البحث عن زوج للدوقة - 19
الفصل 19
“هل أنتِ بخير، سيدتي؟!”
سألت أرتيا بدهشةٍ.
“نعم، لكن كيف…”
قالت إيلما، وكذَلك جميعُ مَن في القصر، إنْ بيبي قد هربت إلى خارج القصر.
وكانت أرتيا تعتقدُ ذَلك أيضًا.
لكن الأمر لَمْ يكُن كذَلك. لَمْ تبتعد بيبي عن جانب أرتيا ولو لمرةٍ واحدة.
“لقد كنتُ مُختبئةً في المساحةٍ السريةٍ القريبة مِن غرفة سيدتي.”
“ماذا؟!”
كما يليقُ بتاريخهِ الطويل، كان في قصر إيدنبيرغ العديد مِن المساحات السرية.
وكانت الخادمات العاملات في القصر يكتشفنَ بعضها بشكلٍ طبيعي.
لكن معظم تلكَ الأماكن لَمْ تكُن مُناسبةً للعيش، إذ لَمْ تكُن تُدار بشكلٍ جيد، وكانت مليئةً بالغبار، ولَمْ تكُن فيها أيًّ مصابيح على الإطلاق.
والأهم مِن ذَلك، أنْ القصر يعجُ بالعشرات مِن الأشخاص الذين يتحركون بلا توقف. لذا، حتى لو كانت مساحةً سرية، كان مِن شُبه المُستحيل عدم اكتشافها في ظل هَذهِ الظروف.
“لقد اختبأتِ هُناك لأكثر مِن شهر… هل أنتِ بخير؟”
تفحصت أرتيا بيبي بوجهٍ مليء بالقلق.
لحُسن الحظ، لَمْ يكُن هُناك أيِّ تغيّر عنها في السابق.
لا تزال بشرتها تبدو بصحة جيدة، وجسدها قويًا.
قالت بيبي، وقد احمرّت أطرافُ أذنيها قليلاً:
“لا داعي للقلق. كنتُ بخير.”
“حقًا؟”
“نعم. كنتُ أخفي هَذهِ المهارة لأنها غيرُ مفيدةٍ لخادمةٍ تخدمُ سيدة، لكن في الواقع، مهنة عائلتنا هي الصيد. لقد علّمني والدي العديد مِن المهارات، مثل كيفية التخفي و…”
نظرت بيبي إلى لويد الملقى على الأرض قبل أنْ تُكمل كلامها:
“كيفية جعل الكائنات الحية غيرَ قادرةٍ على القتال.”
نظرت أرتيا أيضًا إلى لويد كما فعلت بيبي.
كان لويد، الذي ضُرب بمؤخرة رأسهِ بكعب حذاء بيبي، مُلقى على الأرض بلا حراكٍ، وكأنهُ ضفدعٌ ميت.
همست أرتيا بصوتٍ منخفض:
“هل يُمكن أنه قد مات؟”
وضعت بيبي يدها على عُنق لويد، ثم أجابت:
“لقد أغميّ عليه فقط. هل تُريدين مني قتله؟”
كانت نظرةُ بيبي جادةً للغاية.
ولو أومأت أرتيا برأسها، لكانت بيبي ستقومُ بلف عنق لويد على الفور.
لكن أرتيا ابتسمت وهي تخفضُ حاجبيها.
“إنهُ عرضٌ مغرٍ، لكن لا.”
لأن الحياة ثمينة؟ أو لأنهُ زوجها الذي أحبتهُ يومًا ما، حتى لو كانت تكرهُه الآن؟
بالطبع، لَمْ يكُن ذَلك هو السبب.
كانت واثقةً مِن أنها لَن تذرف دمعةً واحدة حتى لو غادر لويد هَذا العالم في الحال.
ومع ذَلك، لَمْ يكُن قتله خيارًا.
“لا يزال لويد هو دوق إيدنبيرغ.”
إلحاق الأذى بنبيلٍ كان جريمةً خطيرة.
أما لو كان الأمر يتعلق بالقتل، فسيكون العقاب الإعدام الفوري، بغض النظر عن السبب.
“حتى لو قمنا بإخفاء جثتهِ، فسوف يُلاحق المحققون آثارهُ بعنادٍ ويطاردون الجاني. لا أريدُ أنْ تُصبح خادمتي العزيزة مُجرمة.”
“…..”
“مكانكِ هو بجانبي، بيبي.”
احمرّت أطراف أذني بيبي أكثر مِن ذي قبل، وكأنها تحترق.
أومأت بيبي برأسها بعزم، ثم أشارت إلى لويد وسألت:
“إذن، ماذا سنفعل بهَذا الرجل؟”
حدّقت أرتيا إلى لويد المغمى عليهِ بصمتٍ قبل أنْ تتحدث:
“لنقُم بهَذا.”
كانت ركلةُ بيبي مُذهلةً بالفعل.
لَمْ يمُت لويد، ولَمْ يفقد ذاكرته أو يُصبح غيرَ مُتزن عقليًا.
للأسف.
في اليوم التالي، استيقظ لويد بكامل وعيّه، وعندما رأى أرتيا، قطب حاجبيه.
“ما هَذا المنظر؟”
لمست أرتيا وجهها الذي كان مليئًا بالكدمات الزرقاء.
“هل تتظاهرُ بأنكَ لا تعرف؟ أنتَ مَن جعلني هَكذا.”
قفز لويد بغضب.
“متى فعلتُ ذَلك؟!”
“الليلة الماضية. لقد اقتحمتَ غُرفتي وحاولتَ اغتصابي بالقوة…”
عند سماع كلمة اغتصاب، ارتعشت كتفا لويد.
شعرت أرتيا بالقرف مِن رؤيته يتصرفُ وكأنهُ إنسانٌ طبيعي رغم أنه ارتكب فعلًا لا يفعلهُ حتى الحيوان.
“وعندما قاومتُ بشدةٍ وقلتُ لكَ أنْ تتوقف، ضربتني. وعندما شعرتُ بالرعب الشديد منك، قمتُ بدفعكَ، فاصطدمتَ بحافة الطاولة وفقدتَ وعيّكَ.”
“ما هَذا الكلام؟ لقد فقدتُ وعيّ لأن شخصًا ما ضربني على مؤخرة رأسي…”
قال لويد وكأنهُ أدرك شيئًا:
“لا تقولي بإنكِ تكذبين بهَذهِ الطريقة فقط لحماية الشخص الذي ضربني؟”
أظهرت أرتيا تعبيرًا مليئًا بالاحتقار لا يُمكن وصفه.
“أنتَ تُحاول التهرب مِن الموقف بأيِّ طريقة، لكن كف عن ذَلك. لقد طلبتُ بالفعل مِن العائلة الإمبراطورية حمايتي مِن زوجٍ يرفضُ الطلاق ويُحاول إيذائي، وحصلتُ على الموافقة رسميًا.”
“لقد كنتُ فاقدًا للوعيّ ليومّ كامل، فَمتى قدمتِ الطلب وحصلتِ على الموافقة؟!”
“لَمْ يكُن هُناك حاجةٌ لأخذ أقوالك عند إثبات ما حدث الليلة الماضية أمام المُحققين الإمبراطوريين. فقد كان هُناك العديد مِن الخدم الذين شهدوا أنكَ اقتحمتَ غرفتي وارتكبتَ فعلًا شنيعًا.”
“مَن يجرؤ على قول هَذا الهراء؟!”
“يبدو بأنكَ لا تستوعب الوضع بعد، لويد. ليس هَذا وقت الغضب على أمورٍ كهَذهِ، بل عليكَ القلق بشأن العقوبة التي ستنالهُا على أفعالكَ المروعة تجاهي.”
حدّقت أرتيا في لويد بنظرةٍ حادة، فارتعشت كتفاهُ للحظة، لكنهُ حاول رسم ابتسامةٍ مُتكلفة.
“يبدو أنكِ لَمْ تستفيقي بعد، أليس كذَلك؟ هَذا قصر إيدنبيرغ، وصاحبهُ هو أنا. إذا أردتُ، يُمكنني أنْ…”
“آآآه!!”
قطعت أرتيا كلامهُ بصرخةٍ حادة، بوجهٍ خالٍ تمامًا مِن أيِّ انفعال.
قبل أنْ يتمكن لويد مِن استيعاب ما يحدث، فُتح الباب فجأةً واقتحم الفرسان، الذين كانوا يرتدون دروعًا ذهبية، الغرفة ووقفوا أمام أرتيا.
تحدث أحدُ الفرسان، وكان ضخم الجسد، بصوتٍ رسمي.
“طلبت دوقة إيدنبيرغ الحماية مِن العائلة الإمبراطورية، وقد وافقوا على ذَلك. ومِن الآن فصاعدًا، ستخضع دوقة إيدنبيرغ لحماية فرسان الإمبراطور.”
كانت نبرةُ الفارس مُهذبةً، لكن نظراته…
كانت تقول بوضوح:
“هَذا الوغد الحقير َلمْ يكتفِ بحبس زوجتهِ، بل ضربها أيضًا.”
كان جميع الفرسان يُحدقون في لويد بنفس النظرة.
وكانوا مُستعدين لإخراج سيوفهم وطعنهِ على الفور إذا قام بأيِّ تصرفٍ مشبوه.
في النهاية، انكمش لويد وخفض بصره.ُ
‘عندما كنتُ أنظر إليّه بازدراء، كان يتصرفُ بتعالٍ، لكنهُ الآن يخفضُ رأسه أمام رجالٍ أقوى منه.’
قبضت أرتيا يدها بإحكام.
شعرت بالغضب تجاه ضُعفها، خصوصًا عندما تذكرت الليلة الماضية، حيثُ لَمْ تستطع التخلص مِن لويد.
‘بِمُجرد أنْ أنهي إجراءات الطلاق، سأقوم بتدريب جسدي لأصبح قويةً مثل بيبي.’
وبذَلك، إذا حاول أحدُهم فعل ما فعلهُ لويد، فسوف تحطم ما بين ساقيهِ تمامًا.
عقدت العزم على ذَلك، ثم غادرت الغرفة برفقة الفرسان، لتجد إيلما واقفةً أمام الباب.
بِمُجرد أنْ رأت أرتيا، انفجرت إيلما بالبكاء.
“أندم بشدةٍ على مُغادرتي القصر بالأمس بسبب بعض الأمور. لو كنتُ هُنا، لكنتُ ضحيتُ بحياتي لإنقاذ سيدتي. أرجو أنْ تعاقبي هَذهِ الخادمة الحمقاء التي فشلت في حمايتكِ.”
كان مشهدها مؤثرًا لدرجة أنْ بعض الفرسان خلف أرتيا تأثروا، ورأوا فيها خادمة مُخلصة.
لكن أرتيا لَمْ ترَ الأمر كذلك أبدًا.
‘نادرًا ما تُغادر إيلما القصر، لكنها غابت بالأمس تحديدًا.’
لَمْ تعتقد أرتيا أنْ ذَلك مُجرد صدفة.
‘بل هَذا هو السيناريو الأكثر منطقية.’
كانت إيلما قد لاحظت عندما أمر لويد الخدم بالمُغادرة، وأدركت أنه كان ينوي فعل شيءٍ سيء بأرتيا.
لذا، خرجت مِن القصر بحجةٍ مًناسبة، كي لا تتورط في أيِّ مشكلة، ولا تُتسبب في إفساد علاقتها لا مع لويد ولا مع أرتيا.
‘رُبما كانت تتمنى أنْ أتعرض لأذى جسيم، كي لا أتمكن مِن فرض سيطرتي عليها مُجددًا.’
كان تصرفها خبيثًا، لكنهُ في النهاية صبّ في مصلحة أرتيا.
‘بفضل ذَلك، تمكنا مِن إبقاء حادثة ضرب بيبي للويد سرًا.’
تذكرت أرتيا ما حدث الليلة الماضية.
الطريقة التي اختارتها بيبي لإخفاء ما فعلهُ لويد كانت…
“يجب أنْ يكون جسدي أكثر إصابةً مِن لويد. فالناس يميلون إلى التركيز على الشخص الأكثر تضررًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》