الأدميرال وكابتن القراصنة يضايقونَّي - 5
أنزلتُ بسرعة الرجُل الذي كُنتُ أحتضنُه وأجبتُ ريتشارد.
“يبدو أنهُ مِن أفراد طاقم القرصانية. كُنتُ أخطط لمعالجته ثم مُحاولة الحصول على معلومات عن مكان قائدهم.”
“جميع افراد طاقم القرصانة قد هربوا بالفعل. استخدموا أولئك الذين كانوا على سطح هُنا كطُعم لكسب الوقت، ثم استقلوا قارب النجاة الذي كانوا يخفونه في مؤخرة السفينة وهربوا. مِن المُحتمل أن يكون القبطان قد اندس بينهم.”
هل هرب قبطان فانتوم وطاقمها؟ بالفعل؟ هَذا أسرع مما توقعت. لحظة، ربما يكون هَذا أفضل مما كُنتُ أظن. إذن هَذا الشخص الذي أنقذتهُ الآن قد يكون لهُ استخدامٌ آخر. شعرتُ بالراحة عندما أدركتُ أن إنقاذ حياته قد أتاحت لي فرصةً أخرى.
“آه، فهمت. لا عجب أن الوضع قد انتهى بسرعة.”
نظر ريتشارد إلى الشخص الذي لا يزالُ مُستلقيًا على الأرض. كانت نظرةً باردةً تنمُ عن الاشمئزاز، وكأنهُ ينظرُ إلى حشرةٍ قذرة.
“إيرفريا. الـ ERP مِن أجلها، وليس مِن أجل حثالةٍ مِن طاقم القرصانة.”
“لكن العثور على قائد فانتوم ومعرفةُ مَن صنع هَذهِ السفينة وأين وكيف صنعها هو أمرٌ مهم استراتيجيًا أيضًا. قد يمنعُ ذِلك الخسائر في قواتنا في المستقبل.”
“هل تظُنين أنهُ سيتكلم؟”
“إنهُ لا يزالُ صغيرًا، وإذا تم تخيره بين حكم الإعدام وبين العفو، فقد يكون هُناك مجالٌ للتلاعب به.”
على الرغم مِن أن كلامي كان منطقيًا، إلا أن وجه ريتشارد لم يبدو سعيدًا اليوم.
ظل يعبثُ بمقبض السيف المُعلق على خصره لفترة، وكأنهُ غيرُ مرتاحٍ لشيءٍ ما، ثم أخرج عبوةً جديدة مِن الـ ERP مِن جيبه وأعطاني إياها.
“تلقيتُ عدة عبوات جديدةً الشهر الماضي. خُذي هَذهِ، وهُناك المزيد منها. أما هَذا الشخص فسوف أستجوبهُ بنفسي لاحقًا، لذا احبسِه.”
“مفهوم.”
بعد أن تأكدت مِن نزول ريتشارد، تحدثتُ بهدوءٍ إلى الرجل.
“لقد استعدت وعيكِ، أليس كذلك؟ أنتَ تسمعني الآن، أليس كذلك؟”
نهض الرجل الأشقر وأومأ برأسه. بدا وكأنهُ كان يتظاهرُ بفقدان الوعي بعد أن شعر بالتهديد مِن ريتشارد. قدمتُ لهُ القارورة التي كُنتُ أحملها وواصلت حديثي.
“سأخبرُكَ مُسبقًا… إذا ذهبتَ مع ذِلك الرجل الذي رأيتهُ للتو، لن أستطيع ضمان حياتك. استجوابات ريتشارد مشهورةٌ بوحشيتها.”
“لا يهُم، أنا لستُ قلقًا.”
نظر إليّ الرجل الأشقر مُباشرةً ولعق شفتيهِ ببطء بلسانهِ الأحمر. كان المكان الذي لمستهً شفتاي قبل لحظات، مما جعلني أشعرُ بشيءٍ غريب.
“لماذا تقول شيئًا كهِذا؟”
“لأنني أستطيعُ الهرب.”
“مِن هُنا؟ بهَذا الجسد؟ حتى لو تمكنتَ مِن استعادة قوتكَ والهرب، نحنُ في وسط المُحيط. لا يوجد مكانٌ يُمكنكَ الهرب إليه.”
“…….”
“لذا، لديّ عرضٌ لكَ.”
عيناهُ الخضراوان تلمعان بشكلٍ غريب. ظننتُ أنهُ يستمع لما أقول، فتابعتُ مُباشرةً ما كُنتُ أفكر فيه.
“أبحث عن مكانٍ مُعين. سأوفر لكَ سفينةً ومالًا فيما بعد. ساعدني، وإذا وعدتني بمساعدتي، سأحاول إخراجكَ مِن هُنا.”
“بما أنكِ جُندية، لا أظنُ بأنكِ تبحث عن جزيرة الكنز، هل تبحثين عن مُستعمرةٍ جديدة؟ ما هو المكان الذي تبحثين عنه؟”
“لا أستطيعُ أن أخبركَ. لكنني سمعتُ أن المكان يقع بالقرب مِن مضيق كندرا الجنوبي.”
“هَذا ليس بعيدًا عن هُنا. يُمكن الوصول إليه في يومين بالسفينة… لكن هل تعرفين لماذا يُطلق على مضيق كندرا هَذا الاسم؟”
“تتصرفُ وكأنكَ تعرفُ كُل شيء، إنه مضيقٌ يُعرف بظهور كندرا فيه، أليس كذلك؟”
كان كندرا وحشًا بحريًا مشهورًا يعيشُ في جنوب القارة. كان معروفًا بهجماته الشرسة على السفن حتى عندما لم يكُن جائعًا.
“حتى أنا لا أستطيع التعامل مع كندرا. ستحتاجين إلى سفينةٍ مُسلحة بالمدافع، على الأقل مِن طراز كارافيل.”
“تتصرفُ وكأنكَ شيءُ مُميز. مَن يسمعكَ الآن قد يظُن بأنكَ شخصٌ عظيم.”
ابتسمتُ له، ولكنهُ رد بابتسامةٍ باردة. كان يبدو واثقًا بشكلٍ غير مُتوقع، رغم أنهُ كان على وشك الموت قبل قليل.
“بالطبع، أنا قبطان سفينة فانتوم الذي كُنتِ تبحثين عنه.”
فوجئتُ لدرجة أنني كدتُ أسقط القارورة التي كُنت أمسكها. لم أتمكن مِن العثور على أثر لفانتوم في حياتي السابقة. لكن في هَذهِ الحياة، أنقذتُ حياته وها أنا أواجههُ شخصيًا؟ لم أكُن أتخيل أبدًا أن القبطان الشهير سيكون شابًا هَكذا القدر.
بدا أن فانتوم كان سعيدًا بصدمتي، فابتسامتُه ازدادت عُمقًا.
“وأنا لستُ طفلًا. إيرفريا، نحن في نفس العمر تقريبًا… يُمكننا أن نقول ذَلك. في العام القادم، سأكون قد بلغتُ الثالثة والعشرين. على أيِّ حال، هَذا أمرٌ مُدهش. وأنتِ أيضًا بوجهكِ الطفولي هَذا، تقولين بأنني طفل؟”
شعرتُ بالحرارة تتصاعدُ في وجهي.
في الحقيقة، بعد عودتي، كُنتُ قد نسيتُ عمري بسبب المعارك المُستمرة. لحظة، كيف يعرفُ هَذا الرجُل اسمي وعمري؟ ازدادت حيرتي.
كما لو كان قد عرف تمامًا ما أفكرُ به، بدأ قبطان الفانتوم يتحدثُ مرةً أخرى.
“لا توجد ضابطةٌ تعمل في ‘رودشيلانجر’ سواكِ. يبدو مِن تعبير وجهكِ بأنني كُنتُ على صواب. أنا قائدُ السفينة، لذا يجبُ أن أكون على درايةٍ بجميع المعلومات عن ضباط الإمبراطورية الذين يجولون في هَذهِ المنطقة. ومع ذَلك، فوجئتُ قليلاً. لقد ضربتني بقوة. كنت أظن أن أدميرالكم كان أحمقًا بما يكفي ليقوم بهجومٍ مُتهور بدون تفكير، كما كان الأمر في المرة السابقة.”
في الحقيقة، كما قال، كان ذَلك صحيحًا قبل عودتي. بسبب ذَلك الهجوم المُتهور، تكبد أسطولنا خسائر فادحة. لكن بفضل عودتي، أصبح هدف الهجوم هَذهِ المرة هو سفينة فانتوم.
“يُمكنني كشفُ مثل هَذهِ الأمور عن سفينة القرصان. لا تستخف بجيش الإمبراطورية.”
كانت إجابتي مُحاولةً لتجنب إظهار أيِّ ضُعف أمام العدو. لكن قبطان الفانتوم ضحك بصوتٍ خافت، ربما لقراءتهُ التردد في صوتي.
“يبدو أن الشخص اللطيف هُنا هو أنتِ.”
“أنتَ على شفا الموت، لا تتفوه بالحماقات.”
يبدو أن قبطان الفانتوم قد تعافى إلى حدٍ ما، حيثُ نهض واقفًا أمامي. عندما وقفتُ أمامه، أدركتُ أنهُ كان أطول مني بكثير. خطرت في ذهني المعلومات التي جمعتها استخباراتُ ريتشارد عنه قبل عودتي. طويلُ القامة وجذاب، لكن مَن هو الغبي الذي قال إنهُ في أواخر الأربعينيات؟ أود أن ألكمه.
قام بمسح الدماء عن وجهه بأكمامه، وكشف عن وجه وسيم وحاد. تفحصُ الجرح في بطنه الذي أصيب به قبل قليل وقال مُعجبًا:
“أعطيتني قبل قليل الـ ERP الخاص بضباط الإمبراطورية، صحيح؟ إنهُ فعّالٌ بشكلٍ لا بأس به. ظننتُ بأنني سأموت بالفعل.”
“لكن هَذا ليس حلاً سحريًا. لقد أوقف النزيف فقط، وإذا لم تتلقى العلاج بسرعة، فلن يكون بإمكانك النجاة…”
ابتسم وهو يرفعُ قميصه ليكشف عن بطنه، حيثُ لم يكُن هُناك أثرٌ للجروح. تراجعتُ خطواتٍ للوراء مصدومةً، وأنا أهز رأسي.
“الـ ERP ليس بهَذهِ الفعالية. هل مِن الممكن أنكَ…؟”
“إذا كُنتِ لا تُصدقين، يُمكنكِ لمسُه. إنهُ مشدودٌ بما يكفي لتشعر بصلابته. عائلتنا لا تكتسبُ الوزن بسهولة، لكننا نبني العضلات بشكلٍ جيد، لذَلك أجسادُنا تبدو جيدةً. ستكونين راضيةً عن ذَلك.”
“أيُها المجنون.”
لم أكُن أعلم ذَلك. إذا كان شخصًا يُمكنه أن يتعافى بهَذهِ السرعة باستخدام الـ ERP، فلا بد أن يكون لديهِ قدرةٌ شفائية مُتقدمة. يبدو أن قبطان الفانتوم هو أيضًا صاحبُ قدراتٍ خارقة.
“لديكَ قدرةٌ للشفاء. لهَذا كُنتَ هادئًا… لكن-“
بينما كُنتُ أزمجر بغضب، اقترب صوتٌ عميقٌ ومنخفض مِن خلفي.
“أصحاب القدرات الشفائية لا يستطيعون شفاء أنفسهم. ماذا فعلتَ بالضبط؟”
كان ريتشارد قد اقترب بالفعل، وأشار بسيفهِ نحو قبطان الفانتوم. ظهرت تجاعيدٌ على جبينهِ المثالي. نادرًا ما يُظهرُ مشاعره بهَذهِ الطريقة، لذا لم أستطع إخفاء دهشتي.
“الإصابة التي تعرضتَ لها كانت قاتلة. كانت ستؤدي إلى موتكَ في غضون دقائق بسبب النزيف الحاد، حتى لو أوقف الـ ERP النزيف، لم يكُن بإمكانكَ التعافي بهَذهِ السرعة. ماذا فعلت؟”
“أوه، حتى المركيز الذي مِن واحدةٍ مِن أربع عائلات في الإمبراطورية قد جاء. ألستَ أنتَ الرئيس المُباشر لإيرفريا؟”
“لديكَ بعضُ المعلومات، على عكس أيِّ قرصانٍ آخر. أخبرني، ماذا فعلت؟ هل يُمكن أن تكون…”
“لم أفعل شيئًا خاصًا. إيرفريا ساعدتني.”
نظر قبطان الفانتوم إليّ وضحك. كانت عيناهُ الخضراوان تلمعان مثل أمواج البحر الراقصة.
“كان ذَلك رائعًا. وقد كانت أول قبلةٍ لي أيضًا، ولم أكُن لأطلب أفضل مِن ذِلك.”
يتجهو نحوه.
فرقعة! دويّ!
صوتُ انفجارٍ قوي اهتز الهواء مِن حولنا بسبب ضربة السيف. قدرةُ ريتشارد كانت التحكُم في البرق، وهي قدرةٌ مشهورة لعائلة ليشتنبرغ ماركيز الرعد، واحدةٌ مِن أربع عائلات الإمبراطورية.
أظهر قبطان الفانتوم إعجابهُ وهو ينظر إلى سطح السفينة المُحترق. سيفُ ريتشارد كان سريعًا بشكلٍ لا يُصدق، وقبطان الفانتوم لم يكُن شخصًا عاديًا إذ تمكن مِن تفاديه، رغم الجمع بين سرعة البرق والسيف. لا، امتلاكُ قدراتٍ خارقة بحد ذاته أمرٌ نادر وأن يُصبح قبطانًا لسفينة القرصانة في الثانية والعشرين مِن عُمره يظهرُ أنهُ ليس شخصًا عاديًا بأي حال.
“واو، إذن هَذا هو البرق الأسطوري لعائلة ليشتنبرغ؟ هَذا مُذهلٌ حقًا!”
رغم سخريته، كان يبدو مُرتاحًا تمامًا. قبل أن أتمكن مِن قول شيءٍ، أمسك قبطان الفانتوم بمعصمي برفق وتحدث بلطف.
“يبدو أن رئيسكِ يكرهُني بشدة. هَذا المؤسف، لكن حان وقتُ انسحابي الآن، إيرفريا.”
“ماذا؟ كيف…”
بدأ سيف ريتشارد يُضيء مرةً أخرى، وكان الوضع خطرًا. لكن حتى في هَذهِ اللحظة الحرجة، ابتسم قبطان الفانتوم ورفع زاوية فمه.
“لا تقلقي، سنلتقي قريبًا. وسأفكرُ جيدًا في العرض الذي قدمتهِ لي.”
“هل تعني…”
وضع قبطان الفانتوم شفتيه على ظهر يدي. وفي اللحظة التي هوت فيها ضربة سيف ريتشارد مرةً أخرى، اختفى جسدُه كما لو أنه قد ذاب في الهواء.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة