استدع الكون - 01
كنت أتساءل أحيانًا:
لماذا منحني الله كل هذه المآسي والقصص دون أن يجعلني بطلة في هذا العالم؟ لماذا كنت دائمًا أُدفع نحو أدوار أقل من هامشية؟
حياتي كانت فوضى مطلقة. حين تقدمت بطلب لترك المدرسة الثانوية، ربّت معلمي على كتفي قائلاً إن وجود هدف لي مثل الكتابة هو أمر جيد. لكن الحقيقة أنني كنت مرهقة فحسب.
ففي النهاية، لم يكن هناك مكان يمكن أن يصبح ملاذًا لي.
كتبت القصص. لم تكن كتابتي رائعة ولا قصصي محكمة الحبكة. على أي حال، لم يكن الناس يتوقعون مني أكثر من ذلك.
كنت أبحث فقط عن قدر من الرومانسية أو التشويق الذي يتيح لي الهروب مؤقتًا من واقعي البائس والمشبع بالرتابة.
لكن في أحد الأيام، وبشكل مفاجئ، وضعني الله في مقعد البطولة.
ليس فقط في الحياة الواقعية، بل كبطلة في الرواية التي كتبتها بنفسي.
—
“جو يون، لماذا تغيبتِ عن المدرسة طوال الأسبوع الماضي؟”
ما إن فتحت باب الفصل حتى استدارت نحوي عشرات العيون. تقدّم يو سونغ وو بخطوات ثابتة ناحيتي، متسائلاً بابتسامة لا تتناسب مع زيه المدرسي المرتب. كان طوله الشاهق يضفي عليه حضورًا مهيبًا، لكنني أعلم أن كل هذا ليس إلا إعدادات قمت بابتكارها بنفسي.
وفقًا للتفاصيل المبهمة التي وضعتها لتنال إعجاب القراء، كان يو سونغ وو شابًا بملامح حادة كالسيف وبشرة بيضاء ناصعة.
طويل القامة، بكلمات مستفزة دائمًا، ومعتاد على إثارة المشاكل مع كيم جو يون في كل صغيرة وكبيرة. شعرت برغبة قوية في كبح ضحكة غير متوقعة.
فهذا الأحمق في النهاية سيقع في حب كيم جو يون.
“…”.
كيف يجب أن أرد؟ نظرت إليه بلا مبالاة، فمال برأسه مبتسمًا ليقترب أكثر.
“ألم أطرح عليكِ سؤالًا؟”
تبًا. ابتكار هذا النوع من الشخصيات كان خطأي. فالقراء نادرًا ما يتفاعلون مع قصص الحب العادية، لذلك كنت أركز على صنع شخصيات تبدو معقدة وأنيقة بجنون.
وكانت النتيجة أمامي: هذا المعتوه المهووس ببرودته الزائفة.
الشخصية التي جمعتها من كلمات ألقيتها بلا تفكير، تحولت إلى كيان حي يقف أمامي الآن.
“كنت مريضة.”
أجبت باقتضاب. رفعت رأسي لأواجهه، وألم بسيط تسلل إلى عنقي بسبب طوله.
لو كانت كيم جو يون الحقيقية هنا، كيف كانت سترد؟ ربما بعبارة سخيفة مثل: “لماذا يجب أن أخبرك؟”
كيم جو يون كانت الشخصية الكلاسيكية التي صممتها لتكون…
“مريضة؟ وأين تحديدًا كنتِ تشعرين بالألم؟”
“في رأسي.”
أجبت بلا اهتمام. ابتسم يو سونغ وو بتلك الابتسامة المائلة.
“هل حقًا تغيبين أسبوعًا كاملًا بسبب صداع؟”
“أجل.”
“هيا، لا تبالغي. أليس الأمر أنكِ كنتِ خائفة من العودة؟”
كان استفزازًا طفوليًا، لكن بعض الطلاب الذكور انفجروا ضحكًا بصخب. بدا أن ضحكاتهم ليست بسبب طرافة حديثه، بل مجرد مجاملة لمكانته.
“يا رجل، كفى هذا. دعيها وشأنها.”
“قد تبكي.”
وسط أصوات الضحك الخشنة والعبارات الساخرة، شعرت بالإرهاق.
“جو يون، كنت أفتقدكِ، كدت أموت من الملل دونك. كيم إيون تشانغ لا يحب اللعب معي.”
وجهت بصري نحو كيم إيون تشانغ بناءً على إشارة يو سونغ وو. بدا أنه يراقب المشهد بزاوية عينه، لكنه سارع بخفض رأسه فور أن التقت نظراتنا.
كيم إيون تشانغ، الطالب النحيل ذو الغرة الطويلة. كان الوسيط بين كيم جو يون ويو سونغ وو في الرواية.
كان لقاءهم الأول حين تصدت كيم جو يون ليو سونغ وو أثناء مضايقته لكيم إيون تشانغ.
“إيون تشانغ يبدو وحيدًا بدون أصدقاء. أليس كذلك، إيون تشانغ؟”
قال يو سونغ وو بابتسامة مريحة، فتردد كيم إيون تشانغ قليلاً قبل أن يُومئ برأسه بخوف.
أولئك الذين كانوا يضحكون على كلمات يو سونغ وو منذ قليل، بدؤوا بالنظر إلى إيون تشانغ بتهديد.
“ألم تسمع؟ يو سونغ وو يتحدث معك!”
“أيها الغبي.”
رضخ كيم إيون تشانغ للموقف وانحنى برأسه بهدوء، ما أثار ضحكة عالية من يو سونغ وو.
“أرأيتِ، جو يون؟ كما قلت، يجب أن تهتمي بي. أتذكرين عندما قلتِ لي: توقف عن هذا، ألا تشعر أنه سخيف؟ كنتِ رائعة جدًا.”
قلّد يو سونغ وو طريقة حديث كيم جو يون، ما أثار موجة جديدة من الضحك بين الطلاب.
لم أجد الأمر مضحكًا على الإطلاق. الواقع لم يختلف كثيرًا عن الرواية. مسحت وجهي بإرهاق.
“تنحّ جانبًا.”
“ماذا؟”
“قلت لك، تنحّ جانبًا. أريد أن أجلس.”
ابتسم يو سونغ وو، كما لو كان يستمتع بكل ما يحدث.
“هل تعرفين أين مكان جلوسكِ؟”
“أين؟”
“بجانبي.”
أشار إلى المقعد بجوار النافذة في آخر الصف.
آه، تذكرت. هذا جزء من الحبكة التي كتبتها. نظرت إلى يو سونغ وو مبتسمة بسخرية.
التقت نظراتنا للحظة. عيناه السوداوان العميقتان، ملامحه المظللة، وابتسامته المائلة.
هذه التفاصيل لم أكتبها قط. فكرت بلا مبالاة.
—
انفتح باب الفصل فجأة.
“هيا، هيا، الأستاذ قادم! اجلسوا في أماكنكم!”
“يو سونغ وو، كفى هذا واذهب إلى مقعدك!”
وسط الفوضى، عبرت أمامه وجلست في المكان الذي أشار إليه.
مرّ شعاع الشمس عبر النافذة.
ربما ترك المدرسة كان الحل الأفضل بعد كل شيء.
2.
طوال الحصة، لم يكف يو سيونغ وو عن استفزازي بسخافاتٍ لا تستحق حتى الرد عليها. كانت مزاحه طفولية إلى درجة مزعجة، فلا طائل من مجاراته.
في البداية حاولت الرد عليه بإجابات مقتضبة، لكنني سرعان ما التزمت الصمت تمامًا. على عكس ما توقعت، لم يغضب من تجاهلي له، بل اكتفى بالتعبير عن ملله بعبوسٍ خفيف.
قال وهو يسند ذقنه على يده
“آه، ممل جدًا. قررتِ تتجاهليني تمامًا؟”
رددت عليه ببرود وأنا أرمي القلم على المكتب بضيق
“اصمت، أرجوك.”
أعدت القلم الذي كنت أضغط رأسه بعصبية على الورق. كلما فكرت في الأمر، شعرت بالندم على كتابة شخصية مثل يو سيونغ وو. كانت القصة تفترض أن الشخصية الرئيسية، كيم جو يون، ستقع في حب هذا الشخص؟ يا له من عبث.
ربما كانت كيم جو يون تستطيع تقبّل سخافاته بفضل شخصيتها الإيجابية التي لا تُهزم، لكنها ليست أنا. أنا بالكاد أحتمل نفسي.
رفع حاجبيه باندهاش وسأل:
“اصمت؟”
“نعم، اصمت فقط.”
فجأة، انفجر يو سيونغ وو ضاحكًا بصوتٍ عالٍ. كانت ضحكته المفاجئة والمبالغ فيها كفيلة بأن تشعرني بالارتباك.
توقف عن الضحك في اللحظة التي وجه فيها المعلم نظرة حادة نحونا، ثم اقترب مني قليلًا وهو ينظر لي بعينيه نصف المغمضتين كالأفعى
“مثير للاهتمام؟ لم أتوقع أنك ستستخدمين هذه الكلمات.”
كان محقًا إلى حد ما. شخصية كيم جو يون لم تكن لتتلفظ بكلمات مثل هذه أبدًا.
فهي مثال على التلميذة المثالية والفتاة النقية. شخصية مشرقة لدرجة تجعلها تُحب حتى أشخاصًا كـ يو سيونغ وو.
لكنني لست كيم جو يون.
اقترب يو سيونغ وو أكثر وقال بابتسامة صغيرة
“يبدو أنكِ تكرهينني بشدة.”
“إن كنت تعرف هذا، إذن…”
قبل أن أنهي كلامي، دفع قلمي عن الحافة بخفة، فسقط القلم من حقيبتي إلى الأرض، وتبعثر كل ما فيها من أدوات كتابة على الأرضية.
قال يو سيونغ وو بابتسامة مزيفة
“آه، آسف…”
كان ذلك التصرف متعمدًا تمامًا. التفت الجميع نحوي مع انتشار همسات خفيفة في الصف، بينما ضرب المعلم الطاولة بعصاه الطويلة وهو يأمر
“أنت هناك، اجمعي ما سقط فورًا.”
لم يكن لدي خيار سوى النهوض من مكاني ببطء، وأخذت أجمع أدواتي المبعثرة من الأرضية. كان الأمر مرهقًا ومزعجًا.
فكرت وأنا ألتقط الأقلام: أجل، هذا خطأي. لمَ ألوم أحدًا؟
كان يو سيونغ وو دائمًا ما يقوم بمثل هذه الحركات المزعجة في القصة. حين كنت أكتبها، لم أكن أفكر سوى في أنها طريقة جيدة لتطوير العلاقة بين الشخصيتين.
قال يو سيونغ وو بينما يدفع قلمًا آخر بقدمه
“هنا قلم آخر.”
نظرت إليه، كانت الابتسامة تملأ وجهه. يا له من صبياني مزعج.
جمعت أدواتي بلا اهتمام، وعدت إلى مكاني دون النظر إليه.
قال بينما يضحك
“هناك قلم ميكانيكي آخر سقط بعيدًا.”
أشار إليه بذقنه. لم أكترث، فقط تجهمت دون الرد.
“ماذا؟ هل ستتجاهلينني الآن؟”
ضحك مجددًا بطريقة مستفزة، وكأنه طفل صغير يسعى لفت الانتباه بأي طريقة. التفت نحو زميل في الأمام وقال
“يا سونغ غيو!”
“ماذا؟”
“هل ترى ذلك القلم هناك؟ أجل، هذا هو. أعطني إياه.”
لم تكن تلك شخصية مذكورة في القصة. قام الفتى الذي يدعى سونغ غيو بالتقاط القلم ومد يده نحوه.
تناول يو سيونغ وو القلم ببرود، وبدأ بتدويره بشكل مزعج أمام وجهي، كأنه يقول: “انتبهي إليّ!”
سأل بابتسامة
“هل تريدينه؟”
“لا، لا أريده.”
“كاذبة. أنت بحاجة إليه.”
قلت له بغيظ
“تبا لك.”
رفع حاجبيه بدهشة وهمس
“ماذا قلتِ؟”
كنت أشعر بالملل واللامبالاة، لذا لم أرغب في تصعيد الأمور أكثر. لكن مع ذلك، لم يكن هناك ما يمنعني من التعبير عن مشاعري.
لقد دفعني القدر إلى هذا المكان بشكل عشوائي. في ظل الأحداث التي لا يمكن تفسيرها، لم أكن بحاجة لأن أكون شخصًا منطقيًا.
“إنتبهي لألفاظك، أيتها الحقيرة.”
“يا لك من متناقض…”
على أي حال، هذا ليس واقعي. يجب ألا يكون كذلك.