إنه سوء فهمٍ أنني أواعد الشّرير - 1
تصويت قبل القراءة~
الفصل 1
‘رغم أنها تدّعي بأنها لا ترغب في التورط، فإن البطلة تأخذ دور البطلة الأصلية لتسرق كل الإشارات وتقع في شباك الشرير الغامض…’
لكنني أقسم أنني عشتُ حياةً بعيدةً تمامًا عن مجريات الرواية الأصلية.
لم يكن لديّ أي تعاملٍ مع الشرير، ناهيك عن البطلة أو البطل الأصلي.
ببساطة، كان موقعي يعادل “شخصًا مارًّا من الإمبراطورية”.
يمكنني أن أفخر بأنني عشتُ حياةً متواضعةً إلى هذا الحد.
لذلك، فإن الحادث الذي وقع الآن، لم يكن سوى نتيجة لحظٍّ سيء.
…على الأقل، هذا ما أعتقده.
“آنسة كلارا، هل كنتِ تنتظرين هذه الفرصة؟ أنتِ ذكيةٌ جدًا.”
للأسف، لم يكن الشرير الغامض أمامي يشاركني هذا الاعتقاد.
فالقناع الذي كان يغطي وجهه طار بعيدًا.
الرجل الذي كشف هويته بالكامل أمامي، رودجر كاسين، نائب الدوق.
ذلك الرجل، الذي يثير ضجةً في العالم بوظيفته الجانبية كشريرٍ غامض، كان ينظر إليّ بغضبٍ بارد، ومع ذلك، كانت جاذبيته تجعله يبدو مدهشًا لدرجة أنني شعرت بالإعجاب.
بالطبع، لم يكن الوقت مناسبًا لأن أضيع في تأمّل وجهه، لذا سارعت إلى الرد.
“لا، لم يكن الأمر كذلك! إنه حادثٌ غير مقصود، سيدي نائب الدوق.”
“الناس لا يسمون هذا حادثًا غير مقصودًا.”
“….”
في الواقع، كان عذرًا واهنًا حتى بالنسبة لي. رغم أنه كان حادثًا بالفعل، إلا أنني لم أكن أتوقع أن يتقبل قولي بسهولة.
فهو لصٌّ، وأنا قائدة فرسانٍ تم دفعي بالإجبار لملاحقته.
ليس من المُستغرَب أن يتم تفسير موقفي على أنني حاولت استدراجه عمدًا.
‘لكنني لم أفعل ذلك حقًا…’
لم أكن أرغب في التورّط مع الشرير الغامض. كنت أنوي فقط تنفيذ دوري كقائدةٍ غير كفؤةٍ لفرسان غير قادرين على الإمساك به حتى نهاية الرواية الأصلية.
‘لذا، نزع قناعكَ كان حادثًا بحتًا…’
لم يكن لدي خيارٌ آخر. في هذه الحال، لم يكن لدي سوى ورقةٌ واحدةٌ لألعبها.
“لن أكشف هويتكَ أبدًا، سيدي نائب الدوق.”
“…ماذا؟”
“كما سمعتَ. لذا، اطمئن واسترد قناعكَ وغادر.”
“….”
حاجبا رودجر الوسيمان انقبضا بشدة.
“هل تسخرين من هزيمتي الآن؟”
“لا!”
رفعتُ صوتي لأعبر عن صِدقي.
“أنا فعلاً لا أنوي كشف هويتكَ، أقسم بذلك بصدق.”
“هاه…”
رغم أنني كنت صادقةً تمامًا، إلا أن رودجر أجاب بتنهدٍ ثقيل.
“ما الذي يجعلني أصدّقكِ؟”
في الواقع، حتى لو كنت في مكانه، لم أكن لأصدق هذا الكلام. فالوعود الفارغة لا تجدي نفعًا.
قدمتُ له إجابةً منطقية.
“ليس لدي أي دليل حاسم.”
“….”
“لو كان لدي دليل، لكان الأمر مختلفًا. كل ما أملكه هو شهادتي. ما لم أقبض عليكَ متلبسًا، بالطبع.”
“….”
“ولكنني لن أقبض عليكَ.”
رفعتُ ذراعيّ إلى الأعلى، في إشارة أنني لا أنوي الهجوم.
راقبني رودجر بعينين ضيقتين، ثم انحنى ليلتقط قناعه من الأرض. بالطبع، لم أتدخل في تصرفه.
“صحيح، بدون دليل، إذا أبلغتِ عني، فسيُعتبر ذلك مجرد هراء. بل قد يتسبب ذلك في إحراجكِ.”
“صحيح.”
“لكن ‘ماذا لو؟’ قد تُثار الشكوك وتنتشر. قد يظهر من يشكّ في غيابي ولو كانت الشكوك لا أساس لها.”
“أُكرر مجددًا، أقسم بالإله، أنني لن أفعل ذلك. ولن أفشي هذا السر حتى لزملائي.”
“….”
تعلّقت عينا رودجر بي بنظرات حادة، ومع أنه لم يقم بأي حركة، شعرتُ كأنني محاصرة.
كسر رودجر الصمت المتوتر بخطوةٍ نحو الأمام، ثم قال:
“حقًا،”
انعكس ضوء القمر على شعره الفضي، مما جعله يبدو كأنه ملاكٌ نوراني. كان المشهد يتحرّك أمامي كلوحةٍ فنيّةٍ حية.
“بهذه السهولة،”
فجأة، وجدتُ نفسي مُحاصَرةً بينه وبين الحائط، وجهًا لوجه.
همس لي بصوتٍ هادئ، حتى شعرت بنَفَسه قريبًا مني.
“هل ستتركينني أذهب هكذا؟”
“نعم…”
ابتلعتُ ريقي بصعوبةٍ قبل أن أجيب، ثم هززت رأسي.
كان ذلك للتعبير عن موقفي بوضوح.
“لو كنتُ أنوي القبض عليكَ، لسنحت لي عشرات الفرص لفعل ذلك. فما سبب تجاهلي كل تلك الفرص؟”
“…هاه.”
أطلق رودجر ضحكةً ساخرة، ثم قطّب جبينه بنظرة بدا فيها الانزعاج، ومع ذلك كانت ملامحه المتجهمة ساحرة لدرجة يصعب تجاهلها.
ببطءٍ، ابتعد بينما يضع قناعه مرةً أخرى، وبمجرد أن ارتدى قناع السحر، أصبحت هيئته مشوشة وغير واضحة.
“سنرى إلى أي مدى يكون إيمانكِ حقًا، أيتها الآنسة.”
دوّى صوته المعدّل عبر القناع في الأجواء، واختفى أثره في لحظة.
كان تصرفه جديرًا بلصّ ماهر، يصعب الإمساك به دون حادث مفاجئ كما حدث اليوم.
“هاه…”
مسحت وجهي بيدي وجلست على الأرض بإنهاك.
ورغم أن إيماني ليس قويًّا، إلا أنني كنت عازمةً على الوفاء بوعدي؛ لا أرغب في التورّط مع الشرير الغامض أو تعطيل مسيرتي الهادئة كموظفة في انتظار التقاعد.
‘…لحظة. هذا الشعور السيء… أليس كأنه مقدمة رواية لبطلة تتورط في مأزق مع الشرير الغامض؟’
مرّ أربع وعشرون عامًا على ولادتي في هذا العالم.
كانت حياتي عادية تمامًا كشخصٍ “مارٍّ من الإمبراطورية”، حتى اقتربت أولى بوادر الشؤم منذ فترة وجيزة.
تذكرت تلك اللحظة وتنهّدت مجددًا.
* * *
بدأت بوادر ذلك اليوم السيء من خلال اتصال طارئ من أحد الفرسان التابعين لي.
بينما كنت أتناول طعام الغداء المتأخر على عجل بعد إنجاز مهام الصباح، رنّ الجرس، وكانت نبرته تنذر بعدم الخير.
[سيدتي القائدة، أنا قريب من شارع سوريل، رقم 27، الوضع هنا فوضى لا توصف… أحتاج إلى دعم إضافي!]
كان صوت الفارس عبر الحجر السحري يعبّر عن حالةٍ يرثى لها، ما أفسد عليّ وقت الغداء.
وضعتُ الشوكة جانبًا وصرخت فيه بقسوة.
“آه، دعني أتناول طعامي بسلام!”
[أعلم، سيدتي، لكنني أودّ فعل ذلك، آه! توقفوا عن الضرب! اخبروني بالكلام فقط!]
“….”
هل يُعقل أنه يتلقى الضرب من أحد المواطنين؟ كان بإمكاني أن أتخيل المشهد بمجرد سماع الأصوات.
ضغطت بإصبعي على جبيني محاولة كبح التنهدات التي كانت تهدد بالخروج.
“حسنًا، فهمت! سآتي فورًا!”
[آنسة كلارا! أحبكِ!]
“احتفظ باعترافاتك لحبيبتك، أيها الأحمق.”
في النهاية، تركت نصف وجبتي، ونهضت عن مقعدي.
من خلفي، كان يجلس زميلي السكرتير ليونيل، وهو شابٌ وسيم بشعر أشقر، يبتسم بمكر وكأنه يستمتع بمصيبتي.
“هل تعتقدين أنكِ ستعودين قبل نهاية فترة الغداء؟”
كان ليونيل سكرتيرًا ضمن وحدتنا، شخصٌ يميل للاستمتاع بمشاكل الآخرين.
“هل تودّ أن نراهن؟ إن عدتُ قبل نهاية الغداء، فسوف تدفع ثمن العشاء.”
“أوووه، تحدٍّ قوي؟ حسنًا، لكن إن لم تعودي، عليكِ أن تشتري لي قفازات جديدة من بوتيك لوزان!”
“…هيه، لنراهن بمبالغ متساوية، يا جشع!”
صرخت فيه بامتعاض بينما ارتديت عباءتي المعلقة بشكل عشوائي.
كان زي الفرسان الرسمي الذي يتوجب علينا ارتداؤه في المهام.
“سأذهب الآن!”
“حسنًا، لتحلّ البَركة فيكِ وتعينكِ، وأتمنى لكِ عودةً سالمة.”
غادرت غرفة الفرسان على وقع وداع ليونيل المبالغ فيه، ثم امتطيت الحصان.
‘لم يسبق لي أن تلقيتُ مهمةً تستدعي التمني بالعودة سالمة، يا لسخافته.’
وحدة معالجة الشكاوى، والتي تُعرف باسم فرسان الياقوت.
كانت مهامنا سلمية للغاية، إذ تتمثل أكثرها إثارةً في التعامل مع سكّير يثير المشاكل.
* * *
“صدقوني! عندما كنتُ شابًا، كنت أستطيع جعل كل من هنا يجثو على ركبتيه! هيك!”
“نعم، نعم، أفهم يا سيدي. بالطبع يمكنك ذلك.”
ما ازددتُ مهارةً من هذه الوظيفة سوى التظاهر بالموافقة دون روح، والإنصات لخُطب السكارى الطويلة.
“ها هو ابنك قادم، الآن حان وقت الراحة والنوم، صحيح؟”
“هيك، تربية الأبناء بلا فائدة…! وحتّى الزواج، لا تفكّروا فيه!”
“نعم، نعم، سيدي. لا أفكر بالزواج أيضًا…”
أشرتُ إلى مساعدي، الفارس بيلي، فجاء مسرعًا مع ابن السكير لإعادته إلى منزله.
“أعتذر بشدة، بسبب والدي، أيتها الفارسة.”
“لا بأس، من فضلك، أحتاج إلى توقيعك هنا لتأكيد تسليم التقرير.”
بعد تسليم السكير وتلقي التوقيع بسلاسة للتقرير الرسمي، استدرت نحو بيلي وصفعته على رأسه.
“آه! هذا مؤلم!”
“يا لك من أحمق! هذا السكير كان هادئًا نسبيًا، ومع ذلك لم تتمكن من التعامل معه بمفردك؟”
“لكن…”
“لكن ماذا؟ عُد وحرّر التقرير بنفسك.”
“حاضر…”
بيلي، الفارس الذي انضمّ إلينا منذ حوالي ثلاثة أشهر في وحدة فرسان الياقوت، كان بلا شك مشاغبًا وكسولًا. عندما وصل الأمر إلى تعزيزات من القيادة، ظننت أنني حصلت على مساعدة، لكن يبدو أن وجوده زاد من عبئي أكثر.
علمت لاحقًا أن فرقة فرسان الزمرد، التي كان بيلي جزءًا منها سابقًا، كانت قد نقلته إلينا بعد أن رفعت يدها عنه تمامًا.
‘بالفعل، لا يمكن لفرقة فرسان الياقوت الحصول على أفراد مؤهلين بشكل حقيقي، أليس كذلك؟’
ابتسمت بمرارة واستسلمت للأمر، ولكن فجأة، توقفت.
“بيلي.”
“نعم، سيدتي؟”
“كم الساعة الآن؟”
“الساعة تشير إلى الثانية عشرة وخمسين دقيقة تقريبا.”
“…اركض!”
“ماذا؟”
“أريد الحصول على العشاء!”
لم ألتفت إلى احتجاج بيلي، الذي كان يقول من خلفي: “لكنني كنتُ أجري منذ قليل لجلب ابن ذلك الرجل!” وانطلقتُ مسرعةً نحو حصاني.
عندما تعمل في وظيفةٍ مملةٍ وخالية من المتعة كهذه، يصبح الحصول على عشاء مجاني من صديقك هو أحد مباهج الحياة القليلة.