إنه سوء فهمٍ أنني أواعد الشّرير - 5
تصويت قبل القراءة ~
الفصل 5
‘أوه…’
من نظرةٍ بسيطة على الوضع، استطعتُ أن أستكشف ما يجري.
‘مجرد قائد فرقةٍ متعجرف، يشعر بالفخر والغرور بسبب منصبه.’
عندما يكون لديك مثل هذا الشخص كمدير، تصبح الحياة مزعجةً للغاية. أعرف ذلك جيدًا من تجربتي.
نظرتُ إلى ران بنظرة تعاطف، ثم حاولت استعادة الموقف وتحدثت.
“حسنًا، بما أن ملابسي تسببت في هذا الالتباس، سأغضّ الطرف عن الخطأ الذي حدث بسبب سوء الفهم. أنا قائدةٌ مثلكَ، اسمي كلارا ويفرن.”
لم أرَ سببًا للردّ عليه باحترام، لذا تحدثتُ بنفس الطريقة التي تحدث بها معي.
“ماذا؟ ماذا تقولين؟ هذا هراء…”
تجاهلتُ نظرة الاستياء التي ظهرت على وجه كروسنر وأخرجت بطاقة الفارس من جيبي ولوّحتُ بها أمامه.
“…”
حدّق فيها، يقرأ التفاصيل، ثم أطلق ضحكةً ساخرة.
“آه، من فرقة الياقوت.”
حتى بعدما تأكّد أنني القائدة، لم يتغيّر موقفه المتعجرف. حسنًا، يمكنني تفهم ذلك. ففرقة “الياقوت” ربما تحمل اسم “فرقة”، لكنها لا تملك القوة ولا الاحترام الذي تتمتع به الفرق الأخرى، وحتى أن البعض لا يعتبِرها مساويةً لفرق الفروع التابعة للفرق الكبيرة.
ومع ذلك، لم يكن من المفترض أن أقلق بشأن التعامل بتواضعٍ أمام قائد فرقةٍ فرعية. واصلتُ الحديث معه بنفس الأسلوب.
“نعم، أنا هنا بشأن قضية هيلبرونر، وقد جئت لأحصل على بعض الوثائق…”
“تلك… مزبلة المشاغبين؟”
“…”
توقّفتُ عن وضع البطاقة في جيبي للحظة.
“القائد كروسنر! هذا الوصف مهينٌ للغاية…!”
“أتجرؤين على مقاطعة رئيسكِ؟”
“…عذرًا، لن أكرّر ذلك.”
عضّت ران على شفتيها ورفعت رأسها بأسف. أما هو، فقد بدا مرتاحًا بعد أن أجبرها على الصمت، ثم نظر إليّ بابتسامةٍ ساخرة.
“فرقةٌ تتعامل مع المهام المتواضعة… من الطبيعي ألا تكون لهم علاقةٌ بالقصر الإمبراطوريّ. ألا يمكنكِ تمييز الناس؟”
“…”
“ألا تشعرين بالخجل؟ كيف لفردٍ من تلك المزبلة أن يدخل هنا ويبدأ بالتفاخر، بل ويهين فريقي!”
رفعت ران رأسها بنظرة تُعبّر عن رغبتها في الاعتراض، ولكنني أشرت إليها بأن الأمر لا يستحق، مطمئنةً إياها بألّا تقلق.
‘آه…’
بصراحة، كنتُ أُفضّل تجاهل هذا الموقف وعدم صنع مشاكل.
أردتُ فقط أن أعيش حياةً هادئة دون الدخول في متاعب.
ولكن… لقد تجاوز هذا الرجل الحدود، وقد أصبح هذا تصرّفًا مشروعًا مني للدفاع عن نفسي.
“كروسنر، أنتَ وصفت فرقتنا بأنها مزبلة، أليس كذلك؟”
“هاه، أليس هذا ما يعرفه الجميع بالفعل؟”
“ليس لدي مشكلةٌ في انتقاد فرقتنا في غيابنا. أعلم أن هناك أشخاصًا لا يتوقّفون عن الانتقاد في الظل.”
“…”
“ولكن أن تهين فرقتنا أمامي، فهذا يعني أنك مستعدٌ لتحمل العواقب، أليس كذلك؟”
رفعتُ زاوية فمي بابتسامةٍ ساخرة وبدأت أبحث في جيبي الآخر.
لكن…
‘… يا إلهي.’
أدركتُ فجأةً شيئًا جعلني أشعر بالحرج.
‘… القفازات، تركتُها في جيب المعطف.’
كنت أنوي إظهار قوتي بسحب القفازات ورميها في وجهه، لكنني نسيت ذلك تمامًا. الآن، كيف سأكمل هذا التصرّف؟
ولكن فجأة…
“سمعتُ أصواتًا مرتفعة هنا، ما الذي يحدث؟”
صوتٌ عميقٌ منخفض رنّ بيننا، مما جذب انتباه الجميع.
‘يا إلهي، هذا الصوت…’
تألّق شعره الفضي تحت أشعة شمس الشتاء المتأخرة، يبدو وكأنه يضيء ببهاءٍ غير طبيعي.
ملامحه تشبه التماثيل، وقد كانت جامدةً بعض الشيء، ولكن تلك الهالة المهيبة أضافت لجاذبيته سحرًا خاصًّا.
بطوله الفارع وخطواته الرشيقة التي بدت قويّةً دون أدنى تسرّع، كان يستطيع جذب أنظار الجميع بمجرد مروره. كان ذلك هو الدوق الشاب رودجر كاسين، الذي قابلته في وقت سابق.
الدوق الشاب كاسين! ليس هناك ما يستدعي اهتمامك. كل ما في الأمر أنني كنتُ أحاول تصحيح تصرفٍ غير لائق من قائدة فرقة الياقوت تجاه أحد أفراد فرقتي.”
‘هذا الوغد؟’
سارع كروسنر لتقديم الأمر بطريقةٍ تخدم مصلحته.
ألقى رودجر نظرةً غامضة نحوه، ثم التفت إليّ وسألني.
“هل هذا صحيح؟”
“لا. إن كان هناك تصرّفٌ غير لائق، فهو من جهته.”
“أوه.”
“ولهذا، أتقدّم بطلب مبارزةٍ ضد كروسنر.”
فور أن نطقتُ بكلمة “مبارزة”، ظهرت الصدمة على وجه كروسنر ووجه ران.
“فهمتُ. إذًا، لن أتدخّل؛ تفضلا بالمتابعة.”
تراجع رودجر خطوةً إلى الخلف بوجهٍ خالٍ من التعبير.
“سيدي الدوق الشاب! هذا أمرٌ لا يُصدق، أرجوك أن توقف هذه المهزلة.”
“أظن أن المبارزة بين الفرسان هي حقٌّ حصريٌّ لهم. لا أرى ضرورةً للتدخّل.”
امتلأ وجه كروسنر بالغضب. يبدو أن وجهه يمتاز بسهولة التعبير عن الانزعاج.
“كلارا، تفضّلي واكملي ما بدأتِ به.”
“في الواقع، الأمر هو…”
“…؟”
“لقد نسيتُ… قفازاتي في غرفة الفرقة. أعتقد أنني سأحتاج للعودة إليها قبل طلب المبارزة مجددًا.”
نظرًا لوجود مسؤولٍ من منظمةٍ متعاونة هنا، لم أستطع اختلاق عذرٍ آخر، لذا اضطررتُ للاعتراف بالحقيقة المحرجة، مما أدى إلى صمتٍ محرجٍ في المكان.
‘أشعر بالخجل الشديد…’
حاول رودجر كتم ضحكته، ثم أخرج من جيبه زوجًا من القفازات الجلديّة الناعمة.
“إذن، يمكنكِ استعارة هذه.”
“آه…”
“ولكن عليكِ أن ترميها.”
أخذتُ القفازات، التي بدت أثمن من راتبي، غير مُصدِّقة لما يحدث.
شعر رودجر بالرضا، ثم اتّجه بهدوءٍ نحو منصة المشاهدين في الحلبة الخارجية.
‘حسنًا… لا بأس.’
صفعتُ كروسنر بقوّةٍ باستخدام أحد القفازات.
“باسم شرف فرقة الياقوت، أتحداكَ في مبارزة. إذا انتصرتُ، ستعتذر عن وقاحتكَ، وستكتب تقريرًا رسميًا للرئيس علي!”
رغم أنني فقدتُ بعض الرونق بسبب القفاز المستعار، إلا أنني كنت عازمةً على تلقين هذا الوغد درسًا.
في مهنة الفروسية، كانت القدرة الأهم هي “الهالة”.
الهالة تختلف عن السحر؛ إنها طاقةٌ أشبه بالـ”كي” في القصص الخياليّة. من خلال استخدامها، يمكن للفارس تحقيق قوى لا تُقارن بقدرات الأشخاص العاديين.
مثلما يمكن لبعض الأشخاص استخدام السحر، الهالة أيضًا هي قدرةٌ يملكها قلّةٌ من الناس.
الأشخاص الذين يمتلكون الهالة غالبًا ما يعملون في مجالات تتطلّب القوة البدنية، مثل المرتزقة والفرسان.
كوني أملك الهالة كان حظًا سعيدًا، فقد كان ذلك وسيلتي للعيش.
لكن عندما أفكّر في الماضي…
‘آه، لا فائدة من تذكّر ذلك الآن.’
أرجعتُ رأسي بقوّة، متوجهةً إلى وسط الحلبة.
بدا أن الشائعات انتشرت بسرعة، فقد تجمّع عددٌ الناس في المنصة، ليس رودجر فقط بل آخرين أيضًا، ربما معظمهم من فرقة الماس.
أحسستُ بقوةٍ في ذراعي بمجرد التفكير في ذلك.
‘ركّزي…’
رغم أنني فارسة، لم أسعَ أبدًا وراء حياةٍ شديدة الفخامة أو المجد.
كنت أسعى فقط لأعيش بسلام وأكسب لقمة العيش.
رغم ذلك، لم أكن أقبل بإهانة فرقتي.
رغم مزاج ليونيل الصعب، إلا أنه سكرتيرٌ كفؤ، وبيلي مجتهدٌ ولطيفٌ رغم عيوبه.
حتى ساين، رغم أنه يتسلّل أحيانًا، يؤدي دوره ببراعة.
نحن مجموعةٌ قد تكون فيها بعض العيوب، لكننا نبذل قصارى جهدنا.
لم أكن لأسمح لأحد أن يصفنا بـ”مزبلة” أو “مكانٍ للمشاغبين” دون رد.
أخذتُ وضعيتي أمام كروسنر ببطء.
ابتسم ساخرًا وألقى تعليقه المتوقع.
“كنتِ تحاولين كسب الوقت بحجة أنكِ نسيتِ قفازاتكِ، أليس كذلك؟”
“…”
“يمكنكِ الذهاب إلى غرفة الفرقة الآن إذا أردتِ، سأنتظر.”
“لسانكَ طويل.”
ضغطتُ على لساني بصوتٍ مكتوم، ثم أشرت إلى الفارس الذي يقوم بدور الحكم.
“لتبدأ الآن.”
“حسنًا!”
نظر الحكم إلى كروسنر بتردد، لكنه سرعان ما رفع صوته معلنًا.
“بموافقة الطرفين، تبدأ الآن المبارزة! شروط الهزيمة هي إما الاستسلام، أو فقدان السلاح، أو العجز عن مواصلة القتال.”
“…”
“…وبموجب قانون إمبراطورية ليوك، لن يُحمّل أي طرفٍ المسؤولية عن إصابات أو وفيات تحدث أثناء المبارزة. أرجو تذكّر بذلك.”
عندما تحدثتُ عن المبارزة، كان هذا سبب دهشة كلٍ من ران وكروسنر.
فالمبارزة تتضمن خطرًا على الحياة (حتى وإن كانت تلك الحالات نادرة)، لذا لم يكن مستغربًا أن يُصدموا.
حتى لو لم يصل الأمر إلى الموت، فالإصابات البالغة واردة.
كروسنر وجّه لي تحديًا بصوتٍ منخفض لا يسمعه غيري.
“إذا كانت حياتكِ عزيزة عليكِ، فمن الأفضل أن تركعي الآن.”
“يبدو أن مهاراتكَ في التهديد ليست سيئة. ربما كان من الأفضل أن تنضم لعصابةٍ في الأزقة الخلفيّة بدلاً من الانضمام للفرسان.”
رددتُ عليه بنفس الدرجة، فقبض على أسنانه وحدق بي بغضب.
—–
الفصول المتقدمة متوفرة على حسابي في الواتباد 🤍