البحث عن زوج للدوقة - 20
الفصل 20
حدقت أرتيا في الطاولة الجانبية وقالت:
“إذا اصطدمتُ بزاوية الطاولة بوجهي، فسيكون الجرح كبيرًا، أليس كذَلك؟”
نظرت بيبي إليّها بوجهٍ مُتفاجئ ، رغم أنْ تعابيرها نادرًا ما تتغيّر، فَلَم يكًن ذَلك واضحًا كثيرًا.
“إذا تضررت عظامكِ، فقد يتشوه شكلُ وجهكِ إلى الأبد.”
“ماذا لو ألقيتُ حجرًا في الهواء ليسقط على وجهي…؟”
“إذا أخطأتِ وأصاب عينكِ، فقد تفقدين بصركِ.”
“أو رُبما أوقظ لويد وأجعلهُ يضربني مرةً واحدة؟ فَهو بارعٌ في ذَلك، أليس كذلك؟”
بعد سماع هَذهِ الأفكار الغريبة المًتتالية، قالت بيبي بنبرة جادة.
“سأقوم بذَلك بنفسي.”
كانت بيبي خبيرة.
على الأقل، يُمكنها إصابة أرتيا بطريقةٍ أكثرَ أمانًا مِن تلكَ التي اقترحتها.
لكن أرتيا لَمْ تستطع الموافقة على كلامها بسهولة.
“…هل يُمكنكِ فعل ذَلك؟”
“نعم.”
أخذت بيبي نفسًا عميقًا ثم نظرت إلى أرتيا.
“سأحاول أنْ أجعلها أقل ألمًا قدر الإمكان.”
“حسنًا، إذن أرجوكِ.”
أومأت أرتيا برأسها وأغلقت عينيها.
نظرت بيبي إلى أرتيا بوجه مُضطرب، ثم صفعتها.
صفعة!
كان الألم مُختلفًا تمامًا عن الصفع الذي تلقته مِن لريليكا أو لويد.
شعرت وكأنْ خدها قد اقتُلع مِن جسدها.
لكنها لَمْ تستطع إظهار أيِّ إشارةٍ على الألم.
لأن بيبي كانت تبدو وكأنها على وشك البكاء.
لِمْ ترَ أرتيا هَذا التعبير على بيبي مِن قبل، فقد كانت دائمًا هادئة.
أمسكت أرتيا بيد بيبي المُرتعشة برفق وابتسمت لها ابتسامةً مشرقة.
“لَمْ يؤلمني أبدًا. شكرًا لكِ، بيبي.”
عند رؤية أرتيا تبتسم رُغم تورم خدها الأحمر، لَمْ تستطع بيبي منع دمعةٍ مِن الانحدار على خدها.
وبما أنْ وجود بيبي قد يُعقد الأمور، أعطتها أرتيا بعض المُجوهرات وطلبت منها البقاء في فندق خارج القصر.
“أريد أنْ أبقى قريبةً منكِ، سيدتي.”
وفي النهاية، عادت إلى مخبئها السري القديم.
بعد ذَلك، أرسلت أرتيا رسالةً إلى العائلة الإمبراطورية تُبلغهم فيها عن اعتداء لويد عليها.
بالطبع، لَمْ تكُن العائلة الإمبراطورية تتدخل عادةً في مثل هَذهِ القضايا العائلية ‘البسيطة’.
لكن الهدف مِن إرسال الرسالة كان ترك دليلٍ غيرَ مُباشرٍ على تعرضها للاعتداء والتحرش مِن قبل لويد.
ثم حدث أمرٌ مذهل.
لِمْ يمر سوى بضع ساعاتٍ بعد إرسال الرسالة حتى وصل فرسانٌ مِن العائلة الإمبراطورية إلى القصر.
‘ماذا يحدُث؟ هل هناك أحدٌ مِن العائلة الإمبراطورية يشعرُ بالشفقة عليّ؟’
بما أنْ قصة أرتيا ولويد كانت حديث المُجتمع الأرستقراطي مؤخرًا، لَمْ يكُن هَذا الاحتمال مُستبعدًا تمامًا.
لَمْ تكُن تعرف مَن هو، لكنها تلقت مُساعدةً عظيمةً بسببه.
“سوف نحميكِ، سيدتي.”
وقف الفرسان أمام باب أرتيا بعزم.
وتحت تأثير هيبتهم الغاضبة، لَمْ يجرؤ لويد حتى على الاقتراب منها.
بعد استعادة حريتها أخيرًا، قضت أرتيا وقتها بسلام.
تناولت الطعام في قاعة الطعام، وتنزهت في الحديقة، وقرأت الكتب في غرفتها.
ومرت الأيام، حتى جاء اليوم المُنتظر أخيرًا.
اليوم الذي سيُقرر فيهِ الإمبراطور مصير طلاق دوق ودوقة إيدنبيرغ.
في غرفةٍ مُظلمة أُغلقت ستائرها، كان كيليان جالسًا واضعًا ساقًا فوق الأخرى.
“اليوم هو الموعد.”
رفعَ نوكترن، الذي كان يُعدّ الشاي، حاجبيه مُستفسرًا.
“موعد ماذا؟”
“اليوم الذي ستتطلقُ فيه أرتيا فون إيدنبيرغ.”
تفاجأ نوكترن.
صحيح أنْ جميع النبلاء كانوا يتحدثون عن طلاق دوق ودوقة إيدنبيرغ كما لو كان ذَلك حديث الساعة، لكنه لَمْ يتوقع أنْ كيليان يتذكر مثل هَذهِ الأمور.
‘حتى أنهُ لا يتذكر عيد ميلادهِ بشكلٍ صحيح…!’
‘لكن مؤخرًا، أصبح يتصرفُ بغرابةٍ.’
حاول نوكترن أنْ لا يبدو وقحًا تجاه كيليان.
“لَمْ يُحسم أمر الطلاق بعد. صحيح أنْ الكثيرين أصبحوا يدعمون إنهاء زواجهما، لكن هُناك أيضًا مَن يعارضون انفصال زوجين متزوجين.”
في النهاية، القرار بيد الإمبراطور.
وكان مِن المًستحيل معرفة ما يدور في ذهن الإمبراطور، الذي ظلّ حبيس القصر بسبب مرضه.
“لماذا تهتم بهَذا الأمر؟”
ارتعد نوكترن وانكمشت كتفيه، فقد كان كيليان يُحدق فيهِ بعينين مُخيفتين.
مهما حاول التفكير، لَمْ يستطع فهم سبب غضبه.
لكن كيليان لَمْ يُجِب، بل نهض مِن مكانه.
ومِن تحت ردائه الفضفاض، ظهرت عضلات جسدهِ المشدودة.
كان جسدُه القوي، الذي صُقل في ساحات المعارك، وحشيًا بشكلٍ يتناقض تمامًا مع وجههِ الجميل، الذي بدا وكأنهُ نُحِت على يد الحاكم.
‘إنه مخيف…’
شعر نوكترن بتهديدٍ غريزي، فابتلع ريقهُ، ليُباغته كيليان بقوله:
“استعد للهجوم.”
“….؟!”
بسبب حياتهِ الطويلة في ساحات القتال، كان كيليان يكرهُ الشعور بالاختناق.
لذَلك، في الأيام التي لا يكون لديهِ فيها جدولٌ زمني مُحدد، كان يرتدي قميصًا مفتوح العُنق أو يكتفي برداءٍ فضفاض مثل اليوم، مُتجولًا نصف عارٍ.
‘هل هُناك مُناسبةٌ لَمْ أسمع عنها؟’
شعر نوكتورن بالفضول، لكنهُ لَمْ يجرؤ على السؤال.
فعندما يُصدر كيليان أمرًا، فإنْ إطاعتهُ دوّن تردد كانت المهارة الأهم التي يجبُ أنْ يتحلى بها خادمٌ يعمل تحت إمرة الأمير المجنون.
“سأستعدُ على الفور.”
وبعد أنْ غادر نوكترن، مرر كيليان يدهُ بين خصلات شعرهِ.
تألقت عيناهُ الذهبيتان في الظلام، تمامًا كقطّ يستعدُ للحصول على هديتهِ التي طال انتظارها.
***
وقفت أرتيا أمام المرآة.
“يجبُ أنْ تكون زينةُ السيدة النبيلة فاخرةً وجميلة.”
لكن اليوم لَمْ تكن كذِلك.
فاليوم، كان على أرتيا فون إيدنبيرغ أنْ تبدو بأكثر صورةٍ بائسةٍ مُمكنة.
ولحُسن الحظ، لَمْ يكُن ذَلك صعبًا.
تحت الفستان الأسود البسيط، برزت عظام الترقوة، وبدت ذراعاها نحيلتين كأغصان شجرةٍ جافة.
لقد أثمر صيامها في الأيام الأخيرة.
‘كنت نحيفةً بالفعل، لكن بعد فقداني المزيد مِن الوزن، أشعر وكأنني قد أسقط في أيِّ لحظة.’
لكن ذَلك لَمٌ يكُن كل شيء.
فآثار الضربة التي تلقتها قبل أيام مِن لويد ،والتي في الواقع كانت ِمن بيبي، ما زالت واضحةً على وجهها الصغير.
داعبت أرتيا الكدمة الزرقاء وتمتمت لنفسها:
“لقد كان الأمر يستحقُ العناء… فقد استخدمتُ مرهمًا يزيدُ الالتهاب بدلًا مِن علاجه، مُتظاهرة بمعالجته.’
وكانت النتيجة واضحة.
فَكلما رأى الفرسان وجهها، حدقوا بغضبٍ مرددين في سرهم: “لويد اللعين، سنقتُلك!”
‘أتمنى أنْ يكون جلالة الإمبراطور مثلهم…’
لقد فعلتُ كل ما بوسعها.
فقد صنعتُ أجواء تجعل قرار الطلاق مقبولًا حتى بين النبلاء، بحيث لا يكون هُناك ردُ فعلٍ عنيف في حال وافق الإمبراطور.
كما أرسلت إليّهِ وثائق مليئةً بالأسباب التي تستوجب طلاقها.
ورغم ذِلك، لَمْ تستطع تهدئة قلقها.
فخلال تسعةٍ وعشرين عامًا مِن حُكمهِ، لَمْ يوافق الإمبراطور قط على أيِّ طلب طلاق.
“أرجوك، اجعلني أنجح في الطلاق اليوم.”
بعد أنْ صلّت إلى الحاكم بصوتٍ يائس، غادرت أرتيا غرفتها.
عندما اقترح لويد أنْ يركبا العربة معًا، رفضتهُ أرتيا بحدة.
“لا.”
“أرتيا…”
وحين حدق بهِ الفرسان بعينين غاضبتين، لَمْ يكُن لدى لويد خيارٌ سوى التراجع.
وهَكذا، استقل كل منهما عربةً مُنفصلةً وتوجها إلى القصر الإمبراطوري.
قادهم الخدم إلى كنيسةٍ ضخمة.
كان المبنى، المصنوع مِن الرخام الأبيض، يُستخدم للصلاة، بالإضافة إلى إقامة حفلات زفاف العائلة المالكة والنبلاء رفيعي المستوى، إلى جانب مُختلف الاحتفالات الإمبراطورية.
وعند دخولها الكنيسة بفستانها الأسود، تذكرت أرتيا ما حدث قبل ثلاث سنوات.
حينها، كانت ترتدي فستانًا أبيض وتقف في هَذا المكان.
لَمْ تكُن قد تناولت طعامًا جيدًا لمدة شهر تقريبًا لتبدو أكثر نحافة، مِما جعلها ضعيفةً ومنهكة.
كان فستانها، المُرصع بآلاف الأحجار الكريمة، ثقيلًا جدًا، وكانت قدماها تؤلمانها في الحذاء ذي الكعب الحاد مع كل خطوة تخطوها.
لكن الأسوأ مِن كُل ذِلك كان اضطرارها للوقوف أمام حشدٍ ضخمٍ مِن الناس.
بالنسبة لأرتيا، التي كانت تخشى نظرات الآخرين، كان ذَلك أشبه بجحيمٍ حي.
‘…ورغم ذَلك، كنتُ سعيدة.’
لأن لويد كان يقفُ بجانبها.
لقد فرحت حقًا لأنها أصبحت زوجة الرجُل الذي أحبته.
لكن، وعلى عكس توقعاتها، كان زواجها مليئًا بالوحدة والحُزن والكره والمهانة.
وقد صمدت لثلاث سنواتٍ على هَذا الحال.
‘لقد كان ذَلك كافيًا، أرتيا. حان الوقت لننهي هَذا الحب الأول البائس.’
على عكس ما حدث قبل ثلاث سنوات، لَمْ يكُن هُناك أيُّ ضيوفٍ اليوم.
وسط الصمت المُطبق، رفعت أرتيا رأسها.
على المنصة، جلس رجلٌ مُسن بشعرٍ أبيض بالكامل.
إنهُ إمبراطور الإمبراطورية، غريغوري فون أورفيوس.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》