استدع الكون - 05
14
مرّت الحصص الدراسية بعد الظهر سريعًا. وكعادته، قضى يو سونغ وو الحصة غارقًا في النوم، بينما بقيت أنا مستيقظةً، دون أن أركز فعليًا على الدرس.
كان هناك شعور مزعج يخنق حلقي، وكأن شيئًا ثقيلًا يضغط على صدري. يبدو أنني أصبت بعسر الهضم. قررت في طريقي إلى المنزل أن أتوقف عند صيدلية وأشتري دواء. حدقت بلا مبالاة إلى السبورة المكتظة بالكلمات البيضاء، مكتوبة بخط متعرج ومتقارب.
وأخيرًا، أنهى المعلم الحصة الأخيرة، وانطلق الطلاب خارج الفصل بصخب وحماس، متحدثين وضاحكين. حملت حقيبتي على كتفي على مضض، مستعدة للرحيل.
وكما توقعت، كان يو سونغ وو يتأهب للنهوض بخفة، وهو يعلق حقيبته على كتفه بطريقة عشوائية. اقترب منه بعض زملائنا، يتبادلون معه الحديث.
ــ “هيه، يو ســونغ وو، جولة اليوم؟”
ــ “لا أستطيع. لدي تنظـــيف في غرفة الموسيقى. إذا خالفت الأوامر، فـسيوبخني المعلم.”
ــ “أوه، حسنًا…اراك لاحقًا!”
ــ “لما الحمـــاس وأنتَ غير ماهِر!”
ــ “ما هذا؟ ما دخلُك؟.”
حتى في هذه المحادثة القصيرة، كان واضحًا كيف كان الــجميع يدورون في فلكه، كما لو أنه مركز الـــجاذبية. تجاهلتهم، وخرجت من الفصل متجهًا إلى الأعلى.
كنت أعلم أن تخلفي عن تنظيف غرفة الموسيقى سيجلب لي محاضرة طويلة من المعلم غدًا. لكن فكرة تنظيف الغرفة مع يو سونغ وو لم تكن أقل استياءً بالنسبة لي. صعدت السلالم بـ عصبية، متأففةً.
عندما وصلت إلى غرفة الموسيقى، فتحت الباب بحذر. كان النسيم يتسلل عبر النوافذ المفتوحة، يداعب الستائر التي تمايلت برفق كالأرجوحة.
الغرفة بدت مرتبة على نحو مفاجئ، ما يعني أن يو سونغ وو قام بالتنظيف بالأمس كما زعم.
“سأنتهي سريعًا وأرحل.”
توجهت إلى خزانة أدوات التنظيف، وأخذت الممسحة. وما إن التقطتها حتى انفتح الباب بقوة. كان الصوت مألوفًا.
ــ “جو يون.”
لم ألتفت لأعرف. كان صوته هو، بنبرته الهادئة التي لطالما أربكتــــني. استدرت ببطء، قابضةً على الممسحة.
دخل يو سونغ وو بخطوات واثقة، ووضع حقيبته على إحدى الطاولات، ثم بدأ يرفع أكمامه بحماس.
ــ “أعطني الممسحة، سأقوم بالمــــسح، أنتِ نظفي الغبار فحسب”
اقترب مني، وأمسك بالممسحة. كانت عروق يده بارزة على بشرته، مشدودة بقوة.
نظرت إلى وجهه بعصبية، بينما قابلني بابتسامة متكلفة. ثم انحنى قليلًا وسألني بصوت هادئ:
ــ “ما الأمر؟”
ــ “لا شيء، افعل ما يحلو لك.”
ناولته الممسحة وعدت إلى الخزانة. أخرجت مكنسة برتقالية باهتة ومجرفة صغيرة. بدأت التنظيف بحركات سطحية، دون اكتراث.
بينما كنت أعمل، وقف يو سونغ وو مستندًا على الممسحة، يراقبني بصمت. كانت عيناه تتابعني بطريقة مزعجة، كأنما يتـسلل إلى أفكاري. رفعت نظري نحوه أخيرًا، لأجده يبتسم بسخرية.
ــ “لماذا تنظر إلي هكذا؟”
ــ “جو يون، هل تكرهيــــني؟”
كانت كلماته تحمل نبرة مزاح، لكن ضحكته تلك، بطابعها المتعالي، أزعجتني.
كيف له أن يظن أن لدي خيارًا سوى كراهيته؟ كيف يمكن لشخص مثله، يستمتع بإذلال الآخرين أمام الجميع، أن يتوقع مني أي شعور آخر؟
تنهدت بعمق، محاولة تهدئة نفسي. أدركت أنني أنا من جعــــلتة هكذا. عندما كتبت شخصيته، تخيلته شابًا طائشًا، يعبر عن مشاعره بطرق ملتوية.
ــ “أكرهك بشدة.”
ألقيت بالمكنسة والمجرفة داخل الخزانة بعصبية. لم أشعر بالغضب بقدر ما شعرت بالإرهاق. أردت فقط أن أذهب إلى المنزل وأغلق عينيّ.
ــ “ألن تُكــــملي التنظيف؟”
ــ “الباقي عليك.”
ــ “لكن الغرفة مليئة بالغبار.”
ــ “هذا ليس من شأني.”
ــ “سأخبر المعلم.”
ابتسم يو سونغ وو بخبث. كان أُسلوبة طفوليًا. بدا وكأنه لم يتغير منذ المدرسة الابتدائية.
أدرت ظهري له وبدأت بالخروج. لكن صوته لاحقني، هذه المرة بنبرة مختلفة تمامًا:
ــ “جو يون!”
لم ألتفت، لكنه أكمل بصوت أوقفني في مكاني:
ــ “هل أنت جـــــو يون الحقيقية؟ ”
استدرت ببطء، وشعرت بأن قلبي يهوي. كلماته أصابتني كالسهم.
كان يبتسم. ربما كان يمزح، لكنه أصابني في موضع موجع. شعرت بالغثيان، كأن شيئًا يحاول الخروج من صدري. قاومت ذلك الشعور بصعوبة.
لم أجد ما أقوله. غادرت الغرفة بخطوات متثاقلة. تساءلت إن كان سيناديني مرة أخرى. لكنه لم يفعل. وإن فعل، سيكون ذلك من أجل “جو يون”، وليس من أجلي.
15
في طريقي إلى المنزل، لاحظت وجود صيدلية صغيرة بجوار محل أزهار. لم ألحظها من قبل، لكن اليوم بدت واضحة وكأنها كانت تنتظرني.
دخلت الصيدلية، واستنشقت رائحة الأدوية التي ملأت المكان. كان هناك شيء مألوف ومريح في تلك الرائحة.
كان الصيدلي جالسًا على كرسي بلا ظهر، مسندًا ذقنه على يده. رفع رأسه ببطء، ونظر إليّ مباشرة.
كانت عيناه بلون ذهبي مذهل. كان وجهه هادئًا، متناقضًا مع بساطة الصيدلية القديمة.
ابتسم وسألني بصوت هادئ وواضح:
ــ “ماذا تحتـــــاجِين؟”
شعرت أن سؤاله لم يكن استفسارًا عاديًا. كان أشبه بتأكيد لشيء كان يعرفه مسبقًا. أجبت بصوت متردد:
ــ “مضاد للحموضة.”
ابتسم مجددًا وقال:
ــ “كنت أعلم أنك ستأتين..”
ثم نطق ثلاث كلمات، ثلاث كلمات فقط جعلت الزمن يتوقف.
ــ “وو جـــو أهن.”
اسمي…