البحث عن زوج للدوقة - 16
الفصل 16
لَمٌ يكُن كيليان مُهتمًا بشؤون إيدنبيرغ وكان قد جمع معلوماتٍ عنهم عن طريق الصدفة فقط، أثناء حضورهِ بعض الحفلات حيثُ كان يستمعُ إلى أحاديث النبلاء.
لذَلك، لَمْ يكُن يعلم بالمعلومات التي كانت معروفةً لدى الكثيرين حتى الآن.
تغيّر وجههُ الجميل فجأةً وأصبح قبيحًا.
“لماذا لَمْ تُخبرني بذَلك حتى الآن؟”
تفاجأ نوكترن.
لَمْ يجد سببًا مُقنعًا ليخبر سيدهُ بذِلك، ولكنه عرف أنْ شخصيتهُ المُتقلبة تجعله مُترددًا في الرد بصراحة.
اختار نوكترن الإجابة بأمان وبذكاء، مُستندًا إلى خبرتهِ في خدمة الأمير منذُ صغره.
“أخطأت، سموك.”
لحُسن الحظ، أو رُبما لسوء الحظ، كان كيليان قد استدار بالفعل وخرج مِن قاعة الحفل دوّن أنْ يلتفت، غيرِ مُكترثًا بمراعاة آداب تحية للمضيف.
لا أحد في القاعة كان يهتمُ بسلوكهِ الغريب، بل كانت تصرفاتُه تُعتبر غيرِ مهمةٍ لدرجة أنْ الجميع اعتادوا على سلوك الأمير المُتهور.
كانت أرتيا جالسةً تنظرُ مِن نافذتها بغموض.
الخادمات اللاتي يدخلن إلى غرفتها جلبنَ لها حساءً خفيفًا، وكان الشخص الوحيد الذي يدخل ويخرج سرًا هو إيلما.
على غيرِ المُتوقع، لَمْ يظهر لويد ولو مرةً واحدة.
“يبدو أنهُ قد سئم مني تمامًا. أو رُبما ينتظرُ أنْ أرتعش خوفًا مِن البقاء محبوسةً هُنا إلى الأبد.”
ولكن بغض النظر عن السبب، كانت الأيام التي لا تلتقي فيها بهِ هادئة، وأصبحت أرتيا تشعرُ بأنها على ما يرام مع الوضع الحالي.
“لكن شعورٌ بالقلق ينتابني كلما سمعتُ عن الوضع في الخارج مِن إيلما…”
فجأةً، اتسعت عيناها في دهشة.
ظهر قطٌ أسود مِن خارج النافذة.
“أنتِ…؟”
عندما التقت عيناها اللامعتين مع عيني القط، تذكرت شيئًا كانت قد نسيته.
كانت أرتيا في صغرها تذهبُ إلى القصر الملكي مع والدها في بعض الأحيان.
بينما كان البالغون يتحدثون، كانت الأطفال يقضون الوقت في الحديقة.
وأثناء انشغال الجميع، كانوا يضحكون على أرتيا وهي تنظرُ إلى الأرض في خجل.
“لماذا لا تستطيعين النظر في أعين الناس؟”
“يقال أنها ملونةٌ مِن لعنة ساحرة، لأن مَن ينظر في عينيها يتحول إلى حجر.”
“يقال أيضًا أنْ عينيها تُطلق أشعةً وتجعل الناس يتصلبون.”
ضحك الأطفال بتهكُم.
“لنرى مِن يستطيع مواجهة عيني إيدنبيرغ أولاً.”
سرعان ما أصبح الأطفال يُحيطون بأرتيا.
“انظري إليّ، إيدنبيرغ.”
“لا، انظري إليّ.”
عندما لَمْ ترفع أرتيا رأسها، جذب أحدُهم خصلات شعرها الفضية.
“انظري إلي!”
صرخ الطفل الذي رآى وجهَ أرتيا بالقوة.
“آه، ستتحول إلى حجر. هيا، اهربوا!”
ركض الأطفال مُبتعدين وهم يضحكون.
بقيت أرتيا وحدها، وسارعت بالهروب إلى مكانٍ مهجور في الحديقة، حيثُ جلست على الأرض وهي تُحاول منع دموعها.
“إذا علم والدي بذِلك، سيغضبُ بشدة. يجبُ أنْ أوقف بكائي… الآن.”
بينما كانت تمسحُ عينيها بقوة، سمعت صوت خشخشةٍ خفيفة.
استدارت ورأت قطًا أسود.
كان القط ذو الفراء الأسود اللامع وعينين ذهبيتين كالجواهر، وأدى هِذا المظهر إلى توقف دموعها فجأةً.
في تلكِ اللحظة، نظر إليّها القط بتعبيرٍ ملكي، وكأنما يُجيبها.
منذُ تلكَ اللحظة، التقت أرتيا بالقط الأسود عدة مراتٍ في القصر الإمبراطوري.
في كل مرة، كان القط يختبئ بالقرب منها في الزوايا، يجلسُ بهدوءٍ إلى جانبها أثناء بكائها.
لَمْ يكُن هُناك أيُّ تصرفاتٍ لطيفة أو حركاتٍ مُفرطة، ولكن هَذا الهدوء كان هو ما قدم لها العزاء.
في البداية كانت أرتيا تكرهُ الذهاب إلى القصر الإمبراطوري، ولكن مع مرور الوقت بدأت تنتظرُ تلكِ الأيام فقط للقاء القط ذو العينين الذهبيتين.
ومع ذَلك، منذُ فترةٍ طويلة اختفى القط، وأصبحت أرتيا تشعرُ بالحزن وتُفكر فيهِ باستمرار.
أرتيا الآن تنظرُ إلى القط الأسود مِن نافذتها.
“هل… مِن المُمكن…؟”
منطقيًا، لا ينبغي أنْ يكون قطٌ مِن القصر الإمبراطوري هُنا.
ولكن هل يُمكن أنْ يوجد قطٌ آخر بهَذا الجمال؟
“هل أنتِ… نوي؟”
كان اسمًا اخترعتهُ أرتيا بنفسها.
دخلت القطة السوداء إلى داخل النافذة بخطواتٍ أنيقة كما لو كانت تؤكد أنها هي.
تأكدت أرتيا مِن ذَلك.
“أنت نوي، أليس كذِلك؟”
مدت يدها نحو نوي دوّن أنْ تشعر، ثم توقفت فجأةً.
نوي كان يكرهُ أنْ يلمسهُ أحد.
في الماضي، كان يُظهر تعبيرًا مُخيفًا كلما حاول أحدهم لمسه.
“يجبُ أنْ أكون حذرة.”
شدت قبضتها وهي تُحدق في عيون نوي، وتأكدت مِن عدم ارتكاب أيِّ خطأ.
“مرحبًا، نوي.”
“……”
“كنتُ قلقةً لأنني لَمْ أتمكن مِن لقائك.”
هل كان مريضًا؟ أم أنهُ قد غادر إلى مكانٍ بعيد؟
هل عبر الجسر إلى العالم الآخر…؟
عندما وصل تفكيرُها إلى هَذهِ النقطة، شعرت بأنها ستنفجرُ بالبكاء، لذِلك سرعان ما هزت رأسها.
“هَذهِ أفكار سخيفة. نوي سيكون بخير، وسيعيش بسعادة.”
كانت أفكار أرتيا صحيحة.
ابتسمت أرتيا بابتسامةً هادئة، وعينيها مليئتين بالدموع.
“كنتَ بخير، أليس كذَلك؟ أنا سعيدةُ حقًا لرؤيتكَ.”
“……”
حدق نوي في أرتيا لبعض الوقت ثم أدار رأسهُ. بتكاسل.
ضحكت أرتيا بلطف.
“أنت كما كنت.”
لَمْ يُظهر ناوي أبدًا أيَّ علامةٍ على الترحيب بها.
“هل يكرهُني؟” فكرت أرتيا أحيانًا، لكنها الآن كانت مُتأكدةً تمامًا.
“إذا كان يكرهني، لما جاء إليّ. نوي يحبني.”
كانت أرتيا تنظرُ إلى نوي بثقة.
كان قطةً جميلة حقًا.
عينان ذهبيتان لامعتان تحت أشعة الشمس، كما لو كانتا مِن جوهرتين.
حدقت أرتيا في نوي بعيون مفتونةٍ وسألت:
“كيف كنت طوال هَذهِ المدة؟”
“……”
لَمْ يرد نوي، بل جلس في مكانه بهدوء.
وكانت تلك هي نفس الطريقة التي كان يتصرفً بها في الماضي.
جلست أرتيا بجانب نوي وبدأت في التحدُث بلا توقف.
عن الأشياء التي كانت تُضايقها، واللحظات السعيدة، والكتب التي كانت تقرأها، والأشياء التي ترغبُ في فعلها.
كل الكلمات التي كانت ترغبُ في قولها، والكلمات التي لَمْ يسمعها أحد، استمع إليّها نوي بصمت.
تذكرت أرتيا تلك َالأيام وقالت:
“في الحقيقة، مررتٌ بفترةٍ صعبة. لقد توفي والدي.”
لَمْ يكُن الفراق عن والدها، الذي لَمْ يكُن هُناك ذكريات دافئةٌ بينهما، مؤلمًا بدرجةٍ كبيرة.
لكن التغيّر الذي طرأ على لويد بعد أنْ أصبح دوق إيدنبيرغ كان جرحًا عميقًا.
“كنتُ أبكي في غرفتي، وتذكرتُك. لذَلك قررتُ أنْ أذهب إلى القصر الإمبراطوري وأتجول في الحديقة، لكن مهما بحثت، لَمْ أتمكن مِن العثور عليك. لا أستطيع أنْ أخبرك كم كنتُ حزينة.”
لدهشة أرتيا، بدا أنْ نوي قد فهم كلماتها، فعبُست قليلًا.
لاحظت أرتيا هَذا التغيّر الطفيف وأشارت بيدها.
“لا بأس الآن. لَمْ يعُد لدي أيُّ مشاعرٍ تجاه لويد. سأتركهُ قريبًا. لا أعلم إنْ كنت سأتمكن مِن النجاح، لكنني سأحاول.”
كانت الأمور تسيرُ حسب الخطة، لكن لَمْ تكُن أرتيا قادرةً على التأكد مِن أنْ الطلاق سيكون مُمكنًا.
مع مرور الوقت في عزلة، أصبحت مشاعر القلق تزداد.
وفي تلكَ اللحظة، رفع نوي إحدى قدميه وضرب برفق ظهر يد أرتيا.
تفاجأت أرتيا بهَذا التصرف وسألت:
“هل تشجعيني الآن؟”
بدلاً مِن الرد، حدق نوي في أرتيا بنظراتٍ نافذة، عيونه الذهبية المتألقة وكأنها تقول:
“أنتِ قادرةٌ على فعلها.”
في تلكَ اللحظة، شعرت أرتيا فجأةً بقوةٍ غامضة تتدفقُ في قلبها… وعندما بدأ سحر الشجاعة في الظهور، سمعت صوت طرق على الباب.
“سيدتي، إيلما هُنا.”
“……!”
عند سماع الصوت مِن الخارج، قفز نوي فجأة.
كان هَذا هو الحال دائمًا.
كان نوي يجلس بهدوء بجانب أرتيا، ولكنه كان يفر عندما يسمع أيَّ صوتٍ غريب مِن الخارج.
كما لو أنه لَمْ برغب في أنْ يراه أحدٌ سوى أرتيا.
بدلاً مِن الإمساك بنوي، قالت أرتيا:
“سوف نلتقي مرةً أخرى، نوي.”
رُبما فهم نوي رغبتها في اللقاء مرةً أخرى.
نظر إلى أرتيا ثم أطلق صرخةً صغيرة:
“ميؤو-.”
تفاجأت أرتيا وغرست يديها في فمها.
كانت هَذهِ أول مرةٍ تسمع فيها صوت نوي.
وفيما كان نوي يدير ظهره، صرخت أرتيا:
“سأظلّ هُنا. تعال في أيِّ وقت!”
في لحظة، اختفت القطة السوداء وراء النافذة.
في زقاقٍ خالٍ مِن البشر.
كانت القطة السوداء تمشي خطوةً بخطوة إلى الأمام.
كلما تقدمت خطوة، تغيّر شكلها تدريجيًا، حتى تحولت إلى صورة رجُلٍ جميلٍ بشكلٍ مُذهل.
كان ذَلك كيليان، ذو الشعر الأسود الذي يُشبه السماء الليلية، وعينين ذهبيتين لامعتين.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》