الأميرة الهاربة - 1
“ماتتِ؟”
كنتُ مستلقية على الأرض الباردة وعيناي مغمضتان.
صوت مليء بالبراءة والحيوية لامس أذني.
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة وباردة وأنا ما زلتُ مغمضة العينين.
“يا إلهي!، إنها تبتسم!”
“انظروا، إنها تبتسم!”
صاح الأطفال الملتفون حولي بخوف.
نهضت ببطء، كان رأسي ينبض من الألم حيث ضُربت.
“ألم أقل لكم أننا نريدها ميتة!”
عندما نهضت، صرخ أحد الأطفال بخوف.
“لا يجوز قتلها حقًا!، سيغضب أبي علينا!”
تنهدت بعمق وأمسكت برأسي الذي كان ينبض بالألم.
الاستماع إلى صراخهم من جانبي زاد من الألم في رأسي.
لكي أتخلص منهم، استخدمت آخر وسيلة متاحة.
“هل أذهب وأخبر أبي بما فعلتموه؟”
هز الأطفال رؤوسهم بشدة وابتعدوا.
نقرتُ لساني بخفة.
ثم صرخ طفل بعيد، وعيناه مليئتان بالخوف وهو ينظر إلي.
“أبي لن يستمع لكِ!”
نفضتُ العشب الذي علق على ملابسي.
ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة وقلت:
“أنا الابنة الأولى للإمبراطور، وسأصبح ولية العهد في المستقبل.”
حتى أبي لا يستطيع أن يتجاهلني.
يبدو أن كلامي كان منطقيًا إلى حدٍ ما، حيث بدأ الأطفال يراقبونني بحذر قبل أن يبتعدوا ببطء.
أخفيت الكلمات القاسية التي كانت على وشك الخروج من فمي وتنهدت.
هذه العائلة ستنهار.
***
لقد تجسدت في هذه الشخصية.
عندما كان عمر هذا الجسد خمس سنوات.
وعندما كانت روحي في الثانية والعشرين.
عندما نظرت إلى المرآة لأول مرة بعد تجسدي…
كدت أسقط إلى الخلف من شدة المفاجأة.
جسد صغير ونحيل جدًا، لدرجة لا يمكن أن تصدق أنه لطفل في الخامسة من عمره.
لم يكن نظيفًا، بل متسخًا، وعلى جسدها آثار سوء المعاملة في أماكن متفرقة.
طفلة في الخامسة فقط، ومع ذلك كانت مهملة تمامًا من قبل العائلة الإمبراطورية.
لم أستطع فهم السبب.
كيف يمكنهم إهمال الابنة الكبرى للإمبراطور، التي من المفترض أن تصبح الإمبراطورة في المستقبل؟.
ولكن عندما خرجت للخارج، سرعان ما اكتشفت السبب.
“انظروا إليها، شعرها فضي!، وعيناها زرقاوان، إنها مختلفة تمامًا عنا”
“تبدو وكأنهم وجدوا الطفلة وجلبوها”
“ألوانها تمامًا مثل الدوق ديزموند من الشمال، أليس كذلك؟”
“إنها مشؤومة، أتمنى لو يتخلصون منها”
“ماذا لو أخبرنا أبي أن يرميها؟، إنها تجلب الحظ السيئ”
كنت أملك مظهرًا مختلفًا تمامًا عن عائلتي، عائلة هيكيوريا الإمبراطورية.
ملامحي كانت تشبه بشكل كبير الدوق ديزموند من الشمال، الذي كانت العائلة الإمبراطورية تكرهه بشدة.
كانوا ينفرون مني بسبب مظهري، معتقدين أنه نذير شؤم.
ولكن، لم أكن من النوع الذي يستسلم بسهولة.
منذ أن تجسدت في هذا الجسد، تغيرت الظروف تمامًا.
إهمال طفلة في الخامسة من عمرها بهذا الشكل هو إساءة معاملة للأطفال.
على الرغم من أنني كنت دائمًا غير مبالية، إلا أن هذا الوضع كان غير مقبول حتى بالنسبة لي.
بغضب، طالبتُ بحياة لائقة داخل القصر الإمبراطوري، لكن الرد الذي تلقيته كان رفضًا قاسيًا.
وبعد ذلك، بينما كنت ما أزال أعيش في ظروف سيئة، أنقذني طفل.
“إيزابيلا، سأساعدكِ.”
“…… ما اسمك؟”
“إيان هيكيوريا”
كان هذا إيان هيكيوريا، أخي الشقيق من نفس الأم.
على الرغم من أنه كان أخي الشقيق، إلا أنه كان يملك مظهرًا مختلفًا تمامًا عني، وكان الأهم أنه كان في نفس عمري.
“إيزابيلا”
“نعم؟”
“…..”
“إيان، لماذا تناديني ولا تتحدث؟”
“آه، آسف”
“….”
“إيزابيلا، ألا تشعرين بالجوع؟”
كنت مستلقية في العلية الضيقة أسترجع ذكرياتي، حين سمعَت أذني سؤال إيان، فقفزت من مكاني على الفور.
بمجرد أن سمعت كلامه، شعرت بالجوع.
“إيان، انتظر هنا، سأذهب وأحضر لنا بعض الطعام من الأسفل”
“انتظري!، سأذهب أنا!، إيزابيلا!”
أمسك إيان بي بينما كنت أهرول نحو السلم.
توقفت وأعطيته ضربة خفيفة على جبينه.
“كيف تمسك بشخص وهو ينزل الدرج بهذه الطريقة؟”
“آسف… لم أقصد ذلك.”
هززت رأسي وضربت بلطف على ظهره.
“فقط ابقَ هنا وانتظر بهدوء.، في المرة الماضية قبضوا عليك وعاقبوك، وكنت خائفًا لدرجة أنك بكيت”
عند سماع كلماتي، ارتجف إيان بشكل واضح.
ابتسمت ابتسامة خفيفة وطمأنته بلطف.
“سأذهب وأحضر الطعام، لذا انتظرني هنا في العلية، حسنًا؟”
قبل أن يتمكن إيان من الإمساك بي، أسرعت بالنزول على الدرج وأغلقت الباب خلفي بعنف.
سمعت صوت تنهد إيان الرفيع من خلف الباب.
أخذت أخطو بخفة وأنا أغني.
هذا المكان كان القصر الذي كانت تسكنه الإمبراطورة الراحلة، الآن تسكنه بعض المحظيات.
على أي حال، كان القصر كبيرًا جدًا، نزلت الدرج بحذر، خطوة بخطوة.
كنت أعيش في العلية في الطابق الثالث، أما المطبخ فكان في الطابق الأول.
“يجب أن لا أتعرض لإحدى المحظيات…”
عندما وصلت إلى الطابق الأول، توقفت عن الغناء وأخذت أتفحص المكان بحذر وأنا أخطو ببطء.
بما أن الوقت كان في المساء، لم يكن هناك أحد في الممرات.
بهدوء تام، دخلت المطبخ وبدأت أبحث في الخزانة.
كنت متأكدة من أنهم تركوا بعض الخبز هنا من قبل.
كنت منهمكة جدًا في البحث لدرجة أنني لم أسمع خطوات ثقيلة تقترب من خلفي.
“إيزابيلا هيكيوريا، يا سمو الأميرة”
كان صوتًا مألوفًا.
أدرت رأسي ببطء. تلك اللحظة، رغم أنها لم تكن طويلة، بدت لي وكأنها تستمر إلى الأبد.
كنت أتمنى ألا يكون هو، ألا يكون الشخص الذي أفكر فيه.
لكن عندما نظرت بعيني إلى الرجل الواقف خلفي، تأكدت.
“إذًا، كنتِ أنتِ”
“ر-رئيس الخدم…”
نفثت أنفاسي المحتبسة فجأة.
“كنت أتساءل من كان يسرق الخبز”
الرجل الواقف خلفي كان رئيس خدم القصر الرئيسي حيث يعيش والدي، الإمبراطور.
“إيزابيلا، ألم يُخبركِ جلالته أن السرقة ممنوعة؟”
“… لا أتذكر سماع مثل هذا الكلام”
انحنى رئيس الخدم وجثا على ركبتيه، ناظرًا إلي من الأسفل.
“ولماذا لا تتذكرين ذلك؟”
ابتسم وهو يربت على رأسي بلطف.
“هل تحتاجين أن أُذكركِ مرة أخرى؟”
***
“آه! يا له من حقير!”
جلس إيان بجانبي في الغرفة وارتجف قليلًا عندما صرخت.
كنت أتنفس بصعوبة، وألوح بقبضتي في الهواء.
كانت قبضتي الصغيرة والنحيلة تلامس الفراغ بلا قوة.
“مع كل هذا المال الذي يملكونه!، هل يهمهم لو سُرق منهم قطعة خبز واحدة؟!، إنهم بخلاء!”
صرخت بغضب وحقد، فغطى إيان أذنيه وعبس.
“لا تستخدمي الألفاظ السيئة!”
“إيان، هذا الإمبراطور يستحق أن يُشتم”
ألا يستطيع إعطاء قطعة خبز واحدة لطفل ينمو؟.
بدلًا من قول “خذ، كُل”، كانوا يرفضون حتى إعطائي هذا.
اشتعل غضبي مرة أخرى بعد أن كنت على وشك أن أهدأ.
“إنه حقير حقًا!”
“إي-إيزابيلا…”
أمسك إيان بأكمام ملابسي الرثة بإحكام.
عندما رأيت وجهه الشاحب من الخوف، توقفت عن الكلام.
كان يبدو وكأنه على وشك البكاء.
أدركت بسرعة خطأي، وبدأت أهدئه بخوف.
“آسفة، إيان، هل أخفتك كثيرًا؟، حقًا أنا آسفة، هل أنت بخير؟”
إيان يخاف من الأصوات العالية، ربما كان ذلك بسبب ذلك الإمبراطور اللعين.
آه، تذكرت ذلك مرة أخرى، وهذا يثير غضبي.
“ذلك المجنون يستحق أن يُشتم—”
“توقفي عن الشتم!”
صرخ إيان وهو يغلق عينيه بإحكام، عندما رأيت الدموع تتجمع في عينيه، توقفت عن الكلام.
“… أنا آسفة، حقًا آسفة، إيان، هل أخفتك كثيرًا؟، أنا آسفة، أنا شخص سيء. آسفة، إيان”
عندما بدأت أتكلم بلطف، انفجر إيان بالبكاء بعد أن كان على وشك أن يسيطر على دموعه.
“أنتِ لستِ شخصًا سيئًا، إيزابيلا!”
بوضعي الغريب، احتضنت إيان بشدة.
لقد جعلته يبكي، يا للمصيبة، ماذا سأفعل الآن؟
“لا تبكِ، من فضلك”
بدأت أربت على ظهره لأهدئه.
رد إيان بصوت صغير بعد فترة من الهدوء.
“لن أبكي، أنا بخير.”
“هل أنت بخير الآن؟”
أومأ برأسه عدة مرات.
رغم أنه بكى قليلًا، إلا أن عينيه أصبحتا حمراوين.
ربتت بلطف على عينيه وأنا أقول:
“عيناك منتفختان، لا بد أنه يؤلم”
“لا، لا يؤلمني”
ابتسم إيان بخفة، بلعت أنفاسي ونظرت بعيدًا.
رغم أنه كان وقت الظهيرة، كانت السماء مظلمة وكأن الثلج على وشك أن يبدأ في التساقط.
“يبدو أن الشتاء قادم.”
“الشتاء قادم الآن.”
“نعم، سيكون الجو باردًا.”
“غرفة العلية باردة جدًا.”
“سأحضر لكِ ملابس ثقيلة.”
“صغيري العزيز، انتظر أختك، ستفعل اختك كل شيء.”
قلت ذلك بابتسامة، فاحمرّت عينا إيان مجددًا.
“أنا لستُ أخاكِ الصغير، إيزابيلا!”
أهذا شيء يجعلك تبكي؟
“حسنًا، حسنًا، لستَ أخي الصغير، أنت توأمي”
عند سماع كلامي، بدأ إيان يفرك عينيه بقوة ويصرخ :
“لستُ توأمكِ!”
نظرت إليه بدهشة.
إذًا، من تكون؟.
بعد أن التقى نظري بنظره، بدأ إيان يتلعثم في الرد.
“أنا… سأكون صديق إيزابيلا”
ثم عانقني إيان بشدة، ضحكت واحتضنته بلطف وربتّ على ظهره.
“إيان.”
“نعم؟”
“لنكن أصدقاء إلى الأبد.”
“نعم!”
ابتسم إيان بسعادة غامرة، بينما ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهي.
بعد قليل، جلست أنا وإيان بجانب النافذة.
كان إيان قد نام على كتفي، وشعرت بوزن رأسه وصوت أنفاسه المنتظمة، كان ذلك شعورًا لطيفًا.
نظرت إلى الحديقة الخلفية حيث كانت الثلوج تتساقط وتغطي الأرض.
كان إخوتي غير الأشقاء يلعبون هناك، يركضون ويلهون معًا وسط الثلوج المتراكمة.
كلهم كانوا يمتلكون عيونًا حمراء وشعرًا أسود.
رغم أنهم وُلدوا من أمهات مختلفات، إلا أن دم الإمبراطور كان قويًا لدرجة أن ملامحهم كانت متشابهة تمامًا.
حتى إيان، الذي يُفترض أنه أخي الشقيق، كان يمتلك عيونًا حمراء وشعرًا أسود حالك.
ولكن هناك شخص واحد فقط…
“أنا الوحيدة ذات الشعر الفضي والعينين الزرقاوين بين هؤلاء الأطفال”
تمتمت وأنا أعبس بشفتي.
“إن التمييز بسبب المظهر أمر غير عادل”
لا شيء أسوأ من الحكم على شخص فقط بسبب مظهره.
“حقًا، إنه غير عادل…”
بينما كنت أحدق من النافذة، استندت برأسي على كتف إيان.
“هل نهرب؟”
خرجت الكلمات من فمي دون وعي.
نظرت ببطء إلى إيان، ووجدت وجهه غارقًا في النوم العميق، غير مدرك للعالم من حوله.
“هل نهرب من هنا؟”
كنت مترددة في ترك إيان هنا وحده، فهو لا يزال صغيرًا.
لكن في المستقبل، في المستقبل القريب جدًا، سيصبح إيان الإمبراطور.
الإمبراطور الذي سيقتل والده الإمبراطور، وإخوته غير الأشقاء الذين أساؤوا إليه، وحتى أنا.
ثم سيقع في حب البطلة الجميلة ويعيش بقية حياته في سعادة.
سيكون إيان بخير، سيتجاوز كل شيء وينجح في حياته.
لذا، ربما لا بأس إذا تركته.
“إيان، أنا سأهرب”
أخذت أصابع إيان وبدأت ألعب بها بلطف.
ظل نَفَسه الهادئ والمستمر يداعب أذني، بينما كان يغفو بسلام.
أغمضت عيني ببطء.
شعرت وكأن الوعي يبتعد عني.
وكأن أحدًا كان يربت على رأسي بلطف.