استدع الكون - 02
3. دقَّ جرس انتهاء الاستراحة، فدفعت كتاب الرياضيات الذي كنت قد فتحته بفتور إلى أسفل المكتب. شعرت بغثيان كأن شيئًا ثقيلًا يجثم في معدتي.
في تلك اللحظة، هزَّ يو سونغ وو كتفي اليمنى بعنف.
“جو يون، هل يمكن أن تشتمني كما فعلتِ سابقًا؟”
كان هذا الموضوع محور حديثه منذ البداية. أزحت الخصلات المزعجة التي انسدلت على وجهي، مدركة تمامًا أنه لا يريد سماع الشتائم بصدق.
كان الأمر برمته مجرد استهزاء واضح ومحاولة لإثارة أعصابي.
وبينما كنت أحاول جاهدة تجاهله، بدأ أصدقاؤه يتجمعون حوله تدريجيًا، يشكلون حلقة ضيقة كأنهم جدار بشري. كان يو سونغ وو كالمغناطيس الذي يجذبهم جميعًا. بل حتى بعض الفتيات انضممن إلى هذا المشهد.
“يو سونغ وو، هذا المعتوه. هل رأيتِ ما فعله في حصة الرياضيات؟”
“ماذا فعل الآن؟”
“أسقط مقلمة طالب آخر عمدًا، أمام الجميع!”
عند ذكر “الطالب”، اجتاحتني نظرات الجميع وكأنها أسهم تخترقني. شعرت بضيق شديد، وكأنني على وشك أن أتقيأ. حاولت تهدئة نفسي: “هذا مجرد حلم،” لكن الثقل الذي يضغط على صدري لم يخف. كنت أشعر بالإرهاق.
“ثم، بالطبع، التقط المقلمة بنفسه. ألم يحن الوقت ليتوقف؟ إنه مجنون تمامًا.”
دفع أحدهم كتف يو سونغ وو بمزاح وكأنه يتباهى بصداقته له.
“متى كان يو سونغ وو طبيعيًا؟”
“يو سونغ وو يفعل دائمًا أفعال يو سونغ وو!”
وسط الضحكات العالية، استرخى يو سونغ وو على كرسيه بكسل، ونظر نحوي بابتسامة مريبة.
“لكن جو يون شتمتني بشدة، أليس كذلك؟ لقد كانت شتائم قاسية جدًا.”
جذب كل ما نطق به انتباه الجميع. قال أحدهم بدهشة:
“ماذا؟ هي؟ جو يون شتمت أحدًا؟”
“جو يون؟”
“هذا مستحيل. يو سونغ وو يكذب كعادته!”
ضحك يو سونغ وو ضحكة خفيفة وعلَّق بسخرية:
“لا، قالت لي إنني وغد حقير.”
ثم وخز كتفي بإصبعه بطريقة أثارت اشمئزازي.
“والآن، تستمر في انتقادي.”
استدار فجأة وسأل بصوت عالٍ:
“ما رأيك يا أون تشانغ؟”
في نفس اللحظة، التفت جميع من كانوا حوله إلى أون تشانغ وكأنهم ينتظرون إشارته.
شحب وجه أون تشانغ وتجمدت ملامحه، بينما ارتسمت على وجه يو سونغ وو ابتسامة ساخرة مليئة بالثقة.
أيها الوغد الوقح. حبست شتيمة كانت على طرف لساني.
كان يو سونغ وو، وسط جدار من أصدقائه المخلصين، ينظر إلى أون تشانغ الوحيد وكأنه يستمتع بضعفه.
“ماذا؟ أنا؟”
“نعم، أنت. هل يوجد أون تشانغ آخر هنا؟”
تعالت الضحكات من جديد. الجو أصبح أكثر صخبًا. شعرت بمعدتي تتقلَّب مرة أخرى.
فجأة، التقت عيناي بعيني أون تشانغ. مع أنه مجرد شخصية في رواية، إلا أن خوفه وتوتره كانا واقعيين بشكل مربك.
لو كانت جو يون الحقيقية هنا، لكانت تدخَّلت وأوقفت هذا المشهد. لكنني، ككاتبة هذا العالم المبتور، كنت أعلم أن كل تصرفات يو سونغ وو ما هي إلا محاولة لجذب اهتمام جو يون.
“لماذا لا ترد، أون تشانغ؟”
سأل يو سونغ وو بنبرة ناعمة مستفزة، مما دفع بعض أصدقائه إلى الضحك.
“انظروا إليه! يفكر بجدية.”
“إنه مرعوب تمامًا.”
“أون تشانغ، أجب بسرعة!”
كان أون تشانغ يبدو كمن يُخنق تحت ضغط كلماتهم. وجهه الأبيض صار شاحبًا كأنه فقد الحياة، ولم يتمكن سوى من التلعثم.
شعرت أنني لا أستطيع احتمال المشهد أكثر، فحولت نظري بعيدًا. إنه مجرد شخصية من رواية. لا أهمية له.
لكن، ماذا لو كانت “هي” هنا؟ تساءلت مع أنني أعرف الإجابة مسبقًا.
استجمعت شجاعتي وأعدت توجيه نظري نحو أون تشانغ. التقت أعيننا مرة أخرى. كان وجهه يغرق في خليط من الإذلال والغضب.
“كفى.”
تحدثت أخيرًا. كان ذلك اندفاعًا غير محسوب. شعرت بموجة غثيان من النظرات التي تحولت كلها نحوي، لكنني تماسكت وكررت لنفسي: “هذا مجرد حلم.”
استدار يو سونغ وو ناحيتي مبتسمًا.
“ماذا؟”
“قلت كفى.”
رفعت صوتي بما يكفي ليصل إلى كل من في الغرفة. حتى الطلاب الجالسين بعيدًا بدأوا يلتفتون نحو مصدر الصوت.
رؤية هذه النظرات، جعلتني أدرك شيئًا: ليس الجميع معجبًا بيو سونغ وو.
صحيح أن دائرته المقربة كانت تضج بالضحك على كل ما يقوله، لكن لم يكن كل الحاضرين مشاركين في هذا العبث.
تجولت عيناي بين الوجوه المجهولة. إنه مجرد حلم. مجرد حلم واضح ومفصل. كررت ذلك في داخلي ثم تحدثت مرة أخرى.
“إذا كنت قد بلغت الثامنة عشرة، ألا يجدر بك أن تتصرف كرجل ناضج؟ ما تفعله مقزز.”
سقط صمت ثقيل للحظات.
كانت وجوه الجميع تنظر نحو يو سونغ وو، وكأنهم ينتظرون قراره النهائي. بدا واضحًا أن كلماتي وحدها لم تكن كافية لتغيير شيء. كل ما يحدث هنا يعتمد على رد فعل يو سونغ وو.
نظرت إليه مباشرة دون تردد. فكرت بتهور: إذا لم يعجبني الوضع، يمكنني فقط أن أجعل جو يون تترك المدرسة. لم أكن أهتم بمصيرها.
صفق يو سونغ وو بيديه وضحك بصوت عالٍ.
“يا لها من شجاعة! هل رأيتم؟ جو يون قوية جدًا. ألم أقل لكم؟”
كأن كلماته كانت إشارة البدء. عاد الفصل إلى الصخب والضجيج.
“هل كانت جو يون دائمًا هكذا؟”
“هل رأيت كيف شتمته؟”
“أون تشانغ، يبدو أنك وقعت في حبها.”
وسط هذه الفوضى، نظر يو سونغ وو نحوي مبتسمًا مجددًا. تلك الابتسامة جعلتني أتساءل بصدق: كيف كتبت في الرواية أن جو يون قد تقع في حب شخص كهذا؟ كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
لم أستطع التحمل أكثر. وقفت وحملت حقيبتي، مستعدة للخروج. لم يكن هناك شيء يستحق البقاء.
“جو يون، إلى أين تذهبين؟”
لم أجب، واتجهت نحو الباب دون أن ألتفت. الضجيج خلفي بدأ يخفت تدريجيًا.
4. كان الحارس يقف عند بوابة المدرسة يحرسها بصرامة. لكنني كنت أعرف هيكل هذه المدرسة جيدًا؛ فهو مطابق تمامًا لمدرستي السابقة، وكنت على دراية بالجدار الذي يمكنني تسلقه.
لحسن الحظ، كنت أرتدي تحت التنورة سروال الرياضة، مما جعل المهمة أكثر سهولة. عثرت على مكان مناسب على يسار البوابة، ثم بدأت بتسلق الجدار، مستخدمة كل طاقتي حتى تجاوزته.
رغم ذلك، لم يزل شعور الغثيان يلازمني. كان والدا كيم جو يون مشغولين دائمًا بعملهما، لذا غالبًا لن يكونا في المنزل الآن.
5. فُتِح باب المنزل. ألقيت بحقيبتي على الأرض وخلعت زي المدرسة، بينما كانت موجة من الإرهاق المتأخر تجتاحني.
تناولت هاتفي الذي كان موصولًا بالشاحن في أحد أركان الغرفة، وبمجرد أن قمت بتشغيله، انفتح دون أي حماية؛ لم أكن قد وضعت عليه حتى نمط قفل.
حدقت للحظات في شاشة الهاتف الرئيسية، شاردة الذهن، ثم استسلمت لشعور الغثيان وألقيت بجسدي على السرير.
سواء اشتكى يو سونغ وو إلى المعلم أو لم يفعل، فسيكتشف المعلم عاجلًا أو آجلًا أنني هربت من المدرسة. ولم يكن الأمر سوى مسألة وقت قبل أن يتواصل مع والدي كيم جو يون.
شغلت الهاتف وأطفأته مرارًا وتكرارًا. كان الضوء الباهت يشتعل وينطفئ في تكرار متواصل.
على الشاشة السوداء، لم يكن انعكاس وجهي هو ما ظهر. كان وجهًا مختلفًا تمامًا، غريبًا عني.
“جو يون، هل أنتِ بخير؟ هل تشعرين بشيء؟”
لا.
“هل يضايقك أحد؟ جو يون، أرجوكِ… تكلمي.”
لا، هذا ليس صحيحًا. لستُ جو يون. أنا لست كيم جو يون.
شعرت بموجة قوية من الغثيان. قبضت على الهاتف بيدي، بينما كانت رغبة القيء تتصاعد في داخلي. شيء ما ارتفع إلى حلقي، وطعم معدني ومرير انتشر في فمي.
لقد بدأ الأمر مجددًا.
تناولت كمية من المناديل الورقية، ووضعتها على فمي. كان الدم واضحًا. لم يكن الألم شديدًا، لكن شعور الانزعاج كان يسيطر علي، وكأن شيئًا عالقًا في معدتي.
نهضت واتجهت إلى الحمام. رميت المناديل الملطخة بالدماء في المرحاض، وضغطت على زر السيفون. وبينما كنت أحدق في المناديل وهي تُسحب مع الماء، رفعت رأسي لتقع عيني على المرآة.
في المرآة، كان كيم جو يون يحدق بي.
شعر طويل، عينان كبيرتان وعميقتان، وبشرة شاحبة.
لمحتُ وجه كيم جو يون ينعكس في المرآة. عندما لمستُ ذقني بأصابعي، كررت كيم جو يون الحركة نفسها. عاد شعور الغثيان مرة أخرى، فشيحت بنظري بعيدًا.
“جو يون.”
“كيم جو يون!”
أين أنا؟ أين إختفـــيت؟