عن زوج للدوقة - 26
الفصل 26 : الدوقة ترغب في الطلاق ²⁶
بعد الطلاق، كانت أرتيا تمكثُ في القصر دوّن أنْ تُغادره، لكنها قررت اليوم الخروج لأول مرةٍ منذُ فترةٍ طويلة.
جلست في العربة وشدت عضلات ذراعيها قليلًا.
“يبدو أنْ عضلات ذراعي أصبحت أقوى بفضل التمارين اليومية.”
رغم أنْ ذراعيها ما زالتا نحيفتين كأغصان شجرة الأكاسيا، إلا أنْ بيبي أومأت برأسها بجديةٍ لا مُتناهية.
“يبدو الأمر كذَلك. إذا واصلتِ التدريب، ستُصبحان قويتين ومُتصلبتين كجذع شجرةٍ عتيقة عمرُها ألفُ عام.”
“أتمنى أنْ يحدُث ذَلك قريبًا.”
ابتسمت أرتيا برضا وهي تتخيل نفسها بعضلاتٍ بارزة.
وبعد فترةٍ قصيرة، توقفت العربة.
نزلت أرتيا بمُساعدة بيبي كمرافقتها.
كان المكان الذي وصلت إليّه هو قصرَ بينيلوب.
‘لقد ساعدتني كثيرًا عندما كنتُ محبوسةً في غرفتي.’
بفضل حديثها المُستمر عن لويد، تدهورت سمعتُه إلى الحضيض.
‘رغم أننا التقينا عدة مراتٍ في الماضي، إلا أنْ الآن هي المرة الأولى التي نلتقي فيها بعد تغيّر حالي.’
تساءلت عما إذا كان اللقاء سيكون مُحرجًا، لكن قلقها تبدد على الفور عندما استقبلتها بينيلوب بوجهٍ مُشرق.
“مرحبًا، سيدة إيدنبيرغ. أوه، بِما أنكِ مُطلّقة الآن، هل عليّ أنْ أناديكِ مًجددًا بلقب آنسة إيدنبيرغ؟”
احمرّ وجهُ أرتيا قليلًا، ثم قالت:
“نادِني بسيدة إيدنبيرغ، مِن فضلكِ.”
لَمْ يكُن مِن المعتاد أنْ تعود المرأة المتزوجة إلى لقبها قبل الزواج، حتى الأرامل يُحافظن على لقب أزواجهنَ الراحلين. وبنفس المنطق، احتفظت أرتيا بلقب سيدة إيدنبرغ بعد الطلاق.
أومأت بينيلوب برأسها.
“حسنًا، سيدة إيدنبيرغ.”
انحنت أرتيا قليلًا بامتنانٍ نحو بينيلوب، التي كانت لطيفةً كعادتها.
“شكرًا لكِ على دعوتي، سيدة أورين.”
“بل هَذا الشرفٌ لي. هَذهِ الأيام، سيدة إيدنبيرغ هي حديثُ المُجتمع بأسره.”
لَمْ يكُن ذَلك مُستغربًا.
فقد كانت صاحبةُ الحدث الأكثر صدمةٍ منذُ تولي الإمبراطور العرش—أول طلاقٍ رسمي في ظلّ حُكمه.
بفضل ذَلك، تلقت أرتيا عددًا غيرَ مسبوقٍ مِن الدعوات.
نصفُها كان بدافع الفضول حول المُطلقة الأولى منذُ عقود، والنصف الآخر كان مدفوعًا بالطموح—محاولةُ بناء علاقاتٍ معها على أمل الحصول على لقب دوق إيدنبيرغ الشاغر.
رفضت جميع الدعوات بحجة حاجتها للوقت لترتيب أفكارها، لكنها قبلت دعوة بينيلوب فقط.
بابتسامةٍ مُشرقة، قدمت أرتيا صندوق هديةٍ مُغلفًا بعناية.
“شكرًا لكِ على مُساعدتي. بفضلكِ، لَمْ يكُن صراعي مع زوجي السابق معركةً وحيدة.”
‘هل كانت سيدة إيدنبيرغ دائمًا تبتسمُ بهَذهِ الظرافة؟’
تأملت بينيلوب أرتيا بدهشةٍ طفيفة، ثم ردت مازحةً.
“لا داعي للشُكر.”
ثم أمسكت بذراع أرتيا بلطفٍ وقادتها إلى غرفة الاستقبال.
كانت الغُرفة مزينةً بفخامة، وعلى الطاولة المُستديرة وسطها، وُضعت مجموعةٌ متنوعة مِن الحلويات الملونة.
قالت بينيلوب بفخر:
“لقد جلبتُ كل أنواع الحلويات مِن أشهر المتاجر في العاصمة.”
لكن بينيلوب لَمْ تكُن تعلم أنْ أرتيا لَمْ تكُن تُحب السكر، بل كانت تُفضل الخضروات الطازجة أو المُجففة على الحلويات.
‘مِن الطبيعي ألا تعرف، فَنحنُ بالكاد كنا نعرفُ بعضنا.’
لكنها لَمْ تشعُر بأيِّ انزعاجٍ مِن ذَلك، بل على العكس، شعرت بالامتنان.
فَهَذا الكم الهائل مِن الحلويات كان بمثابة تعبيرٍ عن مواساة بينيلوب لها.
“لقد عانيتِ كثيرًا بسبب ذَلك الوغد. لهَذا اليوم، لا تُفكري في قياس خصركِ أو أيِّ شيءٍ آخر، وتناولي ما تشائين لتخفيف الإنزعاج.”
ثم نظرت بينيلوب سريعًا إلى خصر أرتيا وأضافت:
“عذرًا. على ما يبدو، أنا الوحيدة التي تحتاجُ للقلق بشأن مقاس خصرها.”
انفجرت أرتيا ضاحكةً.
كان هُناك العديد مِن النساء في المُجتمع الراقي يكرهنَ بينيلوب بسبب أسلوبها غيرِ المُهذب الذي لا يُشبه أسلوب النبلاء.
لكن أرتيا أعجبت بهَذهِ الصفة فيها.
على عكس ما توقعت، لَمْ يكُن موضوع ‘الأزواج المزعجين’ هو الشيء الوحيد الذي تشتركان فيه.
كان الحديث بينهما مُمتعًا وسلسًا، فَتطرق إلى أخبار المًجتمع، والموضة الرائجة، والروايات المُثيرة التي قرأتاها مؤخرًا.
وسط الحديث، انفجرت بينيلوب ضاحكةً بصوتٍ عالٍ.
“هاهاها!”
لَمْ يكُن ضحكها الرنان شبيهًا على الإطلاق بضحكات السيدات النبيلات، لكنها واصلت حديثها بمرح.
“بالمُناسبة، أنتِ تتحدثين بطلاقةٍ شديدة! لماذا كنتِ هادئةً جدًا في الماضي؟”
لأن أرتيا السابقة لَمْ تكُن هي نفسها الحالية.
لكن لَمْ تكًن هُناك حاجةٌ لقول ذَلك، لذا اكتفت أرتيا بالابتسام بخجل.
“رُبما لأن سيدة أورين تستمعُ ليّ جيدًا، فَيسهلُ عليّ التحدُث.”
‘وجهُها يبدو لطيفًا للغاية وهي تبتسم.’
حدّقت بينيلوب في أرتيا بوجهٍ مُحمرٍ قليلًا.
“نحنُ نعرفُ بعضنا منذُ الطفولة، لكننا لَمْ نكُن مقربتين حقًا. لذا، قول هَذا الآن يبدو مُحرجًا بعض الشيء…”
“……؟”
“أريدُ أنْ أكون صديقةً لكِ، سيدة إيدنبيرغ.”
“……!”
هل كانت بينيلوب تُدرك ذَلك؟
في طفولتها، لطالما رغبت أرتيا في الاقتراب منها، حيثُ كانت بينيلوب محاطةً بالأصدقاء دائمًا.
لطالما أرادت اللعب معها بالدمى، وقراءة الكتب، والدردشة معها.
‘انظري، أرتيا. لقد حصلتِ أخيرًا على الصديقة التي كنتِ تتمنينها.’
ابتسمت أرتيا بإشراقةٍ، مُتمنيةً لو أنْ أرتيا الحقيقية يُمكنها معرفةُ ذَلك.
“حسنًا، أنا أيضًا أريدُ أنْ أكون صديقتكِ، سيدة أورين.”
حدّقت بينيلوب بعينين مُتسعتين، ثم، وكأنها لَمْ تعًد تستطيع التحمل، اندفعت لتُعانق أرتيا بإحكامٍ.
“إذن، مِن الآن فَصاعدًا، نادِني بيني، أرتيا.”
أرتيا، التي كانت بين ذراعيها، أومأت برأسها بخجلٍ.
في الوقت الذي كانت فيهِ أرتيا تقضي وقتًا لطيفًا مع بينيلوب، كان كيليان يجلسُ بوجهٍ قاتم.
وقف نوكترن خلفهُ وهو يُفكر.
“إنهُ يبدو وكأنه قد يُمزق أيَّ شخصٍ يقتربُ منه الآن، لكنني أعرف الحقيقة.”
“الأمير فقط يشعرُ بالملل، لا أكثر…!”
رغم رغبتهِ في تجاهل الأمر تمامًا، إلا أنهُ، بصفتهِ كبيرَ خدم الأمير، لَمْ يستطع ذَلك، فَفتح فمهً قائلاً:
“سموك، هل ترغب في التدرُب على السيف؟”
“لا.”
“إذن، ماذا عن حمامٍ دافئ؟”
“لا.”
“هل أجلبُ لكَ كتابًا للقراءة؟”
هزّ كيليان رأسهُ مرةً أخرى، ثم قال:
“لا داعي، فقط غادر.”
“عُذرًا؟”
“دعني وحدي، أريدُ أنْ أبقى بمفردي.”
‘ماذا؟ هل سمعتُ هَذا بشكلٍ صحيح؟!’
بكُل سرورٍ، أخفى نوكترن سعادتهُ الغامرة وانحنى بأدب.
“حاضر، سموك. نادوني إنْ احتجت إلى شيء.”
بِمُجرد أنْ اختفى نوكترن، تمتمَ كيليان لنفسه.
“نعم، أشعرُ بالملل الآن.”
وعندما يحدُث ذَلك، كان لديهِ دائمًا طريقتُه الخاصة للتسلية.
وفي لحظةٍ، أحاط جسدهُ بوهجٍ ذهبي، وسرعان ما تحوّل جسدُه القوي إلى قطةٍ سوداء نحيلة.
طَرق طَرق.
استدارت أرتيا إلى النافذة عندما سمعت صوتَ الطرقٍ، فاتسعت عيناها بدهشةٍ.
أغلقت الكتاب الذي كانت تقرأهُ، ووقفت بسرعةٍ لفتح النافذة.
“لقد جئتَ، نوي!”
ابتسمت أرتيا بفرحٍ ولوّحت بيدها وكأنها كانت تنتظرُ هَذهِ اللحظة.
ترددت القطة السوداء للحظة، ثم قفزت إلى داخل الغرفة.
بخطواتٍ أنيقةٍ ومغرورة.
‘واو! نوي دخل إلى غرفتي!’
بالمُقارنة مع المرة السابقة، عندما جلس فقط على حافة النافذة، كان هَذا تطورًا كبيرًا.
بوجهٍ مُتحمسٍ أشبه بطفلةٍ صغيرة، تمتمت أرتيا:
“في السابق، كنتُ أراكَ فقط في القصر الإمبراطوري. وعندما جئتَ قبل أيامٍ، كنتُ محبوسةً في غرفتي، ولَمْ يكُن الوضع جيدًا آنذاك، فَلَمْ أتمكن مِن إعطائكَ أيَّ شيء. لكن في الحقيقة، هُناك أشياءٌ كثيرة كنتُ أريدُ أنْ أهديها لكَ!”
“…….”
شعر كيليان بإحساسٍ غريب، فَرفعَ أنفهُ قليلًا بحذرٍ، لكنهُ لَمْ يتوقع ما حدث بعدها.
مدّت أرتيا يديها وقدمت لهُ سلةَ صغيرة.
“تا-دا! إنها هديةٌ لكَ.”
……
كانت السلة مليئةً بالأطعمة واللعب الملونة.
أخرجت أرتيا شريحةً مِن اللحم المُجفف ووضعتها على كفِ يدها.
“جربها. إنها وجبةٌ خفيفة صنعتُها لكَ خصيصًا!”
“…….”
كان كيليان، بصفتهِ أميرًا، يتمتع بذوقٍ صعب الإرضاء في الطعام.
حتى في ساحة المعركة، كان يأمرُ بتقديم أفضل الأطعمة، لدرجة أنْ نوكترن كان يشكو مِن أنْ تحضير طعامهِ أصعبَ مِن قتل الأعداء.
“والآن، تُريدني أنْ آكل هَذا؟”
صحيح أنْ اللحم المُجفف صالحٌ للأكل، لكنهُ كان مُخصصًا للقطط.
والأسوأ، أنه لَمْ يكُن بإمكانهِ استخدام شوكةٍ لأكله—بل كان عليهِ أنْ يتناولهُ بفمهِ مُباشرةً.
‘لقد قلتُ ‘مياو’ مرةً واحدةً فقط، وهَذا يكفي. َلن أسمح لنفسي بأنْ أتعرض لمزيدٍ مِن الإذلال.’
……
لكن عيون أرتيا الوردية كانت تتلألأ بطريقةٍ لَمْ يرها مِن قبل.
لَمْ تكُن حتى عندما وعدها بِمُساعدتها في الطلاق مُتحمسةً هَكذا.
كانت عيناها تتألقان بإشراقٍ.
‘تبًا…!’
‘لَن آكله. أبدًا!’
لكن، على عكس قرارهِ، فتح كيليان فمهُ كما لو كان قد وقعَ تحت تعويذة.
وبِمُجرد أنْ عضّ اللحم المُجفف، ابتسمت أرتيا بسعادةٍ أكبر.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة