البحث عن زوج للدوقة - 17
الفصل 17
كان هُناك نبوءةٌ قديمة في الإمبراطورية، قد انتقلت عبرَ الأجيال منذُ تأسيس الإمبراطورية.
[سوف يظهرُ مَن يحمل قوة الإمبراطور الأول والساحر العظيم أورفياس، وسيقود الإمبراطورية إلى فترة ازدهارٍ كـ الحلم.]
نتيجةً لهَذهِ النبوءة، خضع جميع أفراد العائلة المالكة لاختباراتٍ سحرية فور ولادتهم. ومع ذَلك، لَمْ يولد أحدٌ يمتلك السحر لفترةٍ طويلة، وأصبحت النبوءة مُجرد أسطورةٍ قديمة.
ثم، في يومٍ مِن الأيام، وُلد طفلٌ ذو شعرٍ أسود وعينين ذهبيتين لامعتين، ورث تمامًا لون أسرة أورفياس الإمبراطورية. كان هَذا الطفل هو الأمير الثاني، كيليان.
عندما لمست يدُ الطفل الصغيرة، التي كانت أصغر مِن ورقة شجرة القيقب، حجر كشف السحر، خرج ضوءٌ ساطع.
كان الإمبراطور وجميع سكان الإمبراطورية في غاية السعادة.
“الإمبراطور الأول كان يمتلكُ قوةً سحريةً عظيمة لدرجة أنه كان يقضي على الأعداء بمفردهِ. ومِن المؤكد أنْ الأمير كيليان سيظهر قوةً تُغيّر العالم.”
ولكن، وعلى الرغم مِن هَذهِ التوقعات، لَمْ يتمكن كيليان مِن استخدام سحرهِ بشكلٍ صحيح حتى وصل إلى سن يستطيعُ فيهِ الجري واللعب.
قال الإمبراطور كلماتٍ باردةٍ تجاه كيليان الصغير.
“بماذا ستنفعك القوة السحرية إنْ كنتَ مُجرد طفلٍ لا يستخدمها؟”
لكن، وعلى عكس التوقعات، غير كيليان تقييمهُ تمامًا تجاه نفسهِ بعد ذَلك.
سواء كان ذَلك في مظهره، ذكائه، قوته، هيبته، أو شجاعته، كان كيليان مُتميزًا في جميع الجوانب.
حتى مِن دوّن سحر، كان كيليان متفوقًا في كل شيء بفضل موهبتهِ الطبيعية والعمل الشاق.
مع تقدم كيليان في العمر، بدأ الإمبراطور يلينُ تجاهه، وأصبح الناس يمدحونه، وينسون قدراتهِ السحرية التي كانت غيرَ مجدية.
لكن كيليان، صاحب القوة، لَمْ يكُن راضيًا.
كان يعلم بوجود القوة بداخله، وكان يعمل جاهدًا لاستخدامها، حتى تمكن أخيرًا مِن استخدامها.
لكن، لَمْ يكُن لديهِ قوةٌ مثل الإمبراطور الأول التي يستطيع مِن خلالها قتل الناس بنظرة، أو إحياء الموتى.
القوة الوحيدة التي اكتسبها كانت القدرة على تغيير شكله.
في البداية كانت قوتهٌ ضعيفة لدرجة أنه كان يستطيعُ فقط أنْ يتحول إلى حيواناتٍ صغيرة، ولكن بالنسبة لطفل كان دائمًا محبوسًا في القصر، كانت تلكَ القوة بمثابة مُعجزة.
كان كيليان يتحول إلى حيواناتٍ صغيرة ويتجول هُنا وهُناك.
لكن التحول إلى حيوان لَمْ يقتصر فقط على توفير الحرية. بل كان يسمح لهُ برؤية أشياء كثيرة لَمْ يكُن يستطيع رؤيتها عندما كان أميرًا.
مكائد العائلة الإمبراطورية الخفية.
الهمسات الجريئة للخادمات.
الحياة الجنسية الفاسدة للنبلاء.
… وفتاة صغيرة مُختبئة في الزاوية، تبكي.
كان كيليان يعرفُ تلكَ الفتاة.
“أرتيا فون إيدنبيرغ.”
قد التقى بها في بعض الحفلات، ولكن لَمْ يكُن قد رآها عن كثب أبدًا، لأنها كانت دائمًا تنظرُ إلى الأسفل وترتجف.
لكن رد فعل الفتاة كان مُختلفًا عن المعتاد.
فتحت أرتيا عينيها على اتساعهما، ثم أغمضت عينيها بلطفٍ، مُبتسمة.
“أنت جميلٌ حقًا.”
كانت تلكَ الكلمات قد سمعها مرارًا وتكرارًا سواء وهو في هيئة إنسان أو قطة، لكن لَمْ تكُن تشعرهُ بأيِّ إثارة.
لكن الوجه الذي كانت تبتسم فيه أرتيا كان لطيفًا قليلاً، بل قليلاً جدًا… كان يبدو غريبًا في تلكَ اللحظة.
كانت عيناها مُحمرّتين مِن البكاء، ومع ذَلك كانت تبتسم له، مِما جعلها تظهرُ بطريقةٍ مضحكة.
قرر كيليان أنْ يتفاعل مع الفتاة.
ومنذُ ذَلك الحين، التقى بها عدة مرات.
عندما كان كيليان في هيئة إنسان، كانت أرتيا دائمًا خائفة وتهزّ رأسها، بينما كانت تقتربُ منهُ وتبتسم بسعادةٍ حين كان يتحول إلى قطة.
كان هَذا السلوك مضحكًا، مُمتعًا، وفي الوقت نفسه مزعجًا.
“هل تفضلين الحيوانات أكثر مِن البشر؟”
رُبما لأنني كنتُ قطة.
في عيون كيليان، كانت أرتيا تبدو فقط كأرنبٍ ضعيف وخائف.
مرت سنوات، وأصبح كيليان في التاسعة عشرة مِن عمره. وعندما سمع أنْ أرتيا قد دخلت القصر الملكي، تحول بشكلٍ طبيعي إلى قطةٍ سوداء.
لَمْ يكُن مِن الصعب عليهِ إيجادها.
رائحة الزهور الحلوة والوردية.
كلما تبع تلكَ الرائحة، كان يجدها دائمًا…
وفي الحديقة التي كانت مزدهرةً بالأزهار، اكتشف أرتيا.
أرتيا فون إيدنبيرغ!
لكن، على غيرِ العادة، توقفت خطواتُه فجأة.
كان هُناك رجُل يقف بجانبها، وهو ليس أحدًا اعتاد أنْ يكون بالقرب منها.
“مَن هَذا الرجل يبدو كأنه جندبٌ قبيح؟”
هل كان يزعج أرتيا؟
لكن توقعاتُه كانت خاطئة.
ابتسمت أرتيا للرجُل.
كانت الابتسامة التي ظهرت على وجهها مُختلفةً تمامًا عن الابتسامات التي كانت قد أظهرتها مِن قبل، مليئةً بالحماس والخجل.
في تلكَ اللحظة، شعر كيليان وكأنْ معدتهُ قد التوت. كان يبدو بأنه قد شهد مشهدًا لا يجب أنْ يراه.
دوّن أنْ يقترب أكثر، استدار كيليان بسرعةٍ وابتعد.
ومنذُ ذَلك الحين، لَمْ يتحول إلى قطةٍ سوداء بعد ذَلك.
‘ومع ذَلك…’
كان كيليان يُمرر أصابعه بعصبيةٍ عبرَ شعرهِ الأسود وهو يُراقب قصر إيدنبرغ الذي ابتعد عن ناظريه.
عندما سمع مِن نوكترن أنْ أرتيا محبوسةْ هناك، قرر بشكلٍ متهور المجيء إلى هَذا المكان.
لَمْ تكُن لديهِ نيةٌ عظيمة وراء ذَلك.
فقط كان يريدُ التأكد مِن حالة أرتيا فون إيدنبيرغ.
خاف أنْ تكون في حالةٍ سيئة كما كانت عندما زارتهُ منذُ وقتٍ قريب.
لكن إنْ كانت كذَلك…
لَمْ يكُن يعرف ماذا يريدُ أنْ يفعل بعد ذَلك.
دوّن التفكير كثيرًا، تحول إلى قطة. فقد كان يعلم أنه إذا عاد إلى شكلهِ البشري، سيتسببُ في فوضى واهتمامٍ مِن الناس.
بينما كان يتبع رائحة زهور الكرز الخفيفة، لمح أرتيا وهي تستندُ إلى النافذة.
لَمْ يكُن هناك أيُّ أثرٍ لجروح على وجهها الأبيض مثل الثلج.
على الرغم مِن أنها كانت تبدو أقل حيويةً، إلا أنها لَمْ تكُن تبدو جائعة أيضًا.
بعد أنْ رأى المنظر الذي كان يتساءل عنه، قرر أنْ يغادر، لكنه سمع صوتها يُنادي.
“نوي؟”
نادتهُ أرتيا باسمٍ نادرٍ ما سمعهُ مِن قبل.
اقترب كيليان منها وكأنْ شيئًا كان يجذبُه نحوها، تمامًا كما في المرة الأولى التي التقيا فيها.
ثم ابتسمت أرتيا له ابتسامةً مُشرقة.
“أنت نوي، أليس كذَلك؟”
…لماذا تبدين هَكذا؟
ألَمْ تكوني قد نسيتني؟
ألَمْ تكتفي مِن هَذا الشخص الذي يسبب لكِ كل هَذا الإزعاج؟
ولكن أرتيا استمرت في الحديث دوّن أنْ تعرف ما يشعر به كيليان.
وكان كل شيء كما كان في الماضي.
كانت أرتيا تتحدثُ وكيليان يظل صامتًا ويستمع إليّها، تمامًا كما في أيام الطفولة.
‘ما زال صوتها ضعيفًا.’
كان صوتها خافتًا للغاية، حتى أنْ كيليان شعر بأن صوتُ طائرٍ صغير سيكون أقوى منه. كان الصوت يُثير حكةً في أذنه.
ومع مرور الوقت، وهو يستمعُ لصوتها…
“سيدتي، إيلما هنا.”
عندما سمع الصوت مِن وراء الباب، قفز على الفور.
لقد عاش كثيرًا مِن التهديدات بحياتهِ في القصر وفي ساحات القتال، وكانت حواسهُ دائمًا حادةً كالشفرة. لذَلك كان مِن المدهش أنه لَمْ يعرف أنْ هناك شخصًا خلف الباب حتى ذَلك الحين.
شعر بالخزي كما لو أنه استفاق مِن سكرتهِ بعد الشرب.
ثم، بينما كان يهمُ بالمغادرة، سمع صوت أرتيا خلفه.
“سوف نلتقي مرةً أخرى، نوي.”
شعر بكلماتها كأنها تحملُ الكثير مِن الإصرار.
استدار كيليان لينظر إليّها ثم نطق.
“مياو-.”
تذكر كيليان تلكَ اللحظة وعبُس وجههُ الجميل.
“مياو…؟”
على الرغم مِن أنْ كيليان كان يتحول إلى حيواناتٍ كثيرًا، إلا أنه لَمْ يسبق له أنْ جرب صوت حيوان مِن قبل.
لَمْ يكُن هُناك شيءٌ لذَلك، كما أنْ كبرياءه كأميرٍ نبيل لَمْ يسمح له أبدا بفعل شيء كهَذا.
ولكن اليوم، انتهك هَذهِ القاعدة لأول مرة.
تذكر الصوت الرقيق الذي خرج مِن حنجرتهِ وأصابتهُ قشعريرة.
كان كأنه قد أصدر صوت طفلٍ صغير.
والأكثر إزعاجًا هو أنه، رغم ذَلك، لَمْ يشعر بأي ندمٍ على تصرفه الغريب في تلكَ اللحظة.
***
وقف الخادم أمام لويد.
“أعتذر، سيدي الدوق، لا يُمكن للذين لا يحملون دعوةً الدخول.”
“ألا تعرف مَن أنا؟ أنا دوق إيدنبيرغ!”
لكن على الرغم مِن صراخه، لَمْ تُفتح البوابة.
سخر النبلاء الذين كانوا يُشاهدون لويد وهو يعضّ شفتيهِ ويتراجع.
“يبدو أنهُ لا يفهم الوضع.”
في الواقع، لَمْ يكُن هُناك أيُّ احترامٍ أو تقديرٍ مِن النبلاء تجاه لويد.
بل كانوا يستهجنون كيف أنْ ابن البارون، الرابع في عائلتهِ، أصبح دوقًا بفضل زواجته.
لقد كانوا يستمتعون بأنهم لَمْ يعودوا مضطرين لتملُق لويد بعد الآن.
لكن لويد لَمْ يشعر بذَلك.
عندما عاد إلى منزله، رمى كأسهُ التي كان يشرب منها.
تصبب الزجاج على الجدار وتحطم إلى قطعٍ صغيرة، لكنهُ لَمْ يشعر بأيِّ ارتياح.
“اللعنة، اللعنة!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》