استدع الكون - 04
10.
حين أعود بذاكرتي، أجد أن جونغ وو ري كانت، في الأساس، شخصية ذات بنية مشابهة إلى حد كبير لـ كيم جو يون.
صحيح أنها لم تكن جريئة ولا تخشى شيئًا مثل كيم جو يون، لكنها كانت الشخصية التي تساعدها كثيرًا لاحقًا، حتى عندما تُثير غضب لي تشاي أون.
أصدقاء جونغ وو ري القريبون منها بدوا متفاجئين مما فعلته.
شعرت بشيء غريب. ربما لأنها كانت شخصية “مُصممة” لمساعدة كيم جو يون. ومع ذلك، لم تكن من الشخصيات التي تظهر هذا التأثير منذ البداية.
نظرتُ إلى جونغ وو ري. بدا عليها التوتر. فكرتُ قليلاً، إذا رفضت، ستبدو هي الأخرى في موقف محرج.
“حسنًا.”
أجبتها باختصار. ارتسمت راحة خفيفة على وجهها، ووسط أنظار الجميع، غادرتُ الفصل برفقتها.
ما إن أُغلقت الباب خلفنا حتى اختفى ضجيج الفصل الذي كان يلتهم أذني. في الممر المزدحم، التفتُّ نحو جونغ وو ري. رغم محاولتها التظاهر بالثبات، كان وجهها محمرًا بشكل واضح.
“ما الأمر؟”
“ماذا؟”
أصبحت أشعر بالفضول. ما الذي دفعها للتصرف بشكل عفوي هكذا؟
“هل فعلتِ ذلك لأنك رئيسة الفصل؟ لماذا تُتعبين نفسكِ بالاهتمام بي أيضًا؟”
“لا… ليس الأمر كذلك. أنا فقط…”
“حقًا؟”
“بالمناسبة، طعام اليوم في الكافتيريا جيد. أرز مقلي بالدجاج، وهناك أيضًا الكيوي، أليس كذلك؟”
محاولة للتخلص من الصمت بأسئلة خفيفة ومباشرة. لم أكن مهتمة، لكنني أجبت بشكل مختصر:
“يبدو لذيذًا.”
“أليس كذلك؟ كنت جائعة منذ الصباح.”
“نعم.”
كان الحديث غريبًا، أو ربما بدا مألوفًا بطريقة ما. الطريق إلى الكافتيريا بدا أطول من المعتاد.
—
11.
“لكنّك تُشعرينني بالاختناق…”
مجرد ذكرى عابرة.
—
12.
بعد أن انتهينا من تناول الطعام، سألتني جونغ وو ري إن كنت أرغب في الذهاب معها إلى المتجر لشراء المثلجات، قائلة إن تناولها بعد الغداء عادة لا يُمكن الاستغناء عنها.
لكنني لم أشعر بأن معدتي على ما يرام. أجبتها بأنني لا أريد. سرعان ما ظهر الإحباط على وجهها. الابتسامة الخفيفة التي ارتسمت على شفتيها تلاشت.
“حسنًا، إذن هل تودين العودة إلى الفصل؟”
“نعم.”
عندما استدارت للذهاب، ترددت للحظة قبل أن أناديها:
“جونغ وو ري.”
التفتت إليّ، ووراءها امتد المشهد الصيفي للباحة المدرسية. كانت نظرتها تسألني: “لماذا ناديتني؟”
قلت بهدوء:
“لا داعي لأن تُحمّلي نفسك عناء الاهتمام بي بعد الآن.”
“ماذا؟”
“يمكنك تناول الغداء مع أصدقائك. معدتي لا تتحمل الطعام جيدًا. وإن كان ذلك غير ممكن، يمكنني شراء شيء من المتجر.”
كنت صادقة. منذ قدومي إلى هنا، لم أستطع تناول الطعام بسهولة. لم أُضف إلى شخصية كيم جو يون أنها تُعاني من عسر هضم مزمن، لكنني شعرت بهذا الانزعاج طوال الوقت.
ظلت جونغ وو ري تحدق بي. عيناها الواسعتان بدتا وكأنهما على وشك الانكسار، لكنها أجبرت نفسها على الابتسام بشكل غريب.
“إن كان هذا ما تريدينه…”
“نعم.”
“أأنت بخير؟”
عن أي “بخير” تتحدث؟ لم أكن أعرف، لذلك اكتفيت بالإيماء برأسي.
نظرت إليّ للحظة وكأنها تُحاول قراءة ملامحي، ثم استدارت وغادرت باتجاه المتجر. بقيتُ أنظر إلى ظهرها وهي تبتعد.
كانت فتاة طيبة، رغم أن الأمر كله مجرد ارتباط بـ كيم جو يون.
لكن لماذا؟
بقيتُ هناك، وكأنني عالقة في مكاني. الهواء الدافئ لامس أنفي، لكنني شعرت بضيق. كنت كالنقطة الغريبة التي لا تنتمي إلى اللوحة التي رسمها الجميع.
كان شعور الوحدة يتسلل إليّ ببطء. ما إن أدركت ذلك، شعرت بشيء يرتفع في داخلي.
استدرتُ ببطء. ابتسامة ساخرة خرجت من بين شفتي.
“لا وجود لي هنا. لكن هل كنت موجودة في عالمي الحقيقي أصلًا؟”
—
13.
عندما عدتُ إلى الفصل، كان يون سيونغ وو جالسًا وحده.
كان يُحرك أصابعه فوق شاشة هاتفه بثقة. وعندما التقت أعيننا، سحب سماعات أذنه وابتسم.
“هل استمتعتِ بوجبة الغداء مع جونغ وو ري؟”
“…”
“رئيسة الفصل شخصية لطيفة، أليس كذلك؟ حتى إنها تناولت الغداء معك.”
جلست في مكاني، متجاهلة نبرته الساخرة. حين أفكر في الأمر، كان يون سيونغ وو شخصية بسيطة. كلماته دائمًا تحمل نبرة استهزاء، لكنها لا تخلو من الوضوح.
شعرت بالتعب. ضغطت على صدغيّ بأصابعي، ليضحك مجددًا.
“ما الأمر؟ هل الحديث معي يسبب لكِ الصداع؟”
“إذا كنت تعلم، فلتصمت إذن.”
“هل أنتِ غاضبة؟”
التفتُّ نحوه، ورأيت وجهه الشاحب يزدان بابتسامة ملتوية.
استرجعت في ذهني، كيف كانت بداية تغيّر العلاقة بين كيم جو يون و يون سيونغ وو. نقطة التحوّل كانت دموع كيم جو يون. بعدها، توقف عن مضايقتها أو التحرش بـ كيم أون تشانغ.
لكن… ما الذي يريده الآن؟ هل يريد رؤية كيم جو يون وهي تتأثر؟ أم يُحاول إثارة مشاعرها؟
سألته فجأة: “هل سيكون هذا مرضيًا لك؟”
ضحك. كان رد فعله دائمًا يعكس طبيعة شخصيته التي أحبها القراء.
“أعتقد أنه سيكون ممتعًا.”
“لماذا؟”
“لأنه مضحك. رؤية شخص يشتعل غضبًا شيء ممتع.”
ابتسمت ببرود. فكرتُ في أن أُبكيه فقط لأضع حدًا لهذا الإزعاج.
لكن فجأة، أمسك بذراعي.
“ما الأمر؟”
كنت غاضبة، لكن ذلك الشعور الذي رافق ملمسه جعل الواقع يبدو غريبًا. الشمس التي تسطع فوقه، ووجهه الخالي من العيوب… كل شيء يصرخ: هذا هو الواقع.
شعرت بالغثيان. وبدون سابق إنذار، قذفتُ الدم من فمي.
بخطوات متثاقلة، توجه “يو سونغ وو” نحو المنصة. ارتسم على وجهه مزيج من الامتعاض والتردد، لكنه لم يُبدِ أي اعتراض آخر. سحب مناديل مبللة بكمية زائدة، تفوح منها رائحة صناعية نفاذة.
أخذتُ منه واحدة وبدأت بمسح كفيّ وزوايا فمي. سرعان ما اصطبغت المناديل باللون الأحمر الداكن، وكأنها تحكي عن فوضى داخلي. بينما كنت أواصل التنظيف، قطع “يو سونغ وو” الصمت بصوت حازم:
ــ “هذا لا يمكن أن يستمر. علينا استدعاء المعلم فورًا.”
هززتُ رأسي نافيًا، بينما أتممت تنظيف يدي. قلت له ببرود:
ــ “لا داعي للقلق. أنا بخير، يكفي أن أتناول دوائي.”
رغم كلامي المطمئن، لم تختفِ علامات الشك من وجهه. انحنيتُ لأمسح بقع الدم المتناثرة على الأرض، وحينها جاءني صوته بثقل لم أعتده منه:
ــ “هل هذا هو السبب وراء غيابك المتكرر عن المدرسة؟”
رفعتُ نظري نحوه ببطء. وجهه الذي اعتدت أن أراه ساخرًا ومستهترًا، بدا شاحبًا على نحو غريب. كانت عيناه تحملان مزيجًا من التساؤل والقلق.
ابتلعتُ ريقي الذي ظل بطعم الدم. هل كان قلقًا بالفعل؟ ربما، فهذا طبيعي بالنسبة له. في النهاية، هو يُحب “كيم جو يون”.
لكن رغم هذا، لم أستطع مقاومة الرد ببرود وأنا أواصل مسح آثار الدم:
ــ “ليس من شأنك.”
ارتسمت على وجهه نظرة غريبة، وكأن كلماتي باغتته. كان صامتًا لبرهة، ثم استعاد توازنه وسألني بنبرة أقل حدة:
ــ “لكن، ألا تحتاج إلى زيارة الطبيب؟”
ــ “قلتُ لك، لا حاجة لذلك. أتناول الدواء وينتهي الأمر.”
ــ “دواء؟! هذا ليس شيئًا يمكن السيطرة عليه ببساطة. كمية الدم التي تفقدها… هذا ليس طبيعيًا!”
نظرتُ إليه لثوانٍ، ثم ابتسمت بسخرية وسألته بصوت هادئ ولكنه مُثقل بالاستفزاز:
ــ “هل أنت قلق عليّ؟”
ظهر عليه الارتباك فجأة، كما لو أن سؤالي كان أشبه بمفاجأة غير متوقعة. شعرتُ بثقل التعب يسحقني أكثر.
نظرتُ إلى وجهه الذي كان يتلألأ تحت أشعة الشمس المتسللة إلى الفصل، وسألتُه مرة أخرى، هذه المرة بوضوح وبهدوء أكثر:
ــ “هل تقلق عليّ أنا؟”
كان السؤال طفوليًا وساذجًا، لكني أردت معرفة ردة فعله. وبعد لحظة قصيرة من الصمت، ارتسمت على وجهه ابتسامة متوترة وقال ببرود:
ــ “بالطبع لا.”
يا له من أحمق.
أخذتُ المناديل الملطخة بالدم ولففتها بعناية، بحيث تخفي آثار الفوضى، ثم ألقيتها في سلة المهملات. كانت عينا “يو سونغ وو” تلاحقان كل حركة أقوم بها، كما لو كان يحاول فك شيفرة ما يحدث.
عندما عدتُ إلى مقعدي، جلستُ وسألته بنبرة حادة:
ــ “لماذا تحدق بي هكذا؟”
ــ “ممم، لماذا أسلوبك هجومي إلى هذا الحد؟ تحاول أن تجرح مشاعري أم ماذا؟”
قالها بابتسامة تحمل مزيجًا من السخرية والتسلية. كنت على وشك الرد بكلمات لاذعة، لكنني تراجعت. كل شيء بدا مُرهقًا للغاية، ولم أعد أملك طاقة لأي جدال.
أسندتُ رأسي إلى ذراعي على سطح الطاولة، محاولًا الاسترخاء. هذه المرة، لم يتدخل “يو سونغ وو”.
ساد الصمت أخيرًا. أغمضتُ عينيّ، لكن الغثيان ظل يرافقني. شعرتُ وكأن إعصارًا داخليًا يعصف بي، بينما العالم من حولي يغطّ في هدوء مريب.