إنه سوء فهمٍ أنني أواعد الشّرير - 2
تصويت قبل القراءة~
الفصل 2
“هاه، هاه، هاه!”
“…”
“خمسـ، تسعة وخمسـ. هاه، هاه، تسعة وخمسون دقيقة! العشاء عليكَ!”
“…”
نظر لي ليونيل بنظرةٍ متهكمة، ثم ناولني كوبًا من الماء. بعد أن شربتُه دفعةً واحدة، أخذتُ نفسًا عميقًا وتمكنتُ أخيرًا من النطق بجملةٍ مفهومة.
“لقد فُزتُ! ما زلنا في وقت الغداء! العشاء على حسابكَ!”
“يا لكِ من شخصٍ بائس. رغم أن راتبكِ أعلى من راتبي.”
“أهذا معقول؟ أليس من المبالغة القول إن علاوة القيادة الصغيرة تجعل راتبي أكبر؟”
“حسنًا، حسنًا. سأدفع في الحانة المعتادة.”
“رائع!”
عندما قبضت يدي بحماس، دخل بيلي إلى قاعة الفرسان وأعلن عن رأيه.
“هل ستدفع يا سيد ليونيل؟ أنا أُفضّل المطعم على الحانة.”
“…”
ابتسم ليونيل بابتسامةٍ باردةٍ وقال بهدوء.
“بيلي.”
“نعم، سيدي ليونيل!”
“هناك مذكرةٌ أرسلها العمدة إلى فرقتنا. هل يمكنك إحضارها؟”
“حسنًا، سأفعل!”
ركض بيلي خارجًا، يتنفس بصعوبةٍ كما دخل. نظر ليونيل إلى ظهره وقال متهكمًا.
“يا له من بريء.”
“لا بُدّ أن يكون لدينا أفراد بهذا المستوى في فرقتنا.”
بينما كنت أفتح علبة طعامي مجددًا، تذكرت عضوًا آخر في فرقتنا.
“بالمناسبة، ليونيل. هل هناك أي أخبارٍ من السير ساين؟”
“لا شيء، متى التزم ذلك الشخص بإبلاغنا عندما يتغيّب؟”
“أعتقد أنكَ محق…”
نظرتُ إلى علبة الطعام الباردة أمامي، ثم ضحكتُ بمرارة.
“لدينا فارسٌ جديدٌ غبي، وفارسٌ مخضرمٌ محترف في التغيّب، وقائدةٌ مبتدئةٌ في الرابعة والعشرين من عمرها. يا له من وضعٍ مثالي لفرقة الفرسان.”
“على الأقل لدينا سكرتيرٌ وسيم وموهوب.”
قام ليونيل بتمرير يده على شعره الذهبي بابتسامة مغرية.
“نعم، لدينا نجمٌ سابقٌ نُقل قسرًا إلى هنا بعد أن أغضب أصحاب النفوذ. إنه توازنٌ مثالي.”
“حسنًا، لندع كل ذلك جانبًا ونشرب الليلة.”
“هكذا تكون يا ليونيل!”
رغم طبيعته القاسية، كانت هناك سماتٌ جيّدة تجعله صديقًا لا يُمل منه.
“بالمناسبة، ليونيل، هل المذكرة التي ذكرتها من العمدة حقيقيّة، أم أنك أردت فقط خداع بيلي؟”
“تظنين أنني أخدعه دائمًا، لكن هذه المرة الأمر حقيقي. كنتُ سآتي بها، لكنكِ وصلتِ في الوقت المناسب.”
“هممم، ما هي فحوى هذه المذكرة، يا تُرى؟”
“أتمنى فقط ألا تتعلق بنقل أحد الفوضويين إلينا.”
لم أكن أتوقع شيئًا كبيرًا، لذا بدأتُ في الإطّلاع على الأوراق المتراكمة.
‘حسنًا، على الأقل لا يشمل عملنا التعامل مع مجرمين خطيرين؛ فذلك يوفر الكثير من المتاعب.’
بمرور الوقت، اعتدت على هذه الحياة الهادئة في فرقة الفرسان. لدرجة أنني نسيت تقريبًا أن هذا العالم جزءٌ من رواية.
ولم أتذكّر هذا الأمر مجددًا إلا عندما قرأت المذكرة التي جلبها الفارس بيلي.
* * *
“…اقرأها مجددًا.”
“حسنًا، تقول:
‘يتم تحويل مهمة ملاحقة <اللّص هيلبرونر> من فرقة الأمن إلى فرقة الياقوت. وللاستفسار، يُرجى الاتصال بالقائد العام علي شريف. التوقيع: عمدة مدينة ميلاني.’.”
“…”
عندما ظللتُ صامتة، ضحك ليونيل بصوتٍ عالٍ.
“يبدو أنهم قرروا تحميلنا المهام غير المرغوب فيها، وها هم يمررون إلينا مهمة ملاحقة.”
“…”
“لكن يا قائدة! الإمساك بـ<اللص هيلبرونر> سيكون إنجازًا كبيرًا! إنه لصٌّ شهيرٌ في الإمبراطوريّة! أخيرًا، أدركت القيادة كفاءتنا!”
“هاها، حلمكَ كبيرٌ يا بيلي، وهذا يعجبني.”
“أشكركِ، سيدتي!”
عندما لم أُبدِ أي رد فعل، ربت ليونيل على كتفي مواسيًا.
“أعلم أن الخبر صادم، لكن عليكِ استيعابه. سأدعوكِ على وجبةٍ من الجمبري المشوي.”
لكنني لم أكن قادرةً على التفكير في شيءٍ آخر سوى صدمة سماع ذلك الاسم.
<اللّص هيلبرونر>.
الاسم الذي يُعرف به رودجر كاسين، أحد الأوجه السرّية الغامضة.
لقد عشت في هذا العالم لسنوات، ولم أكتشف أنه جزءٌ من رواية إلا مؤخرًا.
في البداية، لم أكن على علمٍ بوجود علاقةٍ بين هذا العالم وأي رواية قرأتها. ولكن قبل عام، بعد أن أصبحت قائدة فرقة الياقوت، بدأتُ ألاحظ بعض التفاصيل المألوفة.
كان اسم <اللّص هيلبرونر> هو أول ما لفت انتباهي، فقد كان اسمًا من رواية “أصبحتُ وصيفة الأمير الصغير”، التي قرأتها في حياتي السابقة.
عندما سمعتُ هذا الاسم، تذكرت تفاصيل الرواية تدريجيًا، واكتشفت أنني في عالم تلك الرواية.
لكن، معرفتي بالأحداث لم تُحدث فرقًا. لم أكن جزءًا من الشخصيات الرئيسية، ولم يكن لدي أي ميزة تجنبني المصاعب.
‘لذا، ليس لديّ سوى الاستمرار في العيش بالطريقة التي اعتدتُ عليها.’
معرفتي كانت مجرد إضافة بسيطة إلى حياتي اليومية، حيث كنت أتابع أخبار <اللّص هيلبرونر> من حينٍ لآخر.
لكن هذا كان كل شيء.
حتّى الآن.
“لماذا… لماذا نحن المسؤولون عن ملاحقة هيلبرونر…؟”
“أخيرًا عدتِ إلى وعيكِ؟”
يبدو أنني كنت غارقةً في أفكاري لفترةٍ طويلة. رفع ليونيل كوب الشاي الفارغ ونظر إلي بابتسامة.
“يا قائدة! هذه فرصةٌ كبرى! علينا أن نبذل قصارى جهدنا!”
كان بيلي متحمسًا بشكلٍ مفرط لدرجة أنني شعرتُ برغبةٍ في التخلّي عن منصب القيادة له.
بينما كنت أحدق فيه بعيونٍ ضبابية، ردّ ليونيل على تساؤلي.
“حسنًا، إن كنتِ تتساءلين لماذا أُسندت إلينا مهمة ملاحقة هيلبرونر… ربما لا يريدون تعريض سمعة فرق الفرسان الكبرى للمخاطر.”
“أعلم ذلك.”
لكن سؤالي الأساسي هو: لماذا تغيّرت الأحداث فجأة ليتم تكليف فرقتنا بملاحقة الشخصيّة الغامضة؟
بالطبع، إذا قلتُ شيئًا كهذا، فسينظر إلي ليونيل بنظرة شفقةٍ ويقترح إرسالي إلى المستشفى.
وفي النهاية، عليَّ التحرك بدلاً من البقاء مكتوفة الأيدي.
“سأخرج… أحتاج إلى التحدث مع القائد العام.”
“هل ستذهبين إلى القائد العام علي شريف؟”
“نعم، عليَّ الاستفسار عن التفاصيل…”
الصدمة هي الصدمة، لكن الواقع لا يمكن تجاهله.
“كلارا، ألا يجب أن ترتدي عباءتكِ قبل الخروج؟”
“آه، صحيح…”
“لكن بما أنكِ لستِ في مهمةٍ رسمية، فلا بأس. هل أحضرتِ بطاقة الفارس؟”
“نعم…”
“حسنًا، عودي بالسلامة.”
“عودي بسلامٍ يا قائدة! إلى النصر!”
أديتُ تحيّةً باهتة بيدي المرتخية، وغادرتُ قاعة الفرسان.
كانت قاعدة فرقة الياقوت تقع في مبنى قديم تابع لبلدية العاصمة، خارج المدينة.
أما القائد العام علي شريف، فهو يقود فرقة الألماس أيضًا، ومقرها في قصر الإمبراطور.
‘لم أَزر القصر منذ أكثر من عام، منذ تعييني كقائدةٍ للفرقة.’
لم أكن أتوقع أن أعود إلى هناك في ظروف كهذه.
تنهدتُ بعمق.
* * *
عاصمة إمبراطورية ليوك، مدينة ميلاني.
في داخلها، توجد عدة فرق فرسان مسؤولة عن الأمن والحماية.
مثل فريق الياقوت، كان يُعامل كملاذٍ لأصحاب السلوك السيء حيث يُكلف بالأعمال المتدنية. بينما الفرق الأخرى، مثل فريق “الماس” التابع مباشرة للعائلة الإمبراطورية، كان يتألف من النخبة ويقوم بمهام رفيعة المستوى.
فبينما كان فريقنا الياقوت مسؤولاً عن التعامل مع الشكاوى العادية والأعمال الروتينية، كان فريق الماس يؤدي واجبات تليق بمكانته، مثل حراسة العائلة الملكية أو التعامل مع القضايا الكبرى التي تبدو مثيرةً للاهتمام من الوهلة الأولى.
‘ووفقًا للأحداث الأصلية، كان من المفترض أن يتولى فريق الماس مطاردة اللّص الشهير هيلبرونر بعد أن تزداد شهرته…’
هيلبرونر كان لصًا كبيرًا يليق به لقب “اللص الغامض”، حيث كان يقوم بأعمال غريبة لا تشبه أفعال اللصوص العاديين.
كان يرسل إشعارات مسبقة قبل سرقاته، ويسرق أشياء بلا قيمة ولكن صعبة المنال، وأحيانًا يعيد ما سرقه.
كما كان يركز على استهداف المجرمين، مما يؤدي إلى كشف جرائمهم.
لذا، رغم سمعته كلص، حظي هيلبرونر بشعبيةٍ لا بأس بها بين سكان الإمبراطورية، وإن كانوا لا يجرؤون على البوح بذلك علنًا.
‘لكن بالنهاية، هو كان مجرد شرير غامض. فرغم أن تصرفاته تبدو جيدة، إلا أنها في الحقيقة كانت تهدف لتعطيل أبطال القصة.’
وبالنسبة لي، كانت معرفتي بالأحداث تجعلني أكثر تشاؤمًا تجاهه.
وبغض النظر عن شعبيته، لم يكن بإمكان الدولة التي تحكمها القوانين السماح بوجود شخصٍ فوق القانون.
ولهذا السبب، يبدو أن السلطات قررت تسريع التحقيقات وإسناد هذه المهمة إلى أحد الفرق.
‘لكن لماذا، على عكس الأحداث الأصلية، سقطت هذه المهمة في يد فريقٍ غير مؤهل مثل فريقنا؟’