إدارة الأراضي العاطفية بين الآنسة الضعيفة والأمير المطرود - 5
في اليوم التالي، انطلقنا، أنا والأمير، لتفقد أراضي الإقطاعية على الفور.
كانت أراضي ماركيز أرخانغيلسك تابعة مباشرة للمملكة في الأصل. كان يُعين موظفو المملكة حكامًا لأرخانغيلسك، يتناوبون كل بضع سنوات. في الماضي، كانت هذه المدينة جوهرة ثمينة للمملكة، إذ ازدهرت كأبرز موانئها، تصدّر الفراء وتتاجر مع دول شتى، مما جلب لها الثروة.
كان لقب الماركيز في العصور القديمة يحمل سلطات واسعة، مما يعكس أهمية أرخانغيلسك كمعقل حيوي للمملكة آنذاك. لكن منذ قرن مضى، تلاشى بريقها كميناء رئيسي بعد بناء مدينة إليميغرات البحرية العملاقة شمال العاصمة نوفغورود، لتبدأ أرخانغيلسك رحلة التدهور.
“ميناء أرخانغيلسك يتجمد لمدة شهرين في الشتاء، أليس كذلك؟”
بينما أتأمل المشهد المهجور للمدينة الساحلية، وجهت حديثي للأمير. رفع حاجبيه متعجبًا: “تعرفين ذلك جيدًا!”
“قرأته في كتاب.”
القراءة هي إحدى هواياتي القليلة، أنا الفتاة الخجولة الباهتة. أذكر أنني قرأت عن تجمد ميناء أرخانغيلسك في مذكرات أحد المستكشفين المشهورين، وهي نقطة ضعف قاتلة له. قبل الانطلاق، حرصت على دراسة الإقطاعية قدر استطاعتي، وحملت معي كتبًا قد تفيد. لم أكن متفوقة في الأكاديمية، لكن حبي للقراءة جعل الأمر ممتعًا، خاصة إذا كان سيفيد الأمير… وربما يجلب لي مديحًا منه أيضًا، وهو دافع خفي لا أنكره.
لكن الأمير، بابتسامته المرحة، لم يخيب ظني: “لا عجب منكِ يا أليسا. كنتِ دائمًا منهمكة بالقراءة في مكتبة الأكاديمية.”
“لأنني… لم يكن لدي الكثير من الأصدقاء.”
خجلت من كلماتي وأطرقت رأسي. في الأكاديمية، حيث يجتمع أبناء النبلاء، كانت ابنة الدوق مرتبة عالية جدًا، مما جعل زملائي يعاملونني بتردد ورهبة. أعتقد أن الناس ينقسمون حينها إلى نوعين: من يتكيف مع مكانته ويتألق كقائد، مثل أختي إيلينا التي أتقنت فن الظهور والتأثير، فأصبحت زعيمة بين زميلاتها بجمالها ولباقتها.
أما أنا، فكنت عكسها تمامًا. لم أتمكن من التأقلم مع لقب ابنة الدوق وخطيبة ولي العهد. أبعدتني النظرات، واقترب مني فقط من أراد استغلال مرتبتي. خفتُ من الأعين، فتركت نفسي للتيار، بنيت جدارًا حولي، وانعزلت. لم أحاول تغيير ذلك، فكنت أقضي أيامي في الأكاديمية بين الكتب. لا شك أن الأمير لاحظ ذلك.
ترى، ما رأيه بطباعي القاتمة هذه؟ رفعت عينيّ إليه بحذر. ابتسم الأمير بلطف:
“قلة الأصدقاء شيء مشترك بيننا.”
“ماذا؟”
“كان حولي الكثير من الطلاب، لكنهم أرادوا استغلال منصبي كولي عهد، لا صداقتي. بعد قرار نفيي إلى الحدود، ابتعد معظمهم. صديق حقيقي واحد فقط كان لي، لكنه الآن لم يعد قريبًا بما يكفي لألقاه بسهولة.”
“لا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا…”
“بلى. أثبتوا ذلك بابتعادهم. لو كان لي صديق حقيقي، فهو واحد فقط.” قالها بحزن، ثم أشرق وجهه بابتسامة مشعة، ونظر إليّ بعينيه الزرقاوين بحنان: “لكنكِ تبعتيني يا أليسا، فأنا لست وحيدًا.”
خفق قلبي. نعم، اخترت مرافقته بنفسي، لأنه احتاجني. “وأنا أيضًا… لست وحيدة بفضلك.”
دهشت من قوة كلماتي، وشعرت بحرارة تجتاح وجنتيّ. حتى لو تخلى عنا الجميع، سيبقى لي الأمير، وللأمير أنا. كان ذلك مصدر قوة وفرح عظيمين. ابتسم الأمير بسعادة، ثم تردد قليلاً قبل أن يعبث بشعري بلطف. كانت يده أقوى قليلاً من الأمس، لكنها ظلت تنضح بالطمأنينة.
لكن شيئًا واحدًا أثار فضولي. بينما يمسّد شعري، سألت: “قلتَ إن لك صديقًا حقيقيًا واحدًا. من هو؟”
“يهمكِ معرفته؟”
أومأت برأسي. لا شيء يتعلق بالأمير لا يشغلني. أدركت فجأة أن أفكاري تدور حوله، فشعرت بالدهشة والخجل. إن كان صديقه فتاة، سأغار بلا شك. ماذا لو كانت صديقة مقربة من أيام الأكاديمية، تربطها به علاقة أعمق مني؟ بل حتى لو كان صبيًا، قد أشعر بالغيرة أيضًا!
لكن إجابته فاجأتني: “ميخائيل.”
“ماذا؟”
“أخي الأصغر ميخائيل كان صديقي الوحيد.”
نظر بعينين شاردتين، واصفًا الأمير الثاني الذي انتزع منه العرش بـ”الصديق”.