البحث عن زوج للدوقة - 23
الفصل 23
“…….”
كان كيليان قد توقع ذَلك بالفعل.
فَبِمُجرد أنْ دخل إلى الكنيسة ورأى أرتيا مع لويد، كان بإمكانهِ معرفةُ النتيجة دوّن الحاجة إلى سؤال.
ولكن كان هُناك شيءٌ واحد فقط خالف توقعاته.
تلكَ الابتسامة على وجهها، المليئة بالسعادة التي لا يُمكن وصفها…
‘ها قد حدث ذَلك مُجددًا.’
شعر بوخزٍ غريب بالقرب مِن قلبهِ.
كان إحساسًا مألوفًا، لكنهُ بدا غريبًا عليهِ في نفس الوقت، مِما جعلهُ يعقدُ حاجبيهِ قليلًا.
لهَذا السبب كان يكرهً أرتيا فون إيدنبيرغ.
تلكَ المرأة، التي بدت كأنها ستسقطُ مِن مُجرد لمسة، كانت دائمًا تستفزهُ بهَذهِ الطريقة.
بوقاحةٍ.
لكن كيليان أخفى مشاعرهُ تمامًا، ونطق بكلمةٍ واحدة.
“مُبارك.”
اتسعت عينا أرتيا بدهشةٍ.
فَالطلاق كان يعني فشل الزواج.
كان شيئًا حزينًا، مُخزيًا.
حتى أرتيا، التي تمنت الطلاق بشدةٍ طوال الأشهر الماضية، لَمْ تتوقع أبدًا أنْ يُقال لها “مُبارك”.
ولكن الآن، كانت تلكَ الكلمة أكثر ما أسعدها.
“هاهاها!”
ضحكت بصوتٍ عالٍ، كطفلة، مُتناسيةً تمامًا أنها أمام الأمير المجنون.
عندما كان كيليان يتناول طعامه.
وفكر في وجهِ أرتيا فون إيدنبيرغ المُبتسم.
عندما كان كيليان يتدربُ على السيف.
وفكر في وجهِ أرتيا فون إيدنبيرغ المُبتسم.
عندما كان كيليان يستحم.
وفكر في وجهِ أرتيا فون إيدنبيرغ المُبتسم.
عقد حاجبيهِ بانزعاج.
“لماذا لا أستطيعُ التوقف عن التفكير بها؟”
هل يُعقل أنْ تكون أرتيا فون إيدنبيرغ تمتلكُ قوةً سحريةً مثله؟
هل ألقت عليهِ لعنةً تجعلها تعلقُ في ذهنه؟
لكن سرعان ما أدرك كيليان أنْ هَذهِ الفكرة لا معنى لها على الإطلاق.
“أرتيا فون إيدنبيرغ لا تهتمُ بي مًطلقًا.”
لذَلك لَمْ يكُن لديها أي سبب لإلقاء لعنة عليه.
لَمْ يجد إجابةً حتى حلّ الليل.
“هَذهِ هي المرة الأولى التي أرى فيها أرتيا فون إيدنبيرغ، التي كانت دائمًا خائفةً وتُحدق بالأرض، تضحكَ بهَذا الشكل.”
لهذا لَمْ يستطع إخراج صورتها مِن رأسه.
كان الأمر نادر الحدوث لدرجة أنهُ بدا وكأنه مشهدٌ مِن عالمٍ آخر.
كما لو كان يرى وحشًا ذا مائة عين يرتدي ثوبًا مُزينًا بالدانتيل ويشارك في حفلةٍ راقصة.
بِمُجرد أنْ توصل إلى هَذا الاستنتاج، وقف كيليان.
كان بحاجةٍ إلى بعض الهواء البارد لتهدئة أفكارهِ المُضطربة.
وبينما كان يسيرُ في الممر المفتوح حيثُ تهب الرياح، اتسعت عيناه قليلًا.
في الجهة المقابلة، كانت امرأةٌ تمشي برفقة وصيفاتها.
كانت ترتدي تاجًا فاخرًا، لكن عينيها كانتا قاتمتين كأنهُما تحملان ظلامًا عميقًا.
إنها والدتُه، الإمبراطورة فيليسيتي.
اقتربت المسافة بينهما تدريجيًا.
وحين وقفت الإمبراطورة أمامه، فتحت شفتيها وتحدثت.
“سمعت أنكِ وافقت رسميًا على طلب طلاق السيدة إيدنبيرغ.”
“نعم.”
“وأرسلت لها الفرسان لحمايتها أيضًا.”
“صحيح.”
عبُست الإمبراطورة بوضوح.
“لماذا تفعلُ أشياء لا طائل منها؟ هَذا ليس مِن عادتك.”
نظر كيليان إلى الإمبراطورة وقال بهدوء.
“السيدة إيدنبيرغ جاءت إليّ وتوسلت. قالت إنها تُريد الانفصال عن زوجها الحقير والعيش بسعادة.”
“…….”
“أليس هِذا كلامًا جريئًا وجديرًا بالإعجاب؟ هُناك كثيرون يتمنون ذَلك، لكنهم لا يجرؤون حتى على المُحاولة.”
ارتفعت الحواجب المتقنة للإمبراطورة قليلًا.
“أنتِ تُبالغ في تقديرها. لَمْ يكُن لديها شيءٌ تخسره، ولهَذا استطاعت اتخاذ هَذا القرار. ولكن لو كان لديها شيءٌ ثمين لا يُمكنها التخلي عنه، لكانت ستفعل كما يفعل الجميع. حتى لو كان عليها العيشُ مع زوجٍ أكثر قذارةً مِن القمامة.”
مثلما فعلتِ أنتِ؟
لكن كيليان لِمْ يقُلها بصوتٍ عالٍ، بل نظرَ إلى الإمبراطورة بصمت.
وانتهى الحديث عند هَذا الحد.
مرت الإمبراطورة بجانبه دوّن حتى إلقاء تحية.
وكعادتها، لَمْ تنظر في عينيه مرةً واحدة.
كأنه مُجرد حشرةٍ مُقززة.
رفع كيليان يده ووضعها على صدرهِ الأيسر.
عندما التقى بأرتيا فون إيدنبيرغ، شعر أنْ هُناك شيئًا ما بداخله.
لكن ذَلك كان مُجرد وهم.
لا يزال فارغًا.
تمامًا كما كان دائمًا.
* * *
لَمْ يكُن الطلاق يعني النهاية.
لا تزال هُناك إجراءاتٌ معقدة، مثل تقسيم المُمتلكات.
لكن بالنسبة لأرتيا، لَمْ يكُن ذَلك بمشكلةٍ كبيرة.
فَمِن الأساس، لَمْ يجلب لويد معهُ فلسًا واحدًا!
لَمْ يكُن هُناك شيءٌ يخصه في قصر إيدنبيرغ.
قالت أرتيا بصوتٍ حازم:
“اخرُج خالي الوفاض. حالًا.”
أمسك الخدم بلويد وسحبوه.
بدأ لويد، الذي كان يتخبطُ في أيديهم، بالصراخ.
“أنا دوق إيدنبيرغ! أنا صاحبُ هَذا القصر!”
نظرت إليّه أرتيا، عندما كان يبتعد شيئًا فَشيئًا.
“لا، أنا إيدنبيرغ. وأنا صاحبةُ هَذا القصر.”
صرخة!
أُغلِق الباب.
وبرحيل شخصٍ واحد، غرق القصرُ في سكونٍ تام.
تأملت أرتيا الرواق الخالي، وعادت ذكرياتُها إلى الماضي.
في كل مرةٍ كان لويد يتأخرُ حتى منتصف الليل دوّن أنْ يعود، كانت ترتجفُ مِن القلق.
“ماذا لو تُركتُ وحدي هُنا؟”
كانت تسهرُ طوال الليل بانتظارهِ دوّن أنْ يُغمض لها جفن.
وعندما كان يعود في وقتٍ مُتأخر، تفوح منهُ رائحة الخمر، كان غالبًا ما يحمل بين ذراعيهِ امرأة لَمْ ترها مِن قبل.
ومع أنْ قلبها كان يتمزقُ ألمًا، إلا أنها شعرت بالراحة.
لأن وجود لويد في هَذا القصر الواسع كان يشعُرها بأنها ليست وحيدةً تمامًا.
ولكن الآن، في هَذهِ اللحظة، شعرت بشيءٍ مُختلفٍ تمامًا.
كما لو أنها أزالت ورمًا مُتعفنًا مِن جسدها.
شعرت بالارتياح… وبالسعادة.
مدّت أرتيا ذراعيها عاليًا فوق رأسها وصرخت.
“أخيرًا… أصبحتُ وحدي!”
أخيرًا أصبحتُ وحدي.
أخيرًا أصبحتُ وحدي.
أخيرًا أصبحتُ وحدي.
تردد صوتها المليء بالسعادة في أنحاء القصر الصامت.
لكن على الرغم مِن طرده، لَمْ يغادر لويد القصر.
ظلّ واقفًا خارج البوابة الحديدية الضخمة وهو يصرخ.
“افتحوا الباب حالًا!”
أما الحراس، الذين كانوا ينفذون أوامرهُ دومًا ككلاب صيدٍ مُخلصة، فقد تظاهروا بأنهم لَمْ يسمعوا شيئًا وهم يحدقون في السماء.
ولَمْ يمضِ وقتٌ طويل حتى تحوّلت صرخاتُه الغاضبة إلى تضرعٍ يائس.
ركع لويد أمام البوابة الحديدية، وانهمرت دموعهُ وهو يتوسل.
“أرتيا، لقد أخطأت! سامحيني!”
وفي ذَلك الوقت، كانت أرتيا مُستلقيةً على سريرها، تقرأ كتابًا.
قطّبت حاجبيها وهمست بضيق.
“كم هو مزعج.”
لَمْ تعتدِ عليه، ولَمْ تطلب منهُ تعويضًا ماليًا فلكيًا.
لَمْ يكُن ذَلك بدافع احترامها لأول حبٍ في حياتها، بل كان مُجرد انعكاسٍ لنقدها الذاتي على عدم قدرتها على رؤية الناس بوضوح.
لكن يبدو أنني بالغتُ في ذَلك. فهو لا ينوي العودة إلى منزلهِ أبدًا.
“إنْ لَمْ يُغادر بنفسه، فلا خيار سوى التخلص منه…”
في اليوم التالي، وقفت أمام أرتيا امرأة.
كانت لريليكا.
مرت شهورٌ منذُ آخر مرةٍ رأت فيها أرتيا، وبدا وجهها، الذي كان يفيضُ بالبراءة، أشبه بجثةٍ ميتة.
‘يبدو أنْ الشائعات كانت صحيحة. بعد أنْ طُردت مِن قبل لويد، لَمْ تكُن في وعيّها.’
حتى وهي غارقةٌ في الحزن، كان الخوف لا يزال يسيطر عليها.
كانت لريليكا ترتجفُ بشدةٍ، كطفلةٍ ضائعة.
‘وهَذا أمرٌ طبيعي. فقد كنتِ بين ذراعي لويد بينما كنتِ تطعنينني مرارًا وتكرارًا.’
والآن، بعد أنْ اختفى لويد ووقفت أمامي وحدها، لا بد أنها خائفةٌ مِن العقاب الذي قد تواجهه.
عندما همّت أرتيا بفتح فمها، جثت لريليكا على الأرض فجأة.
“طحخ!”
أصدرت ركبتيها صوتًا عالٍ كأنها تحطمت.
“لقد أخطأت، سيدتي.”
استبدلت لقب أختي بـ سيدتي، وانهمرت دموعها مثل طفلٍ صغير وهي تتابع حديثها.
“لَمْ أكُن أحملُ لكِ أيَّ ضغينةٍ على الإطلاق، سيدتي. كنتُ فقط… أحبُ الدوق كثيرًا، وكنتُ أحسدكِ لأنكِ زوجتُه… لذَلك تصرفتُ بوقاحة.”
رغم نبرتها المتوسلة، إلا أنْ أرتيا شعرت فقط بالاشمئزاز.
“أوه، اسمعي… ليس لديّ أيُّ رغبةٍ في سماع اعترافكِ المتأخر الذي لا فائدة منه، لذا اصمتي واستمعي إليّ فقط، حسنًا؟”
كانت نبرتُها هادئة، لكنها تحمل قوةً لا يُمكن مقاومتها.
عضّت لريليكا شفتيها على عجل، محاولةً كتم أنفاسها المُرتجفة.
أخيرًا، أصبح المكان هادئًا.
“لقد طلّقتُ لويد. أنتِ تعرفين ذَلك، أليس كذَلك؟”
لقد كان طلاق دوق ودوقة إيدنبيرغ حدثًا صادمًا هزّ الإمبراطورية بأكملها.
لَمْ يكُن هُناك شخصٌ لَمْ يسمع عنه، حيث كان الجميع يتحدثون عنهُ بلا توقف.
حتى لريليكا، التي كانت محبوسةً في بلدةٍ صغيرةٍ نائية مثل مجرمة، لَمْ تكُن استثناءً.
أومأت لريليكا برأسها، ووجهها شاحبٌ أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى.
“نعم… أعلم.”
“لماذا تُخبريني بهَذا؟”
“هل ستغضبين مني لأنني كنتُ السبب في طلاقكما؟”
كانت ترتجفُ أكثر مِن ذي قبل، لكن أرتيا ابتسمت ببرود.
“بما أنني تطلقت، فسأقدمُ لكِ هديةً بمناسبة ذَلك.”
“خًذي ذَلك الرجُل لنفسكِ.”
“……!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة