البحث عن زوج للدوقة - 25
الفصل 25 : الدوقة ترغب في الطلاق ²⁵
“سيكون الأمر مُخيفًا، لويد.”
حسنًا، كان هَذا كل ما شعرت بهِ أرتيا.
لَمْ يكُن لديها الوقت لتشغل بالها بشأنهُما أكثر مِن ذَلك.
“في السابق، قمتُ بطرد عددٍ كبير مِن الخدم، لكن ذَلك اقتصر فقط على الموظفين ذوّي الرُتب المُنخفضة الذين لا يهتمُ بهم لويد.”
أما أولئكَ الذين كان لويد يعتزُ بِهم ووضعهُم في مناصب مُهمة، لَمْ تستطع المساس بهم.
لكن كان لا بُد مِن التخلُص منهم تمامًا حتى يُمحى أثرُ لويد مِن القصر. ولهَذا، قامت أرتيا بطردِهم دوّن تردد.
مِن بينهم، كانت كبيرة الخدم، إيلما.
صرخت إلما بصوتٍ يائس:
“كيفَ تفعلين هَذا بي وأنا التي بقيتُ مُخلصةً لكِ حتى وأنتِ محبوسةٌ في غرفتكِ؟!”
“لقد أنهيتُ الأمر عند هَذا الحد لأنكِ على الأقل عملتِ مِن أجلي. لَمْ أعاقبكِ على تجاهلكِ ليّ طوال ثلاث سنوات، ولا على سرقتكِ لمُمتلكات القصر.”
“……!”
“لكن عليكِ أنْ تدفعي ثمن ما سرقتِه قبل أنْ ترحلي. يجبُ أنْ تتحملي على الأقل الحد الأدنى مٍن العقاب.”
شحُبت ملامحُ إيلما على الفور.
كانت قد سرقت مُمتلكاتٍ باهظة الثمن، لذا كان المبلغ المطلوب ضخمًا، لدرجة أنها ستحتاجُ إلى جمع كُل ما تملك مِن مال.
“سيدتي…….”
أرتيا كانت تُدرك تمامًا ما يدور في ذهن إيلما.
مِن المؤكد أنها كانت تأمل أنْ تتوسل إليّها حتى تُغيّر رأيها.
لكن إيلما التي رأت أرتيا عن قُرب طوال هَذهِ السنوات كانت تعلم.
تعلم أنْ أرتيا لا تتراجعُ أبدًا عن قراراتها.
وعلى الرغم مِن أنْ إيلما كانت ذات طبعٍ سيء، إلا أنها كانت ذكيةً بما يكفي لتُصبح رئيسة الخدم.
لذَلك، بدلاً مِن إثارة غضب أرتيا أكثر، شدّت على أسنانها وانحنت لها باحترام.
“سأفعلُ ذَلك ……أشكرًكِ على كُل شيء، سيدتي.”
لكن إيلما لَمْ تكُن تعلم حينها.
لَمْ تكُن تعلم أنها لَن تتمكن أبدًا مِن العمل كبيرة خدمٍ في أيِّ عائلةٍ نبيلة مرةً أخرى.
فَـ وفاءها للقمامة المدعو لويد سيظلّ وصمة عارٍ تُلاحقها.
لَمْ يرغب أيُّ نبيل في توظيف خادمةٍ تحمل تلكَ السمعة.
وفي النهاية، ومع حاجتها الماسة للمال، اضطرت إلى إخفاء اسمها وخبرتها، والعمل كـ خادمةٍ مُبتدئة في أحد القصور الريفية، حيثُ اضطرت للقيام بجميع أنواع الأعمال الشاقة.
لكن ذَلك كان في المستقبل.
أما الآن، فقد غادرت إيلما القصر دوّن أنْ تتخيل المصير البائس الذي ينتظرُها.
وفي تلكَ الأثناء، عادت بيبي إلى جانب أرتيا، بعد أنْ اختفت لفترةٍ طويلة.
تبادل الخدم الهمسات بذهول.
“ك-كيف عادت بيبي……؟”
“ألَمْ تهرُب وتترك السيدة؟”
لكن أكثر مِن شعورهم بالمُفاجأة، كان هُناك خيبةُ أمل.
إذ لَمْ يكُن قلةٌ مِمَن طمعوا في منصبها بعد رحيل إيلما.
“الأمر واضح. ستجعلُها سيدة رئيسة الخدم.”
لكن أرتيا خالفت توقعاتهم، وعينت شخصًا آخر في هَذا المنصب.
سوزان.
أقدمُ خادمةٍ في القصر، والتي كانت محبوبةً مِن الجميع بسبب شخصيتها الهادئة.
“أنتِ تملكين المهارات المُناسبة لتكوني رئيسة الخدم. طوال هَذا الوقت، لَمْ تتم ترقيتُكِ لأنكِ أجنبية، ولأن إيلما كانت تضعُكِ دائمًا في مرمى استهدافها. لكنكِ تستحقين المنصب.”
كانت ترقيةً لَمْ تتخيلها سوزان حتى في أحلامها، لكن وجهُها بدا مُتصلبًا.
ثم انحنت أمام أرتيا وقالت بصوتٍ متألم:
“لَمْ أستطع تقديم أيُّ مساعدةٍ للسيدة خلال مُعاناتها. كيف ليّ أنْ أشغل مثل هَذا المنصب؟”
نظرت إليّها أرتيا وقالت بصوت هادئ.
“لقد كنتِ خائفةً مِن لويد، أليس كذَلك؟”
“……!”
“وأنا لَمْ أكُن سيدةً تستحقُ أنْ تتحملي هَذا الخوف مِن أجلها.”
أرتيا كانت طيبةً، لكنها لَمْ تكُن سيدةً جيدة.
فَكيف يُمكن للخدم أنْ يتبعوا شخصًا لَمْ يكُن قادرًا حتى على النظر إليّهم في أعينهم، ولَمْ يفعل شيئًا سوى البكاء والانغلاق على نفسهِ داخل الغرفة؟
‘بيبي كانت استثنائيةً بولائها لسيدةٍ مثلي.’
ثم نظرت أرتيا إلى سوزان وقالت:
“مِن الآن فصاعدًا، سأصبحً نبيلةً يستحقُ خدمها أنْ يتبعوها بإخلاص. لذا أريهم ذَلك، أريهم أنكِ تملكين الكفاءة اللازمة لتكوني رئيسة خدم لدوقية إيدنبيرغ العظمى. أثبتي أنْ اختياري لَمْ يكُن خاطئًا.”
نظرت سوزان إليّها بعينين دامعتين، ثم ظهر في عينيها البريئتين عزمٌ قوي.
“نعم، سأثبتُ ذَلك لكِ. وسأردُ لكِ هَذا الفضل العظيم الذي منحتِني إياه، سيدتي.”
وعندما أصبحت سوزان رئيسة الخدم، أدركت الخادمات أمرًا مُهمًا.
“السيدة لا تُفضل بيبي فقط. أيُّ شخصٍ يمتلكُ الكفاءة يمكنهُ الترقية.”
امتلأت أعين الخادمات بحماسٍ متقد.
أثناء مراقبة الخادمات وهنّ يعملنَ بحماسٍ أكبر، وينظفنَ كل زاويةٍ في القصر، ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي أرتيا.
“كما توقعت، مِن المُهم منح مكافآتٍ عادلة إذا كنتِ ترغبين في تحفيز الناس.”
نظرت أرتيا إلى بيبي، التي كانت تضعُ الشاي والحلوى على الطاولة، وسألتها:
“سمعتُ أنْ الخادمات يقمنَ بعملهنَ بشكلٍ جيد هَذهِ الأيام، صحيح؟”
“نعم.”
أومأت بيبي برأسها بوجهٍ خالٍ مِن التعابير.
عندما عادت بيبي، لَمْ يستقبلها الخدم بحرارة. فقد كانوا يشعرون بالغيرة مِن الاهتمام الكبير الذي تحظى بهِ مِن قبل أرتيا.
لكن بعد أنْ قامت أرتيا بترقية سوزان إلى منصب رئيسة الخدم، تغيّرت ردود أفعالهم تمامًا.
بدأت الخادمات في التقرب مِن بيبي، ليس فقط رغبةً في كسب ود أقرب خادمةٍ إلى الدوقة، ولكن أيضًا بدافع التعاطُف معها، لأنها رغم ملازمتها لأرتيا طوال اليوم، ظلّت مُجرد خادمة.
أرتيا، التي كانت على درايةٍ بكُل هَذهِ الأمور، سألتها:
“ألَمْ تشعري بالاستياء لأنني لَمْ أمنحكِ منصب رئيسة الخدم؟”
أجابت بيبي بسرعة البرق:
“لَمْ أشعر بالاستياء مُطلقًا.”
“…….”
“أنا غيرُ مؤهلةٍ تمامًا لهَذا المنصب.”
قالت بيبي ذَلك بنظرةٍ جادة تُشبه نظرة صيادٍ يُطارد فريسته، وهي تسكًب الشاي بعناية.
“حتى لو أصبحتُ مؤهلةً لهَذا المنصب يومًا ما، سأظل أرغبُ في خدمة سيدتي. فَهَذا أكثر ما يُشرفني.”
في تلكَ اللحظة، امتلأ فنجان الشاي بسائلٍ أخضر شفاف.
ضحكت أرتيا بهدوءٍ وهي ترفعُ الفنجان إلى شفتيها.
على الرغم مِن أنْ بيبي كانت قد بذلت قصارى جهدها في تحضير الشاي، إلا أنْ نكهتهُ لا تزال غيرَ مُتقنة.
ومع ذَلك، احتست منهُ رشفهً وابتسمت.
“وأنا كذَلك.”
“…….”
“أنْ يتم خدمتي مِن قبلكِ هو شرفٌ كبيرٌ لي، بيبي.”
عندها، احمرّت أطرافُ أذني بيبي قليلاً رغم تعابير وجهها الجامدة.
أثناء تأمل أرتيا بعضلات بيبي البارزة تحت زي الخادمة، تمتمت وكأنها مسحورة.
“يا لها مِن عضلاتٍ رائعة…….”
في تلكَ اللحظة، احمرّت أطرافُ أذني بيبي التي كانت تُمسك بإبريق الشاي.
يُقال إنه عندما قررت بيبي، ذات البُنية القوية والعضلات المتينة بالفطرة، أنْ تُصبح خادمةً بدلاً مِن صيادة، سخر منها الجميع.
‘أيُّ سيدةٍ نبيلةٍ سترغبُ في خادمةٍ ضخمةٍ مثلكِ؟’
‘حسنًا، ها أنا ذا!’
حدّقت أرتيا في بيبي، التي كانت تصُب الشاي، بعينين مبهورتين.
وفقًا للمعايير التقليدية، كان مِن المُفترض أنْ تكون سيدات النبلاء رقيقات القوام مثل الزهور، وكان يُعتبر امتلاك جسدٍ ضخم أو مُمتلئ عيبًا كبيرًا.
لذَلك، كانت أرتيا تُصنَّف على أنها ذاتُ قوامٍ مقبولٍ إلى حدٍ ما.
لكنها سمعت تعليقاتٍ مُزعجةً مثل:
‘هل تظنين أنْ امرأةً نحيفةً مثلكِ يُمكنها إنجابُ أطفالٍ أصحاء؟’
‘مِن الجيد يأنكِ نحيفة، لكن ينقصُكِ بعضُ الامتلاء.’
لقد كانت كلماتٍ سخيفةً.
ورغم أنْ تلكَ التعليقات كانت تؤذيها، إلا أنها كانت تشعرُ بالراحة لكونها على الأقل نحيفة.
‘لحُسن الحظ، أنا على الأقل نحيفة.’
لكن الآن، لَمْ تعُد تشعر سوى بالغضب.
“مَن يظنون أنفسهم ليحكموا على أجساد الآخرين بهَذهِ الطريقة؟”
لو تجرأ أحدٌ على قول شيءٍ مُماثل مرةً أخرى، فسوف تجعلُه يعضّ على قطعة خبزٍ فرنسي يابسةً حتى ينكسرَ فكُه!
ومِن أجل ذَلك، كانت بحاجةٍ إلى القوة.
القوة الحقيقية، القوة البدنية المُباشرة!
“بيبي، أريدُ أنْ أحصل على جسدٍ مثلكِ. هل يُمكنكِ مُساعدتي لتحقيق ذَلك؟”
لَمْ تقُل بيبي عباراتٍ مثل: “جسدٌ كهَذا لا يُناسب سيدةً نبيلة.”
بدوّن أيّ اعتراض، أومأت برأسها، ثم أحضرت حجرًا منحوتًا ليتناسب مع القبضة.
“رفع الأشياء الثقيلة يُساعد على بناء العضلات. جربي حمله.”
أمسكت أرتيا بالحجر بكلتا يديها وبذلت قصارى جهدها.
لكن، رغم كُل محاولاتها، لَمْ يتحرك الحجر قيد أنملة.
قالت بيبي بصوتِ هادئ:
“سأُحضرُ واحدًا أخف وزنًا.”
ثم أحضرت حجرًا أصغر.
ومع ذَلك، لَمْ تستطع أرتيا رفعه.
ثم أحضرت حجرًا أصغر مِن ذَلك.
ثم آخر أصغر منه.
وأخيرًا، صاحت أرتيا بفرحٍ وهي تحملُ حجرًا صغيرًا جدًا مقارنةٌ بالأول.
“لقد رفعتُه، بيبي!”
نظرت بيبي إلى الحجر الصغير في يدي أرتيا وفكّرت في صمت.
“إنهُ بنفس وزن الحجر الذي كنتُ أحمله عندما كنتُ في السابعة مِن عمري.”
لكنها لَمْ تقُل ذَلك بصوتٍ عالٍ.
وبدلاً مِن ذَلك، قالت بصدق:
“بالنسبة لمحاولتكِ الأولى، فقد قُمتِ بعملٍ رائع. أنتِ مُذهلةٌ حقًا.”
ابتهجت أرتيا بكلمات بيبي، وابتسمت بفخر.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة