البحث عن زوج للدوقة - 21
الفصل 21
‘جلالةُ الإمبراطور مُسنٌّ، ويعاني مِن المرض أيضًا.’
عندما رأتهُ أرتيا عن قرب، بدا المرض جليًّا على وجههِ.
ومع ذَلك، لَمْ يفقد هيبتهُ التي اكتسبها مِن حُكم الإمبراطورية طوال تسعة وعشرين عامًا.
نظرت إلى عينيهِ الذهبيتين الحادتين، فَابتلعت ريقها بتوتر.
وبِمُجرد انتهاء التحية الرسمية، دخل الإمبراطور في صُلب الموضوع مُباشرةً.
“طلبُ الطلاق الذي أُرسل إلى العائلة الإمبراطورية كان يحمل ختم طرفٍ واحدٍ فقط. فَهل يعني هَذا أنْ الطرف الآخر لا يرغبُ في الطلاق؟”
ثم وجهَ بصرهُ إلى لويد.
شعر لويد بالثقة عندما منحهُ الإمبراطور فرصةً الحديث أولًا.
“نعم، جلالتُك. لا أريدُ الطلاق.”
ثم وضع يدهُ على صدرهِ وأكمل كلامه.
“قبل ثلاث سنوات، أقسمتُ أمام جلالتكَ، وأمام الحاكم، وأمام العالم أجمع أنني سأرتبطُ بأرتيا فون إيدنبيرغ، وسنبقى معًا مدى الحياة. وأنا ما زلتُ مُتمسكًا بذَلك القسم.”
بدا الرجُل، وهو يرتدي ملابس بيضاء رسمية، صادقًا في كلماته.
لكن ذَلك لَمْ يغيُر حقيقة تعفّن روحه.
“صحيح، تلكَ العهود مُهمة. وخاصة إذا كانت قد قُطعت أمامي.”
“…..!”
ظهرَ الارتياح على وجه لويد.
فَمنذُ أنْ أصبح دوق إيدنبيرغ، لَمْ يكُن يتوانى عن التباهي بنفسهِ، لكنه لَمْ يتجرأ أبدًا على فعل ذَلك أمام الإمبراطور.
كان دائمًا يؤيد قراراتهِ دوّن قيدٍ أو شرط، ويرسل مبالغ طائلةً للخزانة الإمبراطورية، تفوق الضرائب المُقررة.
كما لَمْ يكُن ينسى إرسال الهدايا الباهظة في المُناسبات الملكية.
عقدت أرتيا حاجبيها.
‘رُبما لَمْ يكُن لويد عديم الفائدة بالكامل كما يراهُ الآخرون. رُبما يحظى بتقيّمٍ جيد مِن قِبل جلالة الإمبراطور.’
فلا يوجد سببٌ يجعل الإمبراطور يكرهُ تابعًا خانعًا مثل الكلب المُطيع.
ازدادت برودة أطراف أصابعها مع فكرة احتمال وقوف الإمبراطور في صف لويد.
عندها، وجه الإمبراطور بصرهُ نحوها.
“بصفتكِ دوقة، أتيتِ إلى هُنا بمظهرٍ مُزرٍ.”
كان يُشير إلى الكدمات الزرقاء التي غطت وجهها.
“أعتذر، جلالتُك.”
“لماذا تُريدين الطلاق؟”
لَمْ تكُن في نبرة صوتهِ العصبية أيُّ تعاطف.
حاولت أرتيا إخفاء توترها، وفتحت شفتيها لتجيب.
“لقد أرفقتُ مع طلب الطلاق وثائق تُفصِّل مدى قسوة لويد كـ زوجٍ ليّ خلال هَذهِ السنوات. هل اطلعتُم عليها؟”
“نعم، قرأتها. لكن الأسباب المذكورة ليست كافية لفسخ زواجٍ قُطع أمامي بعهدٍ أبدي. ألا يوجدُ سببٌ آخر؟”
كان ذَلك يعني أنهُ يطلب منها تقديم حجةٍ مقنعة.
‘أليس كافيًا بأنني لا أريدُ العيش مع هَذا الكلب… أقصد، هَذا الرجل؟!’
كادت تصرخ بذَلك، لكنها كتمت غضبها.
فلو فقدت أعصابها الآن، فَلَن تخسر الطلاق فقط، بل قد تخسر رأسها أيضًا.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم بدأت تتحدثُ بهدوء:
“جلالتُك، أنا أيضًا أتذكر بوضوحٍ ذَلك اليوم قبل ثلاث سنوات. أنا ولويد أقسمنا أمامكم، نحنُ الاثنان، أنْ نُحب ونحترم بعضنا بعضًا، وأنْ نسهم في مجد الإمبراطورية. لكن لويد…”
“رفض قضاء ليلة الزفاف معي منذُ البداية. بل خدعني وأجبرني على تناول موانع الحمل. لقد قالها بنفسه، إنه لا يريدُ إنجاب أطفالٍ مني، لأنهُ لا يرغب في أنْ يرث أحدٌ دوقية إيدنبيرغ غيرهُ.”
كان موضوع الوريث حساسًا للغاية. حتى أنْ الإمبراطور، الذي كان يعلمُ ذَلك مُسبقًا، قطب حاجبيه.
شعرت أرتيا ببصيص أملٍ، فتابعت كلامها.
“وليس ذَلك فقط. فَمنذُ أنْ تولى لويد منصب الدوق، بدأت دوقية إيدنبيرغ في الانحدار. خلال ثلاث سنوات فقط، تقلّصت ثروات العائلة إلى النصف، بينما تضاعفت ديونها مرتين.”
لَمْ يكُن هَذا مُجرد ادعاء، فقد أرسلت أدلةً موثقةً بذَلك مع وثائقها إلى الإمبراطور.
“لَمْ يكُن هُناك حب، لَمْ يكُن هُناك احترام، لَمْ يكُن هُناك إخلاص، لَمْ يكُن هُناك ثقة. لَمْ نُحقق تطورًا، بل سلكنا الطريق إلى الانحدار. نحنُ غيرُ جديرين بأنْ نتلقى مباركتكَ، جلالتُك.”
ثم سقطت على ركبتيها بخشوع.
حتى أمام الإمبراطور، كان مِن الصادم أنْ تجثو الابنة الكبرى لدوقية إيدنبيرغ على ركبتيها.
رفعت أرتيا رأسها ونظرت إلى الإمبراطور قائلة.
“أنزل عقوبةً علينا نحنُ المذنبين، واسحب منا نعمتكَ الواسعة، جلالتُك.”
كانت أرتيا تعتقد أنْ أحد أسباب تردد الإمبراطور في الموافقة على الطلاق هو أنهُ قد يُشكل مساسًا بسلطته.
فَهو بنفسهِ بارك هَذا الزواج، والآن يطلُبان الانفصال؟ لا بد أنْ ذَلك سيجرحُ كبرياءهُ المُتعالي.
لكن، ماذا لو لَمْ يكُن النبلاء هم مَن يطالبون بالطلاق، بل كان الإمبراطور نفسهُ هو مَن يُمسك بزمام القرار؟
ماذا لو لَمْ يكُن الطلاق استجابةً لطلب النبلاء، بل كان عقوبةً يفرضُها الإمبراطور بنفسه؟
عندها، بدلاً مِن أنْ تُمس سلطته، ستزدادُ هيبتُه أكثر. إذ سيبرهنُ أنه يملك القوة المُطلقة حتى لفسخ رابط زواج هو مِن عقده بنفسه.
“أتمنى أنْ تستجيب لكلماتي، جلالتُك.”
صلّت أرتيا بداخلها بحرارة.
ظلّ الإمبراطور يُحدق بها بصمت، ومع مرور الوقت، بدأ وجهُ كلٍ مِن أرتيا ولويد بالتصلبُ أكثر فأكثر.
وبعد فترةٍ، فتح الإمبراطور فمهُ أخيرًا.
“وقحة… أنا مَن يُقرر العقوبة، وليس للمذنبين حريةُ اختيارها.”
كان صوتهُ يحمل نبرة ازدراء.
قبض لويد يديهُ بفرحٍ مكبوت، بينما عضّت أرتيا على شفتيها بقوة.
‘ماذا لو لَمْ يوافق جلالتُه على الطلاق؟’
سأقتُل لويد وأتأكد مِن ألا يبقى لهُ أيُّ أثر.
وصل يأسها إلى حد التفكير في حلٍ دموي. وبينما كانت تغرقُ في أفكارها، تسربت قطراتُ مِن الدم مِن شفتيها المضغوطتين.
“ولكن هَذهِ العقوبة… أجدُها مقبولةً للغاية.”
“ماذا؟!”
صرخ لويد بصدمة، واتسعت عينا أرتيا بدهشةٍ.
ثم رمق الإمبراطور لويد بنظرةٍ حادة.
“لويد فون إيدنبيرغ!”
تجمد لويد مِن هالة الإمبراطور الطاغية، ولَمْ يستطع حتى الرد.
“إهانتُكَ لزوجتكَ، اتخاذُكَ لعشيقة، وسوء إدارتكَ لشؤون العائلة هي أمور تستحقُ للوم، ولكنني لا أجدُها ذات أهميةٍ كبيرة. فَهي، في النهاية، مسائل شخصية.”
لَمْ يكُن الإمبراطور شخصًا عاطفيًا ليتأثر بمثل هَذهِ الأمور التافهة. ولكن…
“غيرَ أنْ ما ارتكبتهُ باسم دوق إيدنبيرغ، هَذا أمرٌ لا يُمكنني التغاضي عنه.”
ثم ألقى رُزمةً مِن الأوراق نحو لويد.
التقط لويد الأوراق بسرعةٍ وبدأ يقرأها، لكن مع كل سطر، ازداد شحوب وجهه.
كانت تلكَ شكاوى رسمية كتبها النبلاء الذين طالبوا بطلاق دوق ودوقة إيدنبيرغ.
احتوت على أدلةٍ دامغة على كل الفساد الذي تورط فيه لويد طوال السنوات الماضية.
“لقبُ دوق إيدنبيرغ ليس مُجرد منصبٍ يُمكن شغله بالتملُق وقمعُ مَن هم أدنى منك. على مَن يحملهُ أنْ يتحمل مسؤوليته بجدارة. لكن ما أظهرتهُ خلال الثلاث سنوات الماضية كان كارثيًا.”
“…..!”
“لقد انخرطت في تصرفاتٍ مُنحطة، وسمحت للرشاوى بأنْ تعيّن غيرَ الأكفاء في مناصبٍ هامة، مِما أدى إلى تراجع كفاءة النظام. كما سلبتَ مؤسساتٍ ناجحة وأوصلتها إلى الإفلاس، مُتسببًا بخسائرٍ اقتصاديةٍ جسيمة.”
لَمْ يكُن الإمبراطور مُهتمًا إطلاقًا بمعاناة أرتيا، لكن…
“لا يُمكنني أنْ أغفر لِمَن يضرُ بمملكتي.”
قال ذَلك وهو يُشعل عيناهً الذهبيتان غضبًا.
“وجود شخصٍ مثلكَ على رأس دوقية إيدنبيرغ هو خسارةٌ لا تُحتملها الإمبراطورية. تَنحَ عن منصبكَ فورًا!”
جثا لويد على ركبتيهِ، ووجهُه مُشبعٌ بالذعر، وتوسل بلهفة.
“جـ… جلالتُك، سأفعل ما بوسعي! سأتحسن، أرجوك، امنحني فرصةً أخرى!”
“لا. لقد أثبت خلال السنوات الثلاث الماضية بأنكَ لا تصلُح لهَذا المنصب. ولا يحتاج الفاشلون إلى فرصٍ أخرى.”
ثم رفع الإمبراطور عصاهُ وضرب بها الأرض بقوةٍ.
“أنا، جريجوري فون أورفيوس، سيدُ هَذهِ الإمبراطورية، أوافق. اعتبارًا مِن هَذهِ اللحظة، لَمْ يعُد لويد فون راينر وأرتيا فون إيدنبيرغ زوجين.”
“مِن هَذهِ اللحظة، لَمْ يعد لويد فون إيدنبيرغ وأرتيا فون إيدنبيرغ زوجين.”
كانت هَذهِ الجملة عكس ما قالهُ في هَذا المكان قبل ثلاث سنوات تمامًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿