البحث عن زوج للدوقة - 2
الفصل 2 : الدوقة ترغبُ في الطلاق ²
تحت سماء زرقاء مُزينة بسُحب بيضاء كاللوحة، أقيّم حفلُ على شاطئ بحرٍ أزرق أكثر إشراقًا.
كانت هًناك امرأةٌ مُحاطة بأبٍ حنون، وأمٌ بصحةٍ جيدة، وأصدقاء مُفعمين بالحيوية، تضحك بسعادة.
“عيدُ ميلادٍ سعيد!”
بينما تلقت التهاني المليئة بالمودة واستمتعت بالحفل، أخذت المرأة تسيرُ على طول الشاطئ.
كانت الرياح المُنعشة تُلامس شعرها، والرمال الناعمة وأمواجُ البحر التي تتكسرُ على قدميها تدغدغها.
بينما كانت تُغني بوجهٍ سعيد، اتسعت عيناها فجأةً.
كان ذَلك بسبب موجةٍ ضخمة، أكبر مِن العمالقة، تقتربُ مِن بعيد.
هربت المرأة بوجهٍ شاحب، ولكن الموجة كانت أسرع.
تشبّب!
اجتاحت الموجة الضخمة المرأة. لَمْ تتمكن حتى مِن إطلاق صرخةٍ صغيرة، بل جرفتها المياه.
بينما كانت تُصارع داخل المياه الباردة،
‘لا أريدُ الموت. لديّ الكثيرُ مِما أريدُ أنْ أفعله…!’
“أيُّ أحد… أرجوكم، أنقذوني!”
وفي اللحظة التي صرخت فيها بتلكَ الكلمات داخل عقلها، امتلأ فَمُها بمياه البحر.
بعد وقتٍ طويل، فتحت المرأة عينيها.
“…لَمْ أمُت؟”
في اللحظة التي تمتمت فيها بهَذهِ الكلمات، اجتاحتها ذكرياتٌ كانت قد نسيتها، كالموجة.
أرتيا فون إيدنبرغ.
الأم المريضة التي كانت تبتسمُ بهدوء وهي مُستلقيةٌ على السرير.
الأب الغاضب الذي كان يلوّح بعصاه.
حفلُ الزفاف مع لويد.
جنازةُ والدها الحزينة.
الحياة مع زواجها التي كانت كالجحيم…
بعد أنْ استعادت كُل تلكَ الذكريات، خرجت منها جملةٌ واحدة.
“لويد، ذَلك الكلب.”
لا، تلكَ الكلمة تُعتبر إهانةً مُحبطةً للكلاب النبيلة والشجاعة.
“لويد، ذَلك النذل الذي لا يكفي أنْ أطعمهُ كل القذارات التي في الحياة لأشعر بالرضا.”
بعد أنْ عدلت شتيمتها بشكلٍ مُرضٍ، بدأت تُفكر مليًا.
لَمْ تفهم ما الذي يجري، لكن الشيء الوحيد المؤكد هو أنها أصبحت أرتيا.
بشكلٍ غريب، تقبلت هَذهِ الحقيقة التي لا يُمكن تصديقها بسهولة.
“رُبما لأنني نجوتُ مِن الموت…”
تمتمت أرتيا بينما أمسكت بالمرآة الموضوعة على الطاولة بجانب السرير.
وفي اللحظة التي رأت فيها وجهها في المرآة، خرجت منها تنهيدةُ إعجابٍ صافية.
“واو…”
لطالما اعتقدت أرتيا، التي كانت تُحتقر دائمًا، أنها قبيحة.
“يا لهُ مِن سوء فهمٍ سخيف، أرتيا.”
شعرٌ فضي مُتموج، وبشرةٌ بيضاء كالثلج.
عينان ورديتان تُشبهان الحليب الممزوج بالفراولة.
لَمْ تكُن تمتلك ملامح صارخة الجمال، لكنها كانت تحملُ وجهًا نقيًا وجميلًا ينبضُ بالبراءة، وكأنه يقول: “أنا لطيفة.”
مِن بين كُل ذَلك، كانت عيناها أكثر ما أعجبها.
“لطالما كنتُ أتعرض للسخرية بسبب أنْ لونهُما وردي باهت بدلًا مِن الأحمر الداكن الذي يُميز عائلة إيدنبرغ، وقالوا بإنني خطأ في الولادة.”
لكن بالنسبة لها، كانتا جميلتين مثل أزهار الربيع.
“أنْ أصبح بهَذا الشكل… النجاة مِن الموت ليست بالأمر السيء على الإطلاق.”
بينما كانت تبتسمُ وهي تُحدق في وجهها بفضول، عبُست فجأة.
“لكن إذا كنتُ أنا في هَذا الجسد، فأين ذهبت أرتيا الحقيقية؟”
تذكرت آخر لحظات أرتيا.
كانت تغرقُ في أعماق البحيرة وهي تصرخ بأنها تكرهُ نفسها، وترغبُ في الاختفاء مِن هَذا العالم.
“هل أصبحتُ أنا النسخة الأخرى لها؟ إذا كان الأمر كذَلك، فَهَذا أفضل.”
رُبما بسبب تلك الذكريات التي بقيت سليمة.
أو رُبما لأنها أصبحت أرتيا نفسها.
بدلًا مِن الشعور بالارتباك مِن كونها شخصًا آخر، شعرت بالقرب مِن أرتيا كما لو كانت أختها التوأم.
وفي الوقت نفسه، شعرت بالحُزن تجاهها لأنها عانت كل ذَلك بِمفردها.
في تلكَ اللحظة…
قرقرة…
قاطع صوتٌ مُحرج مِن معدتها أفكارها الجادة.
عندما نظرت إلى أسفل، رأت بطنًا هزيلًا، دليلًا على أنها لَمْ تأكل منذُ وقتٍ طويل.
“لنأكل أولًا.”
شدّت الحبل المُعلق بكُل ما أوتيت مِن قوة.
لكن مهما انتظرت، لَمْ تبدُ أيِّ علامةٍ على قدوم الخادمة.
لَمْ يكُن هَذا مُفاجئًا، فقد كان أمرًا اعتادت أرتيا مواجهتهُ مرارًا، لكنه لَمْ يمنع شعورها بالضيق.
“مهما يكُن، أنا سيدةُ هَذا القصر، وهَذهِ مُعاملةٌ سيئة للغاية.”
بينما كانت على وشك شدّ الحبل مرةً أخرى، فُتح الباب بعنفٍ، وظهرت امرأة.
عينان واسعتان كعيني جروٍ صغير.
شعرٌ أرجواني فاتح مُتموج، مُزين بشريط كبير.
رغم وجهها اللطيف، كان جسدُها ناضجًا. هرعت المرأة نحو أرتيا قائلة:
“أخيرًا استيقظتِ، أختي!”
ريليكا.
عشيقةُ لويد… لا، بل بالأحرى، تلكَ الحقيرة.
قبل عامٍ، جلب لويد امرأةً إلى القصر.
“وجدتُ امرأةً أحبها بصدق. سأبقيها بجانبي مدى الحياة.”
كانت ريليكا في أحضانهِ وهي تتحدثُ بصوتٍ مليء بالدلال.
“مرحبًا، أنا ريليكا. بِما أنني سأعيشُ مع الدوق، هل يُمكنني أنْ أدعوكِ أختي؟”
كان مِن المُعتاد في المجتمع أنْ يحتفظ الرجال النبلاء بعشيقةٍ أو اثنتين، لكن أنْ يُحضِروا عشيقتهم إلى القصر كان أمرًا نادرًا.
فَهَذا يُعتبر انتهاكًا للآداب تجاه الزوجة.
ناهيك عن أنْ تكون العشيقة مِن العامة وتجرؤ على مناداة زوجة الدوق بـ”أختي”.
كان ذَلك أمرًا لا يُصدق.
لكن لويد لَمْ يُبالِ بنظرات أرتيا.
“دعي ريليكا تُناديكِ بما تشاء، سواء أختي أو أيَّ شيءٍ أخر حتى لو كان شقيقتي الكبرى.”
ضحكت ريليكا.
“شقيقتي كبرى؟ هَذا يبدو مضحكًا. أنا لستُ بلطجيةً.”
لَمْ تستطع أرتيا أنْ تقول شيئًا، بل اكتفت بقبض يديها على حافة تنورتها وهي ترتجف.
وهَكذا بدأت حياة بين رجُل وامرأتين.
كان لويد يُعبر عن حُبه لريليكا علنًا في كل أرجاء القصر.
“ريلي المُحبوبة، طائري الصغير.”
في كل مرةٍ كانت أرتيا تُشاهد ذَلك، كانت تشعرُ وكأنْ قلبها يتمزق.
لكنها لَمْ تكُن تجرؤ على إظهار مشاعرها.
كانت تخشى أنْ يزيد لويد مِن كرهه لها.
لَمْ يكُن بيدها سوى أنْ تعضّ شفتيها وتدير ظهرها بينما تتجاهل المشهد.
ومِن خلفها، كان صوت ريليكا يصلها.
“إلى أين تذهبين، أختي؟ لنتحدث معًا!”
يا لها مِن وقاحة! عشيقةٌ وتقول ذَلك!
حتى الآن، كلما فكرت في تلكَ اللحظة، كانت تشعرُ بالغضب يتصاعد.
حدّقت بأعين باردةٍ دوّن أنْ تدرك ذَلك.
لكن يبدو أنْ ريليكا لَمْ تُلاحظ أو رُبما لَمْ تهتم. ( على الأرجح هو الاحتمال الثاني).
احتضنت ريليكا أرتيا بقوة.
“كنتُ قلقةً جدًا لأنكِ لَمْ تفتحي عينيكِ طوال هَذهِ الفترة.”
أصبح واضحًا الآن لماذا كان لويد مُغرمًا بها.
ريليكا كانت مثل وسادةٍ ساخنة في الشتاء: لينة ودافئة.
لكن على عكس تلكَ الوسادة التي تبعثُ الراحة، كانت ريليكا تجعلُ قلب أرتيا يشعرُ بالبرد القارص كما لو كانت في يومٍ شتوي.
اعتبرت أرتيا ريليكا عدوةً لها، فعبُست وهي تُمسك بأنفها.
“هل يُمكنكِ الابتعاد قليلًا؟ إذا استمريتِ على هَذا النحو، قد أفقدُ وعيي بسبب رائحة عطركِ الرخيص.”
“…..!”
أيُّ شخصٍ يسمعُ بأنه تفوح منهُ رائحةٌ كريهة سيشعرُ بالإهانة.
حتى لو كانت الرائحة ناتجة عن عطرٍ مُفرط التعطير عن عمد.
تراجعت ريليكا بخطوةٍ إلى الوراء ووجهُها محمر.
أخيرًا، شعرت أرتيا وكأنها تستطيعُ التنفس، فأبعدت يدها عن أنفها وأطلقت تنهيدةً خفيفة.
ثم قالت وكأنها تذكرت شيئًا:
“أوه، لقد قلتُ كلماتٍ قاسية لشخصٍ جاء ليقلق عليّ. يبدو أنني كنتُ وقحة.”
هل هي على وشك الاعتذار أخيرًا؟
بينما كانت ريليكا تنظرُ إليها بأمل.
“أنا آسفة، لذا سأغفر لكِ مرةً واحدة فقط. لكل الأفعال الوقحة التي قمتِ بها اليوم.”
“أفعالٌ وقحة؟ ماذا تعنين؟”
تحدثت أرتيا بنبرة مُعلمةٍ تُعلم طفلًا أبطأ مِن أقرانه.
“أولًا، دخلتِ غرفتي دوّن إذني. ثانيًا، خاطبتني بلقب أختي، وهو تصرفٌ غيرُ لائقٍ للغاية. ثالثًا، لَمْ تكتفي بهَذا، بل تجرأتِ على لمسي دوّن إذن.”
تابعت أرتيا بنظرةٍ حادةٍ بينما عيناها الورديتان تتجهان نحو ريليكا.
“أنتِ مُجرد شخصٍ عامي، وتتجرئين على التصرُف هَكذا مع دوقة إيدنبرغ… حتى لو تعرضتِ للجلد وطُردتِ مِن القصر، لَن يكون هُناك شيءٌ لتبرير ما فعلتِه.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》